"ذي غارديان": كل ما سيفعله العنف في غزة واسرائيل هو زرع الحقد في قلوب جيل آخر
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الجمعة تحليلاً لاحد كبار معلقيها جوناثان فريدلاند عن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة يقول فيه ان كل ما سيفعله العنف في غزة واسرائيل هو انه سيزرع الحقد في قلوب جيل جديد آخر.
وهنا نص تحليله المعنون "معركة لا تحل اي عقدة":
"هذا فيلم رعب شاهدناه من قبل. خلال الأيام التي تلت سباقا انتخابيا أميركيا تقرر حكومة اسرائيلية على وشك خوض انتخابات خاصة بها أنها لم تعد تستطيع تحمل نيران صواريخ "حماس" بعد الآن. وترد بقوة مصممة على أن تظهر للجمهور الاسرائيلي أنها لا تقف مكتوفة اليدين في الوقت الذي يختبىء فيه مليون من مواطنيها في الملاجىء التي تحميهم من القنابل، وأطفالهم لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس، لكنها صلبة، مستعدة لفعل أي شيء "لاستعادة الردع". وستجلب الهدوء إلى بلداتها الجنوبية من خلال إجبار "حماس" على الخوف من غضبها مرة أخرى.
وكما كان الحال بعد انتخاب باراك اوباما عام 2008، فهو نفسه الآن بعد إعادة انتخابه عام 2012. قبل أربع سنوات كان الهدف من عملية "الرصاص المصبوب" هو اجتثاث "البنية التحتية للإرهاب" من غزة، والقضاء على تهديد "حماس". ولم تحقق العملية شيئا من ذلك. فقد ظلت "حماس" مسيطرة، وكل ما في الأمر أن تهديدها تأجل.
وجاء الدليل على ذلك خلال الاشهر الثلاثة الماضية عنما سقطت الصواريخ على اسرائيل بأعداد أكبر- 130 صاروخا خلال الأيام القليلة الماضية فقط. وهكذا قررت اسرائيل، مرة أخرى، محاربة النار بالنار، فاغتالت القائد العسكري لـ"حماس"، أحمد الجعبري.
ولكي نعرف كيف وصلنا إلى هنا، ولماذا تحول التوتر إلى مواجهة، ولماذا في هذا الوقت، نحن بحاجة لجوابين عن سؤالين. الأول، لماذا سمحت "حماس" بتحويل غزة من جديد إلى منصة لإطلاق الصواريخ، مع اعتبار أنها فرضت بنجاح تهدئة خلال فترات مختلفة منذ العام 2009؟ ولماذا اختارت اسرائيل أن تتصرف بقوة الآن، مع اعتبار أنها كانت راغبة في الرد بطريقة أخف على مثل هذه الاستفزازات في السابق؟.
ولنبدأ بـ"حماس". فإحدى القراءات تفترض أن "حماس" عوقبت بسبب ضعفها، ولأنها أثبتت أنها لم تعد قادرة على كبح الجماعات الأكثر تطرفا- "الجهاد الإسلامي" وغيرها- التي تعمل في المنطقة وفقا لقواعدها. وقد عرض محرر "هآرتس" ألوف بن، وجهة النظر هذه بشكل واضح جدا عندما كتب أن الجعبري، أكثر من كونه عدوا مخيفا، أو أسامة بن لادن بالنسبة الى اسرائيل، فقد كان "المقاول من الباطن" في غزة بالنسبة لاسرائيل، المكلف بفرض تهدئة الأمر الواقع. وعندما توقف عن أداء مهمته، كان لا بد من ازالته: "كانت الرسالة بسيطة وواضحة: أنت فشلت- أنت ميت"، وفقا لما كتبه بن، نقلا عن مقولة مفضلة لوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك: "في الشرق الأوسط ليست هناك فرصة ثانية للضعيف".
لكن من المحتمل بقدر مماثل أن التصعيد الحمساوي لم يكن عارضا، أو ناتجا عن العجز، وإنما عملا من أعمال القوة من جانب الحركة الإسلامية. فقد اخبرني مسؤول اسرائيلي كبير أن اسرائيل كانت تعلم منذ وقت طويل بقدرات "حماس" العسكرية المتزايدة، ومخزونها الكبير من الصواريخ- قبل يوم الأربعاء- ليصل حوالي 11 ألف صاروخ مقتربا من ترسانة حزب الله البالغة 15 ألف صاروخ التي كان يمتلكها حزب الله قبل حرب 2006 في لبنان. وكثير من إمدادات الأسلحة هذه جاءت من ليبيا المتسيبة أمنيا منذ العام الماضي- وهي كنز ذهبي كما قال المسؤول- والبقية من إيران، قبل أن تبرد العلاقات بين طهران و"حماس". (إيران غضبت عندما انفصل حكام غزة عن حليف إيران رقم واحد وهو نظام الأسد). وذراع "حماس" أقوى الآن ويدها أطول كما ظهر فعليا الليلة الماضية عندما سقطت صواريخها على مقربة من تل أبيب في وسط اسرائيل- وهي أول صواريخ تفعل منذ حرب الخليج عام 1991.
لكن قوة "حماس" الجديدة دبلوماسية كما هي عسكرية. فالثورات العربية أعادت رسم الخريطة الإقليمية، لصالح "حماس" على الأغلب. اذ ان "حماس" التي كانت في يوم ما منبوذة ترى الآن حركتها الأم، الإخوان المسلمين، تحكم مصر، وفي حين كان حسني مبارك يلعب دور الوسيط بين اسرائيل وغزة وفي حالات كثيرة يقيد يد "حماس"، فإن حكام القاهرة الجدد يشعرون بضغط جماهيري للوقوف كحلفاء لـ"حماس". وعلينا ملاحظة إرسال الرئيس المصري لرئيس وزرائه لزيارة غزة اليوم.
وما هو أكثر من ذلك، هو ان القيادة الغزية تخوض صراع قوة مع المكتب السياسي لـ"حماس" في الخارج. وأصبح خوض القتال ضد اسرائيل "رأس الرمح"، وفقا لما وصفه المحلل حسين عبيش، في أسلوب "حماس" غزة لتأكيد نفوذها.
ولكن ماذا ايضاً عن ذلك السؤال الثاني: لماذا ردت اسرائيل الآن بالهجوم؟ لقد افترضت الصحافة العبرية فوراً ان التوقيت الاساسي سياسي، وليس عسكرياً: 22 كانون الثاني (يناير)، عندما يتوجه الاسرائيليون الى صناديق الاقتراع. وثمة سوابق كثيرة لإقدام حكومات منتهية ولايتها على عمل عسكري املاً بخلق موجة من الوحدة الوطنية تقودهم الى الفوز: وتندرج (عملية) "الرصاص المسكوب" ضمن ذلك النمط. ومن الممكن جداً ان بنيامين نتنياهو اراد ان يزيح جانباً منافسه العمالي ويمنع سلفه ايهود اولمرت من تنفيذ خطة عودته – ليجبرهما كليهما على الامتثال كوطنيين متحمسين لخطوته. وبالمثل فان باراك وجد طريقة لتذكير الناخبين بما يفترضه من ان لا غنى عنه.
وينفي المسؤولون الاسرائيليون اي شيء من هذا القبيل، مجادلين بان نتنياهو مهني اكثر خبرةً من ان يقدم على مخاطرة كبيرة من هذا النوع. وهو يعلم ان المغامرات العسكرية يمكن ان ترتد وبالاً، وعندما تؤدي الى ذلك، فان الناخبين يرتدون على الرجال الذين اصدروا الاوامر. واذا بقيت تل ابيب معرضةً للهجوم، فسيكون في خطر عظيم.
غير ان المخاطر تتعدى المسألة البسيطة المتعلقة بمصير نتنياهو. فاذا ترجمت القاهرة تضامنها مع "حماس" في صورة عمل مؤكد، فان اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر ما بعد العام 1979 سيكون عرضة للخطر. وبما انه ليس هناك من طرف آخر سيتولى زمام الامور في غزة، فان "حماس" ستبقى المسؤولة، وهناك احتمال قوي بانها ستزداد قوةً، اذا تبين ان السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة "فتح" قد فشلت في محاولتها غير العنفية للفوز بصفة دولة غير عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة.
وفوق هذا كله، فان جولة اخرى تسبب الماً وشقاء وقتلى وجرحى من المدنيين ستزرع الحقد في قلوب جيل آخر سينشأ عاقدا العزم على الانتقام وسفك المزيد من الدماء. وسيستمر هذا جيلا بعد آخر لسبب بسيط واحد: هو انه لا يمكن ان يكون هناك حل عسكري للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وسيقول الجانبان كلاهما ان العمل الذي اقدما عليه ضروري. لكنه لن يحل اي عقدة".
zaنشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الجمعة تحليلاً لاحد كبار معلقيها جوناثان فريدلاند عن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة يقول فيه ان كل ما سيفعله العنف في غزة واسرائيل هو انه سيزرع الحقد في قلوب جيل جديد آخر.
وهنا نص تحليله المعنون "معركة لا تحل اي عقدة":
"هذا فيلم رعب شاهدناه من قبل. خلال الأيام التي تلت سباقا انتخابيا أميركيا تقرر حكومة اسرائيلية على وشك خوض انتخابات خاصة بها أنها لم تعد تستطيع تحمل نيران صواريخ "حماس" بعد الآن. وترد بقوة مصممة على أن تظهر للجمهور الاسرائيلي أنها لا تقف مكتوفة اليدين في الوقت الذي يختبىء فيه مليون من مواطنيها في الملاجىء التي تحميهم من القنابل، وأطفالهم لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس، لكنها صلبة، مستعدة لفعل أي شيء "لاستعادة الردع". وستجلب الهدوء إلى بلداتها الجنوبية من خلال إجبار "حماس" على الخوف من غضبها مرة أخرى.
وكما كان الحال بعد انتخاب باراك اوباما عام 2008، فهو نفسه الآن بعد إعادة انتخابه عام 2012. قبل أربع سنوات كان الهدف من عملية "الرصاص المصبوب" هو اجتثاث "البنية التحتية للإرهاب" من غزة، والقضاء على تهديد "حماس". ولم تحقق العملية شيئا من ذلك. فقد ظلت "حماس" مسيطرة، وكل ما في الأمر أن تهديدها تأجل.
وجاء الدليل على ذلك خلال الاشهر الثلاثة الماضية عنما سقطت الصواريخ على اسرائيل بأعداد أكبر- 130 صاروخا خلال الأيام القليلة الماضية فقط. وهكذا قررت اسرائيل، مرة أخرى، محاربة النار بالنار، فاغتالت القائد العسكري لـ"حماس"، أحمد الجعبري.
ولكي نعرف كيف وصلنا إلى هنا، ولماذا تحول التوتر إلى مواجهة، ولماذا في هذا الوقت، نحن بحاجة لجوابين عن سؤالين. الأول، لماذا سمحت "حماس" بتحويل غزة من جديد إلى منصة لإطلاق الصواريخ، مع اعتبار أنها فرضت بنجاح تهدئة خلال فترات مختلفة منذ العام 2009؟ ولماذا اختارت اسرائيل أن تتصرف بقوة الآن، مع اعتبار أنها كانت راغبة في الرد بطريقة أخف على مثل هذه الاستفزازات في السابق؟.
ولنبدأ بـ"حماس". فإحدى القراءات تفترض أن "حماس" عوقبت بسبب ضعفها، ولأنها أثبتت أنها لم تعد قادرة على كبح الجماعات الأكثر تطرفا- "الجهاد الإسلامي" وغيرها- التي تعمل في المنطقة وفقا لقواعدها. وقد عرض محرر "هآرتس" ألوف بن، وجهة النظر هذه بشكل واضح جدا عندما كتب أن الجعبري، أكثر من كونه عدوا مخيفا، أو أسامة بن لادن بالنسبة الى اسرائيل، فقد كان "المقاول من الباطن" في غزة بالنسبة لاسرائيل، المكلف بفرض تهدئة الأمر الواقع. وعندما توقف عن أداء مهمته، كان لا بد من ازالته: "كانت الرسالة بسيطة وواضحة: أنت فشلت- أنت ميت"، وفقا لما كتبه بن، نقلا عن مقولة مفضلة لوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك: "في الشرق الأوسط ليست هناك فرصة ثانية للضعيف".
لكن من المحتمل بقدر مماثل أن التصعيد الحمساوي لم يكن عارضا، أو ناتجا عن العجز، وإنما عملا من أعمال القوة من جانب الحركة الإسلامية. فقد اخبرني مسؤول اسرائيلي كبير أن اسرائيل كانت تعلم منذ وقت طويل بقدرات "حماس" العسكرية المتزايدة، ومخزونها الكبير من الصواريخ- قبل يوم الأربعاء- ليصل حوالي 11 ألف صاروخ مقتربا من ترسانة حزب الله البالغة 15 ألف صاروخ التي كان يمتلكها حزب الله قبل حرب 2006 في لبنان. وكثير من إمدادات الأسلحة هذه جاءت من ليبيا المتسيبة أمنيا منذ العام الماضي- وهي كنز ذهبي كما قال المسؤول- والبقية من إيران، قبل أن تبرد العلاقات بين طهران و"حماس". (إيران غضبت عندما انفصل حكام غزة عن حليف إيران رقم واحد وهو نظام الأسد). وذراع "حماس" أقوى الآن ويدها أطول كما ظهر فعليا الليلة الماضية عندما سقطت صواريخها على مقربة من تل أبيب في وسط اسرائيل- وهي أول صواريخ تفعل منذ حرب الخليج عام 1991.
لكن قوة "حماس" الجديدة دبلوماسية كما هي عسكرية. فالثورات العربية أعادت رسم الخريطة الإقليمية، لصالح "حماس" على الأغلب. اذ ان "حماس" التي كانت في يوم ما منبوذة ترى الآن حركتها الأم، الإخوان المسلمين، تحكم مصر، وفي حين كان حسني مبارك يلعب دور الوسيط بين اسرائيل وغزة وفي حالات كثيرة يقيد يد "حماس"، فإن حكام القاهرة الجدد يشعرون بضغط جماهيري للوقوف كحلفاء لـ"حماس". وعلينا ملاحظة إرسال الرئيس المصري لرئيس وزرائه لزيارة غزة اليوم.
وما هو أكثر من ذلك، هو ان القيادة الغزية تخوض صراع قوة مع المكتب السياسي لـ"حماس" في الخارج. وأصبح خوض القتال ضد اسرائيل "رأس الرمح"، وفقا لما وصفه المحلل حسين عبيش، في أسلوب "حماس" غزة لتأكيد نفوذها.
ولكن ماذا ايضاً عن ذلك السؤال الثاني: لماذا ردت اسرائيل الآن بالهجوم؟ لقد افترضت الصحافة العبرية فوراً ان التوقيت الاساسي سياسي، وليس عسكرياً: 22 كانون الثاني (يناير)، عندما يتوجه الاسرائيليون الى صناديق الاقتراع. وثمة سوابق كثيرة لإقدام حكومات منتهية ولايتها على عمل عسكري املاً بخلق موجة من الوحدة الوطنية تقودهم الى الفوز: وتندرج (عملية) "الرصاص المسكوب" ضمن ذلك النمط. ومن الممكن جداً ان بنيامين نتنياهو اراد ان يزيح جانباً منافسه العمالي ويمنع سلفه ايهود اولمرت من تنفيذ خطة عودته – ليجبرهما كليهما على الامتثال كوطنيين متحمسين لخطوته. وبالمثل فان باراك وجد طريقة لتذكير الناخبين بما يفترضه من ان لا غنى عنه.
وينفي المسؤولون الاسرائيليون اي شيء من هذا القبيل، مجادلين بان نتنياهو مهني اكثر خبرةً من ان يقدم على مخاطرة كبيرة من هذا النوع. وهو يعلم ان المغامرات العسكرية يمكن ان ترتد وبالاً، وعندما تؤدي الى ذلك، فان الناخبين يرتدون على الرجال الذين اصدروا الاوامر. واذا بقيت تل ابيب معرضةً للهجوم، فسيكون في خطر عظيم.
غير ان المخاطر تتعدى المسألة البسيطة المتعلقة بمصير نتنياهو. فاذا ترجمت القاهرة تضامنها مع "حماس" في صورة عمل مؤكد، فان اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر ما بعد العام 1979 سيكون عرضة للخطر. وبما انه ليس هناك من طرف آخر سيتولى زمام الامور في غزة، فان "حماس" ستبقى المسؤولة، وهناك احتمال قوي بانها ستزداد قوةً، اذا تبين ان السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة "فتح" قد فشلت في محاولتها غير العنفية للفوز بصفة دولة غير عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة.
وفوق هذا كله، فان جولة اخرى تسبب الماً وشقاء وقتلى وجرحى من المدنيين ستزرع الحقد في قلوب جيل آخر سينشأ عاقدا العزم على الانتقام وسفك المزيد من الدماء. وسيستمر هذا جيلا بعد آخر لسبب بسيط واحد: هو انه لا يمكن ان يكون هناك حل عسكري للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وسيقول الجانبان كلاهما ان العمل الذي اقدما عليه ضروري. لكنه لن يحل اي عقدة".