قيصر دروزة.. عِشرة عُمر مع الكاميرا
وفــا- رشا حرز الله
خمسون عاما لم تبارح الكاميرا كتف المصور قيصر دروزة (66 عاما) من مدينة نابلس، ففي كل يوم تغلق عدستها مرات عديدة، ترسخ في طياتها أعذب صور الأصدقاء والعائلات والشخصيات المهمة عبر الزمان والمكان، مستعيدين بأبيض وأسود ذكريات قديمة قدم الزمن.. فيما يرسخ من يعترضون طريقه من الطلبة ما يرون فيه لحظات الشباب المبتهجة بألوان الحداثة.
يقضي المصور دروزة نهاره متنقلا في أروقة جامعة النجاح الوطنية حيث سمحت له إدارة الجامعة العمل فيها منذ عام 1963م، يغازل طلبتها الذين ألفوا وجهه وأسلوبه في الحديث معه ليدغدغ مشاعرهم بعباراته الرقيقة مثل "الله يسعد هالقعدة يا رب والله بدها صورة، أو "شايفين ما أحلاكم والله، هاللحظة ما بتنعاد"؛ "خليني أصوركم يا حلوين"، ليحصل بالنهاية على صورة بثمن خمسة شواقل.
يسترجع دروزة ذكريات خمسين عاما من ترحاله أيام شبابه عبر الحدود مع رفيقة دربه المحببة إليه إلى يومنا هذا: "حملت الكاميرا عندما كان عمري 14 عاما، امتهنت التصوير عن والدي رحمه الله الذي كان يعمل مصورا في ساحات بغداد، استعملت الكاميرات القديمة منها المنفاخ وكاميرات الأفلام القديمة، والصندوق، عملت أيضا في ساحة البرج في لبنان، لأنتقل بعدها إلى الأردن، حيث عملت مع مصورين أرمنيين عام 1959م مقابل 25 دينارا في الشهر".
وأضاف: "تعرفت شوارع لبنان وأهلها على عدسة آلة تصويري في زمن كان ثمن الصورة ثلاثة أرباع الليرة؛ طبعتُ آنذاك صورا للفنان وديع الصافي، وصباح وغيرهما الكثير. السفارات الفرنسية والإيطالية في الأردن شهدت حضوري أيضا، وكثيرا ما تعرضت لعمليات احتيال مع أشخاص، حيث يطلبون مني تصويرهم ويدفعون نصف قيمة الصورة وعندما يحصلون عليها لا يدفعون القيمة المتبقية".
انتقل قيصر دروزة للعيش في مدينة نابلس، حيث عمل في كلية النجاح الوطنية التي كانت تضم في ذلك الوقت نحو 170 طالبا من مختلف الجنسيات العربية، والتي لا يزال المصور دروزة يحتفظ بصور لطلبة جزائريين كانوا يدرسون على مقاعدها قبل أن تتحول إلى جامعة ضخمة كما هي اليوم. وقال دروزة: "الصور القديمة باللونين الأبيض والأسود أفضل بكثير من الصور الملونة، لأنها تحافظ على جمالها وتفاصيلها، بينما الصور الملونة تفقد جمالها بعد مرور سنتين نتيجة تحلل الألوان، رغم جودة الكاميرات المستخدمة في التصوير".
وتابع: بالنسبة لي لم أستخدم كاميرا الديجيتال (الرقمية) إلا في نهاية عام 2005م، وأمتلك أستوديو في مدينة نابلس لا أتواجد فيه إلا للضرورة لإيماني أن الصورة في الطبيعة أفضل بكثير من صور الأستديوهات".
كثيرة هي العادات النابلسية القديمة التي وثقتها عدسة دروزة، والتي اختفى معظمها ولم يعد لها وجود. ويستذكر تلك اللحظات قائلا: "في الستينات كان في نابلس أشخاص يعتبرون رمزا لها يعطونها نكهة خاصة، ما زلت أحتفظ بصورهم حتى يومنا هذا، من بينهم شخص يلقب بـ"الزمّار"، وآخر بـ"السلام عليكم جميعا"، وأبو الغرب، وجميعهم كانت ألقابهم نتيجة ميزة خاصة في شخصياتهم".
وأضاف: "أحتفظ حتى بصور الآغاوات في نابلس، وشخصيات اعتبارية مثل المفكر الدكتور قدري طوقان وغيره، بالإضافة إلى صور جاليات عربية وأجنبية كانت تزور نابلس، ودوّنت عدستي من المناسبات التي كانت تعتبر ذات قيمة كحفلات تخرج الصف السادس الابتدائي التي توازي حفلات نهاية المرحلة الجامعية هذه الأيام من حيث أهميتها، وافتتاح البنك العربي عام 1960، إلى جانب تلك المظاهر الاحتفالية التي كانت تعرف بها نابلس قديما مثل أيام السوق نازل في رمضان، وحلقات الذكر في تكية الشيخ نظمي كل يوم خميس في البلدة القديمة".
رغم نصائح الأطباء للمصور دروزة بعدم إرهاق نفسه في العمل بسبب عملية القلب المفتوح التي أجريت له، وما يعانيه من أمراض مزمنة من ضغط وسكري، إلا أن له نظرية مختلفة في ذلك: "حتى لو كان العمل يؤثر على صحتي إلا أنني لا أستطيع الجلوس حبيس المنزل وترك الكاميرا، ولست مقتنعا بأن الراحة في المنزل ستشفي مرضي، وما الأعمار إلا بيد الله."
وأنهى دروزة حديثه: "سأحمل الكاميرا حتى يأخذ الله أمانته".