آية مليطات.. تقتحم مهنة ظلت حكرا على الرجال
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عماد سعاده- تبدو آية مليطات (23 عاما) من بلدة بيت فوريك، في قمة عنفوانها وسعادتها، وهي ترى حلم طفولتها بامتلاك وادارة مزرعة خراف نموذجية يتحقق، ويحولها، رغم صغر سنها، الى (سيدة اعمال) ناجحة، يتقاطر الى مزرعتها تجار، وطلاب، ومزارعون، وخريجو جامعات، للاطلاع او الاستفادة من تجربتها النوعية، وعندما لا يجدونها يسألون اين "المْعلمة"؟.
وتقول آية وهي تتوقد حيوية: "لقد كسرت احتكار الرجال لهذه المهنة، وحققت بعرقي وتعبي ومساعدة أسرتي ووقوفها الى جانبي ما لم يحققه الرجال، ولكن ما زال الشوط طويلا لأحقق ما أصبو اليه".
وتعمل آية بيديها في مزرعتها التي سمّتها "مزرعة الاخوة"، والتي لا تبعد سوى عدة امتار عن منزل عائلتها، فتعلف الخراف وتسقيها، وتعالجها، وتهتم بنظافتها، وتراقب نموها واوزانها، وتتعامل بنفسها مع التجار والقصابين في البيع والشراء وعقد الصفقات، واصبح بعضهم يطلقون عليها لقب "المعلمة"، بعدما تجاهلوها واستهانوا بقدراتها في البداية.
وتحتفظ آية في مخيلتها بالشكل الذي ستكون عليه مزرعتها، التي اطلقت عليها اسم "مزرعة الاخوة" بعد عشرين عاما، وهو "مزرعة شاسعة مفتوحة، تكون اشبه بمحمية طبيعية ومدرسة ارشادية لمساعدة المزارعين الاخرين، خاصة الشباب والشابات الباحثين عن تحقيق ذاتهم".
نقطة البداية..
عندما بدأت آية الخطوات الاولى لمشروعها قبل ثلاث سنوات، كانت لا تزال تدرس علم الاجتماع (سنة ثالثة) في جامعة النجاح الوطنية، وكانت في الوقت ذاته متطوعة في مؤسسة "شباب الغد" في مدينة نابلس.
وتقول آية "في احد الايام زارت "شيري بلير" زوجة رئيس وزراء بريطانيا السابق "توني بلير" مؤسسة شباب الغد، وكان من نتائج الزيارة الاتفاق على الشروع ببرنامج تدريب خاص بالمشاريع النسوية الصغيرة في المنطقة، ويتضمن ذلك كيفية وضع دراسات اقتصادية وخطط عمل للمشاريع".
وتضيف: "انخرطت في التدريب، واستفدت كثيرا منه في التأسيس لفكرة مشروع مزرعة الخراف الذي كنت احلم به، وقد حالفني الحظ عندما حصلت على منحة من مؤسسة شباب الغد وجمعية الشبان المسيحية قيمتها (5 آلاف دولار) كانت كافية للبدء بتنفيذ مشروعي الخاص".
نجاح المشروع..
بدأ مشروع آية لتسمين الخراف "مزرعة الاخوة" في شهر تشرين اول 2010 بـأحد عشر خروفا فقط، و"بركس" صغير لا تتجاوز مساحته 60 مترا مربعا، وبعد مضي 14 شهرا، حققت آية مبيعات تجاوزت 35 الف دولار.
وترُد آية اسباب نجاح مشروعها الى عدة عوامل، من بينها، ان مشروعها قام على التخطيط السليم، الى جانب التدريب العملي قبل بدء المشروع، واعتماد دراسة السوق، واستخدام التقنية العلمية في تربية الخراف، والمزاوجة بين الخبرة العملية والدراسة النظرية، والمتابعة الشخصية للمشروع والوقوف على كل كبيرة وصغيرة فيه، "ومن هنا كان المشروع مميزا عن غيره وحقق نتائج رائعة خلال فترة قياسية".
استمرار وتطور..
سعت آية لتطوير المشروع، انطلاقا من شعار "استمرار وتطور"، فاستثمرت الارباح في بناء "بركس" جديد اكبر من السابق، ويتسع لعشرات الخراف، ولكن طموحها لم يتوقف عند دورات تسمين الخراف، فهي تعمل حاليا على تطوير سلالة من الخراف تسميها "خرافا طبيعية" تمتاز بأنها ذات كمية لحوم اكبر ودهون اقل، وذلك بالاعتماد على الغذاء الطبيعي الخالص غير المصنع، وتقول إنها لا تدخر جهدا في الحصول على المعرفة والخبرة اللازمة لانجاز هذا المشروع، وتبدو واثقة من النجاح.
لم تتلق آية مساعدات مالية من اي جهة كانت، وكل ما حصلت عليه هو بعض الجوائز المادية جاءت كثمرة لتميز مشروعها وتفوقه، فقد حصلت على جائزة من منتدى سيدات الاعمال، كما حصلت على جائزة الابداع والتميز الفلسطينية، وهي تفتخر بحصولها على مثل هذه الجوائز.
القنصلية الامريكية..
تسعى آية نحو العالمية، وتقول إن مسؤولين في القنصلية الامريكية في القدس، التقوها مؤخرا، واعجبوا بمشروعها وافكارها، واتاحوا لها قبل عدة ايام فرصة السفر الى دبي على نفقة القنصلية، للمشاركة في القمة العالمية لريادة الاعمال، وبدت آية شديدة التأثر بهذه التجربة التي اتاحت لها فرصة الالتقاء برجال وسيدات اعمال رياديين ورياديات من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وتبادل الخبرات والمعرفة معهم.
وتتابع "لقد تعلمت خلال عدة ايام في دبي اكثر مما تعلمته هنا طوال خمس سنوات"، وتضيف لقد تعلمت ايضا ان "الاستثمار الحقيقي لا يكون بالمال فقط وانما بالمعرفة ايضا".
وتطمح آية الى فتح فروع لمشروعها في انحاء اخرى من الوطن بهدف تعليم الشباب والشابات، خاصة خريجي الجامعات، الذين يبحثون عن وظائف دون جدوى، كيفية الاعتماد على الذات في تطوير مشاريع خاصة بهم بامكانيات بسيطة.
وتشير الى انها رفضت بعد تخرجها وظائف عرضت عليها، وفضلت التفرغ لمشروعها (حلم عمرها) الذي وفر لها الاستقلال الاداري والمادي.
نظرة المجتمع..
وتتحدث آية عن التحديات التي واجهتها في بداية العمل، وخاصة تلك المتعلقة بنظرة المجتمع وعدم تقبله فكرة عمل فتاة في هكذا مهنة ظلت حكرا على الرجال، مشيرة الى ان البعض كان يقول عنها انها "مجنونة"، ولكنهم ينادونها اليوم، وبعد النجاح الذي حققته، بـ"المعلمة".
عن القدس المقدسية