أسماك في سهول جنين- عميد شحادة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
قطع مزارعو جنين حديثهم فجأة، واستيقظ الصمت للحظات، عندما رمى صادق نزّال بشبكته الصغيرة الشبيهة بالسلة في بركة ماء مغلقة. الكل يترقب، ثانية، ثلاث، خمس ثوانٍ، يسحب بعدها نزال الشبكة بسرعة، فتنطلق ضحكات المزارعين الذين أسرعوا لتقليب ثلاث سمكات تلمع بقشورها بين أيديهم.
نزّال واحد من خمسة مزارعين استفادوا من مشروع تربية الأسماك في جنين والذي مولته البرازيل بإشراف وزارة الزراعة. لم يكن نجاح المشروع مفاجئا، فكل المواصفات التي طلبتها مديرية الزراعة هناك من ماء وكهرباء وأرض ورغبة في العمل؛ توفرت منذ البداية لدى المستفيدين الخمسة.
عاد الصمت، بل مسحت الخيبة ألوان السعادة من وجوه المزارعين بمجرد أن بدأ صادق يتكلم بمرارة الخذلان: "جاء التجار إلى الموقع ووضعناهم في الصورة، أسمعناهم وسمعنا منهم. لم يكن موقفهم مشجعاً أبدا، يتعاملون معنا وكأننا من إقليم أو دولة أخرى، وكأننا لسنا أبناء بلد واحد ويفترض بنا التعاون. إنهم يفضلون السمك الإسرائيلي ويشترونه".
كل الأسماك المرباة في جنين لا يتجاوز عددها خمس عشرة ألف سمكة، تتوزع على خمس برك، ويمكن تسويقها خلال يوم واحدٍ لو أعطى التجار الأولوية للإنتاج المحلي، القادر على منافسة نظيره القادم من إسرائيل، التي ما انفكت تضع العصي في دواليب استمرار المزارعين الفلسطينيين في تربية الأسماك.
يقول المهندس تيسير صادق من مديرية الزراعة في جنين، والمشرف على مشروع تربية الأسماك: "ستلعب الوزارة دوراً في الحد من الاستيراد، وإذا كان لا بد من استيراد السمك فيجب أن يستوعب السوق 25_30 % من الإنتاج المحلي".
تابع تيسير حديثه بنبرة مختلفة وعيناه مع شِباك الصيادين: "هذا مشروع تسمين وليس تفريخ. فراخ الأسماك الموجودة في البرك مصدرها إسرائيل، وسنستغني عن الفراخ الإسرائيلية فور تجهيز مفرخة أريحا".
وسط سهل يفيض بالأخضر، تتلوى أسماك أسامة أبو الرب أحد المستفيدين من المشروع في بركة ماء دائرية مغطاة بالبلاستيك.
كان أبو الرب صاحب فكرة تربية الأسماك قبل أربع سنوات، حين لاحظ في البدء دور مياه السمك الذي رباه دون تخطيط في تحسين الإنتاج الزراعي، لاحتواءه على مواد عضوية مفيدة.
بدأت الفكرة عام 2008 ونُفذت على أرض الواقع قبل عام تقريبا، فصارت أول تجربة فلسطينية مدروسة لتربية الأسماك، دفع فيها المزارعون 20% من تكاليف المشروع، والباقي مولته حكومة البرازيل الاتحادية من خلال وزارة الزراعة، والسمك المربى هو من نوع واحد فقط، يدعى المشط النيلي أو الأسود، وهو النوع القادر على العيش في المياه العذبة.
تَرَبَع أسامة على تراب السهل بمحاذاة البركة وقال "تذوقت الأسماك وكانت لذيذة، لا فرق بينها وبين الأسماك الأخرى الطازجة، طعمها رائع".
عادت الابتسامة لوجوه المزارعين، ورغم الغصة التي ملأت حناجرهم عند الحديث عن التسويق؛ لم يبخلوا بتدليل أسماكهم ومداعبتها، وفي عيونهم بريق يقين أن رئة مشروعهم ستتنفس هواء النجاح جهدا بعد آخر.