ممدوح عدوان بلا قناع- يوسف أبو لوز
مساء دمشقي بارد مشبّع برائحة الياسمين وعبق الأشجار والعشب في منطقة المزة والأوتوستراد، في هذا المناخ الشعري تماماً كانت ضحكة ممدوح عدوان قبل سنوات تملأ الحياة . . ممدوح . . المسرحي الساخر، والمترجم الانتقائي الذاهب دائماً إلى البحث عن الكتب التي تلخص شقاء الكائن البشري ووقوعه في قبضة الطغيان والاستبداد . . له كتاب “دفاعاً عن الجنون”، وترجم إلى العربية كتاباً “مرعباً” بعنوان “تاريخ التعذيب”، والأهم من ذلك شخصية ممدوح عدوان ذاتها، فهو كان كتلة إنسانية من الحيوية والرفض والتمرد . . التمرد على الكتابة الجامدة، والرفض لأي سلطة لا تحترم الإنسان وترفع كرامته وتمجّد آدميته سواء أكانت سلطة ثقافية أو سلطة سياسية، وبكلمة ثانية، يمثل عدوان نموذج المثقف النقدي الجريء، المثقف المستقل الذي لم يرهن شخصيته الإبداعية والإنسانية إلى حزب أو فكرة ضيقة أو أيديولوجية عمياء أو طائفة أو مذهب ضيق .
كان ممدوح عدوان شعلة من الضحك وخفة الدم وسرعة البديهة في مزاحه ونكاته التي كان يملأ بها مهرجانات الشعر العربية، عرفناه هكذا حراً جريئاً ساخراً لا يهاب أية مؤسسة تلغي إرادة الإنسان، هكذا عرفناه كاتباً وشخصاً في الملتقيات الأدبية، في العاصمة الأردنية عمان، وفي القاهرة، وفي بيروت . أما في دمشق فما أن كان يعلم ممدوح عدوان بزيارة شاعر أو كاتب أو ناقد من العاصمة الأردنية لقربها منها حتى يسارع إلى استضافته والاحتفاء به .
ذات مساء، وفي مطعم اتحاد الكتاب العرب الواقع فوق سقف مبنى الاتحاد عرفنا ممدوح عدوان عن قرب .
مسقط رأسه في قرية مصياف في محيط حماه . شاعر سوري، ولكنه فلسطيني أكثر من بعض الفلسطينيين . مصري أيضاً أكثر من بعض المصريين، تجري في دمه وفي أعصابه هذه المتوالية العروبية بلا استعراض أو ادعاء، وذلك يظهر أكثر وضوحاً ليس في سلوكه فقط، بل في مجمل شعره، وعند شعره تحديدا .
وقبل أن نعرفه نحن مجموعة من الأصدقاء الشعراء في الأردن كنا نقرأ له ونعتقد من خلال شعره أنه فلسطيني، ولقد بقي ممدوح عدوان كما هو سورياً مصرياً فلسطينياً . . إلخ في ذاكرتنا . . بقي شاعر الحرية لا بوصفها شعاراً عابراً، بل بوصفها نوعاً من العيش اليومي، فقد كانت يومياته ومفردات حياته وتفاصيل هذه الحياة شعاعاً دائماً من الحرية والثقافة الحرة، والعيش الحر .
“ما تنفع البيارق
حين يجيء الجوع
وحين تنصب المشانق
ما نفع هذه الدموع؟”
هذه هي حقيقة ممدوح عدوان صاحب قصيدة “رصاصات بيضاء للأيام السوداء” . حقيقة شاعر مع الإنسان في ذروة شقائه وآلامه، وفي ذروة سعادته أيضا، بلا مواربة وبلا قناع .