استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله    قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين    الرئيس: الثورة الفلسطينية حررت إرادة شعبنا وآن الأوان لإنجاز هدف تجسيد الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. "فتح": الأولوية اليوم وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وإعادة توحيدها مع الضفة وتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال    في ذكرى الانطلاقة.. دبور يضع إكليلا من الزهور باسم الرئيس على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية    الرئاسة تثمن البيان الصادر عن شخصيات اعتبارية من قطاع غزة الذي طالب بعودة القطاع إلى مسؤولية منظمة التحرير    اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني  

اللواء أكرم الرجوب: "فتح" لن تسمح لأي مشروع إقليمي بأن يستحوذ على القرار الوطني

الآن

قضية كسارة قرية كور: صورة مصغرة عن واقع بائس

القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
تحقيق صحفي: الوقائع تتحدث عن نفسها
-قرية كور- سعيد الغزالي- أصدرت محكمة بداية طولكرم في الثاني من اكتوبر/ تشرين أول الماضي، قرارا يُلزم الشركة الشرقية للكسارات :"بالتوقف عن اقتلاع أشجار الزيتون وتغيير معالم الأرض" في القطعة رقم 33 التي يمتلكها الرجل التسعيني فلاح موسى سفارين وصهره سميح حمايده.
هكذا ورد في سياق نص قرار المحكمة الذي اقتبست منه ثمانية كلمات. بقي القرار وحيثياته في أدراجها. لم يرد ذكره إلا في مقالة وصلت إلى بريدي الإلكتروني كتبها د. حسن سفارين، وكانت بعنوان: "الزيتون لا يقتلعه الصهاينة فقط".

توجهت إلى موقع الكسارة.
منذ ذلك التاريخ، أي منذ صدور قرار المحكمة، يتوجه المزارع سفارين كل يوم إلى أرضه في "السحايل" في منطقة طولكرم شمال الضفة الغربية ليجد أن الجرافات والحفارات لم يتوقفن عن أعمال الحفر والجرف في جزء من أرضه الذي تحول إلى محجر.
يأمل سفارين أن يُحترم القانون ويُنفذ قرار المحكمة، لكن أمله يتآكل كل يوم يمر تعمل خلاله الكسارة بحفاراتها وجرافاتها وناقلاتها، فيعود إلى بيته في القرية المجاورة بيت ليد ، برفقة صديق عمره محمد أحمد راشد. ويدور الحديث بينهما عن كيفية وقف العمل في الكسارة، بعد أن أحجم الأمن الفلسطيني عن تنفيذ قرار المحكمة.
قال راشد المُكنى بأبي غازي شارحا المحنة التي يعيشها سفارين"إنه صديق عمري، أرعى الأبقار
معه منذ عشرات السنين وأحس حجم وجعه الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن الجرافات تجرف أغراس زيتونه".
كان سفارين يتجول في أرضه برفقة اثنين من أبنائه اللذين يساعدانه في أعمال الزراعة والرعي، وعلى بعد عدة مئات من الامتار كان قطيع أبقار وعجول يرعى العشب في التلال والوادي، تحت أشراف أحفاده.

منظر تألفه العين، وترتاح له النفس.
لكنه، لم يكن متناغما مع وجود محجر في بطن جبل مكسو بالشجر الأخضر يجلس فوق حوض مائي وتتصادح طيوره، وتتلاعب أرياحه بانسجام في بيئة تبعث البهجة في النفس، الوجود المتوحش لكسارة تأكل بطن الجبل وتصنع فيه تجويفا بشعا، يُخرج المزارعين عن طورهم، ويجعلهم يلعنون أؤلئك الذين ينتهكون حرمة البيئة النظيفة وصحة الانسان والحيوان.
"هذا الجبل وهذا الوادي رئة المنطقة، وهو كذلك منذ مئات السنين ومن يلوثها يرتكب جريمة"، قال أبو غازي، 76 عاما.
عاش المعمر سفارين منذ أواخر العهد التركي ، ولم يمس أي نظام سابق أرضه، حدث ذلك في زمن الانتداب البريطاني وجاء الحكم الاردني، وبقي سفارين يعمل في أرضه كالمعتاد، وجرت محاولة من قبل رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين لنقل كسارات منطقة راس العين داخل الخط الأخضر إلى هذه المنطقة في أوساط التسعينات، لكن الرئيس ياسر عرفات أوقفها، والآن في زمن الرئيس محمود عباس الذي تمكن من الحصول على اعتراف اممي بدولة فلسطينية يجري المس بجوهر سيادة القانون.
عندما تعب المعمر سفارين من المشي، جلس على صخرة ينبت حولها ومن شقوقها نتش وأعشاب خضراء ونظر إلى أعلى الجبل ، حيث تعمل المعدات والآليات التي تمثل قمة الجشع الذي يُخرج الإنسان من إنسانيته، وقال بصوت يغمره الأسى:"كل غرسة زيتون بيقطعوها، بيقطعوا قطعة من لحمي. كل شجرة أعز عليّ من ولدي".
أما الأبن د. حسن سفارين، الخبير المالي في الضرائب والموظف السابق في وزارة المالية الفلسطينية فيحتفظ بملف مفصل عن الكسارة غير الشرعية، وقد اختاره نحو ألف مزارع في خمس قرى مجاورة لموقع الكسارة كممثل عنهم للدفاع عن البيئة المهددة. يقود د. سفارين الآن حملة إعلامية، بعد أن واجهت جهوده من أجل تنفيذ قرار المحكمة إعراض الشرطة، ولا مبالاة المسئولين.
"أنت تتحمل الضربة عندما تأتيك من العدو، ولا يمكنك أن تقبل الضربة التي توجهها لك عائلتك" قال سفارين الإبن الذي كان يتحدث بسرعة، داعما كلامه بالأرقام والمعلومات. يعيش د. سفارين قضية الكسارة لحظة بلحظة منذ بداية الاعتداء على الأرض. وقد ترك مكتب المحاماة في عمان ليأتي إلى القرية ويخوض المعركة ضد الكسارة.
لم يكن المزارعون الألف وحدهم في ميدان معارضة وجود الكسارة ، انضم إلى المحتجين وزير الداخلية السابق الفريق الركن نصر يوسف الذي قال لنا بعبارة واضحة: "لا يجوز أن تبقى هذه الكسارة في مكانها. إنها تضر بصحة الانسان والحيوان والنبات. أنا لا أعلم لماذا لم تنفذ الشرطة قرار المحكمة! ولا أعلم لماذا لم تحقق هيئة مكافحة الفساد في استمرار وجودها! ولا أعلم لماذا لم يأمر رئيس الوزراء سلام فياض وزارة الداخلية التابعة له بتنفيذ قرار المحكمة! ما يجري شيء مؤسف. ويجب أن يعالج الأمر بسرعة".
تبقى التساؤلات بلا إجابة. حاولنا أن نبحث عن إجابات لها. سألنا وزير الزراعة وليد عساف الذي قال لنا إنه عارض وجود الكسارة. أضاف:"أرسلنا فريقا فنيا من وزارة الزراعة إلى الموقع لدراسة المخاطر على البيئة والثروة الحيوانية، وأوصينا أن تتخذ الاجراءات الاحتياطية، كإقامة ساتر حول الكسارة للحد من انتشار الغبار ورش المزروعات بالمياه، وأوصينا بأن تقوم وزارة الاقتصاد بإيقاف الكسارة عن العمل إلى حين قيام الشركة بتصحيح أوضاعها الفنية والقضائية".
أضاف الوزير عساف: "لدى المزارعين المتضررين قرار محكمة، وقرار وزراة الزراعة، وعليهم أن يلجأوا للرئيس والطلب منه إيقاف العمل بالكسارة".
كانت الشركة المذكورة، أي الشركة الشرقية للكسارات، التي تمتلك قطعة أرض غير مزروعة رقم 34 قد أدخلت جرافات ومعدات في سبتمبر/ أيلول عام 2012 إلى قطعة أرض رقم 33 المزروعة بأغراس الزيتون والمملوكة من قبل سفارين وصهره حمايده، حيث بدأت الشركة باقتلاع الغرس، فلجأ كل من سفارين وحمايدة إلى المحكمة للحصول على قرار مستعجل لوقف العمل في قطعة أرضه.
أكد قرار المحكمة أن الشركة قامت باقتلاع عشرات الأشجار يوميا منذ دخول الجرافات إليها. وحددت المحكمة مساحة الأرض المعتدى عليها، وفق شهادة إخراج قيد بـ 125 دونما، وذكرت أسماء مالكي الأراضي التي تحدها من الشرق والغرب والشمال والجنوب، وذكر قرار المحكمة أن كافة الأراضي المجاورة للكسارة مزروعة بأشجار الزيتون واللوزيات.
أشارت المحكمة إلى ما قامت به الشركة من أعمال تجريف وتغيير معالم الأرض وتغيير وجه استعمالها وإتلاف الاشجار والمزروعات في قطعة أرض لا تمتلكها مستغلة تواجد المستدعي حمايدة في الخارج.
نظرت المحكمة في طلب المستدعي، مستندة إلى بنود ومواد قانونية، ولاحظت قيام الشركة بخرقها، وقررت اتخاذ المقتضيات القانونية لتنفيذ قرارها ولو اقتضى ذلك استخدام القوة الشرطية.

الأضرار
يلزم القرار الصادر عن القاضي مأمون كلش أصحاب الكسارة بالتوقف فورا عن العمل فيها، ودفع تعويضات عن العطل والضرر للمزارعين.
تواجدنا لساعتين في المكان، كانت الآليات خلالها تعمل في بطن الجبل الذي تغطي جوانبه أشجار الزيتون وتتناثر في سفوحه الخضراء قطعان الأبقار، بينما تنفث تلك الآليات الطاحنة للصخر غيوما من الغبار الأبيض المسمم للنبات والمسبب لأمراض الجهاز التنفسي للإنسان والذي أدى أيضا إلى نفوق عدد غير محدد من العجول، إضافة إلى الهدير الملوث للسمع، والتأثير على طبقات الصخر، وحدوث تلوث في الحوض المائي، حسب تقرير لجنة من الخبراء.
رأينا أربع شاحنات تحمل لوحات إسرائيلية صفراء ملأى بالحصمة والنحاتة الناعمة تخرج من الموقع وتتجه إلى إسرائيل، ويحصي المزارعون المتواجدون في المنطقة خروج ثلاثين شاحنة على الأقل من الموقع يوميا، وجميعها تتجه إلى إسرائيل.
تمتلك عائلة السفارين آلاف الأشجار في الوادي أسفل الكسارة، بالإضافة إلى أربعة آبار مياه. كانت العائلة تنتج أكثر من ثمانية أطنان من زيت الزيتون، قبل إنشاء الكسارة، وانخفضت كميات الزيت إلى نحو 1.2 طن فقط. ويؤثر الغبار على العجول ويمرضها وتخسر العائلة عشرة عجول كل عام.
يتحدث المزارع سليمان جمعة 79 عاما عن خسارة مشابهة، فقد كانت أرضه المحاذية للجهة الغربية من الكسارة ومساحتها ثلاثمئة من الدونمات تنتج ستة أطنان من زيت الزيتون وتناقصت الكميات إلى نحو طن.
لم يستطع د. سفارين أن يكبح جماح غضبه، بعد أن تصاعدت غيمة من الغبار الصادر عن آليات الكسارة وامتدت أذرعها إلى الأعلى وارتفعت وتباعدت إلى أن تلاشت في مساء شتائي، وقال د. سفارين: "في الصيف، يتراكم الغبار على أوراق الشجر مكونا طبقة بيضاء".
حاول الدخول إلى موقع الكسارة، وقام أحد الحراس بمنعه، واشتبك مع الحارس في جدل انتهى بإعلان الحارس، وهو من قرية جيوس: "إن قام الامن الفلسطيني بإغلاق الكسارة سأعود إلى بيتي وأخسر راتبي الشهري".
عرضت الشركة على د. سفارين تعويضا عن الأرض، بل قدم له أحد محامي الشركة مبلغ 100 ألف دولار ليسقط الدعوى ويتوقف عن الحملة القضائية. ورد بقوله: "لو اعطيت مليون دولار مقابل كل ورقة زيتون لما قبلتها".
ثم يضيف د. سفارين:" ما يجري هنا، هو جريمة اقتصادية منظمة يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء. هذه مجزرة بيئية بكل ما تعنيه الكلمة. أنا لديّ الوثائق والمراسلات وقرارات الوزارات لإثبات كل كلمة أقولها".
تذكر الوثائق لدى د. سفارين أسماء ومضامين قرارات متناقضة أصدرها عدد من المسئولين في وزارات الزراعة والبيئة والاقتصاد والحكم المحلي بشأن منح أو منع تراخيص عمل للشركة المذكورة.

عرقلة تنفيذ القرار
ومنذ صدور قرار محكمة بداية طولكرم الأخير، بدأ مسلسل عرقلته، فقد توجه عماد الزغل، ملازم في هيئة التنفيذ إلى موقع الكسارة برفقة وكيل الحكومة عايد عيشة، وقوة من الشرطة إلى موقع الكسارة في الخامس عشر من اكتوبر/ تشرين أول الماضي، فوجدوا حفارتين تعملان ومندوب الشركة حسن درويش وعددا من سائقي الحفارات "البواجر" وسائق جرافة وأبلغوهم بقرار المحكمة.
ذكر الملازم الزغل في تقريره أن المتواجدين في الموقع وافقوا على تنفيذ قرار المحكمة، ووقعوا على استلامهم قرارها، حسب الأصول، ثم غادر الزغل وقوة الشرطة مكان الموقع.
في اليوم التالي، اكتشف صاحب الأرض أن العمل لم يتوقف في المحجر ، فتوجه بطلب إلى رئيس نيابة طولكرم يعلمه فيها بأن ثلاثة من سائقي البواجر وسائق جرافة لا يزالون يعملون، وأن صاحب الشركة لم يلتزم بتنفيذ أمر المحكمة، وطالب بأن تقوم النيابة بالإيعاز إلى الشرطة بضبط المعدات وسحبها من قطعة الأرض المذكورة.
جرى اعتقال المخالفين من قبل الشرطة وتم الافراج عنهم ليلا، بعد اتصال هاتفي من مسؤول أمني كبير، واستمر العمل في الكسارة. امتنع المحامي أحمد شرعب الذي رافع في المحكمة دفاعا عن مالكي الأرض حمايدة وسفارين عن ذكر اسم المسؤول الأمني.
وقال:"هذه جريمة مستمرة وبشعة، لم تنفذ الشرطة قرارا صادرا عن المحكمة، هذه ليست المرة الأولى التي لا تنفذ فيها قرارات المحاكم، كيف يحدث ذلك؟ إن الأمن يرفض حتى تنفيذ قرارات محكمة العدل العليا. إنني أعمل في المحاكم منذ 42 عاما، ولم اجد وضعا مخزيا كالوضع الذي نحن فيه. قرار محكمة بداية طولكرم قرار عادي وواضح. هذه كسارة تضر البيئة والمزارعين. ولا يجوز ترخيصها، كيف رخصت؟ هناك خلل في الوزارات التي رخصتها".

الطرف الآخر
ماذا يقول الطرف الآخر؟
سألت صاحب الشركة الشرقية للكسارات عبدالكريم تكروري: لماذا تستمر الشركة بأعمال التجريف برغم صدور قرار المحكمة؟
أجاب: إنني احترم القانون، وقد صدر قرار جديد من المحكمة يسمح لي بمزاولة العمل في الموقع.
سألته: هل يمكن أن ترسل لي نص القرار الجديد بالفاكس أو البريد الإلكتروني؟
أجاب: نص القرار بحوزة ابني سليم.
اتصلت بـ سليم وسألته نفس السؤال.
أجاب: أريدك أن تحضر إلى مقر الكسارة، سأتوجه إلى القضاء ضدك إن كتبت أي شيء عنها.
قلت: إنني لا أكتب شيئا دون أن أسأل الطرف الآخر ولذلك توجهت إليك، وذكرت له إن أباه أخبرني أن قرارا قد صدر عن المحكمة يسمح للشركة بمزاولة العمل، ويلغي قرار المحكمة الأول، وأنني أرغب بنشر القرارين معا.
أجاب: ليس هناك قرار محكمة ولكن يجب أن تفهم ما بين السطور في قرارها السابق. يستحيل تنفيذ قرار المحكمة، لأنه لا حدود مفروزة بين قطعتي الأرض رقم 33 وقطعة الأرض رقم 34.
وهذا يعني أن تقوم الشركة بتنفيذ القرار كما تفسره، ووفق هذا المنطق، يحق للشركة الشرقية للكسارات أن تلتهم أرض المزارعين سفارين وحمايدة الملاصقة والشاملة لـ 10 دونمات خصصتا كمنتجع للإطفال وأصبحتا من أملاك مجلس قروي بيت ليد، ومركز أبحاث التنوع الحيوي والبيئة التابع لأحد المهتمين بالبيئة. لكن آليات الكسارة أوقفت العمل بهما.
إثر رفض الأمن تنفيذ قرار المحكمة، سلم د. سفارين ملف الكسارة كاملا إلى رئيس هيئة مكافحة الفساد، السيد رفيق النتشة متأملا أن تكشف الهيئة ما يدور خلف الكواليس، من جانبه وعد النتشة د. سفارين بإجراء تحقيق شامل، ودعم د. حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي، ووزير الداخلية السابق نصر يوسف الملف بشهاديتهما. ولا يزال المزارعون المتضررون ينتظرون "تحقيقا شاملا" تجريه هيئة مكافحة الفساد.

شركاء يهود وجواسيس عرب
بدأت حكاية الشركة الشرقية للكسارات في نهاية عام 2005، عندما فوجىء أهالي منطقة الكفريات وخاصة سفارين وكور وبيت ليد بعمليات تجريف ومسح للمنطقة التي أقيمت عليها الكسارة. فزع المزارعون مما شاهدوه وتبين لهم أن شخصا يدعى عبدالباسط خير الله هو مفوض الشركة الشرقية للكسارات قد أقدم على شراء قطعة الأرض رقم 34، ونقل إليها معدات وخطوط انتاج لتحويل الموقع إلى محجر.
يحمل رجل الأعمال خير الله، وهو من قرية كفر قاسم داخل إسرائيل، الجنسية الإسرائيلية.
تذكر وثيقة أرسلها د. سفارين إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن شخصا يدعى عوني كلبونة، ويعمل صرافا في مدينة نابلس قام بشراء قطعة الأرض رقم 34 ومساحتها اربعة وثلاثين دونما من سقراط الجيوسي وآخرين من نفس العائلة، لصالح السيد خير الله. وذكر د. سفارين اسمي محام ومحاسب، قد عملا على تنفيذ نفس الصفقة.
اعترض أهالي المنطقة وكافة المجالس المحلية والبلدية وقدموا اعتراضاتهم إلى رئيس سلطة جودة البيئة د. يوسف أبو صفية ووزراء الاقتصاد والتخطيط والداخلية والحكم المحلي والزراعة والمجلس التشريعي وجهات أخرى ذات علاقة.
ذهبت اعتراضاتهم أدراج الرياح عندما خاطب د. عزام طبيلة وكيل وزارة الزراعه في رسالة موجهة إلى وكيل وزارة الاقتصاد د. جواد الناجي يعلمه فيها بالموافقة على استكمال إجراءات الترخيص للشركة الشرقية للكسارات. والكتاب مؤرخ بتاريخ 13/5/2006، حسب وثائق د. سفارين.
منح د. الناجي الترخيص للشركة، بعد نحو سبعة أشهر أي بتاريخ 22/1/2007على استلامه كتاب عدم الممانعة من قبل وكيل وزارة الزراعة.
أعترض المزارعون والأهالي على الترخيص لدى د. محمد رمضان الأغا بتاريخ 7/3/2007 وكان وزيرا للزراعة في حينها. وسحب الوزير موافقة وزارة الزراعة بعد اسبوع من تسلمه كتاب الاعتراض.
برغم سحب الترخيص لم يتوقف العمل في الكسارة. توجه الأهالي بكتاب موقع من قبل المجالس المحلية والبلدية إلى الرئيس محمود عباس، يطالبونه بأن يتدخل شخصيا ويصدر قرارا رئاسيا بوقف العمل بالكسارة. وأرفق الكتاب بقرار وزير الزراعة.
قام وزير الداخلية السابق نصر يوسف بتسليم الكتاب للرئيس. وقال الفريق الركن نصر أن الرئيس أقر إلغاء الترخيص وحوله إلى د. حكمت زيد، رئيس هيئة المحافظين في حينه من أجل التنفيذ.
شكل زيد لجنة ممثلة عن وزارات الزراعة والحكم المحلي والبيئة والاقتصاد برئاسة شاكر جوده الوكيل المساعد لدى وزارة الزراعة. وزارت اللجنة الموقع وخرجت بقرارات متعارضة. اعترضت وزارتا الزراعة والحكم المحلي على ترخيص الكسارة. ووافقت وزارتا الاقتصاد والبيئة على منح ترخيص للكسارة، أي أن اللجنة الوزارية انقسمت إلى فريقين متضادين.
قام أصحاب الأراضي المتضررين باللجوء إلى ست خبراء يحملون شهادات دكتوراة في تخصصات الزراعة والبيئة والمياه والصحة والثروة الحيوانية، وطلبوا منهم تحديد الأضرار، أعد الخبراء دراسة مفصلة خلصوا فيها إلى أن الكسارة تسبب أضرارا فادحة في هذه المجالات.
في ذلك الوقت، أي عام 2008 ، انتقلت ملكية الكسارة من عبد الباسط خير الله إلى عبد الكريم تكروري وهو رجل أعمال من طولكرم، وتوجه أصحاب الأراضي الزراعية الملاصقين لقطعة الأرض رقم 34 الى القضاء وطالبوا بإزالة الضرر والذي لا يتحقق إلا بإزالة الكسارة من الموقع. وقرر قاضي الأمور المستعجلة بتاريخ 5/8/2008 وقف الشركة الشرقية للكسارات عن العمل في أراضي قرية كور.
بدأ صاحب الشركة الجديد العمل على إعادة مزاولة العمل في الكسارة، مستفيدا من قرارات شبكة المتنفذين في العديد من الوزارات. ساعده في ذلك قرار وزير الزراعة السابق محمود الهباش الذي أفتى بصلاحية الأرض لإقامة الكسارة وعدم صلاحيتها للزراعة، في كتاب رفعه إلى رئيس الوزراء سلام فياض، وقام وكيل وزارة الصناعة د. ناجي بمنح الترخيص لإقامة كسارة ثابته على الأرض. صدر الترخيص بتاريخ 23/9/2008.
ناقشت محكمة بداية طولكرم اعتراض المزارعين وصدر قرار عن قاضي الأمور المستعجلة في الثاني من نوفمبر/ تشرين ثاني/ 2009، بموجبه استأنفت الكسارة عملها، أي بعد 14 شهرا على توقفها.
جدد المزارعون المتضررون دعواهم واستأنفوا ضد قرار المحكمة، مطالبين بإيقاف عمل الكسارة، ومن أجل وضع حد لهذه الجولات القضائية، قرر رئيس مجلس التنظيم الأعلى د. خالد القواسمة، حسم الموقف ، ووضع في شهر اكتوبر/ تشرين أول، عام 2010، مخططا لتغيير صفة الاستعمال للأرض من صفة استعمال زراعي إلى صناعي لتسهيل الأمور على أصحاب الكسارة ووقف احتجاجات المزارعين.
أعترض أكثر من 140 مزارعا على تغيير صفة الاستعمال للأرض، خلال فترة الاعتراض ومدتها شهر. ولم تؤخذ اعتراضاتهم بالحسبان، وفي شهر أيار، 2011، أصدر وزير الحكم المحلي ورئيس مجلس التنظيم الأعلى قرارا بتغير صفة الاستعمال من زراعي إلى صناعي، رغم أن القضية لا زالت قيد النظر في المحكمة.
بعد جلسات المداولات حول قطعة الأرض رقم 33 تمكن المزارع سفارين وصهره حمايده في اكتوبر/ تشرين أول من الحصول على قرار آخر صادر باسم الشعب الفلسطيني وملزم لـصاحب الشركة عبدالكريم حسن ياسين تكروري بالتوقف عن أعمال الجرف واقتلاع الاشجار وإجراء أية تغييرات في قطعة الارض المذكورة إلى حين البث في الدعوى الأصلية".
وكما لم ينفذ قرار المحكمة بشأن القطعة رقم 33، لم يبت بعد في الدعوى الأصلية، التي بموجبها يطالب المزارعون المتضررون أن تتوقف الكسارة بجزئيها عن العمل. ولكن وجود محركات الفساد غير المرئية، ومراكز القوى وأصحاب المصالح والنفوذ في الوزارات والأمن والقضاء قد يجعل تطبيق القانون وهما في أخيلة الحالمين.
وهنا يتساءل البرفيسور عبدالستار قاسم، استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح وأحد المهتمين بموضوع الكسارة، وهو من مدينة طولكرم: كيف يمكن لشخص يحمل جنسية إسرائيلية أن يحصل على ترخيص لشركة تعمل في الضفة الغربية ثم تمتلك هذه الشركة أرضا؟ هذا أمر يثير تساؤلات كثيرة. أهمها أن لهذا الشخص شركاء يهود يعملون مع جواسيس عرب. من حقنا أن نتساءل".
ويلخص قاسم قضية الكسارة التي تتداول ملفاتها المحاكم والوزارات والأجهزة الأمنية والمجالس التنظيمية وتتخذ بشأنها القرارات المتضاربة وتصاغ حول أوضاعها التقارير المتناقضة الصادرة عن اللجان الفنية، بقوله: "يتجلي غياب سيادة القانون واضحا في هذه القضية".
سجلت الشركة الشرقية للكسارات في بلدة سلفيت، ثم سمح لها بإنشاء محطة تشغيل على أراضي قرية كور في منطقة طولكرم. للشركة طموحات للتوسع، كما قال صاحبها الحالي الذي عرف نفسه بأنه رجل أعمال معروف في مدينة طولكرم واشتغل في تجارة الاسمنت والحديد وله شركاء أقارب، ولا صلة له بمالك الشركة السابق، واتهم من يشنون حملة ضده لأنه أقام كسارة على "أرض جرداء" بأنهم أشخاص حاقدون.
تظهر خرائط جوية لدى د. سفارين دوائر حمراء حول أراض ابتاعتها الشركة في نفس المنطقة، والخرائط مختومة بكلمة موارد، وكتب تحتها بخط صغير اسم "الشركة الشرقية لأعمال الحجر".
مكثفا سبعة أعوام من المعارك السرية خلف الكواليس، بعيدا عن ديوان الرقابة الحكومي المدجن والإعلام الرسمي المهادن، وجمعيات ما يسمى "المجتمع المدني" المتبطل، قال قاسم: "إن السلطة ملوثة في قضية الكسارة. هناك وزير يمنح الترخيص للشركة وآخر يمنعه عنها. والشرطة ترفض تنفيذ قرار المحكمة الأخير. والعمل لا يزال مستمرا في موقع الكسارة حتى هذه اللحظة".

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025