ليل من ريح ومطر.. ..
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
جميل ضبابات
كان المطر ينهمر غزيراً، والريح تضرب أطراف المنازل الخيشية بقوة، وصبية غرقت أقدامهم في وحل ملوث بروث الحيوانات.
وفي الصباح الباكر تظهر نار موقدة في مساكن متداعية تكدس الوحل حولها مثل مسكني الشقيقين محمد الصغير ومحمد الكبير بعد ليلة ماطرة عاصفة. في المقابل الحياة جميلة بالأضواء وأمنه لليهود الذين يسكنون في بيوت خراسانية على بعد عشرات الأمتار من أطراف واد جرت فيه مياه هادرة.
وفي الليل ليس هناك غير النار وقناديل بضوء خافت لتنير المساكن وسط ظلام دامس في شرق الضفة الغربية حيث تنتشر المضارب الرعوية على مساحات واسعة من الأرض التي يسكنها جزء بسيط من السكان يعتمدون على تربية المواشي مثل عائلتي الصغير والكبير التي تمتلك قطعانا من المواشي وتسكن منطقة وادي المالح، يواجه السكان هناك حياة قاسية بسبب انعدام البنية التحتية.
فلا كهرباء ولا شبكة مياه ولا طرقات آمنة، ولا منازل إلا من خيش وقضبان حديد. وجعلت العواصف والرياح التي تهب على الأراضي الفلسطينية منازل الرعاة في شرق الضفة الغربية"قشة في مهب الريح".
واقفة، الى جانب نار مشتعلة قالت منى وهي إحدى زوجتي محمد الكبير، إنها لا تتذكر من ليلة أمس إلا صفير الهواء وصوت قطع البلاستيك التي كانت تتطاير من على فوق المساكن. وظهرت بعض المساكن ممزقة فيما ظهرت قنوات مائية موحلة كان حولها صبية يجتازونها بسهولة في ساعات الصباح الباكر.
ويأتي فصل الشتاء عادة قاسياً على سكان الأغوار، وفي جنوب الضفة الغربية وبرية القدس حيث تتركز مضارب الرعاة الذين تعرضت مساكنهم إلى التلف والتمزيق بسبب الرياح العاتية التي عادة تهب في المناطق المفتوحة.
عند هدوء العاصفة تتكشف الكثير من الأضرار. لكن سرعان ما تتعكر الأجواء مرة أخرى وتبدأ الأمطار في السقوط. وظهر بعض الرعاة يحاولون إصلاح ما مزقته الرياح في فجوة المطر.
وذاتها منى قامت بإزاحة الوحل من حول المنازل.
وهناك نحو 450 عائلة تسكن في منطقة المضارب تسكن في المناطق المصنفة (ج) حسب اتفاقيات أوسلو كما قال عارف دراغمة رئيس مجلس المضارب في وادي المالح، تعيش ظروفا مشابه للظروف الصعبة التي تعيشها عائلتا المحمدين الكبير والصغير.
قالت منى وهي تحث الأطفال على تجنب الوحل "الحياة مرة وصعبة. كان الهواء مخيفا جدا". والظروف الطبيعية وأحوال الطقس عاملا آخر من عوامل الشقاء التي يعيشها سكان هذه المناطق التي تمنع فيها السلطات الإسرائيلية أي عملية تطوير في البنية التحتية.
وحتى مطلع آذار لا يشعر الرعاة بأمان من الأحوال الجوية، وفي غضون ذلك سيضطرون لقضاء ساعات طويلة في اصلاح ما تخربه الرياح كل مرة.
وتسكن عائلتا الصغير والكبير عند أقدام احد الجبال التي تقابل جبلا أقيمت عليه مستوطنة يهودية. ويظهر الفارق بين التجمعين البشريين مثل الفارق بين العالمين الأول والثالث. في ساحة منازل الصغير والكبير جمع كبير من الأطفال بعضهم لا يتجنب الوحل. وبعضهم حفاة.
وبعضهم يجد متعة في الشقاء عند استقبال المطر المنهمر.
وعلى أطراف مستوطنة "مسكيوت" المقابلة تظهر الأضواء الكاشفة والشوارع المسفلتة والرفاهية.
الحياة بائسة وهشة هنا.
وهبوب الرياح العاتية وسقوط الأمطار الغزير قد يكلف الإنسان قضاء ليلة من الخوف. كانت زوجتا الصغير والكبير جمعتا نحو 14 طفلا في غرفة هيكلها حديدي ومغطاة بالبلاستيك طيلة الليلة العاصفة حتى طلوع شمس اليوم التالي.
قال مهند وهو طفل لا يتجاوز العاشرة كان يرعى قطيعا من المواشي على أطراف المضارب تحت المطر" ربطنا الحبال في الليل وأشعلنا النار. كان الظلام اسودا. كانت الأمطار قوية".
وفي مضارب قريبة يمكن مشاهدة الأطفال يقفون أمام المنازل يجمعون المواشي تحت المطر الغزير، وبعضهم يشير إلى وادي المالح الذي جرت فيه المياه بقوة بعد جفاف لعدة أشهر.
ففي مناطق كثيرة على أطراف الوادي تضطر عائلات عديدة إلى تغيير مواقع سكنها بعيدا عن الوادي خوفا من فيضانه خلال سقوط الأمطار في الجبال وتجمعها في أودية صغيرة تصب فيه.
وقال دراغمة فيما كان يشير إلى سيل يجري في الوادي "تخيل حياة الإنسان يسكن في بيت من الخيش وينام على ارض قد تجرفها المياه في أي لحظة".
وعمليا منذ العام 1967 لا يستطيع الفلسطينيون استغلال الأرض في معظم مناطق شرق الضفة الغربية للبناء عليها بسبب منع إسرائيلي، لذلك أكثر ما يمكن أن يقوم به "المحمدان" هو تمتين حبال مساكنهم لحمياتها من السقوط والتمزق في مواجهة ريح هائجة.