رسائل من غزة "الرسالة السابعة " - منا ولا منهم؟؟
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
" منا ولا منهم " هذه العبارة إعتدت أن أسمعها منذ اليوم الأول لبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع من طفلي الذي لم يتجاوز العشرة أعوام من عمره، حينما يستمع لصوت قصف أو صاروخ محلي لم يستطع التمييز بعد ولكنه بالنسبة له، الصوت وهزة البيت مصدرا للخوف والرعب الذي يصيبه، لتبدأ حينها جملة من التساؤلات والفضول في معرفة كل صغيرة وكبيرة.
ابني يحيي شاهد وعايش الحرب الأخيرة التي شنتها قوات الإحتلال الإسرائيلي في أواخر العام (2008) ولكنه حينها لم يدرك معنى الحرب والقصف وضرب الصواريخ ولم يكن يرتعب منها، بل كان يغط في نوم عميق ساعات الليل، ولكن هذه المرة الصورة أصبحت أكثر وضوحاً بالنسبة له بعدما إتسعت مداركه وغدا يفهم معنى احتلال، ومقاومة، وصواريخ صنع محلي، وقصف بالطيران، بل أصبح يتساءل ما الفرق بين طيارة الإستطلاع وطيارة الأباتشي والطيارة الحربية يريد أن يفهم المزيد والمزيد....؟
مع بداية اليوم يفاجئني بسيل من الأسئلة التي يبدو أنها كانت تدور في خلده وعقله الباطن خلال النوم، ماذا حصل ؟ أين ضربوا ؟ وكم عدد الشهداء؟ وهل هناك تهدئة؟ أسئلة كثيرة تدور في عقل طفلي، ومن ثم يطلب ويلح للخروج للشارع، أحاول جاهدة أن أمنعه ولكنني لم أفلح في ذلك، أعطيه مساحة من الوقت كي يمارس لعبته المفضلة كرة القدم على مسافة محدودة من البيت، أو يلعب المضرب مع الجيران، ومع كل ضربة صاروخ أو قصف طائرة أراه يهرع للبيت مسرعاً تاركاً كرته في الشارع ليسأل السؤال المعتاد " منا الصاروخ ولا منهم"؟ وأعيد له الكرة وأحاول أن أفرق له بين خروج الصاروخ من صنع محلي، وقصف الطيران بقدر ما أستطيع.
حينما يبدأ الظلام يرخى سدوله تبدأ فصول المعاناة الليلية، خاصة في حالة إنقطاع التيار الكهربائي فتجتاح البيت غمامة سوداء تلف المكان وتبدأ رحلة خوف ورعب جديدة، ترتعد لها جميع مفاصلك لمجرد أي إهتزاز أو حركة تدب في البيت حتى وإن كانت ليس لها علاقة بإطلاق النار والصواريخ، ما أطول ليالي الشتاء التي إزدادت طولاً ومللاً مع العدوان.
نبدأ بتحضير الشموع وإلتزام مجالسنا كما هي العادة في أكثر الغرف أمناً في البيت البعيدة عن النوافذ، نجتمع ثلاثتنا في منطقة واحدة نراقب ونتابع ونرخى آذاننا لكل حركة أو قصف أو صاروخ، ونتابع عبر الإذاعات المحلية أماكن الإستهداف والقصف....؟
الليل بالنسبة لي كأم أشد وطأة من النهار، لخوف طفلي حيث تنتابه مع كل ضربة حالة هلع، يضمنى ضمة تكاد تزهق روحي من شدتها، وهو يلتصق بي من شده الخوف، أحاول تهدئة روعة وخوفه ببعض القصص والأسئلة أو الألعاب التي تبعده عن مصدر الخوف ولكن كلها تبوء بالفشل.
مرت ليالي سوداء إعتقدت أن "يحيي" أصيب بمرض السكر جراء دخوله الحمام لعدة مرات في وقت محدود للغاية، وخشيت بالفعل أنه قد أصيب، ولكن حينما إستفسرت عن هذه الحالة، قيل لي أنها من الخوف، معاناة أخرى أعانيها أيضاً أنه يرفض أن يتنقل في البيت بدوني أو بدون والده ويبقى يصدر أصوات ينادي علينا حتى يستأنس بنا حين دخوله الحمام ويجرى بسرعة البرق من باب الحمام حتى غرفة النوم.
دوماً وعند كل قصف أبادره بالسؤال" هل أنت خايف" يقول لي بلا تردد " اه خايف كتير" ويبقى ساهراً معنا يتابع الأحداث حيث تغير نظام حياته فلم يعد ينام باكراً كالأمس ، وحينما ينام تنتفض كل مفاصله مع كل هزة تصيب البيت أو النوافذ لنعود مرة أخرى لنخفف عن روعه كي يخلد لنومه مرة أخرى ولكن يبدوا أن النوم بات مطلباً بعيد المنال في ظل إستمرار العدوان على قطاعنا
يأمل يحيي كغيره من الأطفال أن تنتصر المقاومة بعد رؤيته لأشلاء الأطفال الممزقة، وفي ذات الوقت يبقى يحلم في رجوعه للمدرسة وأصدقائه هناك وإمساك كتبه ودفاتره وعمل واجباته. ويتكرر سؤاله متى ستنتهي الحرب؟