كاميرا تعرّي عدواناً
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
حمزة الحطاب
حلّ الظلام باكراً على عائلة السلايمة في منطقة الدبويا وسط مدينة الخليل، وراحت الخمسينية جميلة تطمأن على ابنيها، قبل أن تسكن فراشها آملة في قضاء ليلة هادئة في منزلها المحاط بأسلاكٍ شائكة وشبك حديدي وحواجز عسكرية.
جميلة أغمضت إحدى عينيها وأبقت الثانية مفتوحة وبقيت متيقظة تحرس منزلها، باغتها هجوم جنود الاحتلال الاسرائيلي عند الثانية فجراً، نهضت مفزوعة وسارعت نحو فراش أبنيها فأيقظتهما، ثم فتحت الباب.
"أيقنت أنهم مستوطنون أو جنود كون منزلنا مستهدف، فتحت الباب فدخل الجنود بهمجية، وطلبت من ابنتي تحضير كاميرا التصوير التلفزيونية. أخبرني الجنود أنهم يريدون اعتقال ابني عبد الرحمن، فقلت لهم يمر ابني كل يوم عن بواباتكم وحواجزكم، لماذا لم تأخذوه؟ لماذا حضرتم في الليل؟ فنهروني. جاءوا في الليل فقط ليرهبونا ويستفزونا، وقاموا بالاعتداء عليّ بالضرب ودفعوني بقوة، فقلت في نفسي أنا امرأة مسنة وضربوني، فماذا سيفعلون بابني؟ قررت مواجهتهم وتخليصه من بين أيديهم، فتعاركت معهم وضربوني وأغمي عليّ، قبل أن أستعيد الوعي من جديد".
بعد شد وثاق ابنها وتعصيب عينيه دون رحمة؛ صرخت جميلة: " ابني، ابني ، ابني"، فصارت هدفاً لاعتداء الجنود بتهمة "غريزة الأمومة"، وضربت مجدداً واعتقلت هي الأخرى.
وتصف أم عبد الرحمن لحظات اعتقالها قائلة: "أوثقوا معصميّ بأربطة بلاستيكية، وكانوا يرددون أنني من عائلة مخربة وقمت بالاعتداء على عدة جنود، احتجزوني ليلة كاملة في البرد قبل نقلي إلى حاجز (عصيون) حيث أجبرت هناك على الجلوس إلى جانب حاوية نفايات، ومنعوا عني الماء طوال اليوم، هددوني بالإبعاد إلى غزة، وبعد ذلك احتجزت في مركبة مخصصة لنقل الأسرى داخل زنزانة صغيرة، انطلقت بي إلى سجن (هشارون)، وهناك أدخلت إلى زنزانة تضم 7 أسيرات، فكانت الظروف قاسية جداً، فبالإضافة إلى الاكتظاظ؛ كان البرود قارساً والرطوبة والعفن تنتشران في المكان".
جميلة، تحاصر منزلها خمس بؤر استيطانية، وتقاسي مع عائلتها وجيرانها من تكرار اعتداءات الجيش والمستوطنين، فما يعجز عن تحقيقه المستوطنون يكمله الجنود.
"لم تختلف الظروف داخل السجن عن خارجه، فسطح منزلنا سجن، وعلى مدخل البيت سجن آخر، وكذلك الحال مع مدخل الحيّ. نسكن بين ثلاثة حواجز، الجنود يفتشون كل أغراضنا ويمنعونا من المرور بجانب البوابة، فقط من خلالها، ويجبرونا على تكرار ذلك مستمتعين بإذلالنا. يومياً نتعرض للضرب والقهر على يد الجنود والمستوطنين، في إحدى المرات حالوا خطف طفل الجيران".
سلاح سكان هذه المناطق صمودهم وما يمتلكونه من كاميرات، زودهم بها مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم)، فباتت السبيل الوحيد لتوثيق الاعتداءات بحقهم.
يقول موسى أبو هشهش الباحث الميداني وممثل المركز في محافظة الخليل، "التصوير مهم، وللصورة قوة وتأثير أكثر من الكلمة، لذلك أطلق (بيتسيلم) مشروعه في العام 2007، وتم توزيع عشرات كاميرات التصوير على متطوعين في مختلف محافظات الضفة الغربية وعلى بعض مناطق قطاع غزة، ليقوم الناس الذين يعيشون بالقرب من المستوطنات ونقاط المواجهة؛ بتصوير الانتهاكات بأنفسهم".
ويؤمن أبو هشهش بنجاح المشروع، سيما أن الأفلام المصورة لاعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين لها أكثر من استخدام، فهي تشكل مرجعا لباحثين مختصين في دراسة حالة حقوق الإنسان، ولمخرجين يعلمون على إنتاج أفلام وثائقية، كما أنها ترسل لمحطات تلفزة فلسطينية وإسرائيلية وعالمية، حيث أثارت بعض اللقطات ضجة إعلامية كبيرة، منها إطلاق أحد الجنود النيران صوب شاب فلسطيني مقيد ومعصوب العينين في قرية النبي صالح قرب رام الله، وتعدي مجموعة من المستوطنين لفظيا على سيدة فلسطينية في تل رميدة بالخليل.
ويضيف: "توثيق هذه من الأحداث ونشرها أحرج إسرائيل وحاصرها، وهذا ما أوجد ارتياحا لدى الناس الذين استخدموا الكاميرا وساهموا بفضح ونشر جرائم الاحتلال".
صحافة المواطن، مفهوم تعزز في المناطق التي يكثر فيها استهداف المدنيين، وباتوا من خلال ما يمتلكونه من عتاد صحفي متواضع إعلاميين ومصادر لنقل الحقيقة.
يقول سلطان الشرباتي من سكان الدبوية وسط الخليل: "نقوم بتصوير اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال، كالاقتحامات الليلية وضرب المواطنين على الحواجز. في الأشهر الثلاثة الأخيرة صورت أكثر من حادثة، أبرزها اعتقال شابين والاعتداء عليهما دون أي وجه حق، وأفرج عنهما لاحقا بفضل آلة التصوير، إضافة إلى حادثة أخرى تمثلت في الاعتداء على طفل في الثامنة من عمره سنوات، فضلا عن اعتقال أم عبد الرحمن السلايمة".
ويعتقد الشرباتي أن التصوير بات مخلّصا في أحيان كثيرة من بلاء الجيش والمستوطنين وفاضحاً لاعتداءاتهم، بالرغم من المضايقات التي يتعرض لها حامل الكاميرا في المواقع التي تشهد الاعتداءات.
تتحدث فايزة أبو شمسية من سكان تل رميدة والمتطوعة في البرنامج؛ كيف رفعت الكاميرا من معنويات المواطنين، الذين أصبحوا يمتلكون دليل إدانة للجنود والمستوطنين، ساهمت في تخليصهم من قضايا كثيرة.
وتضيف "في البداية لم يتقبل الناس الكاميرا ولم نجرؤ على استخدامها، ولكنها حالياً زادتنا إصراراً ورفعت من معنوياتنا. نعم نحن لا نعتاش من التصوير ولكنها مغامرة جميلة. لن أتوقف عن التصوير مهما كانت الظروف".
zaحمزة الحطاب
حلّ الظلام باكراً على عائلة السلايمة في منطقة الدبويا وسط مدينة الخليل، وراحت الخمسينية جميلة تطمأن على ابنيها، قبل أن تسكن فراشها آملة في قضاء ليلة هادئة في منزلها المحاط بأسلاكٍ شائكة وشبك حديدي وحواجز عسكرية.
جميلة أغمضت إحدى عينيها وأبقت الثانية مفتوحة وبقيت متيقظة تحرس منزلها، باغتها هجوم جنود الاحتلال الاسرائيلي عند الثانية فجراً، نهضت مفزوعة وسارعت نحو فراش أبنيها فأيقظتهما، ثم فتحت الباب.
"أيقنت أنهم مستوطنون أو جنود كون منزلنا مستهدف، فتحت الباب فدخل الجنود بهمجية، وطلبت من ابنتي تحضير كاميرا التصوير التلفزيونية. أخبرني الجنود أنهم يريدون اعتقال ابني عبد الرحمن، فقلت لهم يمر ابني كل يوم عن بواباتكم وحواجزكم، لماذا لم تأخذوه؟ لماذا حضرتم في الليل؟ فنهروني. جاءوا في الليل فقط ليرهبونا ويستفزونا، وقاموا بالاعتداء عليّ بالضرب ودفعوني بقوة، فقلت في نفسي أنا امرأة مسنة وضربوني، فماذا سيفعلون بابني؟ قررت مواجهتهم وتخليصه من بين أيديهم، فتعاركت معهم وضربوني وأغمي عليّ، قبل أن أستعيد الوعي من جديد".
بعد شد وثاق ابنها وتعصيب عينيه دون رحمة؛ صرخت جميلة: " ابني، ابني ، ابني"، فصارت هدفاً لاعتداء الجنود بتهمة "غريزة الأمومة"، وضربت مجدداً واعتقلت هي الأخرى.
وتصف أم عبد الرحمن لحظات اعتقالها قائلة: "أوثقوا معصميّ بأربطة بلاستيكية، وكانوا يرددون أنني من عائلة مخربة وقمت بالاعتداء على عدة جنود، احتجزوني ليلة كاملة في البرد قبل نقلي إلى حاجز (عصيون) حيث أجبرت هناك على الجلوس إلى جانب حاوية نفايات، ومنعوا عني الماء طوال اليوم، هددوني بالإبعاد إلى غزة، وبعد ذلك احتجزت في مركبة مخصصة لنقل الأسرى داخل زنزانة صغيرة، انطلقت بي إلى سجن (هشارون)، وهناك أدخلت إلى زنزانة تضم 7 أسيرات، فكانت الظروف قاسية جداً، فبالإضافة إلى الاكتظاظ؛ كان البرود قارساً والرطوبة والعفن تنتشران في المكان".
جميلة، تحاصر منزلها خمس بؤر استيطانية، وتقاسي مع عائلتها وجيرانها من تكرار اعتداءات الجيش والمستوطنين، فما يعجز عن تحقيقه المستوطنون يكمله الجنود.
"لم تختلف الظروف داخل السجن عن خارجه، فسطح منزلنا سجن، وعلى مدخل البيت سجن آخر، وكذلك الحال مع مدخل الحيّ. نسكن بين ثلاثة حواجز، الجنود يفتشون كل أغراضنا ويمنعونا من المرور بجانب البوابة، فقط من خلالها، ويجبرونا على تكرار ذلك مستمتعين بإذلالنا. يومياً نتعرض للضرب والقهر على يد الجنود والمستوطنين، في إحدى المرات حالوا خطف طفل الجيران".
سلاح سكان هذه المناطق صمودهم وما يمتلكونه من كاميرات، زودهم بها مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم)، فباتت السبيل الوحيد لتوثيق الاعتداءات بحقهم.
يقول موسى أبو هشهش الباحث الميداني وممثل المركز في محافظة الخليل، "التصوير مهم، وللصورة قوة وتأثير أكثر من الكلمة، لذلك أطلق (بيتسيلم) مشروعه في العام 2007، وتم توزيع عشرات كاميرات التصوير على متطوعين في مختلف محافظات الضفة الغربية وعلى بعض مناطق قطاع غزة، ليقوم الناس الذين يعيشون بالقرب من المستوطنات ونقاط المواجهة؛ بتصوير الانتهاكات بأنفسهم".
ويؤمن أبو هشهش بنجاح المشروع، سيما أن الأفلام المصورة لاعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين لها أكثر من استخدام، فهي تشكل مرجعا لباحثين مختصين في دراسة حالة حقوق الإنسان، ولمخرجين يعلمون على إنتاج أفلام وثائقية، كما أنها ترسل لمحطات تلفزة فلسطينية وإسرائيلية وعالمية، حيث أثارت بعض اللقطات ضجة إعلامية كبيرة، منها إطلاق أحد الجنود النيران صوب شاب فلسطيني مقيد ومعصوب العينين في قرية النبي صالح قرب رام الله، وتعدي مجموعة من المستوطنين لفظيا على سيدة فلسطينية في تل رميدة بالخليل.
ويضيف: "توثيق هذه من الأحداث ونشرها أحرج إسرائيل وحاصرها، وهذا ما أوجد ارتياحا لدى الناس الذين استخدموا الكاميرا وساهموا بفضح ونشر جرائم الاحتلال".
صحافة المواطن، مفهوم تعزز في المناطق التي يكثر فيها استهداف المدنيين، وباتوا من خلال ما يمتلكونه من عتاد صحفي متواضع إعلاميين ومصادر لنقل الحقيقة.
يقول سلطان الشرباتي من سكان الدبوية وسط الخليل: "نقوم بتصوير اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال، كالاقتحامات الليلية وضرب المواطنين على الحواجز. في الأشهر الثلاثة الأخيرة صورت أكثر من حادثة، أبرزها اعتقال شابين والاعتداء عليهما دون أي وجه حق، وأفرج عنهما لاحقا بفضل آلة التصوير، إضافة إلى حادثة أخرى تمثلت في الاعتداء على طفل في الثامنة من عمره سنوات، فضلا عن اعتقال أم عبد الرحمن السلايمة".
ويعتقد الشرباتي أن التصوير بات مخلّصا في أحيان كثيرة من بلاء الجيش والمستوطنين وفاضحاً لاعتداءاتهم، بالرغم من المضايقات التي يتعرض لها حامل الكاميرا في المواقع التي تشهد الاعتداءات.
تتحدث فايزة أبو شمسية من سكان تل رميدة والمتطوعة في البرنامج؛ كيف رفعت الكاميرا من معنويات المواطنين، الذين أصبحوا يمتلكون دليل إدانة للجنود والمستوطنين، ساهمت في تخليصهم من قضايا كثيرة.
وتضيف "في البداية لم يتقبل الناس الكاميرا ولم نجرؤ على استخدامها، ولكنها حالياً زادتنا إصراراً ورفعت من معنوياتنا. نعم نحن لا نعتاش من التصوير ولكنها مغامرة جميلة. لن أتوقف عن التصوير مهما كانت الظروف".