جميلة صيدم: الزواج من مقاتل - ح 2
غيب الموت في رام الله، السبت (30 تموز) جميلة صيدم أم صبري (64 سنة) بعد سنوات حافلة بالكفاح الوطني والمنفى القسري حتى عودتها عقب توقيع اتفاقية أوسلو العام 1993.
طاقم شؤون المرأة وَثَق تجربتها وأصدرها في كتاب "رائدات من بلدي" العام 2006 .
ألف-ننشر نص البروفايل الخاص بالراحلة وفق شهادتها التي تتناول يوميات حياتها، ينشر النص على عدة حلقات:
2
لم تكن "أم صبري" تعلم شيئاً عن خطيبها ممدوح لكنها سمعت عن نجاحه وتفوقه وقوة شخصيته، كان نشاطه في الثورة سرياً لم يكن مكشوفا: " أشيع أنه يعمل ضمن طاقم سفارة الجزائر في سوريا، لكنني شككت بذلك وتساءلت كيف يعمل فلسطيني في السفارة الجزائرية" ؟!
وأثار قبولها الزواج من ممدوح تساؤلات وعلامات تعجب ليس لدى الأهل فقط بل لممدوح نفسه :" سأل أهله عند لقائهم في عمان لإخباره بأمر خطبته : كيف توافق جميلة على الزواج من شخص لا تعرفه ؟ وعندما قابلته بعد الخطوبة كان أول سؤال وجهه مباشرة عن سر قبولي الزواج من مقاتل مجهول، ثم طرح أسئلة عن الثورة الفلسطينية , وبمعنى أدق عن فتح العاصفة التي بدأ نجمها يلمع، كأول حركة مقاومة معاصرة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم، ضحك ممدوح وبانت عليه ملامح السرور وهو يسمـع معرفتي بالبيان الأول والثاني لقوات العاصفة من خلال جهاز راديو صغير في البيت" .
أمضى ممدوح في قطاع غزة عشرة أيام تم خلالها الاحتفال بالخطوبة رسمياً ، لكن الخطيبان لم يتمكنا من اللقاء كثيراً وفق العادات السائدة :" بعد عشرة أيام رحل ممدوح إلى سوريا والأردن مع وعد بالعودة والزواج في أشهر الصيف ، لكن حرب حزيران عام 1967 اشتعلت وفقدنا سبل الاتصال به ، في تلك الفترة سرت شائعة قوية أن ممدوح استشهد في معركة جرت قرب قرية السموع قضاء الخليل ، وقد استقبل أهله الخبر وصدقوه وأقاموا له بيتاً للعزاء، أصبحت أعيش في دوامة كبيرة: أهلي يتعاملون مع الأمر وكأن ممدوح استشهد، ويقين قوي في داخلي يقاوم تصديق شائعة رحيله ويصر على أنه مازال حيّاً, ورفضت كل محاولات إنهاء الخطوبة والزواج من شخص آخر".
بقيت تنتظر خبراً يعزز يقينها وينهي حالة انتظارها وترقبها فترة ثلاثة أشهر: " حضر أحد الفدائيين يحمل رسالتين الأولى لوالد ممدوح مع مبلغ من المال والثانية لي تعلن أن إشاعات موته واستشهاده كاذبة، في ذلك اليوم طلب ممدوح من والده السفر برفقتي إلى الأردن, وعندما جاء عمي صبري إلى المنزل لإخباري، اختلطت مشاعر الفرحة بالمفاجأة، جهزت نفسي للسفر بسرعة وأقام الأهل حفلاً متواضعاً انتقلت بعده إلى بيت والد ممدوح ، ومن هناك غادرت إلى الأردن مع عمي ، عندما وصلنا عمان لم نجده وسألنا عنه كثيرا الأهل والأقارب ومكتب الكفاح المسلح كانت الإجابة دائماً سلبية، لم يكن أحد يعرف أين ذهب، الأمر الذي جعل اليأس والقلق يتسرب إلى داخلي، خاصة أنني خرجت من فلسطين بلا عودة، حينها اتخذت قراري الالتحاق في الجامعة إذا تواصل غياب ممدوح، لكن بعد أيام وأثناء سيري في شارع عام مع مجموعة من أفراد العائلة الذين كانوا يقطنون الأردن ، قابلناه يستقل سيارة عائداً من معركة بيت فوريك شرقي نابلس التي استشهد خلالها عدد من المقاتلين وقتل فيها مجموعة من جنود الاحتلال إثر قتال عنيف استمر ساعات طويلة كما عرفت لاحقاً، في ذلك اليوم تفاجأ الجميع بظهوره، وعدنا معاً إلى منزل أحد الأقرباء، وفيه أبلغني أبو صبري الاستعداد للمغادرة ليلاً إلى سوريا ، لكن العائلة أصّرت على الاحتفال بزواجنا فأجلنا السفر يوماً آخراً، اتجهنا إلى سوريا في سيارة لقوات العاصفة قطعنا خلالها طرقاً عسكرية ملتوية غير ممهدة لتجنب الحواجز السورية لعدم اعتراف حكومة دمشق في تلك الأيام بشكل كامل بالمقاومة، في الشام استأجرنا منزلاً مفروشاً شاركنا به شقيقه محمود "أبو فادي" ، في اليوم التالي عاد ممدوح إلى الأردن لإتمام مهام نضالية هناك، لم أستغرب ذلك وكنت أتوقع تحملي مسؤوليات جديدة، قررت الاندماج أكثر في النضال الوطني الذي يخوضه أبو صبري ورفاقه، أعطاني زوجي قرار الاختيار: الجلوس في المنزل كأي زوجة أو الالتحاق بالعمل الفدائي، وخاطبني يومها لا تستعجلي وتريثي قبل أن تقرري بشكل دقيق، لم يكن لدي خيار آخر قررت العمل ومساعدة الفدائيين وتجنب الاكتفاء في المنزل" .
(يتبع)
من كتاب "رائدات من بلدي". إصدار طاقم شؤون المرأة. تحرير بسام الكعبي. أجرى المقابلة الصحفية في غزة حسن جبر.