الحاج "فلاح" تسعيني يقطع 15كم يومياً سيرا على الأقدام للذهاب لأرضه
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
سندس علي -راجلاً رغم وجود دابته إلى جانبه، يحمل العصا بيد ويقود دابته بالأخرى. يواصل الحاج فلاح مشواره اليومي على موعد مع "حياة الفلاحين" على حد تعبيره. ومع قطرات الندى الأولى والشمس مازالت مختبئة خلف الغيوم، ومع دقات الخامسة يشد الرحال، وبهمة الشباب، وعزيمة استمدها من كوب حليب طازج من بقراته التي يرفض بيعها فهي "من ريحه أبي وهكذا تربيت" .
الحاج فلاح علي ( أبو غازي ) تسعيني من قرية سفارين إلى الجنوب الشرقي من مدينة طولكرم. هو أحد أكبر المعمرين في القرية، إلا أنه وفي ذات الوقت أنشطهم وأكثرهم حيويةً وشباباً رغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال، وقد رزقه الله ثمانية من الأبناء، ليصبح جداً للعشرات
وعلى وجهه زرعت السنين به تجاعيداً تحاكي عمر زيتونة عتيقة متجذرة في أرضه التي يفلحها غير آبه بتقدم العمر وإهمال الآخرين للأرض.
ويمقت الحاج فلاح معظم الآلات العصرية الحديثة ومن بينها الثلاجة. "الثلاجة والله ما هي خربانة أنا وقفتها من خوف أظل أحط فيها الأكل " بهذه الكلمات وبكل إصرار يعبر الحاج فلاح عن رفضه القاطع لاستخدام أي من الآلات الحديثة، فهي على حد قوله تفسد الطعام ولا تحفظه، " الأصل أن نخزن الأكل بالتجفيف أما الثلاجة فهي تضر ما بتنفع".
ويضيف الحاج فلاح " الله بقول نأكل من شيء واحد وليس من عشرين شيء، فطبخة واحدة تكفي . الله هيأ لكل شهر رزقته"، ويكمل مستنكرا على النساء التخزين والتجميد " طبخة العكوب بتشترينها بثلاثين شيقل، الله أعطاكن العكوب لتوكلنه في موسمه مش تجمدنه في الثلاجة وتذهب فائدته ".
رافقنا الحاج فلاح في مشواره اليومي من الصباح الباكر وحتى الغروب، فهو يقطع على الأقل مسافة ال 15 كم في أراضٍ جبلية وعرة لا يقدر شباب اليوم على السير فيها كما يقول . أصابنا التعب والإرهاق، إلا أن الحاج فلاح كان يسير أسرع منا بكل حيوية ونشاط ويهزأ منا لما أصابنا من التعب، مرجعا ذلك إلى طبيعة ما نأكله من طعام معلب ووجبات سريعة، "كاسة حليب أفيد من كل اللي بتوكلوه " .
ويؤكد الحاج فلاح أن طبيعة غذائه هي ما جعلته بهذه القوة والنشاط مع تقدم العمر " أشرب الحليب والبيض كل صباح، وهذا ما يعطيني الطاقة للذهاب إلى أرضي مع بقراتي الأربعين يومياً " . قالها لنا ونحن نكاد لا نستطيع أن نلتقط أنفاسنا من التعب ونحن في العشرين من عمرنا، فكيف بحاج تسعينيٍ يقطع كل هذه المسافة يومياً ؟
ويواصل حديثه والابتسامة لا تفارق محياه، وقد سرح بخياله إلى البعيد "كانت أُمي تملأ الماء من البئر بارداً، وتخبز مرتين في اليوم، وكانت تطبخ وتطعمنا فوراً، كان طعامنا لذيذاً، لم يكن طعامنا ملوث بالمواد الكيماوية، كان طعاماً صحياً طازجاً من غير تجميد ولا تبريد، كل شيء زمان كان أحلى" .
وفي ذات السياق يقول " لا آكل الطعام المجمد أو المخزن أبداً، أعتمد على الطعام في موسمه فقط كما أشرب الزيت يومياً ولا آكل إلا الخبز من الطابون، والمعلبات لم أذق طعمها في حياتي، فكلها أمراض وربما تسبب السرطان، وكذلك لم أدخن مرة واحدة في حياتي حتى وأنا شاب صغير " .
وأثناء سيره في الطرق الوعرة لا يكف الحاج فلاح عن رفع ما يصادف طريقه من حجارة محاولاً في ذات الوقت إصلاح "سلاسل" الحجارة بين أرضه والأراضي المجاورة.
ويستذكر الحاج فلاح الزراعة في الماضي فيقول "كنا قديماً نزرع كل شيء تقريباً من البندورة والخيار والبطيخ وكنا ننام في الأرض لحراستها أما الآن تغيرت الأوضاع فلم يعد هناك أحد يحرس أرضه هذا إذا زرعها أصلاً " .
ويكمل " كنا عندما نطلب نساء للتعشيب والزراعة أو قطف الزيتون تأتي بدل الواحدة عشرة، والتي لا نرسل في طلبها تغضب لذلك، أما اليوم فنتمنى أن نجد من يساعدنا، فأبي قد ترك لي حوالي 500 دونماً من الأراضي الزراعية، كما أن بقراتي منه لذلك لا أستطيع التنازل عنها " .
وبتنهد والحسرة تعتصر قلبه "السبب في ابتعاد الناس عن أراضيهم وأرزاقهم هم اليهود المحتلين، فالعامل عندهم في اليوم الواحد يأخذ 200 أو 300 شيقل أما العامل في الأرض يأخذ 50 شيقل فقط، لذلك فضل الشباب والناس العمل في إسرائيل على العمل في أراضيهم، وهم يعرفون أن اليهود لا يعطونهم هذه المبالغ يومياً محبةً لهم أو لسواد أعينهم وإنما لإبعادهم عن أرضهم واحتلال أكبر جزء منها ببساطة ودون أدنى مقاومة، بل عن طيب خاطر " .
" رجل الظالمين ... خلاني حزين ... فؤادي يئن ودمعي سخين ... وحقي لغيري أمسى رهين ... إلى الحياة إلى الحياة " بهذه الأشعار التي يحفظها منذ أن كان في الصف الرابع الأساسي، يختم الحاج فلاح حديثه معنا .
يوسف ( 50عاماً) وهو أصغر أبناء الحاج فلاح يقول " كم توسلنا إلى أبي ببيع بقراته والمكوث في البيت والراحة فأوضاعنا الاقتصادية ممتازة والحمد لله لكنه لا يستمع لنا ولا يعطي لنا بالاً وكأننا نحدث أنفسنا، فهو يرفض بيع أي واحدة من بقراته مهما كان الثمن، ويقول دائماً أنا أرتاح وأسعد في أرضي وعملي وليس الجلوس في البيت " .
بي ان ان
zaسندس علي -راجلاً رغم وجود دابته إلى جانبه، يحمل العصا بيد ويقود دابته بالأخرى. يواصل الحاج فلاح مشواره اليومي على موعد مع "حياة الفلاحين" على حد تعبيره. ومع قطرات الندى الأولى والشمس مازالت مختبئة خلف الغيوم، ومع دقات الخامسة يشد الرحال، وبهمة الشباب، وعزيمة استمدها من كوب حليب طازج من بقراته التي يرفض بيعها فهي "من ريحه أبي وهكذا تربيت" .
الحاج فلاح علي ( أبو غازي ) تسعيني من قرية سفارين إلى الجنوب الشرقي من مدينة طولكرم. هو أحد أكبر المعمرين في القرية، إلا أنه وفي ذات الوقت أنشطهم وأكثرهم حيويةً وشباباً رغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال، وقد رزقه الله ثمانية من الأبناء، ليصبح جداً للعشرات
وعلى وجهه زرعت السنين به تجاعيداً تحاكي عمر زيتونة عتيقة متجذرة في أرضه التي يفلحها غير آبه بتقدم العمر وإهمال الآخرين للأرض.
ويمقت الحاج فلاح معظم الآلات العصرية الحديثة ومن بينها الثلاجة. "الثلاجة والله ما هي خربانة أنا وقفتها من خوف أظل أحط فيها الأكل " بهذه الكلمات وبكل إصرار يعبر الحاج فلاح عن رفضه القاطع لاستخدام أي من الآلات الحديثة، فهي على حد قوله تفسد الطعام ولا تحفظه، " الأصل أن نخزن الأكل بالتجفيف أما الثلاجة فهي تضر ما بتنفع".
ويضيف الحاج فلاح " الله بقول نأكل من شيء واحد وليس من عشرين شيء، فطبخة واحدة تكفي . الله هيأ لكل شهر رزقته"، ويكمل مستنكرا على النساء التخزين والتجميد " طبخة العكوب بتشترينها بثلاثين شيقل، الله أعطاكن العكوب لتوكلنه في موسمه مش تجمدنه في الثلاجة وتذهب فائدته ".
رافقنا الحاج فلاح في مشواره اليومي من الصباح الباكر وحتى الغروب، فهو يقطع على الأقل مسافة ال 15 كم في أراضٍ جبلية وعرة لا يقدر شباب اليوم على السير فيها كما يقول . أصابنا التعب والإرهاق، إلا أن الحاج فلاح كان يسير أسرع منا بكل حيوية ونشاط ويهزأ منا لما أصابنا من التعب، مرجعا ذلك إلى طبيعة ما نأكله من طعام معلب ووجبات سريعة، "كاسة حليب أفيد من كل اللي بتوكلوه " .
ويؤكد الحاج فلاح أن طبيعة غذائه هي ما جعلته بهذه القوة والنشاط مع تقدم العمر " أشرب الحليب والبيض كل صباح، وهذا ما يعطيني الطاقة للذهاب إلى أرضي مع بقراتي الأربعين يومياً " . قالها لنا ونحن نكاد لا نستطيع أن نلتقط أنفاسنا من التعب ونحن في العشرين من عمرنا، فكيف بحاج تسعينيٍ يقطع كل هذه المسافة يومياً ؟
ويواصل حديثه والابتسامة لا تفارق محياه، وقد سرح بخياله إلى البعيد "كانت أُمي تملأ الماء من البئر بارداً، وتخبز مرتين في اليوم، وكانت تطبخ وتطعمنا فوراً، كان طعامنا لذيذاً، لم يكن طعامنا ملوث بالمواد الكيماوية، كان طعاماً صحياً طازجاً من غير تجميد ولا تبريد، كل شيء زمان كان أحلى" .
وفي ذات السياق يقول " لا آكل الطعام المجمد أو المخزن أبداً، أعتمد على الطعام في موسمه فقط كما أشرب الزيت يومياً ولا آكل إلا الخبز من الطابون، والمعلبات لم أذق طعمها في حياتي، فكلها أمراض وربما تسبب السرطان، وكذلك لم أدخن مرة واحدة في حياتي حتى وأنا شاب صغير " .
وأثناء سيره في الطرق الوعرة لا يكف الحاج فلاح عن رفع ما يصادف طريقه من حجارة محاولاً في ذات الوقت إصلاح "سلاسل" الحجارة بين أرضه والأراضي المجاورة.
ويستذكر الحاج فلاح الزراعة في الماضي فيقول "كنا قديماً نزرع كل شيء تقريباً من البندورة والخيار والبطيخ وكنا ننام في الأرض لحراستها أما الآن تغيرت الأوضاع فلم يعد هناك أحد يحرس أرضه هذا إذا زرعها أصلاً " .
ويكمل " كنا عندما نطلب نساء للتعشيب والزراعة أو قطف الزيتون تأتي بدل الواحدة عشرة، والتي لا نرسل في طلبها تغضب لذلك، أما اليوم فنتمنى أن نجد من يساعدنا، فأبي قد ترك لي حوالي 500 دونماً من الأراضي الزراعية، كما أن بقراتي منه لذلك لا أستطيع التنازل عنها " .
وبتنهد والحسرة تعتصر قلبه "السبب في ابتعاد الناس عن أراضيهم وأرزاقهم هم اليهود المحتلين، فالعامل عندهم في اليوم الواحد يأخذ 200 أو 300 شيقل أما العامل في الأرض يأخذ 50 شيقل فقط، لذلك فضل الشباب والناس العمل في إسرائيل على العمل في أراضيهم، وهم يعرفون أن اليهود لا يعطونهم هذه المبالغ يومياً محبةً لهم أو لسواد أعينهم وإنما لإبعادهم عن أرضهم واحتلال أكبر جزء منها ببساطة ودون أدنى مقاومة، بل عن طيب خاطر " .
" رجل الظالمين ... خلاني حزين ... فؤادي يئن ودمعي سخين ... وحقي لغيري أمسى رهين ... إلى الحياة إلى الحياة " بهذه الأشعار التي يحفظها منذ أن كان في الصف الرابع الأساسي، يختم الحاج فلاح حديثه معنا .
يوسف ( 50عاماً) وهو أصغر أبناء الحاج فلاح يقول " كم توسلنا إلى أبي ببيع بقراته والمكوث في البيت والراحة فأوضاعنا الاقتصادية ممتازة والحمد لله لكنه لا يستمع لنا ولا يعطي لنا بالاً وكأننا نحدث أنفسنا، فهو يرفض بيع أي واحدة من بقراته مهما كان الثمن، ويقول دائماً أنا أرتاح وأسعد في أرضي وعملي وليس الجلوس في البيت " .
بي ان ان