خلال ندوة لـ"الإعلام" و"نسوي الفارعة" انتفاضة الحجارة تُشعل الذكريات
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
أعادت نساء مخيم الفارعة الحياة إلى انتفاضة الحجارة، التي اندلعت قبل ربع قرن، ورسمن صورة لأحوال المخيم، واستذكرن رائحة الغاز المسيل للدموع، وأصوات الرصاص والمواجهات مع جنود الاحتلال، وشعارات الجدران، ومواكب الشهداء.
ونقلن خلال ندوة نظمتها وزارة الإعلام ومركز نسوي مخيم الفارعة، عشرات المشاهد التي لا زالت حاضرة أمامهن بقوة، بعد أن تمعن مطولاً بصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود لأحداث الانتفاضة.
وروت فخرية رجا عبد الله: كنت يومها في العشرين من العمر، ولا أنسى لحظات استشهاد الشاب أحمد عبد، الذي قتله جنود الاحتلال بدم بارد. فوقتها مر قبل لحظات من أمامي، وكان حافي القدمين، ولا زالت أذكر عباراته وقسمه الدائم بشرفه.
وتابعت: لا ترحل من ذاكرتنا المواجهات، ودور النساء والفتيات في مساعدة الشبان على الفرار من الجنود، كما حدث مع جارنا صهيب، الذي قفز من مسافة عالية خلف سور بيتنا، هرباً من الاعتقال.
ونقلت فاطمة أيوب التي كانت تقيم في الخليل وقتئذ: كان منزلنا في "عين سارة" يراقب المواجهات مع جنود الاحتلال من بعيد، وفي لحظة واحدة كنا نرى الشوارع كيف تتحول إلى مكان كله متاريس من الحجارة، وسحب من إطارات المطاط، وقنابل الغاز.
وتنقلت الناشطة والمربية المتقاعدة ليلي سعيد بين فصول ذاكرتها، حين كان شقيقها عبد الكريم يتولى مهاما متقدمة في حركة"فتح" في طوباس وجنين وقباطية، فصارت هي حلقة اتصال بينه وبين الحركة في الخارج، عبر بوابات الأردن.
تقول: كنت أحمل الرسائل( الكبسولات)، دون أن أعرف ما فيها، وبحكم عملي معلمة أمارس دوراً في الدعوة إلى تنظيم المسيرات والمواجهات، ونقلني الاحتلال على نشاطي إلى الأغوار، ولما لم تكن المواصلات متوفرة بينها وطوباس، فصرت أتحرك بسيارات بيع الخضروات، ونقلت المعركة إلى الغور.
تتابع: كنت مسؤولة لجنة المرأة للعمل الاجتماعي، وعقدنا لقاءات تنظيمية لإدماج المرأة في مقاومة الاحتلال منذ الأيام الأولى للانتفاضة، فكانت المرأة مُسعفة ومساعدة في نقل الحجارة وتوزيع البصل والعطر المضاد للغاز المُدمع.
تضيف سعيد: ذات مرة زارنا أخوة من الحركة بينهم مروان البرغوثي وأحمد وجمال الديك وأديب يالو ونايف سويطات، وفي أول الليل هاجمنا الاحتلال، فهربتهم أمي-رحمها الله- إلى المقبرة، فناموا فيها، وحقق مع ضابط الاحتلال( ديفيد)، وأنكرت وجود أي أحد في بيتنا.
تبتسم وتنهي: بعد انتهاء المواجهات، كنا نجلس في ساحة البيت ونشرب الشاي أنا وأخوتي ونضحك كثيراً، فتنزعج أمي من ذلك، وتطلب تفسيراً لسبب ضحكنا على اللحظات الصعبة.
وتتذكر السبعينية بدرية موسى: أجبرنا الاحتلال على تنظيف الشوارع من الحواجز، وأصيب أبني، وعشنا لحظات قاسية، وكان المخيم في أوقات سقوط الشهداء يتحول إلى ساحة حرب.
وتُعيد جليلة مسعود صبح التاريخ إلى الوراء، فتتذكر: خلال فترة منع التجول الطويلة( استمرت 18 يوماً) كنا نبتكر طرقاً لإيصال الأخبار إلى الشبان، وتحددي أماكن وجود الجيش، فتظاهر بالمرض والذهاب إلى العيادة، ونستخدم البيوت المتجاورة، وكنت أخفي أولادي حين يدخل الاحتلال على بيتنا، وأصر على أن بناتي الصغيرات يُشبهن في شكلهن ولباسهن وقصة شعرهن الشبان.
تضيف: وحين كنا نسمع بشهيد في طوباس ونابلس والقرى المجاورة، كنا نحزن كثيراً، ونذهب إلى بيوت العزاء، وكان الناس يتقاسمون رغيف الخبز، وقلوبهم على بعض.
فيما استردت فايزة أبو هنطش، قصص مخيم بلاطة، حين انتشرت سياسة"تكسير العظام"، وبدأ جيش الاحتلال يمنع الحركة في الأزقة، وصار يعتدي على النساء اللواتي يساعدن الشبان في الهرب من الاعتقال.
تزيد: ذات مرة ساعدت زهيدة خديش الشبان على الفرار من قبضة الجنود، الذين شاهدوها، ورصدوا تحركاتها، وحينما عثروا عليها، ألقوا عليها كرة مطاطية أصابتها في البطن، وقبلها قذفت عليهم حاوية نفايات.
وتقول: قبل لحظات من استشهاد الشابة سحر الجرمي( أول شهيدة في نابلس)، كنت وإياها في سجن نابلس المركزي، لزيارة أخوتنا، ووقتها كانت تؤمن الطريق للشبان، فأطلق عليها الجنود النار، وأصابوها في الصدر، وفارقت الحياة.
مما لا تنساه: احتجاز الجنود لكل أهالي بلاطة من عمر 14 سنة وحتى 100، وإطلاق سراحهم دفعة واحدة في الليل، وإجبارهم لشبان نحيفين على حمل شبان سمان، ثم دعوتهم إلى الركض، وملاحقتهم بالعصي والكرابيج، ومطاردتهم بالآليات الثقيلة.
وتصف فاطمة صبح ما جرى في الفارعة بـ"النار المشتعلة"، وبخاصة أن بيتها بجوار المعسكر والسجن، فكانت تحت رقابة الجنود، ومع ذلك شاركت في وضع المتاريس، وساعدت في إفلات الشبان من الاعتقال، وذات مرة تنازعت مع الجنود لتحرير شاب، فتمزق قميصه بيد الجنود، وفرّ من منزل لآخر.
تقول: أوقفوا مرة طلاب المدرسة في الباص المتجه إلى طوباس، وكان من بينهم محمد ضيف الله، وادعيت أنه ابني حتى تحريره، واشتبكت معهم، وشتموني وشتمتهم، واعدته إلى أمه، وظل يناديني حتى الآن بـ"أمي"، حينما نلتقي.
واختلطت روايات فاطمة وراد صبح وبهية مصطفى، بحكاية المقاومة في الوقت الذي تساقطت فيه الثلوج عام 1992، وباستقبال 45 أسيرا أفرج عنهم من السجن في بيت واحد، ومقارعة جنود الاحتلال بصورة الشهيد أبو جهاد، ورفض إزالتها والرد عليهم: بأنه رئيسنا، ورئيسنا لا يُغير مكانه، ويوميات الشعارات، وتسمية أحياء المخيم ببيروت والمواجهة.
وروت هادية جوابرة: أصيب أخي ماهر( استشهد في انتقاضة عام 2000) قرب منزلنا، وكانت أمي تقف أمام البيت دون أن تعرفه، وراحت تدعو لأمه أن تًصبر على مصابها حين تعلم خبره ونزفه، وبخاصة وأن أصابع يده بترت، وفخذ ه تطاير برصاص( دم دم).
تضيف: بعد توجهنا إلى المستشفى، أخبرنا والدتي بالتدريج بأن أخي هو المصاب، فنقلناها إلى المستشفى. ولاحقاً، صرنا نُهرب أخي من بيت لبيت، وطارده الاحتلال، ثم اعتقل مرتين بعد الإصابة، واستشهد لاحقاً.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن الحديث عن انتفاضة الحجارة يحمل رسالة مزدوجة، تعيد من جهة التذكير بتضحيات شعبنا ودمه ونزفه ووحشية احتلاله، وتؤكد من ناحية أخرى ضرورة توثيق سيرتها ومسيرتها، وعدم إسقاطها من الذاكرة، ولو بعد قرن.
zaأعادت نساء مخيم الفارعة الحياة إلى انتفاضة الحجارة، التي اندلعت قبل ربع قرن، ورسمن صورة لأحوال المخيم، واستذكرن رائحة الغاز المسيل للدموع، وأصوات الرصاص والمواجهات مع جنود الاحتلال، وشعارات الجدران، ومواكب الشهداء.
ونقلن خلال ندوة نظمتها وزارة الإعلام ومركز نسوي مخيم الفارعة، عشرات المشاهد التي لا زالت حاضرة أمامهن بقوة، بعد أن تمعن مطولاً بصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود لأحداث الانتفاضة.
وروت فخرية رجا عبد الله: كنت يومها في العشرين من العمر، ولا أنسى لحظات استشهاد الشاب أحمد عبد، الذي قتله جنود الاحتلال بدم بارد. فوقتها مر قبل لحظات من أمامي، وكان حافي القدمين، ولا زالت أذكر عباراته وقسمه الدائم بشرفه.
وتابعت: لا ترحل من ذاكرتنا المواجهات، ودور النساء والفتيات في مساعدة الشبان على الفرار من الجنود، كما حدث مع جارنا صهيب، الذي قفز من مسافة عالية خلف سور بيتنا، هرباً من الاعتقال.
ونقلت فاطمة أيوب التي كانت تقيم في الخليل وقتئذ: كان منزلنا في "عين سارة" يراقب المواجهات مع جنود الاحتلال من بعيد، وفي لحظة واحدة كنا نرى الشوارع كيف تتحول إلى مكان كله متاريس من الحجارة، وسحب من إطارات المطاط، وقنابل الغاز.
وتنقلت الناشطة والمربية المتقاعدة ليلي سعيد بين فصول ذاكرتها، حين كان شقيقها عبد الكريم يتولى مهاما متقدمة في حركة"فتح" في طوباس وجنين وقباطية، فصارت هي حلقة اتصال بينه وبين الحركة في الخارج، عبر بوابات الأردن.
تقول: كنت أحمل الرسائل( الكبسولات)، دون أن أعرف ما فيها، وبحكم عملي معلمة أمارس دوراً في الدعوة إلى تنظيم المسيرات والمواجهات، ونقلني الاحتلال على نشاطي إلى الأغوار، ولما لم تكن المواصلات متوفرة بينها وطوباس، فصرت أتحرك بسيارات بيع الخضروات، ونقلت المعركة إلى الغور.
تتابع: كنت مسؤولة لجنة المرأة للعمل الاجتماعي، وعقدنا لقاءات تنظيمية لإدماج المرأة في مقاومة الاحتلال منذ الأيام الأولى للانتفاضة، فكانت المرأة مُسعفة ومساعدة في نقل الحجارة وتوزيع البصل والعطر المضاد للغاز المُدمع.
تضيف سعيد: ذات مرة زارنا أخوة من الحركة بينهم مروان البرغوثي وأحمد وجمال الديك وأديب يالو ونايف سويطات، وفي أول الليل هاجمنا الاحتلال، فهربتهم أمي-رحمها الله- إلى المقبرة، فناموا فيها، وحقق مع ضابط الاحتلال( ديفيد)، وأنكرت وجود أي أحد في بيتنا.
تبتسم وتنهي: بعد انتهاء المواجهات، كنا نجلس في ساحة البيت ونشرب الشاي أنا وأخوتي ونضحك كثيراً، فتنزعج أمي من ذلك، وتطلب تفسيراً لسبب ضحكنا على اللحظات الصعبة.
وتتذكر السبعينية بدرية موسى: أجبرنا الاحتلال على تنظيف الشوارع من الحواجز، وأصيب أبني، وعشنا لحظات قاسية، وكان المخيم في أوقات سقوط الشهداء يتحول إلى ساحة حرب.
وتُعيد جليلة مسعود صبح التاريخ إلى الوراء، فتتذكر: خلال فترة منع التجول الطويلة( استمرت 18 يوماً) كنا نبتكر طرقاً لإيصال الأخبار إلى الشبان، وتحددي أماكن وجود الجيش، فتظاهر بالمرض والذهاب إلى العيادة، ونستخدم البيوت المتجاورة، وكنت أخفي أولادي حين يدخل الاحتلال على بيتنا، وأصر على أن بناتي الصغيرات يُشبهن في شكلهن ولباسهن وقصة شعرهن الشبان.
تضيف: وحين كنا نسمع بشهيد في طوباس ونابلس والقرى المجاورة، كنا نحزن كثيراً، ونذهب إلى بيوت العزاء، وكان الناس يتقاسمون رغيف الخبز، وقلوبهم على بعض.
فيما استردت فايزة أبو هنطش، قصص مخيم بلاطة، حين انتشرت سياسة"تكسير العظام"، وبدأ جيش الاحتلال يمنع الحركة في الأزقة، وصار يعتدي على النساء اللواتي يساعدن الشبان في الهرب من الاعتقال.
تزيد: ذات مرة ساعدت زهيدة خديش الشبان على الفرار من قبضة الجنود، الذين شاهدوها، ورصدوا تحركاتها، وحينما عثروا عليها، ألقوا عليها كرة مطاطية أصابتها في البطن، وقبلها قذفت عليهم حاوية نفايات.
وتقول: قبل لحظات من استشهاد الشابة سحر الجرمي( أول شهيدة في نابلس)، كنت وإياها في سجن نابلس المركزي، لزيارة أخوتنا، ووقتها كانت تؤمن الطريق للشبان، فأطلق عليها الجنود النار، وأصابوها في الصدر، وفارقت الحياة.
مما لا تنساه: احتجاز الجنود لكل أهالي بلاطة من عمر 14 سنة وحتى 100، وإطلاق سراحهم دفعة واحدة في الليل، وإجبارهم لشبان نحيفين على حمل شبان سمان، ثم دعوتهم إلى الركض، وملاحقتهم بالعصي والكرابيج، ومطاردتهم بالآليات الثقيلة.
وتصف فاطمة صبح ما جرى في الفارعة بـ"النار المشتعلة"، وبخاصة أن بيتها بجوار المعسكر والسجن، فكانت تحت رقابة الجنود، ومع ذلك شاركت في وضع المتاريس، وساعدت في إفلات الشبان من الاعتقال، وذات مرة تنازعت مع الجنود لتحرير شاب، فتمزق قميصه بيد الجنود، وفرّ من منزل لآخر.
تقول: أوقفوا مرة طلاب المدرسة في الباص المتجه إلى طوباس، وكان من بينهم محمد ضيف الله، وادعيت أنه ابني حتى تحريره، واشتبكت معهم، وشتموني وشتمتهم، واعدته إلى أمه، وظل يناديني حتى الآن بـ"أمي"، حينما نلتقي.
واختلطت روايات فاطمة وراد صبح وبهية مصطفى، بحكاية المقاومة في الوقت الذي تساقطت فيه الثلوج عام 1992، وباستقبال 45 أسيرا أفرج عنهم من السجن في بيت واحد، ومقارعة جنود الاحتلال بصورة الشهيد أبو جهاد، ورفض إزالتها والرد عليهم: بأنه رئيسنا، ورئيسنا لا يُغير مكانه، ويوميات الشعارات، وتسمية أحياء المخيم ببيروت والمواجهة.
وروت هادية جوابرة: أصيب أخي ماهر( استشهد في انتقاضة عام 2000) قرب منزلنا، وكانت أمي تقف أمام البيت دون أن تعرفه، وراحت تدعو لأمه أن تًصبر على مصابها حين تعلم خبره ونزفه، وبخاصة وأن أصابع يده بترت، وفخذ ه تطاير برصاص( دم دم).
تضيف: بعد توجهنا إلى المستشفى، أخبرنا والدتي بالتدريج بأن أخي هو المصاب، فنقلناها إلى المستشفى. ولاحقاً، صرنا نُهرب أخي من بيت لبيت، وطارده الاحتلال، ثم اعتقل مرتين بعد الإصابة، واستشهد لاحقاً.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إلى أن الحديث عن انتفاضة الحجارة يحمل رسالة مزدوجة، تعيد من جهة التذكير بتضحيات شعبنا ودمه ونزفه ووحشية احتلاله، وتؤكد من ناحية أخرى ضرورة توثيق سيرتها ومسيرتها، وعدم إسقاطها من الذاكرة، ولو بعد قرن.