هربت من رسوم ولادتهم بالمستشفى فعاشوا مشردين بدون أوراق ثبوتية
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
أسامة الكحلوت
حكاية عائلة غزيه فلسطينية غريبة من كل الأطوار, لم يكن مضمونها الفقر وضيق الحال وحده, فهمهم هو بحر أمواجه هي الحزن, وشاطئه هو الأمل ولكن هل سيتحقق أم لا, فهي عائلة تضم أم وأبنائها الشبان الخمسة, يعيشون في بيتهم البسيط وتتخبط أيديهم على حالهم الذي لا حول له ولا قوة, فقصتهم باختصار هي "عدم اعتراف أحد بهم", حيث لا يملكون شهادة ميلاد ولا هوية ثبوتية لأي منهم والسبب هو قسوة الزمن.
طرقنا هذا البيت, واستقبلتنا الأم بغرفتها التي تسد نوافذها أكوام من الفراش لتحميهم من برد الشتاء القارص, وحدثتنا عن حكايتها في السطور التالية:
جيرانهم الموتى
في بيت بسيط صغير, يفتقر لأدنى مقومات الحياة, لا يحمي من برد الشتاء القارص ولا من حر الشمس الحارق, تسكن عائلة كحيل تلك العائلة التي راح أبنائها ضحايا الفقر والحرمان, وغياب المسئولين أو أي أحد يتفقدهم, تقرأ في عيونهم حسرة على عمر مضى ومستقبل مجهول أمام واقع يبكي عليه أي قلب يملك ضمير.
الأم يسرى شويدح "65عام", تعيش مع نفسها بين أصابع الاتهام وقسوة الظروف التي جعلتها تطوي صفحة مستقبل أبنائها بيدها, هروباً من الفقر ومرارة الزمن التي كانت وبقيت علقم حكم عليهم بالإعدام, فهم أناس محرومون من السعادة أمام إغلاق الأبواب التي طرقوها, بعد وقوع الأمر ومرور السنين إلى أن وصلوا ليومهم هذا.
منذ ستون عاماً تسكن عائلة كحيل في بيتهم البسيط داخل مقبرة بالقرب من المستشفى العربي بمدينة غزة حيث لا تبعد عنهم القبور سوى مسافة تقدر بمترين, وبين رفات الموتى تربى أبنائها صقر "30عام", جبر "28عام", صابر "26عام", خميس "24عام", محمد "22".
قوت من المقبرة
برفقة تلك القبور تسير حياة هذه العائلة المسكينة التي لا حال لها ولا قوة, حيث اتخذوها مصدراً لرزقهم لعله يجلب لهم قوت يومهم, تقول الأم وهي تشير إلى بيتها الملاصق للمقبرة:" هنا ربيت أبنائي, هنا كبروا وتلك القبور هي التي أطعمتهم وكبرت أجسادهم, حيث كنا نقوم بتنظيفها والاهتمام بها مقابل القروش التي بها نجلب طعامنا, ونعيش على مساعدات أهل الخير".
أصبحت هذه الأحجار التي يسكن أسفلها رفات الموتى, هي المتنزه لأبناء هذه العائلة وهي القلب الرحيم الذي به يفشوا غليلهم لو ضاقت عليهم نفوسهم من قسوة الزمن, ومرارة الظروف, تقول الأم:" كم أتألم حينما أجد كل يوم أحد أبنائي يقف سارحاً أمام أحد القبور ويدعو الله ويبكي, فأشعر بالذنب على ما فعلته لكن ماذا بوسعي!!! قلة المال وضيق الحال هو الذي جعلني أفعل هذا".
ولادة وهروب من المشفى
لم تكن تملك الأم التأمين الصحي الذي يضمن لها حق العلاج أو حتى الولادة, ولا حتى المال الذي قد يسد شيئاً, فلم تسجل أحد من أبنائها لدى وزارة الداخلية, هروباً من المستحقات المالية المفروضة لاستكمال إجراءات التسجيل وأعداد شهادات الميلاد, تتحدث الأم:" لقد كان رسوم الولادة 300 شيكل, ولم أكن أملك هذا المال, فكنت أذهب لوضع الطفل ثم أهرب أنا وزوجي, ونترك الطفل بالمشفى إلى أن تذهب أم زوجي لإحضاره لنا, حتى أنني حوكمت في أحد المرات واحتجزوني بسبب عدم دفع الرسوم ثم أفرجوا عني".
حدث ما حدث, وبدأ الأطفال يكبرون دون وجود أي أوراق تثبت وجودهم, فبدأت الأم تبحث عن حل للمشكلة التي وجدتها حل للفقر والهم لكنها كانت هم أكبر بكثير من سابقه, تقول:" بدأت أبحث للجميع بالمؤسسات وأسرد قصتي, توجهت إلى المؤسسات في عهد حكومة فتح وطلبوا منا غرامة على كل شخص 1000 دينار مقابل عمل الهوية وشهادة الميلاد, في وقت لا نستطيع أن نجلب به قوت يومنا فكيف لنا أن نحضر هذه المبالغ".
لا يقرؤون لا يكتبون
كان صمت الأم يحكي معاناتها, وفي نفس الوقت ندمها الشديد, وبدأت الدموع تصف حرقة قلبها على مستقبل أبنائها, ثم أكملت حديثها:" ذهب مستقبل أبنائي, حرموا من كل شيء, حرموا من التعليم فلا أحد منهم يقرأ ويكتب, كنت أذهب وأتوسل مدراء المدارس لتسجيل أبنائي ولا حياة لمن تنادى, فهم كانوا يطلبوا مني إحضار الأوراق ".
لم تستقبل المدارس أبناء هذه العائلة التي راحت ضحية الفقر, وأغلقت المؤسسات أبوابها في وجه الأم دون أي محاولة لوضع حل لتلك المشكلة, فما من مؤسسة حكومية ولا خاصة إلا وقد خذلت أمل هذه الأم في حل مشكلتها, ولم تسمع سوى "لا نعترف بهم".
تضيف الأم:" إن ما يزيد قهري, أنني خريجة معهد رام الله حيث درست تخصص تربية طفل, والآن أبنائي جاهلون لا يقرؤون ولا يكتبون, إننا ضحية في هذا الزمن, كنت أعي أهمية الأوراق لكن الظروف جعلتني أضطر لذلك".
لا فائدة
بينما كانت الأم تتحدث عن حكايتها, وكأنها وجدت منبراً تحكي به معاناتها لعل معاناتها تصل لأحد, قاطعها ابنها الكبير وبدأ في منعها من الحديث قائلاً:" تتحدثين دون فائدة يا أمي, الأفضل أن تستسلمي للزمن فلا أحد يتعاطف معنا, ولنكتفي بشكوى همنا إلى ا لله", لكن الأم أبت أن تتحدث معبرة عن أملها في أن ينظر لهم أحد ويساعدهم في عمل الأوراق الثبوتية على الأقل.
لم يجد هذا البيت سوى الوعود الزائفة دون أن يتقدم أحد لمساعدتهم , وتستنجد الأم كل من بيده حل لمشكلتها, بأن يساعدها على الأقل لو بالحصول على حقوقهم كعائلة فلسطينية لها أوراق فقط, متأملة أن تتحسن ظروف أبنائها وظروف بيتها البسيط ليعيشوا حياة كريمة.
كانت العائلة قد حصلت على هوية زرقاء من وزارة الداخلية بغزة, كبطاقة تعريف لتسهيل أمورهم الداخلية فقط, لكنها لم تحل المشكلة فهم بحاجة إلى أوراق ثبوتية لكل فرد.
الابن المسكين جبر لم تكفيه قسوة الزمن, فهو أيضاً مصاب أجرى عدة عمليات جراحية الأمر الذي جعله يعجز عن العمل, يقول :" لقد حرمنا السعادة, حرمنا التعليم, حرمنا المساعدات , حرمنا كل شيء بسبب تلك المشكلة, ليتنا نجد من يساعدنا".
هذه حكاية هؤلاء الزهور الذي أذبلهم ضيق الحال وكانوا ضحايا ليعانوا أقسى أشكال هموم الدنيا, فهل من مغيث ينجدهم !!!
وناشدت ألام وزارة الداخلية برام الله بمساعدتها لحل مشكلتها وإصدار بطاقات رسمية لأبنائها.