الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها لليوم السابع على التوالي    آلاف النازحين يبدأون بالعودة إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد    شهيد وإصابتان برصاص الاحتلال قرب حاجز قلنديا    مصر تؤكد رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو التهجير    "مركزية فتح" تؤكد رفضها القاطع لمحاولات تهجير أبناء شعبنا من أرضهم    الاحتلال يفرج عن الدفعة الثانية من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار    "ثوري فتح": نشارك أبناء شعبنا وعائلات الأسرى المفرج عنهم فرحتهم    الاحتلال يواصل عدوانه على جنين ومخيمها: اعتقالات وتجريف محيط مستشفيي جنين الحكومي وابن سينا    الخليل: استشهاد مواطنة من سعير بعد أن أعاق الاحتلال نقلها إلى المستشفى    الاحتلال يطلق الرصاص على شاطئ مدينة غزة ومحور صلاح الدين    الاحتلال يشدد من اجراءاته العسكرية ويعرقل تنقل المواطنين في محافظات الضفة    الرجوب ينفي تصريحات منسوبة إليه حول "مغربية الصحراء"    الاحتلال يوقف عدوانه على غزة: أكثر من 157 ألف شهيد وجريح و11 ألف مفقود ودمار هائل    الأحمد يلتقي ممثل اليابان لدى فلسطين    هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال  

هيئة الأسرى ونادي الأسير يستعرضان أبرز عمليات تبادل الأسرى مع الاحتلال

الآن

بحيرة الألم- زكريا محمد


خفق المقص وقطف شعر رأسي، وكان الحلاق يحكي. لم يكن يهتم بي ولا بشعري. كان مأخوذا بقصته وبألمه. قص من دون وعي. وعيه تركز على ولده الذي أصابه السرطان. فهو يريد أن يعرف إن كان له دور فيه. أو قل يريد من أحد أن ينفي أن له دورا في سرطان ابنه. فثم قصة صغيره جعلته يحمل نفسه مسئولية السرطان. قال لي: "عدت إلى البيت من الشغل بعد أن اتصلت أمه لتخبرني أنه يزعج أمه وأخته، وأنه يملأ البيت صراخا. وحين دخلت شلحت الحزام الجلدي ورفعته كي أضربه. وأنا الآن أتذكر عينيه الخائفتين. أتذكر كيف دارتا كما يدور بلبل خشبي، تم ترنحتا ووقعتا على الحزام، ثم على وجه أمه التي وقفت بعيدا. لا بد أن ذلك الخوف هو الذي سمم دمه. لا بد أنه سبب السرطان. ألا تعتقد ذلك؟".
كان المسكين يلوم نفسه. لا بد أنه لام نفسه في داخله على الذعر الذي أحدثه لولده. وحين جاء السرطان تذكر ذلك الذعر. هكذا يحصل معنا دائما عندما يمرض حبيب أو قريب. نبدأ في تذكر إساءاتنا القديمة له. ودوما تبرز إساءة واحدة كي تعصر قلوبنا. نتذكرها وننظر إلى وجهه الشاحب المريض، ونقول لأنفسنا: لماذا فعلنا هذا؟ لماذا فعلناه؟ ونتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء كي نرد على ذنبه الصغير ببسمة محبة، قائلين: معليش. أو: خيرها في غيرها، فداك. وهكذا يحصل أيضا حين تودع أباك إلى نومته الأخيرة. تتذكر كيف قسوت عليه في مرضه، أو تأففت منه، أو ورددت له طلبا.
كان الحلاق يؤنب نفسه. كان ممزقا، ولا أدري إن كان يطلب مني ان أنفي ذنبه أم أثبته. كان في نفسه رغبة في النفي والإثبات معا. كان بحاجة إلى ما يمنحانه معا من مشاعر معا.
قلت له: لا، لست أنت المسئول عن مرضه. الخوف لا يسبب السرطان. وكان يريد أن يصدق. لكن خيطا من نفسه كان يريد أن يكون مذنبا. فكرة الذنب تستهويه فهو تجعله يفيض حنانا على ولده المريض. وتابع: "الحمد لله على كل حال. مرض ابني جعلني أفهم الحياة. قبله كنت ضائعا. أنا الآن أعرف ماذا يعني أن تكون طفلا، وماذا يعني أن تكون أبا. عرفت ما يعنيه الألم، وما يعنيه الحب. مرض ابني علمني الحب. ابني الصغير، حبيبي الصغير، علمني الحب، كما علمنا المسيح على صليبه الحب. ابني المصلوب فداني كما فدانا المسيح. قبل مرضه كنت غائبا عن الوعي. بعده عدت إلى رشدي. الحمد لله. لقد أرسل المرض إلى ابني كي ينقذني، ويخرجني من ضلالي، وكي يعلمني معنى الحياة. لقد خلقني مرض من جديد، وطهرني".
لم يكن يقص شعري بمقصه. كان كما لو أنه يقلم شجرة ما في داخله. كان يزيل أغصانها القاسية الجافة، كي تصبح أقوى وأجمل. كانت هذه شجرة حياته بعد أن مرض ابنه: واضحة، بسيطة، عطوفة ومتفهمة. لم أكن أنا تحت مقصه، بل هذه الشجرة.
عندما خرجت من عنده، كان رأسي شبه عار، فشعرت ببرد المساء يضرب أذني. قلت في نفسي: الألم شنيع، لكنه يعلم الإنسان أحيانا. أو قل إن ثمة طرازا معلما من الألم. هناك آلام تحول الإنسان إلى وحش، وهناك آلام مثل بحيرة عميقة شفافة تطهر الإنسان. وألم هذا الرجل طهره وشفاه.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025