كيف أعلم حب المسيح وهذا المكان مزدحم بالجراد- عيسى قراقع*
أضأنا شجرة الميلاد في ساحة المهد في مدينة بيت لحم، وأمام الكنيسة الرابضة في المعنى والتاريخ، مشى ماضينا الإنساني من حقل إلى حقل، ومن بيت إلى بيت، ومن آية إلى آية، ليمتزج الصوت بماء البئر ورائحة المكان.
قلنا مع الترانيم : كنا هنا، ومازلنا هنا، قبل أن يجيء"يهشواع" الإسرائيلي، ويحتل الحقول، وينشر أيديولوجيا الاستيطان، يقطع الصبار ويعبرن الأسماء.
وقلنا بأننا ولدنا هنا بين حجر وماء ونار، ونولد ثانية في الضوء والغيوم
على شاطئ المتوسط ، وفي أي فصل من فصول السنة، حتى لو استمر نزيف دمنا واختفى صوت الشتاء.
في ساحة الميلاد، استعدنا نجمتنا الفضية، وقد عادت من الغياب إلى مذودها، أضاءت وفاضت بالحليب والبشرى ، وإذا باليسوع يرتدي روحه القدسية، يصعد إلى صهيل الصليب، مكتفيا بالبرق والتحية.
تحت شجرة الميلاد أنفجرت أسماؤنا في صلوات كنعانية، في كرومها وحنطتها، في الرخام وفوق التين والزيتون، لنرى غيابنا كله شجر، شهداء يحتفلون بميلاد موتهم، بيوت ترتب حدائقها للورد والعائدين، ونرى الأرض تطرز ثوبها للطير والنشيد.
تحت شجرة الميلاد، هنا في المسافة بين القدس والسماء، قرأنا حكايتنا على العالمين، ونثرنا فضة زيتوننا على كل الشعوب، قبل أن يصل الغزاة إلى غدنا والى طفل المغارة.
هنا في بيت لحم سال دم غزير حتى عثرت على وجهي، وأخذت اسمي دليلا على شبحي وأشجاري وما فاض في المدينة من أولاد وصلاة.
كيف أعلم حب المسيح ولا زال النبي منذ ثلاثة آلاف عام واقفا على الصليب، مر الملوك والسلاطين والرعاة والصيف والشتاء، ولم يسترح الدم من نزيفه وارقه الوجودي، نبي مقتول، كنيسة لا تضاء، شهيد بلا وداع، ارض منذورة لعبث الرياح.
كيف أعلم حب المسيح ولم اعد استطع التمييز بين المفتوح والمغلق، وارسم خطا فاصلا بين السجن والمدينة، وكيف اقتنع أنني اختلف عن السائح الغريب ولا احتاج إلى خريطة تدلني على مكاني ورائحة قهوتي.
البيت ليس هو البيت، لأن الدبابة تستريح تحت شجرة الميلاد متى تشاء، وخطاي لا تصل القدس كما يقول المؤرخون ، خطاي تسير في شارع غامض، وتعود بلا إيقاع وخشوع أمام جنون المستوطنين.
وتساءلت وأنا أوزع الهدايا عن الأطفال المغسولين بالضباب: من يقرأ السلام على بائع الخبز، على قارع الأجراس، ويميز هنا بين رائحة الليمون ورائحة الموت.
وقلت : أيها التلحمي : لا تكسر الهدنة بين القاتل والقتيل، فشجرة الميلاد تضاء سلما وحربا، والحاجز العسكري لا يمنع الموت من الصلاة، لا تستيقظ في الليل، لأن الليل ليس لك، إنه للجنود المبدعين في اقتحام غرف النوم.
صمتا صمتا أيها التلحمي، لقد أكملوا الجدار، وزرعوا الأرض مستوطنات، ولا تملك الآن سوى الوداع: وداع الشجرة، وداع الوقت ، وداع الذاكرة ، وداع الفكرة، وداع البطولة، وما عليك سوى أن تحتمي باللون والهوية وإنجيل الدولة.
كيف اعلم حب المسيح وهذا الجراد المسلح مزدحم بالمكان، هي صرخة الشاعر الراحل عبد اللطيف عقل، عندما رسم بالطباشير البيضاء حماما على فستان الشهيدة تغريد البطمة وهي تغني تحت الصفيح والمطر في المخيم.
كيف أعلم حب المسيح وأسرى يموتون جوعا، أجساد تصير خرابا، وسجان يعتقد أن الرب له وحده، يملك مفاتيح الأرض بالبندقية، وباسم الرب يطحن أجسادنا وأحلامنا، لا يرى فينا شعبا يملك الخبز والعسل واللغة.
كيف اعلم حب المسيح وهذا الجراد المسلح مزدحم بالمكان، في ساحة المهد، يطارد بابا نويل في الأزقة العتيقة، يصطاد الحب من أفواه الفراشات، فلا ود للمسيح ولا مسرة، عندما ينام الأولاد بلا دفاتر وملائكة.
*وزير شؤون الأسرى والمحررين