علي الطريفي: "درز" 32 سنة تحت إبرة ماكنة ألمانية
رام الله- ألف - عباد يحيى:
بقناعة تامة ودون أن يرفع عينه عن كعب الحذاء بين يديه، يصرّح علي الطريفي بأن الجميع بحاجة لحرفته بغض النظر عن الفئة الاجتماعية التي ينتمون لها أو مستواهم المادي، ويعتقد بخبرة اثنين وثلاثين عاما أن المهنة الشريفة تزيد صاحبها شرفا، وإن أفنت عمره وهو يكدّ خلف آلة ألمانية.
يستذكر أيام مراهقته مغمضا عينين احتلت الحمرة حيزا كبيرا من بياضهما، حين طلب منه والده مرافقته لأول مرة إلى محل تصليح الأحذية خاصتهم، ويشير إلى الحيز الصغير بأمتاره الخمسة المربعة، وكل ما فيه من آلات للخياطة وأحذية مبعثرة ومقعد طويل للزبائن، مؤكدا أنه منذ أول يوم دخل هنا وحتى الآن يأتي عند الثامنة من كل صباح ويغادر عند السابعة مساء، مكتفيا بما تمنحه الحرفة من دخل وما يمنحها من إتقان، ومحتملا انحناءة في الظهر أورثته إياها ماكينة الخياطة.
قريبا من دوار المنارة في رام الله يقع محله وهذا ما يجعله إلى جانب خبرته وسمعته المهنية وجهة كل المشتكين من خلل في أحذيتهم، لكل حاجة لديه، بل ويستغرب المتمعن من حجم الحلول التي يقدمها لزبائنه وكل الإمكانات الماثلة في المحل الصغير، ويعتقد علي أن لمهنته أسرارها وهذا ما يجعله مطمئنا ولا يخشى المنافسة، ويبرز في ثنيات الحديث معه قناعته بأن "قيمة الإنسان هي بما يقدمه للناس ولمجتمعه بصرف النظر عن أي مهنة أو حرفة يحترف"، ومن باب تقديم الخير للمجتمع يصرّ من وحي معرفته على أهمية تشجيع صناعة الأحذية في الخليل مشددا على أن "المنتج الخليلي أجود بأضعاف من المنتج المستورد".
يجعل دخول الزبونات والزبائن المتواصل من الباب الصغير الحديث متقطعا. علي ينجز ما يريد منه الناس وهم أمامه سريعا وتعلق بأصابعه بقاء الغراء اللاصق وتصبغ " البويا " يديه بلون أسود يبدو أنه اعتاده، وفي غمرة العمل يدخل أحدهم ويخرج حذاء من كيس يحمله ويستعجل إنهاء خياطة حوافه، واخرى أنيقة تجلس لتخلع حذاءها حتى يضيف لكعبه قطعة صغيرة تمنع الانزلاق، وصديقتها تطلب منه تقصير الكعب من تسعة سنتمترات إلى ستة، وأخرى تحمل حقيبة تمزّقت وتعهد إليه برقعها، وطفل بعثه والده ليبلغ السلامات للعم علي ويطلب منه استبدال رباط الحذاء الرياضي بآخر، وهكذا تمضي الأيام متشابهة في هذا المكان الصغير كما يقول، إلا أن الذاكرة تحتفظ بأيام غير عادية.
من أهم المشاهد الحاضرة في ذهن علي: أحد الأيام وصلته مجموعة من حرس الرئاسة، وأغلقوا باب المحل الصغير، وأخرجوا حذاء طلبوا منه إصلاحه بما يضمن عدم الانزلاق، ليستنتج هو سريعا أنه للرئيس ياسر عرفات، حينها طلب منهم العودة بعد حين ليأخذوه، فأصروا على البقاء حتى ينهي عمله "لدواع أمنية". يتحفّظ علي في الحديث عن ذلك اليوم مكتفيا باعتباره من الأعمال الشريفة التي قام بها، مضيفا أنهم عادوا في مرة أخرى ليضيفوا طبقة من الجلد إلى بطانة الحذاء من نوع "جولف".
في يوم من تلك الأيام المختلفة أيضا دخلت عليه امرأة كبيرة في السن وطلبت منه أن يرد لها حذاءها بعد التصليح، فسألها عن لونه أو لون الكيس الذي حواه أو أي معلومة تذكّره بالحذاء وصاحبته فلم يفلح وهو صاحب الذاكرة المتينة، وحين نظر إليها مستفسرا عن مزيد من التفاصيل عن الحذاء المزعوم أخبرته أنها تركته للتصليح قبل سنتين وسافرت إلى الولايات المتحدة، حينها لاذ علي بصمت لا مفر له منه ولاذت هي بالباب خارجة مخافة ردة فعله.
تحثّه النادرة هذه على الحديث عن كمّ الأحذية المنسية لديه برسم التصليح، ويؤكد أن قيمتها تتجاوز السبعة آلاف شيكل شهريا، ولكنها قيمة تذهب هباء "فلا مكان لحفظ الأعداد الكبيرة وليس من المعقول بيع الأحذية المنسية"، ويرى الطريفي وهو على مشارف الخمسين من العمر أن "قيمة الحذاء كانت أكبر في الماضي، أما اليوم فإن الصناعة الصينية جعلت استهلاك الأحذية مبالغا فيه نظرا لتلفها السريع"، ويسهب في سرد الأحاديث عن فتيات جئنه في حالة مربكة بعد أن يكسر كعب حذاء إحداهن في الشارع ويردف مازحا وناصحا "على كل فتاة تلبس أحذية بكعب أن تحمل معها حذاء آخر ( سبير ) لتضمن التنقل دون عقبات".
بقناعة تامة ودون أن يرفع عينه عن كعب الحذاء بين يديه، يصرّح علي الطريفي بأن الجميع بحاجة لحرفته بغض النظر عن الفئة الاجتماعية التي ينتمون لها أو مستواهم المادي، ويعتقد بخبرة اثنين وثلاثين عاما أن المهنة الشريفة تزيد صاحبها شرفا، وإن أفنت عمره وهو يكدّ خلف آلة ألمانية.
يستذكر أيام مراهقته مغمضا عينين احتلت الحمرة حيزا كبيرا من بياضهما، حين طلب منه والده مرافقته لأول مرة إلى محل تصليح الأحذية خاصتهم، ويشير إلى الحيز الصغير بأمتاره الخمسة المربعة، وكل ما فيه من آلات للخياطة وأحذية مبعثرة ومقعد طويل للزبائن، مؤكدا أنه منذ أول يوم دخل هنا وحتى الآن يأتي عند الثامنة من كل صباح ويغادر عند السابعة مساء، مكتفيا بما تمنحه الحرفة من دخل وما يمنحها من إتقان، ومحتملا انحناءة في الظهر أورثته إياها ماكينة الخياطة.
قريبا من دوار المنارة في رام الله يقع محله وهذا ما يجعله إلى جانب خبرته وسمعته المهنية وجهة كل المشتكين من خلل في أحذيتهم، لكل حاجة لديه، بل ويستغرب المتمعن من حجم الحلول التي يقدمها لزبائنه وكل الإمكانات الماثلة في المحل الصغير، ويعتقد علي أن لمهنته أسرارها وهذا ما يجعله مطمئنا ولا يخشى المنافسة، ويبرز في ثنيات الحديث معه قناعته بأن "قيمة الإنسان هي بما يقدمه للناس ولمجتمعه بصرف النظر عن أي مهنة أو حرفة يحترف"، ومن باب تقديم الخير للمجتمع يصرّ من وحي معرفته على أهمية تشجيع صناعة الأحذية في الخليل مشددا على أن "المنتج الخليلي أجود بأضعاف من المنتج المستورد".
يجعل دخول الزبونات والزبائن المتواصل من الباب الصغير الحديث متقطعا. علي ينجز ما يريد منه الناس وهم أمامه سريعا وتعلق بأصابعه بقاء الغراء اللاصق وتصبغ " البويا " يديه بلون أسود يبدو أنه اعتاده، وفي غمرة العمل يدخل أحدهم ويخرج حذاء من كيس يحمله ويستعجل إنهاء خياطة حوافه، واخرى أنيقة تجلس لتخلع حذاءها حتى يضيف لكعبه قطعة صغيرة تمنع الانزلاق، وصديقتها تطلب منه تقصير الكعب من تسعة سنتمترات إلى ستة، وأخرى تحمل حقيبة تمزّقت وتعهد إليه برقعها، وطفل بعثه والده ليبلغ السلامات للعم علي ويطلب منه استبدال رباط الحذاء الرياضي بآخر، وهكذا تمضي الأيام متشابهة في هذا المكان الصغير كما يقول، إلا أن الذاكرة تحتفظ بأيام غير عادية.
من أهم المشاهد الحاضرة في ذهن علي: أحد الأيام وصلته مجموعة من حرس الرئاسة، وأغلقوا باب المحل الصغير، وأخرجوا حذاء طلبوا منه إصلاحه بما يضمن عدم الانزلاق، ليستنتج هو سريعا أنه للرئيس ياسر عرفات، حينها طلب منهم العودة بعد حين ليأخذوه، فأصروا على البقاء حتى ينهي عمله "لدواع أمنية". يتحفّظ علي في الحديث عن ذلك اليوم مكتفيا باعتباره من الأعمال الشريفة التي قام بها، مضيفا أنهم عادوا في مرة أخرى ليضيفوا طبقة من الجلد إلى بطانة الحذاء من نوع "جولف".
في يوم من تلك الأيام المختلفة أيضا دخلت عليه امرأة كبيرة في السن وطلبت منه أن يرد لها حذاءها بعد التصليح، فسألها عن لونه أو لون الكيس الذي حواه أو أي معلومة تذكّره بالحذاء وصاحبته فلم يفلح وهو صاحب الذاكرة المتينة، وحين نظر إليها مستفسرا عن مزيد من التفاصيل عن الحذاء المزعوم أخبرته أنها تركته للتصليح قبل سنتين وسافرت إلى الولايات المتحدة، حينها لاذ علي بصمت لا مفر له منه ولاذت هي بالباب خارجة مخافة ردة فعله.
تحثّه النادرة هذه على الحديث عن كمّ الأحذية المنسية لديه برسم التصليح، ويؤكد أن قيمتها تتجاوز السبعة آلاف شيكل شهريا، ولكنها قيمة تذهب هباء "فلا مكان لحفظ الأعداد الكبيرة وليس من المعقول بيع الأحذية المنسية"، ويرى الطريفي وهو على مشارف الخمسين من العمر أن "قيمة الحذاء كانت أكبر في الماضي، أما اليوم فإن الصناعة الصينية جعلت استهلاك الأحذية مبالغا فيه نظرا لتلفها السريع"، ويسهب في سرد الأحاديث عن فتيات جئنه في حالة مربكة بعد أن يكسر كعب حذاء إحداهن في الشارع ويردف مازحا وناصحا "على كل فتاة تلبس أحذية بكعب أن تحمل معها حذاء آخر ( سبير ) لتضمن التنقل دون عقبات".