رسالة الندم.....
عندما كتب ابو خالد العملة من سجنه في المزة، رسالة الندم الى خالد مشعل، قبل سنوات ، لم تلتفت وسائل الاعلام الى هذه الرسالة التي تحمل لا ندما فحسب بل واعترافا مريرا بفداحة خطيئة الانشقاق الذي كان احد ابرز ادواته ، وهو اعتراف يؤكد هوية الانشقاق المخابراتية واهدافه التدميرية للحركة الوطنية الفلسطينية وقرارها المستقل الذي كان الشهيد الخالد ياسر عرفات رافعا رايته العالية . انه ندم تاريخي واعتراف للتاريخ .
ابو خالد العملة انتقل الى رحمة الله تعالى منذ شهر تقريبا ، بات في ذمة الله والتاريخ ، ولأننا نريد ان نذكر محاسن موتانا، تقبلهم الله جميعا في واسع رحمته، فأننا نعيد نشر رسالة الندم بوصفها واحدة من مناقبه ومحاسنه التي تسجل له، لعلها تمحو شيئا من خطيئته الانشقاقية ، وفي ما يلي نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة إلى ولدي الحبيب خالد مشعل
في هذا اليوم، وفي هذه الفترة بالذات، وفي هذه اللحظات التاريخية من حياة شعبنا الفلسطيني - والتي تتشابه مع لحظات مماثلة مررنا بها قبل ربع قرن تقريبا – ومن سجني في المزه، أحببت أن أرسل لك رسالتي هذه قبل أن التحق بالرفيق الأعلى، ومع شعوري بدنو الأجل، وباللحاق بخير الرفاق، ولعلمي بأنني سأقف بين يدي الله الذي نسيته منذ أمد بعيد، لا بل أنني أتذكر تلك اللحظة، لحظة النسيان، الحلقة المفقودة من ذاكرتي، وقد كانت تلك اللحظة التي فقدت فيها البوصلة وابتعدت عن أبو عمار، حيث سار بي التيه مع الرفاق إلى بادية الشام، ولأنه لا مفر من اللقاء المحتوم، فقد أحببت أن يستريح ضميري، وتبرأ ذمتي، وتنظف مما علق بها من أدران ذلك التيه الذي جمعني ورفاقي قبل ما يقرب ربع قرن في بادية الشام، مع كثرة الأحداث والوقائع التي سبقته أو مهدت إليه، ولم نكن لندرك في حينه أخطارها التآمرية على حركتنا ومنظمتنا، وعلى شعبنا، وآثارها السلبية على القضية المقدسة، وسواء أدركنا أو لم ندرك، فهذا لن يعفينا من الحسابين، حساب الدنيا الذي بدأ ولم ينته، وحساب الآخرة الذي ينتظرنا.
ولدي: ما اقصر العمر، وما أطول اللحظة، عندما دخلنا في التيه الذي طال أمده، وجرى فيه ما جرى، وأجريناه بأيدينا، وجرى فيها استغلالنا أبشع استغلال من قبل كل الذين سخرونا للعمل معهم من ورثة أحفاد تيمور لنك وآخرين غيرهم، ولما كان التيه تيها، فكل الذي جرى فيه تيها، وعليه فانا اعتذر، أعتذر إلى الله الذي سأقف بين يديه للسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، نعم اقر واعترف بالخطيئة، فكما تاه أتباع موسى في سيناء، تهنا نحن مع (أبو موسى) في بادية الشام، والحالتين كان الكفر سيد الموقف، وكان القتل، وكان الإجرام، ولهذا اعتذر من (أبو عمار) وزمرته العرفاتية، ومن آل ياسر وعموم الشعب الفلسطيني، في ارض الرباط وفي المنافي، وذلك لما سببناه لهم من أذى جراح لا تندمل، ومآسي لا تنسى، فيما حصل خلال هذا التيه الطويل وما تبعه من تداعيات طالت آثارها جميع مناحي الحياة الفلسطينية، اعتذر لأولئك الذين غررنا بهم وتبعونا في رحلة التيه والعذاب، واعتذر منك يا بني، لأنني أردت لك الصلاح وأنت بالفعل كذلك، ولكنك تبعتني، وقلدتني في كل شيء، وقد ردتك الاستثناء في حياتي وفي مماتي، ولا ارغب مطلقا بان ينطبق عليك القول الدارج: "من شابه اباه فما ظلم"، ولكن ما لا أرغبه لك أن ترث هذا التيه مني قبل رحيلي، فأنا لا أقوى على الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ليسألني عن أقوالك وأفعالك من بعدي يا خالد.
قبل الرحيل، وحيث لازال هناك متسعا، قلت لنفسي لا بد لي من كفارة تخفف عني في زنزانتي، وهي الفرصة التي لا زال بإمكاني أن أعلمك بما لم تعلمه من قبل، لأنك لم تكن لتدركه بحكم حداثة سنك، فبعض الامور حصلت وانت لم تكن قد خرجت للحياة بعد، ولم تعلم بها إلى الآن، والكثير منها وقعت وأنت لا زلت تلهو مع اقرانك، فلن تستطيع ادراكها وفهمها في حينه، فابوك من قبلك لم يكن ليقوى على فهمها، ولم يكن ليدرك مراميها، وقد كان ذلك متاحا، وقد كنا لا زلنا في رحاب الحضرة العرفاتية، وما أدراك ما الحضرة العرفاتية، وهي المشهورة بأنها كانت خير مكان يلمع عرفات به الذاكرة ويبعث برسائله القصيرة، المباشرة وغير المباشرة للجميع، ولكن هيهات فلا ذاكرة لدينا، ولا حياة لمن تنادي، وقد كانت لنا آذان تسمع وعيون تبصر حين فقدنا البصيرة، ومما لاشك فيه، الآن أيقنت بانني ساقف يوم العرض بين يدي المولى عز وجل، وسيشهد علينا الرئيس، وادعو الله ان يشفع لنا ولك وللأتباع، ولتتذكر قوله تعالى: "انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
وكما وعدتك، سابدا في الحال بسرد كل ما اسعفتني به الذاكرة حتى هذه اللحظة، وإذا ما أمهلني القدر، أعدك بأنني ساوافيك لاحقا بكل ما ستجود به الذاكرة ليكون دليلا ومرشدا لك، ولاخوتك من حولك في الشام وفي غزة معا، استميحك العذر إذا ما حصل تأخير، فأنت لم تجرب بعد المزة وظروفها، وهي الظروف التي عليك انت وكافة رفاقك التهيؤ لها فورا ومن الآن، ولكنني الآن ومن مكان اعتقالي هذا، ومنذ اللحظة الأولى لدخولي إليه، تتدفق إلى ذاكرتي وبدافع من ضميري الذي نام طويلا بعض الوقائع لعلها تساهم بإسعافك وإنقاذك مما أنت فيه، ولعلها تجد من يستفيد منها من هم حولك في دمشق، ومن جماعتك في غزة، وكذلك بقيتهم الباقية من الدرجة الثانية في أكناف بيت المقدس؛ فإليك، واليهم، ولكم جميعا أبدا بسرد الحكاية:
- 1 في التاسع من شهر اكتوبر من عام 1981، تم اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد ابو شرار وذلك بتفجير السرير الذي ينام عليه في غرفته التي يقيم فيها في فندق فلورا في روما بايطاليا، وقد طرحت الكثير من التساؤلات نفسها: من فعل هذا في ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ ولماذا ماجد ؟ وماذا كان يمثل بالنسبة لمن كانوا يقفون وراء الاغتيال ؟ وما الذي جنوه من وراء هذا الفعل ؟؟ هذه الأسئلة والكثير مثلها، لم تكن لتجد الجواب المقنع في حينه، لا بل كانت هنالك الكثير من الإجابات الموجهة، وازدحمت الإجابات، الملتبس منها والمغرض، المثير للجدل والموقظ للفتنة، كل ذلك لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي، وبهدف التضليل في سياق التهيئة المخططة في ليل حالك السواد للقادم من الأيام. واختصارا للشر أحيلت المسؤولية عما حدث للعدو الصهيوني وأدواته، ولكن هذا لم يكن ليقنع احد، وبقيت التساؤلات مطروحة وهي تبحث عن إجابات أكثر اقناعا. وبعد هذه السنوات المنقضية، وما تخللها من صحوة للضمير، وما أدركته متأخرا استطيع القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان مصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول إلى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل، وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة، وفي النهاية الورقة الفلسطينية، ولكن لماذا ماجد ابو شرار؟ كان ماجد ابو شرار العائق للانشقاق، والمانع لخروج من بالحوزة عن الحركة، كان وطنيا فلسطينيا خالصا، نقيا من اية شائبة إلى أن لاقى ربه شهيدا، وكان صمام الأمان العصي على عبث العابثين في القضية الوطنية المقدسة، ولم يكن ليسمح لنا نحن المقربين منه أو القريبين من فكره من الشطط أو الخروج خارج الدائرة الفلسطينية، وباغتياله أصبحت المهمة اكثر يسرا وسهولة، علما بانه كان من المفترض أن يتم التمرد في عام 1981، اي عام واحد قبل اجتياح لبنان، ولكن ذلك لم يكن ليتم حيث قام القائد العام أبو عمار بسلسلة إجراءات وترتيبات إدارية، وتنقلات ميدانية في عام 1980 كان القصد منها إفشال توجهنا الانشقاقي الانفصالي المكشوف والمعروف للجميع، ولم نكن نخفي توجهاتنا، وبالفعل فشلنا في حينه كما فشلنا في محاولات كثيرة سابقة.
2. في بداية عام 1982 أنهى القادة الثلاثة الكبار أبو عمار، وأبو جهاد، وأبو اياد، زيارة هامة وسرية إلى ليبيا، حيث تم اللقاء بالعقيد القذافي رئيس الجمهورية الليبية - حيث لم تتحول الى جماهيرية عظمى بعد - وخلال هذا اللقاء وضعت القيادة الفلسطينية الزعيم الليبي بصورة ما لديها من معلومات مؤكدة حول النوايا والخطط الإسرائيلية الهادفة إلى القيام باجتياح يستهدف المقاومة الفلسطينية في لبنان، وعليه فقد تقدمت القيادة بقائمة الاحتياجات الملحة والمستعجلة من الأسلحة والمعدات المطلوبة للتزود بها من قبل الأشقاء الليبيين لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المرتقب، وبالفعل استلم "قائد الثورة" الطلبات الفلسطينية، وأكد لهم بان كل المطلوب سيسبقهم إلى بيروت، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يتم، ولكن الذي تم هو وصول المطلوب إلى ميناء اللاذقية بسوريا ومنه الى البقاع الشرقي وبرسم المخابرات السورية، بدلا من الوصول الى بيروت ليكون برسم القيادة الفلسطينية، ولأهداف أخرى غير تلك التي اتت بها القيادة الفلسطينية، وسأتناول يا بني هذا الأمر في مكان اخر من هذه الرسالة، (مرحلة الانشقاق).
3. في الرابع من حزيران عام 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث علم به مسبقا من علم، وسكت في حينها من سكت ، وقد تم ضرب المقاومة الفلسطينية اللبنانية، فخرجت القوات الفلسطينية برا وبحرا إلى المنافي بعد حصارها في بيروت لمدة 88 يوما تخللها ضغط دولي وتخاذل عربي، انتهت المعركة وتكشفت السماء وزالت سحب الدخان والغبار، فانكشفت بعدها كل الوعود الكاذبة والمواقف الزائفة، انتهت معركة ولكن الحرب سجال، بكل الصور والأشكال، وجاءت قمة فاس الثانية التي عقدت في 6 أيلول من عام 1982 ففضحت الجميع، واقر فيها الرئيس حافظ الأسد (الرئيس السوري السابق) بأنهم (الإسرائيليين والأمريكان) قالوا له فقط 46 كيلومتر؟؟؟ اي انه كان يعلم بالاجتياح، ولديه الضمانة بأن الاسرائليين لن يتجاوزوا جسر الاولي (شمال صيدا)، ولن يتم التعرض لقواته الموجودة في لبنان بشرط عدم تدخلها الى جانب المقاومة، انه الالتزام بالتفاهمات غير المكتوبة، وهذا ما تم بالفعل ياولدي، بالفعل انتهت المعركة، وبالفعل لم تصل الأسلحة الموعودة من ليبيا، وبالفعل لم يف العقيد القذافي بما وعد به القيادة الفلسطينية، ولكنه أرسل لها برقية طالبا من القيادة والمقاتلين عدم الخروج من بيروت، ودعاهم الى الانتحار على ان لا يخرجوا، يدعوا إلى الانتحار وهو قابع في جحره بطرابلس الغرب، يراقب ويحيك منتظرا اللحظة التالية للقيام بما يتوجب عليه فعله بالتنسيق مع (الاسد) القابع في وكره منتظرا دوره في القضاء على ما سيتبقى من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وذلك بعد انتهاء العدوان الاسرائلي عليها، ثم وضعت الحرب أوزارها، وانتهت بما انتهت إليه بالاتفاق الذي رعاه فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأمريكي في حينه، وخرجت القوات الفلسطينية على متن البواخر اليونانية، بعد ان تم توزيعها على تسع عواصم عربية، وكان الخيار العرفاتي أن لا يوضع كل البيض في سلة واحدة، وهو الذي كان يرى ما لا يراه غيره، وهو العارف ببواطن الأمور وخاصة ما يضمره النظام العلوي الباطني بالجوار، وما أدراك ما الجوار.
4. وبالخروج المشرف للمقاتلين، انتهى كل شيء بالنسبة للمعركة مع الغزو الإسرائيلي ومن تعاون معه من الأطراف اللبنانية المحسوبة على اليمين الانعزالي متوجين فصلا دمويا بمجزرة صبرا وشاتيلا ليلة 1691982، وبدأت مشاهد فصل جديد على الأرض، وسريعا بدأت باغتيال القائد سعد صايل في البقاع، وهي المنطقة الواقعة تحت "سيطرة عسكرية سورية" كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، العميد سعد صايل ابو الوليد، حيث حال هذا الجيش من إمكانية وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، مما تسبب في استشهاده، وبعد ان تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الاسعاف بنقله الى ثلاجة الموتى، هذا ما حصل للشهيد ابو الوليد، وقد كان ذلك بتاريخ 2991982، الأسئلة المشروعة كثيرة : لماذا ابو الوليد ؟ ولمصلحة من تم ذلك يا ولدي ؟؟ ولكن الإجابات جلية وواضحة، فالأحداث غير معزولة عن بعضها البعض، ولا مجال للصدفة فيها، بالأمس ماجد ابو شرار، واليوم سعد صايل، فوضوح الاسباب والدوافع التي ادت الى تغييب الأول، هي الآن اشد وضوحا فيما يتعلق بالثاني، فلن تستوي الامور، ولن تفلح الخطة اذا ما بقي ابو الوليد على قيد الحياة، وبالتأكيد لن تفلح اذا ما بقي هذا القائد الذي خبرناه جميعا على رأس القوات العرفاتية في البقاع، كيف ستستقيم الخطة اذا ما بقيت القلعة الحصن واقفة شامخة؟ فابو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين، هو الفلسطيني بامتياز، الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي كجلمود صخر لم تتمكن كل السيول من ان تحط به من عل، في القمة كان ولا زال، قبل الاستشهاد وبعده، وبالخلاص منه جسديا تكون الطريق ممهدة لاستكمال كل المراحل اللاحقة المخطط لها لتصل الى كل الأهداف النصيرية المنشودة، والتي كنا نعتقد بانها أهدافنا، ولم تمض الا شهور قليلة حتى اكتشفنا بأننا نسير في طريق إجبارية لتحقيق الأهداف السورية، وما كنا نحن الا الاداة والوسيلة فقط، لا حول لنا ولا قوة، ودخلنا في طريق اللا عودة ولا مجال للتراجع، وقد كنا المطية ونفذوا باسمنا ما نفذوا، ولم يكن احد منا يجرؤ حينها على الكلام، اما الآن فلم يبق ما نخاف عليه الا القضية وأنت يا بني، إنها المصلحة السورية دائما، وهم الأدرى من الجميع بما يجب فعله وما لا يجب، يحددون الأولويات، نحن ننفذ كل شيء في وقته، وبالنسبة لهم "كل شيء في وقته حلو"، اغتيال ابو الوليد في الميدان كان البداية، ومن خلف الكواليس، والى أن يحين "الوقت المناسب سوريا" جهزنا ورتبنا انفسنا للحظة الإعلان عن تحركنا من خلال إشارة من ولي الأمر، راعي المسيرة، وصاحب المصلحة الكبرى، وهو وحده الذي قدر الوقت المناسب.
5. في التاسع من أيار لعام 1983، ومن الحضن السوري الخادع، يعلن العقيد ابو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية، وتقوم القيادة الليبية بتسليح الانشقاق وتمويله بما قيمته 37 مليون دولار، وتتولى القيادة السورية من خلال جهاز مخابراتها وضابطتها الفدائية (الجهاز الذي كان يتولى ادارة العلاقة والارتباط مع المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية) مسؤولية إدارة العمليات وترتيبات الانشقاق ميدانيا بما يخدم الأهداف السورية، هذه الملايين من الدولارات، وهذه الأسلحة الليبية التي كان من المفترض لها ان تكون بتصرف المقاومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، ها هي تستغل وتستثمر في شق الحركة الوطنية الفلسطينية، وضرب وحدتها، والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، نعم فقد ذهبت إلى حد مصادرة وخطف القرار الوطني الفلسطيني المستقل، انها القرصنة السورية والتخاذل العربي في وضح النهار، هذا هو سلوك "جبهة الصمود والتصدي" (سوريا، وليبيا، وايران) التي صفقنا لها كثيرا، ما صمدوا وما تصدوا، ولكنهم تصرفوا على عكس كل ذلك، صمدوا بلحم ودماء وارض الغير، بالفعل جاهدوا وناضلوا وصمدوا وضحوا بالآخرين، المهم أن لا تتورط سوريا، وهذا انتصار عظيم، كانت دباباتهم ومدافعهم ومضاداتهم الجوية في الجبل، وفي بيروت وحولها، ولكنها كانت فطيمة مكممة، خرج منها من خرج منسحبا، وبقي منها من لم يسعفه الوقت بالخروج قبل ان يطبق الحصار على العاصمة بيروت، هذا هو شقيقنا السوري، واما بالنسبة "لقائد الثورة الليبية"، فحدث ولا حرج، ولنعترف يا ولدي ولو بعد ربع قرن بكل صراحة، اننا كنا مخطئين، اننا كنا مخدوعين بليبيا وبالثورة، وبأهدافها، وكانت الخدعة الكبرى قائدها، إننا امام القائد الذي ساهم بشكل فعال بتخريب وتدمير الحالة العربية، والحالة الإسلامية، والحالة الإفريقية، وحركات التحرر في العالم، اننا امام السلوك المحير الذي حير المفسرين، فسل نفسك يا ولدي: ما المنفعة التي قدمها القذافي للقضايا العربية ؟ وبماذا، وكيف واجه أعداء الأمة وخصومها ؟ اليوم لم يعد صعبا ايجاد التفسير لهذه الحالة الظاهرة (ظاهرة العقيد قائد الثورة)، اننا وباختصار امام تفسير واحد وحيد، اننا امام (كوهين) الذي وصل الى الحكم، ولا تفسير غير ذلك، ولا غلو فيما اقول يا ولدي، انها الحقيقة التي ظهرت ولو بعد حين، اعمل عقلك وراجع كافة تصرفاته وخاصة في المراحل الحرجة من مسيرة الامة، راجع أقواله وتصريحاته وكل تصرفاته في كل المنعطفات، ستخلص عندها يا ولدي الى ما خلص اليه والدك، والا فليقنع "قائد الثورة" الأمة با آل اليه مصير الامام موسى الصدر، ومن هي الجهة المستفيدة من وراء اخفاءه؟ وما تفسيره لعدم تأمين السلاح للمقاومة في بيروت؟
6. في حزيران من عام 1983، تقرر طرد الرئيس ياسر عرفات من دمشق، فاقتاده ضابط سوري إلى الطائرة التي أقلته إلى تونس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه عائدا الى فندق سلوى ( المقر المؤقت للقيادة الفلسطينية ) بالقرب من حمام الشط، انها الخطوة الوقحة بهذا السلوك السافر المتجاوز لكل الخطوط الحمراء، انه الإمعان في التآمر والصلف السوري الذي لم يخف ولو للحظة رغبته في احتواء المقاومة، واذا اقدم النظام السوري يا ولدي، على طرد ابو عمار، فهل تعتقد انه سيتوانى عن طردك أو طرد أي مسؤول فلسطيني آخر مهما علا شأنه أو طالت لحيته، أو اي مسؤول آخر تابع له، او حتى اعتقاله وابعد من ذلك بتصفيته واغتياله، وبالنتيجة فإن هم هذا النظام كان ولا يزال احتواء المقاومة، فتحاوية ام حمساوية، لا فرق بين الرايتين بالنسبة لهم، كيف لا يكون له هذا ؟ وعرفات ورفاقه المخلصين لا زالوا القابضين على الجمر، والكرامة الوطنية دونها الكرامة الشخصية، ومكث عرفات عدة شهور يعد العدة، واستمر في تنظيم عودة المقاتلين إلى طرابلس بلبنان فردا فردا حتى يستكمل الجيش عدده، وهم الذين أخرجوا بالامس جماعات على السفن من ميناء جونيه ببيروت بعد الحصار الكبير موزعين على كل العواصم.
7. في أيلول من عام 1983، كان التحدي الصعب والكبير، يأبى عرفات ان يستسلم، القرار الوطني الفلسطيني المستقل يسكن عرفات، وعرفات يسكنه، ومن له ان ينزع هذا من ذاك، فينسل من حضنه الدافئ تونس دون ان يعلمه بوجهته، ويعود متخفيا، متنكرا، متسللا الى طرابلس - شمال لبنان - للحاق برفيق الدرب ابو جهاد، الصامد المرابط مع ثلة من العرفاتيين، و"الشباب الجيدين تنظيميا" - وهو الشرط اليتيم الذي تضمنته برقية من ابو جهاد - تحضيرا للمواجهة الكبرى، المفروضة عربيا بتمويل ليبي، وادارة ميدانية سورية، تلك المواجهة، التي اطلق عليها عرفات الاسم الشهير "معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل" وقد كانت بالفعل كذلك، إنني اعترف يا ولدي، ولست اخجل من هذا، لعله يساعدني عند الله، ويساعدك على الاعتبار وتعديل المسار قبل فوات الأوان، فهل من معتبر ؟ بالفعل لم يستسلم عرفات، بالسلامة وصل إلى طرابلس، ودخلها متسللا متخفيا، ويزج بنفسه بين جموع المصلين، وبعد انتهاء الصلاة، يتفاجأ به الجميع، فلسطينيون، ولبنانيون، مصليا صلاة عيد الأضحى معهم في مسجد الزاهرية، بطرابلس الشمال، الأمر الذي أذهل الجميع وأصيب البعض بالصدمة، وخاصة أولئك الذين لم يتمرسوا على السلوك والمفاجئات العرفاتية، فلم يحتملوا الموقف، وهذا لم يعجب حلفاء الشر ايضا، استفزهم التحدي فاطبقوا الحصار عربيا (سوريا) فلسطينيا برا، وإسرائيليا بحرا وجوا، واحتدمت معركة الدفاع عن القرار الوطني المستقل، والتي استمرت ما يزيد عن ثلاثة شهور متواصلة، ولم يتمكنوا بكل ما أوتوا من قوة ودعم من مصادرته، واستشهد دونه خيرة أبناء فتح وحلفائها، وفي أواخر ديسمبر 1983، وبتدخل فرنسي مصري، تم التوصل إلى اتفاق للخروج من طرابس على البواخر اليونانية مرة اخرى وبحراسة دولية، فخرج الرئيس عرفات، ومن تبقى معه من العرفاتيين إلى المنافي ظافرا بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل.
8. تتواصل الحملات والضغوط السياسية والمضايقات ضد منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن فشلت كل المحاولات العسكرية الدموية للانقضاض عليها بالتآمر على حركة الشعب الفلسطيني، حركة فتح بهدف مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولم تقبل اية دولة عربية ان يعقد المجلس الوطني الفلسطيني على أراضيها، وكما كانت الحالة دائما، الورقة الفلسطينية هي الهدف، فكيف ينعقد المجلس الوطني دون دفع الثمن ؟ او كيف يكون لعرفات ما يريد دون ضريبة ما بشكل من الأشكال، وكيف ندفع الأثمان؟ ونحن المر لحمه، لم نتنازل امس تحت النار، فكيف بنا اليوم والضغوط والمساومات كبيرة تعجز عن تحملها الجبال ؟ ولكن عرفات تحملها وحمل معها الجبال، متحديا الريح إن كان يقوى على هز شعرة، فكيف له ان يهز الجبل، وفي النهاية كان له ما اراد، وتم في عمان عقد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 22111984، وتم انتخاب لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير لتستمر وطنا معنويا ومظلة لكل الفلسطينيين، على ارض الوطن وفي الشتات، منتمين ومستقلين، وهي المظلة التي حملت الهم الفلسطيني ولا زالت تدافع عن كل القضايا بما في ذلك وجودها.
9. ولازال الشر يتربص بالانجاز، كيف يسمح لعرفات الاستمرار بما حققه، واللجنة التنفيذية بعضوية فهد القواسمه - رئيس بلدية الخليل الأسبق - ها هي تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، منتخبة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته، كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا إلى ديدنهم، وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمه عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين في عمان في 29/12/1984، الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: فمن اغتال فهد ؟ ولماذا فهد القواسمه ؟ ولمصلحة من ؟ انها الأسئلة المطروحة دائما، وهو الذي لم يكد يمض على عضويته في اللجنة التنفيذية شهرا واحدا، ليسدد فاتورة موقفه الوطني الملتزم، بالموافقة على العضوية في اللجنة التنفيذية، والسير في الركب العرفاتي حاملا راية القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ومواصلا المسيرة التي ارتضاها لنفسه مناضلا على أرضه في مواجهة الاحتلال، ومنفيا ليواجه بجسده العاري كل الذين اخذوا على عاتقهم الانجاز والتنفيذ بالوكالة عن الاحتلال، انه الطريق ذاته، وليس غيره، على نفس الخط والخطى كان ماجد، وكان سعد، واستمر فهد، والذين أداروا معركة الدم بالأمس، هم أنفسهم ما غيروا وما بدلوا، وما افلحوا في مصادرة الورقة الفلسطينية، يطلون علينا بالدم أيضا ليصادروا او ليعطلوا، نعم يا ولدي، يا خالد، هم السوريون، الذين استمرأوا الحالة وبكل وقاحة وصلف، فقد أوغلوا النصال ولا هم لهم الا أنفسهم حملوا الشعار وعملوا به "نحن او لا احد، ومن لا يعمل معنا فتحت الأرض مكانه أو المزة مأواه"، انها القوة الاقليمية التي تجاهد بالمجان، على حساب الدم الفلسطيني تارة، وعلى حساب الدم اللبناني تارة أخرى، والجبهة السورية في سبات عميق، كيف لا يكون ذلك والمتبرعون منا كثر، وابوك يا خالد خير مثال على الحالة، أرجو منك يا ولدي الانتباه لحالتك، فلا ارى أمامي الا الحالة نفسها تتكرر من خلالك، فما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس ابو خالد واليوم خالد، نحن عائلة من المتبرعين، ليتنا ما كنا ولا كانت الحالة.
10. ليس هناك استراحة للمحارب، وليس مسموحا للوضع الفلسطيني أن يستقل أو يستقر، فيتم مجددا إشعال الحرب التي انتحلت مجازا وللتورية اسم حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت في الفترة من عام 1985 إلى بدايات 1988، ولكنها كانت عمليا استمرارا لنفس الأهداف العدوانية الصهيونية الإسرائيلية من ناحية، والتآمرية السورية للقضاء على المقاومة وللسيطرة على الورقة الفلسطينية من ناحية ثانية، ولكن هذه المرة من خلال تحالف سوري، لبناني (اللبناني حليف الأمس في المقاومة) ونحن المتبرعون التقليديون رأس الحربة، وكانت المعارك الأشد ضراوة وقسوة في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنه، فسحقت المخيمات عن بكرة أبيها، وقتل فيها من قتل من المقاتلين العرفاتيين المدافعين عن القرار الوطني الفلسطيني وكانت مختلف السجون السورية هي المأوى لمن بقي منهم على قيد الحياة، الداخل إليها مفقود، والخارج منها إلى القبر.
ولدي العزيز خالد مشعل، آمل ان تكون استفدت من كل ما سبق، وفي الوقت نفسه اسمح لنفسي بأن استلهم من هذا الماضي، ومن غيره مما لم ابح به لألفت نظرك وأقول لك التالي:
1. ما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس وقبل ربع قرن من الزمان حصل المنعطف، فكما كان العبث في قضيتنا سوريا ليبيا، إدارة وتمويلا وتسليحا، ها هو اليوم يأتي من جديد لنواجه عبثا سوريا إيرانيا، إدارة وتمويلا وتسليحا وتفكيرا وتكفيرا. وكما كان الشعار دوما هو قضية فلسطين، وإزالة إسرائيل من الوجود، والتحرير من النهر الى البحر، والحفاظ على الثوابت، ها نحن اليوم على موعد مع الحالة ذاتها، فكما تم تمويل الانشقاق في البقاع، وانحرف الدعم العربي الليبي لإراقة الدم الفلسطيني وإزهاق الأرواح البريئة في حروب ومعارك طاحنة لم تحترم حرمة الدم الفلسطيني، ها نحن نشهد هذه الأيام التمويل الإيراني السخي، والخبرة السورية في إدارة واستثمار هذا المال الإيراني النجس في غزة، من خلال جيوب ومليشيات مسلحة ومعممة وبلا أي أفق سياسي, مدعية الشرعية الإلهية، ولكنها تمارس كل ما حرم الله من صنوف القتل وإثارة الفتنة ولا تعبر عن أي مضمون او هدف نبيل، ان ما نشهده اليوم هو رجوع بالحالة الفلسطينية إلى القتل على الهوية، وما حاجز البربارة ببعيد، آخذين بعين الاعتبار الفوارق بين الحالتين، ففي كلتا الحالتين كان الدم فلسطينيا، وها هو الدم الفلسطيني المحرم يعود ليسيل، وأرواح بريئة تزهق يوميا، والاستثمار الإقليمي لا يطال فلسطين وقضيتها منه الا مزيدا من التآكل والضياع، فأين كان هذا السلاح خلال السنوات السابقة ؟ اين كانت إيران وأموالها حين كان عرفات محاصرا في المقاطعة؟ اين كان السلاح الذي لا يقتل الا الاهل في شوارع غزة وخان يونس ورفح ؟؟ اين غاب هذا السلاح عن المواجهة في بيت حانون ؟؟ هل كان يمارس رياضة اثبات القدرة على ضبط النفس، تمهيدا للتأهل والدخول الى الحل السياسي القادم، والذي بدأت مؤشراته مع وثيقة "احمد يوسف جنيف" ؟ أم هي المصداقية العالية على الالتزام بالتعهدات المعلن عنها وما بطن أسوة بالأستاذ السوري الذي برع بمثل هذا الدور على مدار العقود الماضية ؟؟
2. للتذكير وللمقارنة البسيطة، بالأمس كان الانشقاق داخل تنظيم حركة فتح، وكان مسرح عملياته بين البقاع وطرابلس، وقد تجاوزه الزمن، وكشف العري المفزع لحالة النظام العربي، وما زاد فتح والمنظمة الا منعة وصلابة، وباءوا بفشل عظيم. اما اليوم فالأمر مختلف وأكثر خطورة، فالتهديد اكبر من انشقاق داخل تنظيم بعينه، الامر متعلق بالحالة الجديدة ومسرح عملياتها هو الوطن، فبالله عليك يا ولدي إن تسأل رفاقك في غزة، ولا تعف نفسك من السؤال: إلى أين انتم ذاهبون بالقطاع ؟؟ وبالتالي إلى أي مصير ستؤول إليه الضفة ؟ باختصار أخبرني عن مصير الوطن والقضية برمتها.
3. بالأمس كنا في البقاع، واليوم نحن في القطاع، وما أدراك ما القطاع، ما الذي يجري في القطاع ؟؟ القطاع اخر معاقلنا، وهل يحسبون انفسهم في بيشاور ؟ أم في قندهار ؟ ام في مقاديشو ؟ اي تجربة يستنسخون ؟؟ ومن أي معين يشربون ؟؟؟ ومن وصف لهم هذا ؟؟؟ هل نعيش مرحلة الاستفراد بالجغرافيا ورهنها واغتصاب القرار ...ولصالح من ؟
4. ما هذه التصريحات التي اسمعها من الوزير عاطف عدوان، وزير شؤون اللاجئين بتاريخ 3122006 ؟ وكيف تكون غزة عقر دارهم ؟؟ ومن هم ؟؟ وما هذا الذي اسمع ؟ وهل هذا من الوحي الإلهى؟ والى أين هم ذاهبون في القطاع ؟ فليخبرونا عن شكل الكيان القادم وفقا لهذا النوع الغريب العجيب من التصريحات، وهذا النمط من التفكير، افيدونا افادكم الله....! انه الوزير العدوان يا ولدي..... ! انه الوزير العدواني ......! انه الفكر العدواني .....! نعم انه العدوان يا خالد، فالعدوان يا ولدي، كان ولا يزال السبب في الكارثة، وفي النكبة، والنكسة، واللاجئين، والنازحين، والمطاردين، والمبعدين، والمهجرين، والشهداء، والجرحى، وآلاف المساجين... فكيف لوزير بهذا الاسم أن ينسجم مع أهداف المهمة التي يتولاها، الا وهي ملف اللاجئين، لب القضية ؟ وهل سيداويها بالتي كانت هي الداء ؟؟ كلا، إن ما صرح به الوزير، لمنسجم مع اسمه ( العدوان ) نعم، انه سلخ غزة عن بقية الوطن، وبمصادرتها إلى المجهول بالنسبة لنا، المعلوم بالنسبة لأسياده (أسيادنا) انه العدوان بعينه .. فليتوقف هذا العدوان.
5. ولدي خالد: هل ينشق الوطن ؟ هل ينقسم ؟ وعلى أي أساس ؟ هل أصبحت غزه ستان؟ وهل سيحتاج الرئيس أبو مازن يوما ما لتأشيرة للدخول إلى غزة ؟ ومن أين سيحصل عليها ؟ وهل سيحتاج إلى إقامة فيها ؟ وهل ستمدد له؟ وهل سيحتاج إلى كفيل ؟ فما نوع الكفيل، وما هي مواصفاته؟ الوضع مخيف وغير مسبوق! يا للكارثة !! فلتنشق كل الفصائل ويبقى الوطن وحدة واحدة، فغزة ليست عقر دار احد وحده دون غيره، غزة عقر دار كل الفلسطينيين كما بقية أجزاء هذا الوطن، وكذلك هي عقر دار كل الأحرار والشرفاء الذين وقفوا مع فلسطين من كل أنحاء العالم .. وكما أن التاريخ لا يرحم، فالجغرافيا كذلك واشد.
6. أعلمك وأوصيك يا ولدي: إن هذا الوطن الواحد الموحد فينا وان تقطعت أوصاله، فليبق بعيدا كل البعد عن رهن قراره لصفوي او غيره مقابل مال نجس، او إعارته لأحفاد تيمور لنك، انه أغلى ما نملك، وهو آخر معاقلنا، لا نفرق بين احد من أهله ولا حبات رمله، كما اننا لا نعترف بوطن غيره، وليست دمشق او طهران مرابط خيولنا، ولا غيرها أيضا، أوصيك ارض الرباط، فلسطين بعاصمتها القدس الشريف.
7. كل الأهداف تتلاقى مهما أوغلت في الزمن الماضي السحيق، فالسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني المستقل هو الرغبة الملحة والجامحة للجميع بمختلف ألوانهم وأطيافهم، وما لم يكن مفهوما بالأمس، فقد أصبح واضحا كل الوضوح اليوم، وكل شيء يحتاج الى تفسير ولتتوقف عند كل منعطف، فلا تكن ساذجا ياولدي، ثق بي ودعك منهم، وما لا تجد له تفسيرا في الحين، سيأتي الزمن الذي يوضحه ويفسره ولو بعد حين، واليوم وقد فسرت لك ما كنت تجهل، وما اشبه اليوم بالأمس، وأنا الذي خبر الحياة والمعاناة وما تعرضنا له خلال ال25 سنة الأخيرة، والمزة نهاية المطاف، الا يكفيك كل هذا لتستفيد من تجربة ابيك وتعفي نفسك وشعبك من أثمان تجربة جديدة أكثر كلفة ؟ وهل تحتاج يا ولدي الى ربع قرن اخر من الان حتى تفهم إلى اين تتجه الأمور؟ الا يكفي شعبنا ما دفعه من الأثمان الباهظة بسبب مراهقتنا السياسية تارة، وتأجير البندقية والقرار تارة اخرى ؟ وها انتم تكررون نفس الخطأ، علاوة على قيامكم برهن القرار الوطني الفلسطيني في كافة القضايا بدءا من قضية الجندي (جلعاد) والذي تحول لقلعاط، وانتهاء بالهدنة على الطريقة الإسلامية وفقا للدكتور الشيخ المستشار (احمد يوسف جنيف).
8. لا حاجة لك لربع قرن إضافي او يزيد حتى تتمكن من فهم الذي يجري معك اليوم، فأنا أقولها لك ومن زنزانتي في المزة، أقولها لك بصراحة ولا أخشى في الله لومة لائم، ولم يبق لي من العمر أكثر مما مضى منه، أقولها لك وبكل صراحة، وما احرص الأب على ولده، أقول لك بان آخرتك ونهايتك، طالت ام قصرت، لن تكون بأفضل من آخرتي هذه، فاكسب غدك وانج بنفسك، فقد هلك أبوك فلا تهلك بني، أهلكنا فتح فلا تهلكوا حماس والوطن، أرجوك يا ولدي، أرحني، فأنا ملاق ربي، ولست معفيا من المسائلة عن أفعالك وأقوالك، فأنت ولدي الصالح، وارجو ان تكون عملي الصالح كذلك، واعلم بني بأنني سأقف بين يدي الخالق الواحد الأحد لأسأل عن اسمك، وما اسميتك مشعلا الا لتبقى كذلك، مشعلا حقيقيا لتنير فيه دروب العز والأمل، لأجيال تتوق للحرية والاستقلال والكرامة، فلا تكن غير ذلك، ولتكن عند حسن ظني وظن اهلك بك.
9. أحذرك نفسك، اياك والغرور، فقد راعني حقيقة ما سمعته عنك بانك خرجت عن طورك وادبك في ذلك المؤتمر الصحفي الذي رتبته لك الضابطة الفدائية في الشام، وذلك للرد على خطاب السيد الرئيس محمود عباس يوم 16122006 حينما دعا لانتخابات رئاسية وتشريعية، وراعني انك لم تحترم العجوزين: عمك فاروق القدومي أبو لطف، وكذلك عمك احمد جبريل ابو جهاد على طرفي الطاولة في جلستهم المهينة معك خلال ذلك المؤتمر الصحفي السيء، وما تمنيت هذا لكم، خاصة وأنت "تشبرح كالمهبول" بكلتا يديك والغرور يضربك في راسك بشكل واضح، والكذب يتطاير من عينيك بشكل ملفت بالنسبة للناظر اليك، أعذرك لانك لا تتمكن من رؤية نفسك، مهلا، مهلا، مهلا يا ولدي، ما الذي جرى لك، وكيف رضيت بهذا يا ولدي، عيب عليك، فلتحترم شيبة عزيز ذل، وما أجبرهما على ذلك من احد.!! ولتحترم نفسك اليوم، فيومك قادم، وما من احد منا كان يعلم بما خبأت له الأيام.
10. انتبه لنفسك ولبقية أخوتك، فلا أمان لهذا النظام، فكيف يخطر على بالك يا ولدي وأنت ابن التيار الإسلامي يحتضنك ويرعاك من سحق نظامه الإسلام والمسلمين في حماه، ومارس أعوانه كافة صنوف الخطف والقتل والتهديد بحق الضباط والكوادر من ابناء الحركة العملاقة، أبناء فتح، وها هو ابوك خير مثال وشاهد على الحالة، والله خير الشاهدين ؟؟ كيف ستستوى الأمور وهم أرباب نظام وثقافة "بعثية" موغلة بالإفك بحق خيرة كوادرنا وضباطنا في البقاع وصبرا وشاتيلا وصيدا، وفي مناطق كثيرة من العالم حيث اختلطت الشبهة والمصلحة حصريا بين اسرائيل والنظام البعثي في كثير من الحالات، كل هذا مضافا الى كل الدم الذي اسالوه في تل الزعتر بلبنان عام 1976....وقادة الحركة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها الزعيم كمال جنبلاط، فهل لك يا خالد ان تسأل من حولك كيف واين استشهد القادة عبد المجيد الزغموت، وماجد، وسعد صايل، والحاج حسن، وعلي ابو طوق، وسمير ذياب، ونبيله برير، والكثيرين غيرهم..؟؟ وما هو مصير السجناء الفتحاويين الذين ما زالوا يقبعون في السجون السورية بدون محاكمات ؟
11. اوصيك بني بالرحيل عن هذه البادية خوفا وحرصا عليك من التمادي في هذا التيه فلا داعي للمزيد منه، اتركها فارض الله واسعة، فالذي جرى لأبيك يكفي، ولا داعي لتكراره معك، قلبي عليك فلا تجعل قلبك على الحجر، انتبه لما انت فيه يا خالد، أنا وإياك وبقية الفصائل رهائن هذا النظام العربي، الذي فعل ما فعله في القضية خلال العقود الماضية، انبهك لفداحة الأذى الذي يلحق بالقضية والأهل في الداخل معا من جراء العبث الجاري، فدعهم يواجهون الاحتلال وآثاره، لا أن نزيدهم أعباء فوق أعبائهم، حصار، وجوع، وفتنة، واقتتال، وضياع قضية، فما هو تحت الاحتلال يحتاج الى دعم ومساندة وتحرير، ولا يصلح للرهن او الإيجار.
12. قل لإخوانك في غزة كفى ... ، بالأمس وحينما كنت في التيه تائها مع أبو موسى، فأنني اعترف بقيامي بإلحاق الكثير من الأذى بأهلي وعشيرتي واسمي، علاوة على ما الحقته من ضرر في الوضع الوطني الفلسطيني العام، من خلال بيع نفسي ورفاقي للشام، اعتذر لهم ولسمعتهم، وبالرغم من كل الذي جرى، الحمد لله باننا لم نفلح، فبالامس كنا في الشتات ولم يتأثر الوضع الفلسطيني برمته، ولكن الوضع اليوم مختلف جدا، فالمصيبة ان وقعت ستكون القاضية، فالحالة ليست انشقاقا، فالانشقاق مستوعب ومقدور عليه، والمنشق مطرود من رحمة الله ليندرج عبدا، رقيقا، ذليلا، حقيرا، لدى سيده العبد، وفي النهاية سجينا في المزة بدعوى مكافحة الارهاب، واستثمارا رخيصا من قبل تجار الشام، ولإثبات حسن النوايا لعل ذلك يخفف أو يبعد عنهم الأذى الداهم من جراء فتح الملفات الساخنة. نعم ان الحالة اليوم في فلسطين ليست انشقاقا داخل فصيل، وانما هي الكارثة الوطنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, وبكل المعايير، كيف لا وأخبار الداخل على كل لسان، وطن ينسلخ عن بعضه، القطاع معقل الإخوان وعقر دارهم، التأشيرة للدخول اليه ستصبح ضرورة، وحرب التحرير على الفضائيات مستمرة ، هذا هو الحال الان، وقد وصلت الامور لتعبر عن الحالة الانعزالية التي تدعم وتؤيد ما اعتقدته حينما كنت أراقب وارى واسمع ما يجري ويقال في غزة خلال الحوار الوطني في شهر 5 من هذا العام، وحين بدأ هذا الحوار سمعنا نغمة طالبت بنقل الحوار الى غزة!! ما هذا الفكر ؟؟ وما هذه النوايا ؟؟ وسرعان ما تكشفت الأمور، انها حالة استفراد بالجغرافيا مرهونة للخارج بشكل مكشوف، إنها حالة انسلاخ وانعزالية يتوج بالخطف والقتل على الهوية، وهي اخطر من الانشقاق، مرة أخرى، إلى أين انتم ذاهبون بغزة هاشم ..؟؟؟ أقول لكم: كفى، ولتعتذروا لغزة وأهلها، احذرهم يا ولدي، احذروهم، احذروا من لا دين لهم.
13. قل لرفاقك في غزة بأنهم لن يكسبوا شيئا من زياراتهم لدمشق، بلغ تحياتي للأخ إسماعيل هنية، وبلغه بظروفي القاهرة، والتي حالت دون لقائه، آمل منه ان يجرؤ على فتح ملفي مع السوريين متوسطا لإطلاق سراحي، وإتاحة الفرصة لي بإنهاء حياتي بكرامة، فليجرب قيمته ووزنه عندهم، لا قيمة لاحد عندهم، آمل اللقاء به في الوطن، قل لرئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية بأن لا طائل من زيارته لدمشق، وأتمنى له أن لا يكرر الزيارة في مثل هذه الظروف ولا في غيرها، فأنا أغار عليه واحترمه، فهو رجل نظيف، فليحافظ على براءته ونظافته، فهو لن يستطيع ان يقنع احدا بان فتح الخط الدولي بين دمشق وفلسطين هو فتحا عظيما او انجازا استراتيجيا، فالكل يعرف أن العالم أصبح قرية صغيرة، وكذلك مسألة أكذوبة تمكين حاملي جواز السفر الفلسطيني من الدخول إلى سوريا على أنها تحقيقا لانجاز وطني يرتقي إلى المستوى القومي. ولما كان المواطن العربي الفلسطيني حامل جواز السفر الفلسطيني ممنوعا من الدخول الى سوريا طيلة السنوات الماضية، فما هو الدور القومي الذي كانت تدعم فيه سوريا الانسان الفلسطيني القابع تحت الاحتلال ؟؟ فما بالك بقضيته والقائمين عليها ؟؟؟ وماذا عملت للفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية وهم يذبحون كل يوم؟
14. بعد التحية لك ولهنية، سله ما الدية ؟؟ هل هذا كلام رئيس حكومة فلسطينية، أم كلام مختار متدرب لم يحز على رخصة الممارسة بعد ؟؟ كيف له أن يتلفظ بهذا؟ أليس هو الحكومة ؟؟ أليس هو براع للرعية ؟ وهو المسؤول عن كل ضحية ؟ وهو صاحب الأمر بجلب الخارجين عن القانون، والمسؤول أمام الله عن ما آلت إليه القضية ؟ وان هو لن يفعل كل هذا فمن سيفعل.؟؟
15. بالأمس مارسوا فنون التهريب من المعابر، واليوم دخلوا في حرب مع العائلات والعشائر، ودخلنا في متاهة الدية والتسعيرة، والعائلات القوية والأخرى الضعيفة!! وغير ذلك من الأفعال والأقوال التي لا تتناسب مع المقام السامي لرئيس حكومة فتية، قل له ولمن معه بان يرتقوا بالفاظهم وحديثهم الذي لم يعبر ولا للحظة واحدة عن مستوى يستطيع احترامه الأصدقاء، فما بالك بغير الأصدقاء، نحن في الخارج نراقب ونشاهد، فالوضع محرج ومخجل، استرونا ستركم الله.!!!
16. فضيحة وعليها شهود، القدس التي استشهد دونها أبو عمار، وفيصل الحسيني، وأبوه من قبل، وآلاف الشهداء، لماذا هانت على من ادعوا الحفاظ على الثوابت والتمسك بها ..... ؟؟ لم يكن لديهم اي مانع بان تجري الانتخابات التشريعية بدونها، تبا لهم، ولكن النسيان آفة العصر! بدأو مفرطين بالقدس قبل الفوز، وقد سقطوا في الاختبار الاول، وبعد الفوز حللوا الدم، المنابر والفتاوي من كل حدب وصوب، فمكانتك ودرجتك الرفيعة عند الله تتناسب طرديا مع رتبة من تتمكن من قتله من ضباط الأجهزة الأمنية، وما يمارسوه اليوم في غزة اخطر من التفريط بالمقدس، اذا كان الدم عند الله اهم من الكعبة اول بيت وضع للناس، فما بالك بالقدس ؟ وها هم اليوم يستبيحون الاكثر حرمة وقداسة، انه الدم الفلسطيني، وقد سقطوا أيضا فيه، وسقطوا في الاختبار الثاني، وانكشف أمرهم، شكرا للعباس الذي حسم وكسب المعركة لصالح القدس وأهلها انتخابيا، بينما خسروها من ادعوا وكالتهم الإلهية، فبأي وجه سيقابلون الله ؟ وآما الدم الفلسطيني المحرم فمن سيحسم أمره ؟
17. انصح اخوتك في غزة بدعوة الناس بكافة أطيافهم ودون تمييز إلى صلاة استسقاء لعلهم يثبتوا مكانتهم عند الله، ومن بعد فلكل حادث حديث، واطلب من اخوانك الكف عن التكفير للآخرين، وليتوقفوا عن الفتنة وافساد الحالة الوطنية من خلال المنابر المحتكرة والمساجد الحصرية والتي لا تنتج الا حقدا، وعمى للقلوب، وبالتالي دماء في الشوارع، وإعدامات تحت جنح الظلام، حيدوا الأطفال، والمدارس، وبيوت الله، والشرطة، والأمن، فهي من المحرمات.
18. نحن أبناء المدرسة الفتحاوية العظيمة، مسلمون ومسيحيون، لا نفرق بين احد منهم، نصلي لإله واحد وبطرق مختلفة، ولا للدعوات التي تعبئ حقدا ما أنتج الا حربا أهلية لا حاجة لنا بها، وما نحن إلا بأمس الحاجة للوحدة الوطنية، والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية، الوطن المعنوي الكبير للشعب الفلسطيني، في الداخل والخارج برئاسة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وبما يمثله وطنيا فلسطينيا عباسيا امتدادا عرفاتيا، مخلصا لله وللوطن ودون ذلك القبر.
19. بني: اسميتك مشعل لأخلصك من اسمي وارثي، فاترك لي ارثي وابق مشعلا خالدا، فلا تتشبه بي، فأنت في مقتبل عمرك، فاقترب أكثر من الله واتبع أولي الأمر، فعليك بالرئيس محمود عباس فهو من العرفاتيين، ثق به وليسدد الله خطاك وهو حسبك، لا لورثة تيمورلنك وأحفادهم، والنصيريين منهم والخوارج وعبدة النار ومن والاهم، دعني اهدأ في زنزانتي، في قبري، وفي آخر حياتي، أعطني الفرصة لأتعرف على الله لعله يغفر لي ذنبي، ويجعل لي مخرجا، أعانني الله.
20. أوصيك فلسطين الوطن، أوصيك فلسطين الهوية، فلسطين أهم من كل الفصائل ومن فسائلها أيضا، فلسطين أهم من فتح، فلسطين أهم من حماس، فلسطين أهم من النظام العربي، فلسطين أهم من المسلمين ومن المسيحيين ومن كل أصحاب الأديان والمذاهب، فلسطين أهم من الأعراب، فلسطين هي الحقيقة الباقية، هي الامتحان وهي الاختبار، سقط الجميع في اختبارها، تآمروا عليها ففضحتهم، القضية مقدسة ولا مجال للمساس بها، حاولوا المساس فمستهم، والعقاب فوري، يمهل ولا يهمل، ولكم في التاريخ الكثير من العبر يا أولي الألباب، وتبقى فلسطين أرضا وشعبا وهوية وقرارا مستقلا، جذورها عمق الأرض والتاريخ، وفرعها في السماء.
والدك
أبو خالد العملة
سجن المزه – سوريا في 15-1-2007
zaابو خالد العملة انتقل الى رحمة الله تعالى منذ شهر تقريبا ، بات في ذمة الله والتاريخ ، ولأننا نريد ان نذكر محاسن موتانا، تقبلهم الله جميعا في واسع رحمته، فأننا نعيد نشر رسالة الندم بوصفها واحدة من مناقبه ومحاسنه التي تسجل له، لعلها تمحو شيئا من خطيئته الانشقاقية ، وفي ما يلي نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة إلى ولدي الحبيب خالد مشعل
في هذا اليوم، وفي هذه الفترة بالذات، وفي هذه اللحظات التاريخية من حياة شعبنا الفلسطيني - والتي تتشابه مع لحظات مماثلة مررنا بها قبل ربع قرن تقريبا – ومن سجني في المزه، أحببت أن أرسل لك رسالتي هذه قبل أن التحق بالرفيق الأعلى، ومع شعوري بدنو الأجل، وباللحاق بخير الرفاق، ولعلمي بأنني سأقف بين يدي الله الذي نسيته منذ أمد بعيد، لا بل أنني أتذكر تلك اللحظة، لحظة النسيان، الحلقة المفقودة من ذاكرتي، وقد كانت تلك اللحظة التي فقدت فيها البوصلة وابتعدت عن أبو عمار، حيث سار بي التيه مع الرفاق إلى بادية الشام، ولأنه لا مفر من اللقاء المحتوم، فقد أحببت أن يستريح ضميري، وتبرأ ذمتي، وتنظف مما علق بها من أدران ذلك التيه الذي جمعني ورفاقي قبل ما يقرب ربع قرن في بادية الشام، مع كثرة الأحداث والوقائع التي سبقته أو مهدت إليه، ولم نكن لندرك في حينه أخطارها التآمرية على حركتنا ومنظمتنا، وعلى شعبنا، وآثارها السلبية على القضية المقدسة، وسواء أدركنا أو لم ندرك، فهذا لن يعفينا من الحسابين، حساب الدنيا الذي بدأ ولم ينته، وحساب الآخرة الذي ينتظرنا.
ولدي: ما اقصر العمر، وما أطول اللحظة، عندما دخلنا في التيه الذي طال أمده، وجرى فيه ما جرى، وأجريناه بأيدينا، وجرى فيها استغلالنا أبشع استغلال من قبل كل الذين سخرونا للعمل معهم من ورثة أحفاد تيمور لنك وآخرين غيرهم، ولما كان التيه تيها، فكل الذي جرى فيه تيها، وعليه فانا اعتذر، أعتذر إلى الله الذي سأقف بين يديه للسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، نعم اقر واعترف بالخطيئة، فكما تاه أتباع موسى في سيناء، تهنا نحن مع (أبو موسى) في بادية الشام، والحالتين كان الكفر سيد الموقف، وكان القتل، وكان الإجرام، ولهذا اعتذر من (أبو عمار) وزمرته العرفاتية، ومن آل ياسر وعموم الشعب الفلسطيني، في ارض الرباط وفي المنافي، وذلك لما سببناه لهم من أذى جراح لا تندمل، ومآسي لا تنسى، فيما حصل خلال هذا التيه الطويل وما تبعه من تداعيات طالت آثارها جميع مناحي الحياة الفلسطينية، اعتذر لأولئك الذين غررنا بهم وتبعونا في رحلة التيه والعذاب، واعتذر منك يا بني، لأنني أردت لك الصلاح وأنت بالفعل كذلك، ولكنك تبعتني، وقلدتني في كل شيء، وقد ردتك الاستثناء في حياتي وفي مماتي، ولا ارغب مطلقا بان ينطبق عليك القول الدارج: "من شابه اباه فما ظلم"، ولكن ما لا أرغبه لك أن ترث هذا التيه مني قبل رحيلي، فأنا لا أقوى على الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ليسألني عن أقوالك وأفعالك من بعدي يا خالد.
قبل الرحيل، وحيث لازال هناك متسعا، قلت لنفسي لا بد لي من كفارة تخفف عني في زنزانتي، وهي الفرصة التي لا زال بإمكاني أن أعلمك بما لم تعلمه من قبل، لأنك لم تكن لتدركه بحكم حداثة سنك، فبعض الامور حصلت وانت لم تكن قد خرجت للحياة بعد، ولم تعلم بها إلى الآن، والكثير منها وقعت وأنت لا زلت تلهو مع اقرانك، فلن تستطيع ادراكها وفهمها في حينه، فابوك من قبلك لم يكن ليقوى على فهمها، ولم يكن ليدرك مراميها، وقد كان ذلك متاحا، وقد كنا لا زلنا في رحاب الحضرة العرفاتية، وما أدراك ما الحضرة العرفاتية، وهي المشهورة بأنها كانت خير مكان يلمع عرفات به الذاكرة ويبعث برسائله القصيرة، المباشرة وغير المباشرة للجميع، ولكن هيهات فلا ذاكرة لدينا، ولا حياة لمن تنادي، وقد كانت لنا آذان تسمع وعيون تبصر حين فقدنا البصيرة، ومما لاشك فيه، الآن أيقنت بانني ساقف يوم العرض بين يدي المولى عز وجل، وسيشهد علينا الرئيس، وادعو الله ان يشفع لنا ولك وللأتباع، ولتتذكر قوله تعالى: "انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
وكما وعدتك، سابدا في الحال بسرد كل ما اسعفتني به الذاكرة حتى هذه اللحظة، وإذا ما أمهلني القدر، أعدك بأنني ساوافيك لاحقا بكل ما ستجود به الذاكرة ليكون دليلا ومرشدا لك، ولاخوتك من حولك في الشام وفي غزة معا، استميحك العذر إذا ما حصل تأخير، فأنت لم تجرب بعد المزة وظروفها، وهي الظروف التي عليك انت وكافة رفاقك التهيؤ لها فورا ومن الآن، ولكنني الآن ومن مكان اعتقالي هذا، ومنذ اللحظة الأولى لدخولي إليه، تتدفق إلى ذاكرتي وبدافع من ضميري الذي نام طويلا بعض الوقائع لعلها تساهم بإسعافك وإنقاذك مما أنت فيه، ولعلها تجد من يستفيد منها من هم حولك في دمشق، ومن جماعتك في غزة، وكذلك بقيتهم الباقية من الدرجة الثانية في أكناف بيت المقدس؛ فإليك، واليهم، ولكم جميعا أبدا بسرد الحكاية:
- 1 في التاسع من شهر اكتوبر من عام 1981، تم اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد ابو شرار وذلك بتفجير السرير الذي ينام عليه في غرفته التي يقيم فيها في فندق فلورا في روما بايطاليا، وقد طرحت الكثير من التساؤلات نفسها: من فعل هذا في ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ ولماذا ماجد ؟ وماذا كان يمثل بالنسبة لمن كانوا يقفون وراء الاغتيال ؟ وما الذي جنوه من وراء هذا الفعل ؟؟ هذه الأسئلة والكثير مثلها، لم تكن لتجد الجواب المقنع في حينه، لا بل كانت هنالك الكثير من الإجابات الموجهة، وازدحمت الإجابات، الملتبس منها والمغرض، المثير للجدل والموقظ للفتنة، كل ذلك لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي، وبهدف التضليل في سياق التهيئة المخططة في ليل حالك السواد للقادم من الأيام. واختصارا للشر أحيلت المسؤولية عما حدث للعدو الصهيوني وأدواته، ولكن هذا لم يكن ليقنع احد، وبقيت التساؤلات مطروحة وهي تبحث عن إجابات أكثر اقناعا. وبعد هذه السنوات المنقضية، وما تخللها من صحوة للضمير، وما أدركته متأخرا استطيع القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان مصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول إلى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل، وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة، وفي النهاية الورقة الفلسطينية، ولكن لماذا ماجد ابو شرار؟ كان ماجد ابو شرار العائق للانشقاق، والمانع لخروج من بالحوزة عن الحركة، كان وطنيا فلسطينيا خالصا، نقيا من اية شائبة إلى أن لاقى ربه شهيدا، وكان صمام الأمان العصي على عبث العابثين في القضية الوطنية المقدسة، ولم يكن ليسمح لنا نحن المقربين منه أو القريبين من فكره من الشطط أو الخروج خارج الدائرة الفلسطينية، وباغتياله أصبحت المهمة اكثر يسرا وسهولة، علما بانه كان من المفترض أن يتم التمرد في عام 1981، اي عام واحد قبل اجتياح لبنان، ولكن ذلك لم يكن ليتم حيث قام القائد العام أبو عمار بسلسلة إجراءات وترتيبات إدارية، وتنقلات ميدانية في عام 1980 كان القصد منها إفشال توجهنا الانشقاقي الانفصالي المكشوف والمعروف للجميع، ولم نكن نخفي توجهاتنا، وبالفعل فشلنا في حينه كما فشلنا في محاولات كثيرة سابقة.
2. في بداية عام 1982 أنهى القادة الثلاثة الكبار أبو عمار، وأبو جهاد، وأبو اياد، زيارة هامة وسرية إلى ليبيا، حيث تم اللقاء بالعقيد القذافي رئيس الجمهورية الليبية - حيث لم تتحول الى جماهيرية عظمى بعد - وخلال هذا اللقاء وضعت القيادة الفلسطينية الزعيم الليبي بصورة ما لديها من معلومات مؤكدة حول النوايا والخطط الإسرائيلية الهادفة إلى القيام باجتياح يستهدف المقاومة الفلسطينية في لبنان، وعليه فقد تقدمت القيادة بقائمة الاحتياجات الملحة والمستعجلة من الأسلحة والمعدات المطلوبة للتزود بها من قبل الأشقاء الليبيين لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المرتقب، وبالفعل استلم "قائد الثورة" الطلبات الفلسطينية، وأكد لهم بان كل المطلوب سيسبقهم إلى بيروت، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يتم، ولكن الذي تم هو وصول المطلوب إلى ميناء اللاذقية بسوريا ومنه الى البقاع الشرقي وبرسم المخابرات السورية، بدلا من الوصول الى بيروت ليكون برسم القيادة الفلسطينية، ولأهداف أخرى غير تلك التي اتت بها القيادة الفلسطينية، وسأتناول يا بني هذا الأمر في مكان اخر من هذه الرسالة، (مرحلة الانشقاق).
3. في الرابع من حزيران عام 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث علم به مسبقا من علم، وسكت في حينها من سكت ، وقد تم ضرب المقاومة الفلسطينية اللبنانية، فخرجت القوات الفلسطينية برا وبحرا إلى المنافي بعد حصارها في بيروت لمدة 88 يوما تخللها ضغط دولي وتخاذل عربي، انتهت المعركة وتكشفت السماء وزالت سحب الدخان والغبار، فانكشفت بعدها كل الوعود الكاذبة والمواقف الزائفة، انتهت معركة ولكن الحرب سجال، بكل الصور والأشكال، وجاءت قمة فاس الثانية التي عقدت في 6 أيلول من عام 1982 ففضحت الجميع، واقر فيها الرئيس حافظ الأسد (الرئيس السوري السابق) بأنهم (الإسرائيليين والأمريكان) قالوا له فقط 46 كيلومتر؟؟؟ اي انه كان يعلم بالاجتياح، ولديه الضمانة بأن الاسرائليين لن يتجاوزوا جسر الاولي (شمال صيدا)، ولن يتم التعرض لقواته الموجودة في لبنان بشرط عدم تدخلها الى جانب المقاومة، انه الالتزام بالتفاهمات غير المكتوبة، وهذا ما تم بالفعل ياولدي، بالفعل انتهت المعركة، وبالفعل لم تصل الأسلحة الموعودة من ليبيا، وبالفعل لم يف العقيد القذافي بما وعد به القيادة الفلسطينية، ولكنه أرسل لها برقية طالبا من القيادة والمقاتلين عدم الخروج من بيروت، ودعاهم الى الانتحار على ان لا يخرجوا، يدعوا إلى الانتحار وهو قابع في جحره بطرابلس الغرب، يراقب ويحيك منتظرا اللحظة التالية للقيام بما يتوجب عليه فعله بالتنسيق مع (الاسد) القابع في وكره منتظرا دوره في القضاء على ما سيتبقى من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وذلك بعد انتهاء العدوان الاسرائلي عليها، ثم وضعت الحرب أوزارها، وانتهت بما انتهت إليه بالاتفاق الذي رعاه فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأمريكي في حينه، وخرجت القوات الفلسطينية على متن البواخر اليونانية، بعد ان تم توزيعها على تسع عواصم عربية، وكان الخيار العرفاتي أن لا يوضع كل البيض في سلة واحدة، وهو الذي كان يرى ما لا يراه غيره، وهو العارف ببواطن الأمور وخاصة ما يضمره النظام العلوي الباطني بالجوار، وما أدراك ما الجوار.
4. وبالخروج المشرف للمقاتلين، انتهى كل شيء بالنسبة للمعركة مع الغزو الإسرائيلي ومن تعاون معه من الأطراف اللبنانية المحسوبة على اليمين الانعزالي متوجين فصلا دمويا بمجزرة صبرا وشاتيلا ليلة 1691982، وبدأت مشاهد فصل جديد على الأرض، وسريعا بدأت باغتيال القائد سعد صايل في البقاع، وهي المنطقة الواقعة تحت "سيطرة عسكرية سورية" كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، العميد سعد صايل ابو الوليد، حيث حال هذا الجيش من إمكانية وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، مما تسبب في استشهاده، وبعد ان تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الاسعاف بنقله الى ثلاجة الموتى، هذا ما حصل للشهيد ابو الوليد، وقد كان ذلك بتاريخ 2991982، الأسئلة المشروعة كثيرة : لماذا ابو الوليد ؟ ولمصلحة من تم ذلك يا ولدي ؟؟ ولكن الإجابات جلية وواضحة، فالأحداث غير معزولة عن بعضها البعض، ولا مجال للصدفة فيها، بالأمس ماجد ابو شرار، واليوم سعد صايل، فوضوح الاسباب والدوافع التي ادت الى تغييب الأول، هي الآن اشد وضوحا فيما يتعلق بالثاني، فلن تستوي الامور، ولن تفلح الخطة اذا ما بقي ابو الوليد على قيد الحياة، وبالتأكيد لن تفلح اذا ما بقي هذا القائد الذي خبرناه جميعا على رأس القوات العرفاتية في البقاع، كيف ستستقيم الخطة اذا ما بقيت القلعة الحصن واقفة شامخة؟ فابو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين، هو الفلسطيني بامتياز، الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي كجلمود صخر لم تتمكن كل السيول من ان تحط به من عل، في القمة كان ولا زال، قبل الاستشهاد وبعده، وبالخلاص منه جسديا تكون الطريق ممهدة لاستكمال كل المراحل اللاحقة المخطط لها لتصل الى كل الأهداف النصيرية المنشودة، والتي كنا نعتقد بانها أهدافنا، ولم تمض الا شهور قليلة حتى اكتشفنا بأننا نسير في طريق إجبارية لتحقيق الأهداف السورية، وما كنا نحن الا الاداة والوسيلة فقط، لا حول لنا ولا قوة، ودخلنا في طريق اللا عودة ولا مجال للتراجع، وقد كنا المطية ونفذوا باسمنا ما نفذوا، ولم يكن احد منا يجرؤ حينها على الكلام، اما الآن فلم يبق ما نخاف عليه الا القضية وأنت يا بني، إنها المصلحة السورية دائما، وهم الأدرى من الجميع بما يجب فعله وما لا يجب، يحددون الأولويات، نحن ننفذ كل شيء في وقته، وبالنسبة لهم "كل شيء في وقته حلو"، اغتيال ابو الوليد في الميدان كان البداية، ومن خلف الكواليس، والى أن يحين "الوقت المناسب سوريا" جهزنا ورتبنا انفسنا للحظة الإعلان عن تحركنا من خلال إشارة من ولي الأمر، راعي المسيرة، وصاحب المصلحة الكبرى، وهو وحده الذي قدر الوقت المناسب.
5. في التاسع من أيار لعام 1983، ومن الحضن السوري الخادع، يعلن العقيد ابو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية، وتقوم القيادة الليبية بتسليح الانشقاق وتمويله بما قيمته 37 مليون دولار، وتتولى القيادة السورية من خلال جهاز مخابراتها وضابطتها الفدائية (الجهاز الذي كان يتولى ادارة العلاقة والارتباط مع المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية) مسؤولية إدارة العمليات وترتيبات الانشقاق ميدانيا بما يخدم الأهداف السورية، هذه الملايين من الدولارات، وهذه الأسلحة الليبية التي كان من المفترض لها ان تكون بتصرف المقاومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، ها هي تستغل وتستثمر في شق الحركة الوطنية الفلسطينية، وضرب وحدتها، والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، نعم فقد ذهبت إلى حد مصادرة وخطف القرار الوطني الفلسطيني المستقل، انها القرصنة السورية والتخاذل العربي في وضح النهار، هذا هو سلوك "جبهة الصمود والتصدي" (سوريا، وليبيا، وايران) التي صفقنا لها كثيرا، ما صمدوا وما تصدوا، ولكنهم تصرفوا على عكس كل ذلك، صمدوا بلحم ودماء وارض الغير، بالفعل جاهدوا وناضلوا وصمدوا وضحوا بالآخرين، المهم أن لا تتورط سوريا، وهذا انتصار عظيم، كانت دباباتهم ومدافعهم ومضاداتهم الجوية في الجبل، وفي بيروت وحولها، ولكنها كانت فطيمة مكممة، خرج منها من خرج منسحبا، وبقي منها من لم يسعفه الوقت بالخروج قبل ان يطبق الحصار على العاصمة بيروت، هذا هو شقيقنا السوري، واما بالنسبة "لقائد الثورة الليبية"، فحدث ولا حرج، ولنعترف يا ولدي ولو بعد ربع قرن بكل صراحة، اننا كنا مخطئين، اننا كنا مخدوعين بليبيا وبالثورة، وبأهدافها، وكانت الخدعة الكبرى قائدها، إننا امام القائد الذي ساهم بشكل فعال بتخريب وتدمير الحالة العربية، والحالة الإسلامية، والحالة الإفريقية، وحركات التحرر في العالم، اننا امام السلوك المحير الذي حير المفسرين، فسل نفسك يا ولدي: ما المنفعة التي قدمها القذافي للقضايا العربية ؟ وبماذا، وكيف واجه أعداء الأمة وخصومها ؟ اليوم لم يعد صعبا ايجاد التفسير لهذه الحالة الظاهرة (ظاهرة العقيد قائد الثورة)، اننا وباختصار امام تفسير واحد وحيد، اننا امام (كوهين) الذي وصل الى الحكم، ولا تفسير غير ذلك، ولا غلو فيما اقول يا ولدي، انها الحقيقة التي ظهرت ولو بعد حين، اعمل عقلك وراجع كافة تصرفاته وخاصة في المراحل الحرجة من مسيرة الامة، راجع أقواله وتصريحاته وكل تصرفاته في كل المنعطفات، ستخلص عندها يا ولدي الى ما خلص اليه والدك، والا فليقنع "قائد الثورة" الأمة با آل اليه مصير الامام موسى الصدر، ومن هي الجهة المستفيدة من وراء اخفاءه؟ وما تفسيره لعدم تأمين السلاح للمقاومة في بيروت؟
6. في حزيران من عام 1983، تقرر طرد الرئيس ياسر عرفات من دمشق، فاقتاده ضابط سوري إلى الطائرة التي أقلته إلى تونس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه عائدا الى فندق سلوى ( المقر المؤقت للقيادة الفلسطينية ) بالقرب من حمام الشط، انها الخطوة الوقحة بهذا السلوك السافر المتجاوز لكل الخطوط الحمراء، انه الإمعان في التآمر والصلف السوري الذي لم يخف ولو للحظة رغبته في احتواء المقاومة، واذا اقدم النظام السوري يا ولدي، على طرد ابو عمار، فهل تعتقد انه سيتوانى عن طردك أو طرد أي مسؤول فلسطيني آخر مهما علا شأنه أو طالت لحيته، أو اي مسؤول آخر تابع له، او حتى اعتقاله وابعد من ذلك بتصفيته واغتياله، وبالنتيجة فإن هم هذا النظام كان ولا يزال احتواء المقاومة، فتحاوية ام حمساوية، لا فرق بين الرايتين بالنسبة لهم، كيف لا يكون له هذا ؟ وعرفات ورفاقه المخلصين لا زالوا القابضين على الجمر، والكرامة الوطنية دونها الكرامة الشخصية، ومكث عرفات عدة شهور يعد العدة، واستمر في تنظيم عودة المقاتلين إلى طرابلس بلبنان فردا فردا حتى يستكمل الجيش عدده، وهم الذين أخرجوا بالامس جماعات على السفن من ميناء جونيه ببيروت بعد الحصار الكبير موزعين على كل العواصم.
7. في أيلول من عام 1983، كان التحدي الصعب والكبير، يأبى عرفات ان يستسلم، القرار الوطني الفلسطيني المستقل يسكن عرفات، وعرفات يسكنه، ومن له ان ينزع هذا من ذاك، فينسل من حضنه الدافئ تونس دون ان يعلمه بوجهته، ويعود متخفيا، متنكرا، متسللا الى طرابلس - شمال لبنان - للحاق برفيق الدرب ابو جهاد، الصامد المرابط مع ثلة من العرفاتيين، و"الشباب الجيدين تنظيميا" - وهو الشرط اليتيم الذي تضمنته برقية من ابو جهاد - تحضيرا للمواجهة الكبرى، المفروضة عربيا بتمويل ليبي، وادارة ميدانية سورية، تلك المواجهة، التي اطلق عليها عرفات الاسم الشهير "معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل" وقد كانت بالفعل كذلك، إنني اعترف يا ولدي، ولست اخجل من هذا، لعله يساعدني عند الله، ويساعدك على الاعتبار وتعديل المسار قبل فوات الأوان، فهل من معتبر ؟ بالفعل لم يستسلم عرفات، بالسلامة وصل إلى طرابلس، ودخلها متسللا متخفيا، ويزج بنفسه بين جموع المصلين، وبعد انتهاء الصلاة، يتفاجأ به الجميع، فلسطينيون، ولبنانيون، مصليا صلاة عيد الأضحى معهم في مسجد الزاهرية، بطرابلس الشمال، الأمر الذي أذهل الجميع وأصيب البعض بالصدمة، وخاصة أولئك الذين لم يتمرسوا على السلوك والمفاجئات العرفاتية، فلم يحتملوا الموقف، وهذا لم يعجب حلفاء الشر ايضا، استفزهم التحدي فاطبقوا الحصار عربيا (سوريا) فلسطينيا برا، وإسرائيليا بحرا وجوا، واحتدمت معركة الدفاع عن القرار الوطني المستقل، والتي استمرت ما يزيد عن ثلاثة شهور متواصلة، ولم يتمكنوا بكل ما أوتوا من قوة ودعم من مصادرته، واستشهد دونه خيرة أبناء فتح وحلفائها، وفي أواخر ديسمبر 1983، وبتدخل فرنسي مصري، تم التوصل إلى اتفاق للخروج من طرابس على البواخر اليونانية مرة اخرى وبحراسة دولية، فخرج الرئيس عرفات، ومن تبقى معه من العرفاتيين إلى المنافي ظافرا بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل.
8. تتواصل الحملات والضغوط السياسية والمضايقات ضد منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن فشلت كل المحاولات العسكرية الدموية للانقضاض عليها بالتآمر على حركة الشعب الفلسطيني، حركة فتح بهدف مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولم تقبل اية دولة عربية ان يعقد المجلس الوطني الفلسطيني على أراضيها، وكما كانت الحالة دائما، الورقة الفلسطينية هي الهدف، فكيف ينعقد المجلس الوطني دون دفع الثمن ؟ او كيف يكون لعرفات ما يريد دون ضريبة ما بشكل من الأشكال، وكيف ندفع الأثمان؟ ونحن المر لحمه، لم نتنازل امس تحت النار، فكيف بنا اليوم والضغوط والمساومات كبيرة تعجز عن تحملها الجبال ؟ ولكن عرفات تحملها وحمل معها الجبال، متحديا الريح إن كان يقوى على هز شعرة، فكيف له ان يهز الجبل، وفي النهاية كان له ما اراد، وتم في عمان عقد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 22111984، وتم انتخاب لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير لتستمر وطنا معنويا ومظلة لكل الفلسطينيين، على ارض الوطن وفي الشتات، منتمين ومستقلين، وهي المظلة التي حملت الهم الفلسطيني ولا زالت تدافع عن كل القضايا بما في ذلك وجودها.
9. ولازال الشر يتربص بالانجاز، كيف يسمح لعرفات الاستمرار بما حققه، واللجنة التنفيذية بعضوية فهد القواسمه - رئيس بلدية الخليل الأسبق - ها هي تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، منتخبة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته، كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا إلى ديدنهم، وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمه عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين في عمان في 29/12/1984، الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: فمن اغتال فهد ؟ ولماذا فهد القواسمه ؟ ولمصلحة من ؟ انها الأسئلة المطروحة دائما، وهو الذي لم يكد يمض على عضويته في اللجنة التنفيذية شهرا واحدا، ليسدد فاتورة موقفه الوطني الملتزم، بالموافقة على العضوية في اللجنة التنفيذية، والسير في الركب العرفاتي حاملا راية القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ومواصلا المسيرة التي ارتضاها لنفسه مناضلا على أرضه في مواجهة الاحتلال، ومنفيا ليواجه بجسده العاري كل الذين اخذوا على عاتقهم الانجاز والتنفيذ بالوكالة عن الاحتلال، انه الطريق ذاته، وليس غيره، على نفس الخط والخطى كان ماجد، وكان سعد، واستمر فهد، والذين أداروا معركة الدم بالأمس، هم أنفسهم ما غيروا وما بدلوا، وما افلحوا في مصادرة الورقة الفلسطينية، يطلون علينا بالدم أيضا ليصادروا او ليعطلوا، نعم يا ولدي، يا خالد، هم السوريون، الذين استمرأوا الحالة وبكل وقاحة وصلف، فقد أوغلوا النصال ولا هم لهم الا أنفسهم حملوا الشعار وعملوا به "نحن او لا احد، ومن لا يعمل معنا فتحت الأرض مكانه أو المزة مأواه"، انها القوة الاقليمية التي تجاهد بالمجان، على حساب الدم الفلسطيني تارة، وعلى حساب الدم اللبناني تارة أخرى، والجبهة السورية في سبات عميق، كيف لا يكون ذلك والمتبرعون منا كثر، وابوك يا خالد خير مثال على الحالة، أرجو منك يا ولدي الانتباه لحالتك، فلا ارى أمامي الا الحالة نفسها تتكرر من خلالك، فما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس ابو خالد واليوم خالد، نحن عائلة من المتبرعين، ليتنا ما كنا ولا كانت الحالة.
10. ليس هناك استراحة للمحارب، وليس مسموحا للوضع الفلسطيني أن يستقل أو يستقر، فيتم مجددا إشعال الحرب التي انتحلت مجازا وللتورية اسم حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت في الفترة من عام 1985 إلى بدايات 1988، ولكنها كانت عمليا استمرارا لنفس الأهداف العدوانية الصهيونية الإسرائيلية من ناحية، والتآمرية السورية للقضاء على المقاومة وللسيطرة على الورقة الفلسطينية من ناحية ثانية، ولكن هذه المرة من خلال تحالف سوري، لبناني (اللبناني حليف الأمس في المقاومة) ونحن المتبرعون التقليديون رأس الحربة، وكانت المعارك الأشد ضراوة وقسوة في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنه، فسحقت المخيمات عن بكرة أبيها، وقتل فيها من قتل من المقاتلين العرفاتيين المدافعين عن القرار الوطني الفلسطيني وكانت مختلف السجون السورية هي المأوى لمن بقي منهم على قيد الحياة، الداخل إليها مفقود، والخارج منها إلى القبر.
ولدي العزيز خالد مشعل، آمل ان تكون استفدت من كل ما سبق، وفي الوقت نفسه اسمح لنفسي بأن استلهم من هذا الماضي، ومن غيره مما لم ابح به لألفت نظرك وأقول لك التالي:
1. ما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس وقبل ربع قرن من الزمان حصل المنعطف، فكما كان العبث في قضيتنا سوريا ليبيا، إدارة وتمويلا وتسليحا، ها هو اليوم يأتي من جديد لنواجه عبثا سوريا إيرانيا، إدارة وتمويلا وتسليحا وتفكيرا وتكفيرا. وكما كان الشعار دوما هو قضية فلسطين، وإزالة إسرائيل من الوجود، والتحرير من النهر الى البحر، والحفاظ على الثوابت، ها نحن اليوم على موعد مع الحالة ذاتها، فكما تم تمويل الانشقاق في البقاع، وانحرف الدعم العربي الليبي لإراقة الدم الفلسطيني وإزهاق الأرواح البريئة في حروب ومعارك طاحنة لم تحترم حرمة الدم الفلسطيني، ها نحن نشهد هذه الأيام التمويل الإيراني السخي، والخبرة السورية في إدارة واستثمار هذا المال الإيراني النجس في غزة، من خلال جيوب ومليشيات مسلحة ومعممة وبلا أي أفق سياسي, مدعية الشرعية الإلهية، ولكنها تمارس كل ما حرم الله من صنوف القتل وإثارة الفتنة ولا تعبر عن أي مضمون او هدف نبيل، ان ما نشهده اليوم هو رجوع بالحالة الفلسطينية إلى القتل على الهوية، وما حاجز البربارة ببعيد، آخذين بعين الاعتبار الفوارق بين الحالتين، ففي كلتا الحالتين كان الدم فلسطينيا، وها هو الدم الفلسطيني المحرم يعود ليسيل، وأرواح بريئة تزهق يوميا، والاستثمار الإقليمي لا يطال فلسطين وقضيتها منه الا مزيدا من التآكل والضياع، فأين كان هذا السلاح خلال السنوات السابقة ؟ اين كانت إيران وأموالها حين كان عرفات محاصرا في المقاطعة؟ اين كان السلاح الذي لا يقتل الا الاهل في شوارع غزة وخان يونس ورفح ؟؟ اين غاب هذا السلاح عن المواجهة في بيت حانون ؟؟ هل كان يمارس رياضة اثبات القدرة على ضبط النفس، تمهيدا للتأهل والدخول الى الحل السياسي القادم، والذي بدأت مؤشراته مع وثيقة "احمد يوسف جنيف" ؟ أم هي المصداقية العالية على الالتزام بالتعهدات المعلن عنها وما بطن أسوة بالأستاذ السوري الذي برع بمثل هذا الدور على مدار العقود الماضية ؟؟
2. للتذكير وللمقارنة البسيطة، بالأمس كان الانشقاق داخل تنظيم حركة فتح، وكان مسرح عملياته بين البقاع وطرابلس، وقد تجاوزه الزمن، وكشف العري المفزع لحالة النظام العربي، وما زاد فتح والمنظمة الا منعة وصلابة، وباءوا بفشل عظيم. اما اليوم فالأمر مختلف وأكثر خطورة، فالتهديد اكبر من انشقاق داخل تنظيم بعينه، الامر متعلق بالحالة الجديدة ومسرح عملياتها هو الوطن، فبالله عليك يا ولدي إن تسأل رفاقك في غزة، ولا تعف نفسك من السؤال: إلى أين انتم ذاهبون بالقطاع ؟؟ وبالتالي إلى أي مصير ستؤول إليه الضفة ؟ باختصار أخبرني عن مصير الوطن والقضية برمتها.
3. بالأمس كنا في البقاع، واليوم نحن في القطاع، وما أدراك ما القطاع، ما الذي يجري في القطاع ؟؟ القطاع اخر معاقلنا، وهل يحسبون انفسهم في بيشاور ؟ أم في قندهار ؟ ام في مقاديشو ؟ اي تجربة يستنسخون ؟؟ ومن أي معين يشربون ؟؟؟ ومن وصف لهم هذا ؟؟؟ هل نعيش مرحلة الاستفراد بالجغرافيا ورهنها واغتصاب القرار ...ولصالح من ؟
4. ما هذه التصريحات التي اسمعها من الوزير عاطف عدوان، وزير شؤون اللاجئين بتاريخ 3122006 ؟ وكيف تكون غزة عقر دارهم ؟؟ ومن هم ؟؟ وما هذا الذي اسمع ؟ وهل هذا من الوحي الإلهى؟ والى أين هم ذاهبون في القطاع ؟ فليخبرونا عن شكل الكيان القادم وفقا لهذا النوع الغريب العجيب من التصريحات، وهذا النمط من التفكير، افيدونا افادكم الله....! انه الوزير العدوان يا ولدي..... ! انه الوزير العدواني ......! انه الفكر العدواني .....! نعم انه العدوان يا خالد، فالعدوان يا ولدي، كان ولا يزال السبب في الكارثة، وفي النكبة، والنكسة، واللاجئين، والنازحين، والمطاردين، والمبعدين، والمهجرين، والشهداء، والجرحى، وآلاف المساجين... فكيف لوزير بهذا الاسم أن ينسجم مع أهداف المهمة التي يتولاها، الا وهي ملف اللاجئين، لب القضية ؟ وهل سيداويها بالتي كانت هي الداء ؟؟ كلا، إن ما صرح به الوزير، لمنسجم مع اسمه ( العدوان ) نعم، انه سلخ غزة عن بقية الوطن، وبمصادرتها إلى المجهول بالنسبة لنا، المعلوم بالنسبة لأسياده (أسيادنا) انه العدوان بعينه .. فليتوقف هذا العدوان.
5. ولدي خالد: هل ينشق الوطن ؟ هل ينقسم ؟ وعلى أي أساس ؟ هل أصبحت غزه ستان؟ وهل سيحتاج الرئيس أبو مازن يوما ما لتأشيرة للدخول إلى غزة ؟ ومن أين سيحصل عليها ؟ وهل سيحتاج إلى إقامة فيها ؟ وهل ستمدد له؟ وهل سيحتاج إلى كفيل ؟ فما نوع الكفيل، وما هي مواصفاته؟ الوضع مخيف وغير مسبوق! يا للكارثة !! فلتنشق كل الفصائل ويبقى الوطن وحدة واحدة، فغزة ليست عقر دار احد وحده دون غيره، غزة عقر دار كل الفلسطينيين كما بقية أجزاء هذا الوطن، وكذلك هي عقر دار كل الأحرار والشرفاء الذين وقفوا مع فلسطين من كل أنحاء العالم .. وكما أن التاريخ لا يرحم، فالجغرافيا كذلك واشد.
6. أعلمك وأوصيك يا ولدي: إن هذا الوطن الواحد الموحد فينا وان تقطعت أوصاله، فليبق بعيدا كل البعد عن رهن قراره لصفوي او غيره مقابل مال نجس، او إعارته لأحفاد تيمور لنك، انه أغلى ما نملك، وهو آخر معاقلنا، لا نفرق بين احد من أهله ولا حبات رمله، كما اننا لا نعترف بوطن غيره، وليست دمشق او طهران مرابط خيولنا، ولا غيرها أيضا، أوصيك ارض الرباط، فلسطين بعاصمتها القدس الشريف.
7. كل الأهداف تتلاقى مهما أوغلت في الزمن الماضي السحيق، فالسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني المستقل هو الرغبة الملحة والجامحة للجميع بمختلف ألوانهم وأطيافهم، وما لم يكن مفهوما بالأمس، فقد أصبح واضحا كل الوضوح اليوم، وكل شيء يحتاج الى تفسير ولتتوقف عند كل منعطف، فلا تكن ساذجا ياولدي، ثق بي ودعك منهم، وما لا تجد له تفسيرا في الحين، سيأتي الزمن الذي يوضحه ويفسره ولو بعد حين، واليوم وقد فسرت لك ما كنت تجهل، وما اشبه اليوم بالأمس، وأنا الذي خبر الحياة والمعاناة وما تعرضنا له خلال ال25 سنة الأخيرة، والمزة نهاية المطاف، الا يكفيك كل هذا لتستفيد من تجربة ابيك وتعفي نفسك وشعبك من أثمان تجربة جديدة أكثر كلفة ؟ وهل تحتاج يا ولدي الى ربع قرن اخر من الان حتى تفهم إلى اين تتجه الأمور؟ الا يكفي شعبنا ما دفعه من الأثمان الباهظة بسبب مراهقتنا السياسية تارة، وتأجير البندقية والقرار تارة اخرى ؟ وها انتم تكررون نفس الخطأ، علاوة على قيامكم برهن القرار الوطني الفلسطيني في كافة القضايا بدءا من قضية الجندي (جلعاد) والذي تحول لقلعاط، وانتهاء بالهدنة على الطريقة الإسلامية وفقا للدكتور الشيخ المستشار (احمد يوسف جنيف).
8. لا حاجة لك لربع قرن إضافي او يزيد حتى تتمكن من فهم الذي يجري معك اليوم، فأنا أقولها لك ومن زنزانتي في المزة، أقولها لك بصراحة ولا أخشى في الله لومة لائم، ولم يبق لي من العمر أكثر مما مضى منه، أقولها لك وبكل صراحة، وما احرص الأب على ولده، أقول لك بان آخرتك ونهايتك، طالت ام قصرت، لن تكون بأفضل من آخرتي هذه، فاكسب غدك وانج بنفسك، فقد هلك أبوك فلا تهلك بني، أهلكنا فتح فلا تهلكوا حماس والوطن، أرجوك يا ولدي، أرحني، فأنا ملاق ربي، ولست معفيا من المسائلة عن أفعالك وأقوالك، فأنت ولدي الصالح، وارجو ان تكون عملي الصالح كذلك، واعلم بني بأنني سأقف بين يدي الخالق الواحد الأحد لأسأل عن اسمك، وما اسميتك مشعلا الا لتبقى كذلك، مشعلا حقيقيا لتنير فيه دروب العز والأمل، لأجيال تتوق للحرية والاستقلال والكرامة، فلا تكن غير ذلك، ولتكن عند حسن ظني وظن اهلك بك.
9. أحذرك نفسك، اياك والغرور، فقد راعني حقيقة ما سمعته عنك بانك خرجت عن طورك وادبك في ذلك المؤتمر الصحفي الذي رتبته لك الضابطة الفدائية في الشام، وذلك للرد على خطاب السيد الرئيس محمود عباس يوم 16122006 حينما دعا لانتخابات رئاسية وتشريعية، وراعني انك لم تحترم العجوزين: عمك فاروق القدومي أبو لطف، وكذلك عمك احمد جبريل ابو جهاد على طرفي الطاولة في جلستهم المهينة معك خلال ذلك المؤتمر الصحفي السيء، وما تمنيت هذا لكم، خاصة وأنت "تشبرح كالمهبول" بكلتا يديك والغرور يضربك في راسك بشكل واضح، والكذب يتطاير من عينيك بشكل ملفت بالنسبة للناظر اليك، أعذرك لانك لا تتمكن من رؤية نفسك، مهلا، مهلا، مهلا يا ولدي، ما الذي جرى لك، وكيف رضيت بهذا يا ولدي، عيب عليك، فلتحترم شيبة عزيز ذل، وما أجبرهما على ذلك من احد.!! ولتحترم نفسك اليوم، فيومك قادم، وما من احد منا كان يعلم بما خبأت له الأيام.
10. انتبه لنفسك ولبقية أخوتك، فلا أمان لهذا النظام، فكيف يخطر على بالك يا ولدي وأنت ابن التيار الإسلامي يحتضنك ويرعاك من سحق نظامه الإسلام والمسلمين في حماه، ومارس أعوانه كافة صنوف الخطف والقتل والتهديد بحق الضباط والكوادر من ابناء الحركة العملاقة، أبناء فتح، وها هو ابوك خير مثال وشاهد على الحالة، والله خير الشاهدين ؟؟ كيف ستستوى الأمور وهم أرباب نظام وثقافة "بعثية" موغلة بالإفك بحق خيرة كوادرنا وضباطنا في البقاع وصبرا وشاتيلا وصيدا، وفي مناطق كثيرة من العالم حيث اختلطت الشبهة والمصلحة حصريا بين اسرائيل والنظام البعثي في كثير من الحالات، كل هذا مضافا الى كل الدم الذي اسالوه في تل الزعتر بلبنان عام 1976....وقادة الحركة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها الزعيم كمال جنبلاط، فهل لك يا خالد ان تسأل من حولك كيف واين استشهد القادة عبد المجيد الزغموت، وماجد، وسعد صايل، والحاج حسن، وعلي ابو طوق، وسمير ذياب، ونبيله برير، والكثيرين غيرهم..؟؟ وما هو مصير السجناء الفتحاويين الذين ما زالوا يقبعون في السجون السورية بدون محاكمات ؟
11. اوصيك بني بالرحيل عن هذه البادية خوفا وحرصا عليك من التمادي في هذا التيه فلا داعي للمزيد منه، اتركها فارض الله واسعة، فالذي جرى لأبيك يكفي، ولا داعي لتكراره معك، قلبي عليك فلا تجعل قلبك على الحجر، انتبه لما انت فيه يا خالد، أنا وإياك وبقية الفصائل رهائن هذا النظام العربي، الذي فعل ما فعله في القضية خلال العقود الماضية، انبهك لفداحة الأذى الذي يلحق بالقضية والأهل في الداخل معا من جراء العبث الجاري، فدعهم يواجهون الاحتلال وآثاره، لا أن نزيدهم أعباء فوق أعبائهم، حصار، وجوع، وفتنة، واقتتال، وضياع قضية، فما هو تحت الاحتلال يحتاج الى دعم ومساندة وتحرير، ولا يصلح للرهن او الإيجار.
12. قل لإخوانك في غزة كفى ... ، بالأمس وحينما كنت في التيه تائها مع أبو موسى، فأنني اعترف بقيامي بإلحاق الكثير من الأذى بأهلي وعشيرتي واسمي، علاوة على ما الحقته من ضرر في الوضع الوطني الفلسطيني العام، من خلال بيع نفسي ورفاقي للشام، اعتذر لهم ولسمعتهم، وبالرغم من كل الذي جرى، الحمد لله باننا لم نفلح، فبالامس كنا في الشتات ولم يتأثر الوضع الفلسطيني برمته، ولكن الوضع اليوم مختلف جدا، فالمصيبة ان وقعت ستكون القاضية، فالحالة ليست انشقاقا، فالانشقاق مستوعب ومقدور عليه، والمنشق مطرود من رحمة الله ليندرج عبدا، رقيقا، ذليلا، حقيرا، لدى سيده العبد، وفي النهاية سجينا في المزة بدعوى مكافحة الارهاب، واستثمارا رخيصا من قبل تجار الشام، ولإثبات حسن النوايا لعل ذلك يخفف أو يبعد عنهم الأذى الداهم من جراء فتح الملفات الساخنة. نعم ان الحالة اليوم في فلسطين ليست انشقاقا داخل فصيل، وانما هي الكارثة الوطنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, وبكل المعايير، كيف لا وأخبار الداخل على كل لسان، وطن ينسلخ عن بعضه، القطاع معقل الإخوان وعقر دارهم، التأشيرة للدخول اليه ستصبح ضرورة، وحرب التحرير على الفضائيات مستمرة ، هذا هو الحال الان، وقد وصلت الامور لتعبر عن الحالة الانعزالية التي تدعم وتؤيد ما اعتقدته حينما كنت أراقب وارى واسمع ما يجري ويقال في غزة خلال الحوار الوطني في شهر 5 من هذا العام، وحين بدأ هذا الحوار سمعنا نغمة طالبت بنقل الحوار الى غزة!! ما هذا الفكر ؟؟ وما هذه النوايا ؟؟ وسرعان ما تكشفت الأمور، انها حالة استفراد بالجغرافيا مرهونة للخارج بشكل مكشوف، إنها حالة انسلاخ وانعزالية يتوج بالخطف والقتل على الهوية، وهي اخطر من الانشقاق، مرة أخرى، إلى أين انتم ذاهبون بغزة هاشم ..؟؟؟ أقول لكم: كفى، ولتعتذروا لغزة وأهلها، احذرهم يا ولدي، احذروهم، احذروا من لا دين لهم.
13. قل لرفاقك في غزة بأنهم لن يكسبوا شيئا من زياراتهم لدمشق، بلغ تحياتي للأخ إسماعيل هنية، وبلغه بظروفي القاهرة، والتي حالت دون لقائه، آمل منه ان يجرؤ على فتح ملفي مع السوريين متوسطا لإطلاق سراحي، وإتاحة الفرصة لي بإنهاء حياتي بكرامة، فليجرب قيمته ووزنه عندهم، لا قيمة لاحد عندهم، آمل اللقاء به في الوطن، قل لرئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية بأن لا طائل من زيارته لدمشق، وأتمنى له أن لا يكرر الزيارة في مثل هذه الظروف ولا في غيرها، فأنا أغار عليه واحترمه، فهو رجل نظيف، فليحافظ على براءته ونظافته، فهو لن يستطيع ان يقنع احدا بان فتح الخط الدولي بين دمشق وفلسطين هو فتحا عظيما او انجازا استراتيجيا، فالكل يعرف أن العالم أصبح قرية صغيرة، وكذلك مسألة أكذوبة تمكين حاملي جواز السفر الفلسطيني من الدخول إلى سوريا على أنها تحقيقا لانجاز وطني يرتقي إلى المستوى القومي. ولما كان المواطن العربي الفلسطيني حامل جواز السفر الفلسطيني ممنوعا من الدخول الى سوريا طيلة السنوات الماضية، فما هو الدور القومي الذي كانت تدعم فيه سوريا الانسان الفلسطيني القابع تحت الاحتلال ؟؟ فما بالك بقضيته والقائمين عليها ؟؟؟ وماذا عملت للفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية وهم يذبحون كل يوم؟
14. بعد التحية لك ولهنية، سله ما الدية ؟؟ هل هذا كلام رئيس حكومة فلسطينية، أم كلام مختار متدرب لم يحز على رخصة الممارسة بعد ؟؟ كيف له أن يتلفظ بهذا؟ أليس هو الحكومة ؟؟ أليس هو براع للرعية ؟ وهو المسؤول عن كل ضحية ؟ وهو صاحب الأمر بجلب الخارجين عن القانون، والمسؤول أمام الله عن ما آلت إليه القضية ؟ وان هو لن يفعل كل هذا فمن سيفعل.؟؟
15. بالأمس مارسوا فنون التهريب من المعابر، واليوم دخلوا في حرب مع العائلات والعشائر، ودخلنا في متاهة الدية والتسعيرة، والعائلات القوية والأخرى الضعيفة!! وغير ذلك من الأفعال والأقوال التي لا تتناسب مع المقام السامي لرئيس حكومة فتية، قل له ولمن معه بان يرتقوا بالفاظهم وحديثهم الذي لم يعبر ولا للحظة واحدة عن مستوى يستطيع احترامه الأصدقاء، فما بالك بغير الأصدقاء، نحن في الخارج نراقب ونشاهد، فالوضع محرج ومخجل، استرونا ستركم الله.!!!
16. فضيحة وعليها شهود، القدس التي استشهد دونها أبو عمار، وفيصل الحسيني، وأبوه من قبل، وآلاف الشهداء، لماذا هانت على من ادعوا الحفاظ على الثوابت والتمسك بها ..... ؟؟ لم يكن لديهم اي مانع بان تجري الانتخابات التشريعية بدونها، تبا لهم، ولكن النسيان آفة العصر! بدأو مفرطين بالقدس قبل الفوز، وقد سقطوا في الاختبار الاول، وبعد الفوز حللوا الدم، المنابر والفتاوي من كل حدب وصوب، فمكانتك ودرجتك الرفيعة عند الله تتناسب طرديا مع رتبة من تتمكن من قتله من ضباط الأجهزة الأمنية، وما يمارسوه اليوم في غزة اخطر من التفريط بالمقدس، اذا كان الدم عند الله اهم من الكعبة اول بيت وضع للناس، فما بالك بالقدس ؟ وها هم اليوم يستبيحون الاكثر حرمة وقداسة، انه الدم الفلسطيني، وقد سقطوا أيضا فيه، وسقطوا في الاختبار الثاني، وانكشف أمرهم، شكرا للعباس الذي حسم وكسب المعركة لصالح القدس وأهلها انتخابيا، بينما خسروها من ادعوا وكالتهم الإلهية، فبأي وجه سيقابلون الله ؟ وآما الدم الفلسطيني المحرم فمن سيحسم أمره ؟
17. انصح اخوتك في غزة بدعوة الناس بكافة أطيافهم ودون تمييز إلى صلاة استسقاء لعلهم يثبتوا مكانتهم عند الله، ومن بعد فلكل حادث حديث، واطلب من اخوانك الكف عن التكفير للآخرين، وليتوقفوا عن الفتنة وافساد الحالة الوطنية من خلال المنابر المحتكرة والمساجد الحصرية والتي لا تنتج الا حقدا، وعمى للقلوب، وبالتالي دماء في الشوارع، وإعدامات تحت جنح الظلام، حيدوا الأطفال، والمدارس، وبيوت الله، والشرطة، والأمن، فهي من المحرمات.
18. نحن أبناء المدرسة الفتحاوية العظيمة، مسلمون ومسيحيون، لا نفرق بين احد منهم، نصلي لإله واحد وبطرق مختلفة، ولا للدعوات التي تعبئ حقدا ما أنتج الا حربا أهلية لا حاجة لنا بها، وما نحن إلا بأمس الحاجة للوحدة الوطنية، والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية، الوطن المعنوي الكبير للشعب الفلسطيني، في الداخل والخارج برئاسة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وبما يمثله وطنيا فلسطينيا عباسيا امتدادا عرفاتيا، مخلصا لله وللوطن ودون ذلك القبر.
19. بني: اسميتك مشعل لأخلصك من اسمي وارثي، فاترك لي ارثي وابق مشعلا خالدا، فلا تتشبه بي، فأنت في مقتبل عمرك، فاقترب أكثر من الله واتبع أولي الأمر، فعليك بالرئيس محمود عباس فهو من العرفاتيين، ثق به وليسدد الله خطاك وهو حسبك، لا لورثة تيمورلنك وأحفادهم، والنصيريين منهم والخوارج وعبدة النار ومن والاهم، دعني اهدأ في زنزانتي، في قبري، وفي آخر حياتي، أعطني الفرصة لأتعرف على الله لعله يغفر لي ذنبي، ويجعل لي مخرجا، أعانني الله.
20. أوصيك فلسطين الوطن، أوصيك فلسطين الهوية، فلسطين أهم من كل الفصائل ومن فسائلها أيضا، فلسطين أهم من فتح، فلسطين أهم من حماس، فلسطين أهم من النظام العربي، فلسطين أهم من المسلمين ومن المسيحيين ومن كل أصحاب الأديان والمذاهب، فلسطين أهم من الأعراب، فلسطين هي الحقيقة الباقية، هي الامتحان وهي الاختبار، سقط الجميع في اختبارها، تآمروا عليها ففضحتهم، القضية مقدسة ولا مجال للمساس بها، حاولوا المساس فمستهم، والعقاب فوري، يمهل ولا يهمل، ولكم في التاريخ الكثير من العبر يا أولي الألباب، وتبقى فلسطين أرضا وشعبا وهوية وقرارا مستقلا، جذورها عمق الأرض والتاريخ، وفرعها في السماء.
والدك
أبو خالد العملة
سجن المزه – سوريا في 15-1-2007