الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة  

شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة

الآن

زيتونات ليانة بدر- احمد دحبور


ليست هي المرة الاولى التي اشاهد فيها الفيلم التسجيلي الجميل «زيتونات»، من اخراج زميلتنا الكاتبة ليانة بدر التي وضعت السيناريو ايضا لهذا الفيلم. لم تكن هي المرة الاولى ولكن عرض الفيلم على شاشة تلفزيون فلسطين في الظروف الساخنة التي تمر بها كلمة سر الصمود الفلسطيني غزة، جعل المشاهدة نوعا من المشاركة. واتاح للعين ان ترافق القلب والمشاعر والضمير، في مواكبة شجر الزيتون الوطني وهو يتألق على امتداد نصف الساعة، في عمل شاعري ساحر.
كان حنان الكاميرا على الزيتونات الفلسطينية، يكسب العمل عذوبة شجية فيحول العرض التسجيلي الى مسارة بصرية درامية، وزاد من رهافة الانتباه الى شجرات الزيتون، ريشة الفنانة سامية حلبي، التي ظهرت غير مرة في الفيلم، والكاميرا تنتقل بين لوحتها المكسوة بشجر الوانها، وبين الشجر الطبيعي الذي انتجته عبقرية ارضنا المعطاءة. والواقع ان الزيتونات التي يقدمها الفيلم، تتجاوز الشجر المبارك الذي اصبح من رموز فلسطين، لتصل الى البشر، فإذا بالنساء الفلسطينيات اللواتي يقدمهن الفيلم، شجرات فارهات ينطقن بالخير والصلاة لارض السلام.
قالت الفنانة سامية حلبي، بعفوية جارحة، ان شجرة الزيتون كأصحابها من حيث هي فتية حيناً وختيارة حيناً آخر، ان الفلاح الذي زرعها يحنو عليها كواحدة من فلذات اكباده، واذا كان خطاب الفنانة التشكيلية صادرا عن ثقافة الحداثة بمواءمتها بين الانسان والطبيعة، فإن ام طالب، المرأة الفلسطينية العجوز تعيد انتاج هذا الخطاب على طريقتها التلقائية، فتؤكد ما قالته سامية حلبي من ان الشجرة كالانسان ليصدر هذا القول العذب كشهادة من تحصيل الحاصل، فهي تحب شجراتها كبناتها واولادها وقد كان الابناء ملتفين حول المرأة - الزيتونة وهي تناجي شجراتها وتستنطق الطبيعة بما يبوح به القلب الفلسطيني اللصيق بالتراب، والمفعم بعطر هواء البلاد. كان المشهد، كما يقدمه الفيلم، حنونا يسيل عذوبة حتى ليلتبس الامر على روح المشاهد الفلسطيني فلا يعرف اين الزيتونات، أفي الارض على امتداد الحقول، ام في البيت المحيط بالمرأة - الزيتونة وفيه اسرة تشهد سيرة الارض، كما تقصها ام طالب على الكاميرا، وبالتالي على جمهور المشاهدين.
ومن المفارقات، ان يتخلل عرض الفيلم، احداث أليمة تطرأ على تلك اللحظة، فيسجلها التلفزيون، لتظهر على الشاشة مشتبكة مع الفيلم، اخبار عن استشهاد اطفال فلسطينيين في تلك اللحظة، فكان الطفل الشهيد وليد العبادلة زيتونة اضافية تنتمي الى اسرة هذا الفيلم، والى التراجيديا الفلسطينية التي تحدث على الهواء مباشرة.
ولا يكتفي الفيلم بصبر الكاميرا واناقتها وهي تجول في المكان، بل تسجل الشاشة كتابة، اشارات الى وقائع حقيقية ترافق مسار الدراما البصرية، فتغدو الكتابة جزءا من الصورة، تماما كما هي الموسيقى المرافقة - وقد اعدها بشار عبد ربه، وهو نجل ليانة - فإذا بالسمع والبصر يتحدان ليقدما تلك القصيدة المرئية.
بقي ان أشير الى رهافة الحس الانثوي، بل الامومي، لدى ليانة. وهي تسرد بصرياً هذا العمل.. فلا نواح مما تستدعيه بعض الاعمال الميلودرامية الفلسطينية، ولا صراخ يتوعد المحتلين والمغتصبين، بل حركة واثقة متأنية تقول ما يجب ان يقال بترفع الواثق وصبر الفنانة الدؤوب.. وانه لامر ذو دلالة ان يبدأ الفيلم بلا مقدمات، فثمة امرأة تتحدى من غير صخب استعراضي، وتشرح سيرة هذه التربة ومسيرتها في الحياة اليومية الفلسطينية، فيبدو المشهد الاول استمراراً لمشاهد سابقة وقعت قبل اعداد الفيلم، وستستمر بطبيعة الحال بعد انتهاء الفيلم، اذ ان العمل هو شريحة من الحياة التي لم تبدأ بحركة الكاميرا، كما انها لا تنتهي بإشارة النهاية في الختام.
كان أبو نواس يتغزل فيقول: يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا، والواقع ان هذا هو سر العلاقة بالجمال، ولما كانت السينما التي من هذا النوع تنتمي الى علم الجمال، فلينسحب عليها كلام ابي نواس، ولنسعد بأمثال هذا العمل الجميل كلما تجددت مشاهدتنا إياه..
ليس الفيلم جديداً، كما قد اكون اشرت.. ولكنني مع ذلك اقول بفرح بريء: مبروك عليك هذا الفيلم يا ام بشار. فالزيتونة شجرة مباركة، كما هي فلسطين ارض مبروكة، ولقد كان الفيلم كذلك.

 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024