تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت  

شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت

الآن

بحيرة الألم- زكريا محمد


خفق المقص وقطف شعر رأسي، وكان الحلاق يحكي. لم يكن يهتم بي ولا بشعري. كان مأخوذا بقصته وبألمه. قص من دون وعي. وعيه تركز على ولده الذي أصابه السرطان. فهو يريد أن يعرف إن كان له دور فيه. أو قل يريد من أحد أن ينفي أن له دورا في سرطان ابنه. فثم قصة صغيره جعلته يحمل نفسه مسئولية السرطان. قال لي: "عدت إلى البيت من الشغل بعد أن اتصلت أمه لتخبرني أنه يزعج أمه وأخته، وأنه يملأ البيت صراخا. وحين دخلت شلحت الحزام الجلدي ورفعته كي أضربه. وأنا الآن أتذكر عينيه الخائفتين. أتذكر كيف دارتا كما يدور بلبل خشبي، تم ترنحتا ووقعتا على الحزام، ثم على وجه أمه التي وقفت بعيدا. لا بد أن ذلك الخوف هو الذي سمم دمه. لا بد أنه سبب السرطان. ألا تعتقد ذلك؟".
كان المسكين يلوم نفسه. لا بد أنه لام نفسه في داخله على الذعر الذي أحدثه لولده. وحين جاء السرطان تذكر ذلك الذعر. هكذا يحصل معنا دائما عندما يمرض حبيب أو قريب. نبدأ في تذكر إساءاتنا القديمة له. ودوما تبرز إساءة واحدة كي تعصر قلوبنا. نتذكرها وننظر إلى وجهه الشاحب المريض، ونقول لأنفسنا: لماذا فعلنا هذا؟ لماذا فعلناه؟ ونتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء كي نرد على ذنبه الصغير ببسمة محبة، قائلين: معليش. أو: خيرها في غيرها، فداك. وهكذا يحصل أيضا حين تودع أباك إلى نومته الأخيرة. تتذكر كيف قسوت عليه في مرضه، أو تأففت منه، أو ورددت له طلبا.
كان الحلاق يؤنب نفسه. كان ممزقا، ولا أدري إن كان يطلب مني ان أنفي ذنبه أم أثبته. كان في نفسه رغبة في النفي والإثبات معا. كان بحاجة إلى ما يمنحانه معا من مشاعر معا.
قلت له: لا، لست أنت المسئول عن مرضه. الخوف لا يسبب السرطان. وكان يريد أن يصدق. لكن خيطا من نفسه كان يريد أن يكون مذنبا. فكرة الذنب تستهويه فهو تجعله يفيض حنانا على ولده المريض. وتابع: "الحمد لله على كل حال. مرض ابني جعلني أفهم الحياة. قبله كنت ضائعا. أنا الآن أعرف ماذا يعني أن تكون طفلا، وماذا يعني أن تكون أبا. عرفت ما يعنيه الألم، وما يعنيه الحب. مرض ابني علمني الحب. ابني الصغير، حبيبي الصغير، علمني الحب، كما علمنا المسيح على صليبه الحب. ابني المصلوب فداني كما فدانا المسيح. قبل مرضه كنت غائبا عن الوعي. بعده عدت إلى رشدي. الحمد لله. لقد أرسل المرض إلى ابني كي ينقذني، ويخرجني من ضلالي، وكي يعلمني معنى الحياة. لقد خلقني مرض من جديد، وطهرني".
لم يكن يقص شعري بمقصه. كان كما لو أنه يقلم شجرة ما في داخله. كان يزيل أغصانها القاسية الجافة، كي تصبح أقوى وأجمل. كانت هذه شجرة حياته بعد أن مرض ابنه: واضحة، بسيطة، عطوفة ومتفهمة. لم أكن أنا تحت مقصه، بل هذه الشجرة.
عندما خرجت من عنده، كان رأسي شبه عار، فشعرت ببرد المساء يضرب أذني. قلت في نفسي: الألم شنيع، لكنه يعلم الإنسان أحيانا. أو قل إن ثمة طرازا معلما من الألم. هناك آلام تحول الإنسان إلى وحش، وهناك آلام مثل بحيرة عميقة شفافة تطهر الإنسان. وألم هذا الرجل طهره وشفاه.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024