وجهات نظر متباينة حول تغطية الإعلام المحلي للحرب على غزة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
shضحى سعيد
أثارت تغطية العديد من وسائل الإعلام المحلية للحرب الأخيرة على قطاع غزة تباينا في وجهات النظر، إذ رأى البعض أنه كان هناك مستوى جيد من المتابعة والسرعة والدقة في نقل الخبر، في حين رأى آخرون مشهدا إعلاميا عكس غياب الجاهزية والتحضير والاطلاع الكافي.
أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت ايهاب بسيسو قال: إن العدوان الأخير على قطاع غزة فاجأ وسائل الإعلام العربية والفلسطينية، والموضوع متعلق بقدرة التعاطي مع الحدث بشكل سريع والاستجابة له من خلال التغطيات المكثفة والمتابعة والإصرار على التواصل، وهو ما نهج به إعلامنا الذي وضع الرواية الفلسطينية في مقدمة الروايات الإعلامية بعكس الإعلام العربي والأجنبي الذي يتناول أكثر من موضوع في أكثر من دولة، لكن الإشكالية في طبيعة هذا التواصل ومضمونه.
ورأى بسيسو أن اغلب التغطيات الإعلامية في بداية العدوان كانت تواكب الحدث جيدا، لكن في الأيام التي تلته بدأت بعض وسائل الإعلام تتمايز بدرجة الاهتمام، فلمسنا بعض التباين في التغطيات الإخبارية والاعتماد على النشرات الإخبارية والخبر العاجل مع تقصير في المتابعة المتواصلة التي تستند إلى أراء مختلفة مدعمة بخبراء واستشاريين في مشهد يقدم كافة الآراء.
ويضيف "سخونة الأحداث وكثافتها وتداخل الآراء واختلاطها أحيانا تضع وسائل الإعلام والقائمين عليها في مأزق، فمثلا فيما يتعلق بالصورة والاستثمار في صورة الضحايا وتكرار نشرها تجاوز أحيانا المهنية الصحفية، بمعنى أننا بحاجة إلى إبراز وحشية الاحتلال بما لا ينتهك كرامة الضحايا أو يستفز مشاعر ذويهم نظرا لقوة الصورة التي يصعب نسيانها أو تجاوزها من وجهة نظره بعكس الإعلام الإسرائيلي الذي ركز على الجوانب الإنسانية من حالات الهلع والخوف والبكاء دون عرضه لصورة قتيل إسرائيلي، بحيث ظهرت الرواية الفلسطينية وكأنها منقسمة على شكل حرب بين طرفين لا عدوانا إسرائيلي على شعب محتل".
كما رأى أن بعض الأخبار اتصفت بالاستعجال دون التروي، واخذ وقت للتأكد منها، ولم يجر الأخذ بعين الاعتبار الجوانب المهنية والأخلاقية، ممكن تفهم أنه بالحرب قد تحدث أخطاء تتعلق بأسماء أماكن أو أعداد الضحايا، لكن الأمر الذي يصعب تفهمه واستيعابه عدم تصويب الخطأ والمسؤولية تجاه ما يتم نقله.
وحول استضافات وسائل الإعلام باختلافها للمحللين، قال بسيسو: لا نستطيع أن نحدد أراء المحلل السياسي، لكن غياب حالة الإدراك بأن زيادة عدد الآراء المختلفة يخلق حالة من البلبلة والتشويش في ظل غياب لكامل عناصر التحليل في حالة الحرب، فلم نرى خبراء عسكريين مثلا، ناهيك عن غياب التخطيط الإعلامي للمواكبة "كخلية الأزمة" أو "غرفة تحرير"، وافتقار الأدوات الإعلامية المصاحبة كالخرائط مثلا والتي تخلق نوعا من الإسناد المعلوماتي المفيد للمشاهد والذي وأن لم يقتنع بما يقدمه إعلامه المحلي ويثق به ببساطة سينتقل إلى شاشة أخرى في ظل الانفتاح المعلوماتي.
وأشار بسيسو إلى أنه في الحروب هناك مساحة كبيرة جدا لتناقل الإشاعات والمبالغة لا سيما في ظل الدور الذي يلعبه الإعلام الاجتماعي كناقل ومستقبل للخبر أيضا والذي كثيرا ما تنقل معلومات خاطئة، وهذا يمثل تحديا كبيرا للصحفيين ووسائل الإعلام، فأول الضحايا في الحروب هي الحقيقة.
ورأى أن هناك حالة من التلقائية في بعض وسائلنا الإعلامية والتي أحيانا قد تفسد الرواية وكأنه ربما عدم إدراك لدور الإعلام الحقيقي والكبير في الوقت الذي حسم الإعلام وفي كثير من الدول المعركة.
وشدد بسيسو على ضرورة تطوير الكادر الإعلامي وخلق سياسات إعلامية وإستراتيجية والاستفادة من مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية وتوظيف كافة المتغيرات الاجتماعية الحاصلة ووسائل الإعلام الاجتماعي لتطوير واقع إعلامنا أمام الإعلام الإسرائيلي.
في حين رأى الاستاذ في الإعلام نشأت الأقطش أن الإعلام الفلسطيني قد وفق في تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قائلا إن هذا بدا واضحا من خلال تراجع نسبة مشاهدة بعض الفضائيات الإخبارية المهمة عربيا وأيضا نسبة متابعة الإعلام الإسرائيلي والذي اظهر الكثير من العيوب والأخطاء والكذب، وبالتالي تم الاتجاه نحو الإعلام المحلي الذي نجع بنقل الخبر بسرعة ودقة.
وبين الاقطش أنه بالرغم من نجاح بعض وسائل الإعلام محليا إلا أنها أخفقت في الساحة الدولية فلم تستطع إيصال طبيعة الحرب التي قادتها إسرائيل وقوتها العسكرية وعدم تكافؤ القوة والمعاناة التي خلفتها، بحيث تفوق الإعلام الإسرائيلي دوليا وكان له التأثير الأكبر لا سيما في أيام الحرب الأولى، حيث بث رسائل قوية وواضحة وتحدث بقوة، والأمر عائد هنا إلى التدريب المسبق والجاهزية.
وأشار إلى الطريقة التي تعاملت بها بعض وسائل الأعلام بخصوص الشهداء، حيث كثيرا ما جرى التعامل معهم كأرقام، فبدت وكأنها معركة أرقام وإحصائيات دون الخوض كثيرا في التفاصيل الإنسانية وتصوير معاناة أهلهم والتي كانت من الممكن أن تحشد تضامنا دوليا أكبر.
واختلف الاقطش مع بسيسو فيما يتعلق بالآراء والتحليلات السياسية، فهو رأى أنها ظاهرة صحية، "فالتعددية جيدة وليس من الضروري أن تفسد الرواية"، قال الأقطش لكنه عاد ليتفق مع بسيسو بخصوص عدم شمولية التحليل "فغاب التحليل العسكري عن اغلب النقاشات والتغطيات المفتوحة بحيث لم تقدم الصورة كاملة".
وحول التغطية الإعلامية المتعلقة بالتوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، بين الاقطش أن هناك نوعان من الجمهور المحلي الذي استطاع الإعلام مخاطبته بطريقة جيدة مع بعض التغطيات الحذرة لبعض المؤسسات الإعلامية الخاضعة لرؤية سياسية معينة، لكنه لم ينجح أمام الجمهور الغربي بتوجيه رسائل قوية تهدف إلى خلق حالة من التضامن والتصويت، ناهيك عن افتقار إعلامنا القدرة على مخاطبة الغرب لضعفه المتعلق باللغة، متسائلا "كيف نستطيع إيصال رسائلنا كفلسطينيين دون معرفتنا بلغة وثقافة الجمهور والدولة التي نخاطبها؟".
المحلل السياسي خليل شاهين أشار إلى التفاوت الذي حدث في بعض التقارير الصحفية والتي أظهرت حالة من الارتباك في الأيام الأولى كنتيجة الانقسام أو إمكانية توظيف ما يجري لصالح فصيل معين أو حتى نتيجة للرقابة الذاتية التي مورست من قبل بعض الصحفيين على أنفسهم عائدة إلى اعتبارات عديدة كمواقف معينة.
وأضاف: لمسنا تغطية ذات طابع فئوي بما فيها تغطية المسيرات والتظاهرات، كما غابت الرؤية الفلسطينية الموحدة ما انعكس على الرسالة الواضحة والتي كان لا بد منها في ظل الحرب التي كانت قائمة فظهرت رسائل متباينة وبعضها لم يكن فعال ومؤثر خاصة للجمهور الخارجي الذي كان يتابع ما يحدث ولم يفهم الصورة، فبدت كأنها حرب بين طرفين بشكل متكافئ، كما كان ينبغي عدم الدخول في مقارنات من حيث أعداد الصواريخ، بل كان يجب التركيز وبقوة على مدى الانتهاك الخارق للقانون الدولي والإنساني الذي تقوم به إسرائيل.
كما تطرق شاهين إلى الخطأ الذي وقعت به بعض وسائل الإعلام من الانجرار إلى تصوير حالة الفرح والنشوة لدى الفلسطينيين بعد وقف الحرب، فاختل المشهد الإعلامي باتجاه أنها حرب متوازنة وليس طرف محتل يُقهر ويُقتل ويدافع عن نفسه وأرضه فكان التخبط.
وفيما يتعلق بالصورة وعرض مشاهد مروعة ومخيفة لصور أشلاء وضحايا في ظل وجود بعض الأصوات التي طالبت بعدم عرضها أو تلك الأخرى التي طالبت وبشدة عرضها لفضح جرائم الاحتلال ولتفعيل الرأي العام الدولي، قال شاهين: نحن أمام حالة جدل هنا، فلا يمكن للعالم أن يعرف حقيقة ما يجري إلا من خلال الصورة.
وبين هذا وذاك يبقى الخبر والصورة سيدا الموقف في الإعلام الفلسطيني، ولا يُستبعد التباين في ظل اختلاف الوسيلة الإعلامية والقائمين عليه