لاجئو الفارعة "يعودون" إلى الكفرين والفالوجة وأم الزينات!
رمزية
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
أعاد رجال ونساء عاصروا النكبة رسم قراهم في أم الزينات والفالوجة والكفرين، بتفاصيلها الدقيقة، وسهولها، ومبانيها، وأسواقها، وحقولها، وجبالها، وعائلاتها، وينابيعها، ومساجدها، واستذكروا لحظات اقتلاعهم منها.
واستردوا خلال الحلقة السابع من برنامج "ذاكرة لا تصدأ" الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة تكوينات بيوتهم وحقولهم ومدارسهم.
وأعادت الحاجة بهية صبح المولودة عام 1933 عجلة الذاكرة إلى أم الزينات، القريبة من حيفا، وتسللت إلى أراضيها وينابيعها، كبير الهرامس وطهرة البيدر، والنتاشة، والبويضة، والشقاقة، وجرماشة، وذراع نجم، وكيري.
وقالت: كان بيتنا من 8 قناطر، وكنا نعيش وأعمامي الثلاثة وسيدي فيه، ونجلس 26 نفرا على الغداء معا، ونأكل ما تنبته أرضنا، ونورد لحيفا الخضروات والبقدونس، وكنا نحصد الشعير حين سقطت البلاد، وهاجمنا اليهود، وأصابوا أخي يوسف وجارتنا جميلة الخليل، وهربنا إلى أحراش الكرمل.
فيما رسم محمد صالح عرجا، معالم قريته الفالوجة، التي ولد فيها عام 1934: "كان عدد سكانها خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم، وسوق الخميس الأسبوعي. وكانت بلدة متطورة، وتعيش على الزراعة والتجارة".
وبحسب عرجا، فإن لبلدته قصة تاريخية، عمرها أكثر من ثمانية قرون، فحين فتح القائد صلاح الدين الأيوني القدس، جاء معه من العراق أحمد بن محيي الدين البطالحي (الأشهب)، ومات في الفالوجة، ودفن في منطقة اسمها زريق الخندق، تبتعد عن بلدنا نحو ثلاثة كيلومترات غربا، وانتشر أولاده فيها، وظل مقامه مكانا يرتبط بالنذر، وإيفاء الدين، وحل النزاعات، والتقاضي."
ويُعدد مناطق قريته التي تقع شمال غزة وغرب الخليل: الشومرة، والخصاص، وأم النعاج، والرسوم، وخربة الشلف، ودار كركية، وأبو الغربان، ومليطة، والقبال. وفي كل يوم خميس ينعقد سوق البرين، وفيه يتوافد الناس من البلدات والمدن المجاورة للمتاجرة بالسلع المختلفة، كالقماش واللحوم والذهب والخضار.
وقال: "كنا نشاهد مواسم وادي النمل، والمنطار، أسدود، والنبي روبين، والرملة، التي كانت مثل العرس، وتعقد في شهر أيار، وفيها سباقات خيول على البحر، ودبكة، وأناشيد دينية للفرق الصوفية، وبيع، وشراء.
وتابع: "كنت أشاهد الناس والتجار في سوق البرين، ونرى القادمين من سيناء واللد والرملة، وكنا نلعب بالفخاخ، ونصطاد العصافير من الحقول. وما زلت أتذكر يوم اجتمع الأهالي، وقرروا قبل النكبة إرسال الشيخ محمد عواد، رئيس البلدية إلى مصر لشراء السلاح، بعد أن جمعوا المال، وقرروا تدريب 360 من الشبان المتطوعين على استخدامه."
ويسترجع: "في أحد أيام شهر نيسان، كان الجو ربيعيا، وكنا نلعب في المزارع، عندما أوقفتنا سيارة عسكرية للجيش المصري، فسألني الضابط: يا جدع وين المستعمرة؟ فأشرت له إلى مكانها، وصعد إلى خزان المياه في البلدة، لينظر بالدربيل (المنظار)، ثم ينزل بعد أيام قليلة بدأ الجيش يدخل البلدة، وطلب من الناس أن يحفروا خندقا حولها، وظلوا يقومون بهذا العمل لشهر، حتى أنهوه".
حظي عرجا بفرصة للاحتكاك بالجنود المصريين، وكان يبيت بينهم في منزل أسرته، وتعرف على الأسلحة، وشاهد مدفع "أبو الستة رطل"، وراح يجر صناديق الرصاص معهم، وتعرف إلى الضابط القبطي وحيد، وشحاتة من المنصورة، وسعيد القادم من السويس، وجمال عبد الناصر الذي صار لاحقا رئيسا لمصر.
وأضاف: "عشنا تحت الحصار والقصف ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة، وشاهدت بعيني الشهداء والجرحى والطائرات، وكان يظن الجنود المصريون أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصفهم هي مصرية"
ويتذكر: "طلعنا من البلد أنا وأمي وعمتي وإخواني، وظل أبي في البلد مع الجيش المصري، وروحنا على الدوايمة، وفقدنا عمتي في الطريق، قبل أن نعثر عليها. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة العجوز فاطمة البعم، التي قالوا لها إن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد حتى أصابتها قذيفة، وشاهدت كيف شطرت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها، وجاء زوجها الذي تبحث عنه ليدفنها بنفسه".
ينهي: لا ننسى مشهد محمد البعم على دراجته، حين كان يشعل الإنارات (اللوكس) في طرقات البلدة، ويعود لتفقدها مع الفجر.
ورسم السبعيني هزاع عبد الرحمن الغول، ومحمود أمين أبو لبادة، 69 عاما، طرقات الكفرين وحقولها وينابيع: الحنانة، والصفصاف، والبلد. وقالا: كنا نزرع القمح والشعير والذرة البيضاء في السهول، ونغرس الأشجار في الأراضي الجلية ذات التربة البيضاء.
وأضافا: كان في بلدتنا عائلات مصرية، وكنا في منتصف المسافة تقريبا بين حيفا وأم الفحم، وكان الأساتذة يأتون للبلدة من نابلس، وبنينا بيوتنا من الطين، وبعضنا سكن في علية (طابق مرتفع)، ونخصص المكان السفلي للدواب.
ووفق أبو لبادة والغول، فقد كان مختار القرية أديب النجمي، يمتلك المذياع الوحيد في القرية، ويجتمع الكبار عنده، ويستمعون إلى أخبار الدنيا، قبل أن تدمر قريتهما التي استوطنت بقربها مستعمرة (مشمار هعيمق).
وتنقلت يسرى محمد شحادة (70 عاما) بين ينابيع الكفرين، حين كانت تنقل المياه على رأسها بالجرار، هي وبنات جيلها، وكن يشاهدن على حواف الطريق ما تنبته الأرض من خردلة، وعكوب، وأبو صوي، وجعدة، ودريهمة، وحويرية، وزعتر، وغيرها.
تروي: كنا نزرع أرضنا دون مياه، ونأكل الخيار والبطيخ والشمام والبندورة والبطاطا والبصل، ولم نكن نحتاج إلى شراء شيء من حيفا إلا بالمناسبات. وتضيف: كان بيتنا من قنطرتين، وكنت أركب الجمال التي كانت معنا في نفس البيت، وأخرج بها إلى العين لأسقيها، وشاهدنا توديع العرايس من القرية إلى البلدات المجاورة على ظهور الجمال.
وما زالت تمام محمد صالح، تحن إلى منزل عائلتها المكون من 8 قناطر في أم الزينات، ولا تنسى كيف أخفت والدتها دلة القهوة والفناجين من ديوان والدها في قن الدجاج، قبل أن تغادر القرية، وهي تؤكد أن غيابهم عنها لن يتعدى الأيام السبعة، وهم يغادرونها إلى إجزم ودالية الكرمل.
فيما تحفظ فخرية رجا جعايصة، التي أبصرت النور عام 1959، ما قصه لها والدها، حين كان يلاعبها بعين الحنانة، ويقول: (حنانة منانة، نزرع خوخة ورمانة). وتقول: كان بيتنا أول عليه في الكفرين، بشبابيك زجاجية.
وأكد منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، أن إعادة بناء القرى المدمرة، يساهم في إبقاء نار ذاكرة الأجيال الجديدة مشتعلة، خاصة في ظل الموت الذي يغيب الشهود على جرحاها.
مشيرا إلى مساعي الوزارة واللجنة الشعبية في إنتاج توثيق مرئي، يتنقل بين محافظات الوطن، ويجمع من مخيماتها حكاية اللجوء المرة.
بدوره أكد نافز جوابرة من اللجنة الشعبية حرص الأخيرة على تناول النكبة بشكل دائم، دون موسمية تحصره في شهر أيار كل عام.
zaأعاد رجال ونساء عاصروا النكبة رسم قراهم في أم الزينات والفالوجة والكفرين، بتفاصيلها الدقيقة، وسهولها، ومبانيها، وأسواقها، وحقولها، وجبالها، وعائلاتها، وينابيعها، ومساجدها، واستذكروا لحظات اقتلاعهم منها.
واستردوا خلال الحلقة السابع من برنامج "ذاكرة لا تصدأ" الذي تنظمه وزارة الإعلام واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة تكوينات بيوتهم وحقولهم ومدارسهم.
وأعادت الحاجة بهية صبح المولودة عام 1933 عجلة الذاكرة إلى أم الزينات، القريبة من حيفا، وتسللت إلى أراضيها وينابيعها، كبير الهرامس وطهرة البيدر، والنتاشة، والبويضة، والشقاقة، وجرماشة، وذراع نجم، وكيري.
وقالت: كان بيتنا من 8 قناطر، وكنا نعيش وأعمامي الثلاثة وسيدي فيه، ونجلس 26 نفرا على الغداء معا، ونأكل ما تنبته أرضنا، ونورد لحيفا الخضروات والبقدونس، وكنا نحصد الشعير حين سقطت البلاد، وهاجمنا اليهود، وأصابوا أخي يوسف وجارتنا جميلة الخليل، وهربنا إلى أحراش الكرمل.
فيما رسم محمد صالح عرجا، معالم قريته الفالوجة، التي ولد فيها عام 1934: "كان عدد سكانها خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم، وسوق الخميس الأسبوعي. وكانت بلدة متطورة، وتعيش على الزراعة والتجارة".
وبحسب عرجا، فإن لبلدته قصة تاريخية، عمرها أكثر من ثمانية قرون، فحين فتح القائد صلاح الدين الأيوني القدس، جاء معه من العراق أحمد بن محيي الدين البطالحي (الأشهب)، ومات في الفالوجة، ودفن في منطقة اسمها زريق الخندق، تبتعد عن بلدنا نحو ثلاثة كيلومترات غربا، وانتشر أولاده فيها، وظل مقامه مكانا يرتبط بالنذر، وإيفاء الدين، وحل النزاعات، والتقاضي."
ويُعدد مناطق قريته التي تقع شمال غزة وغرب الخليل: الشومرة، والخصاص، وأم النعاج، والرسوم، وخربة الشلف، ودار كركية، وأبو الغربان، ومليطة، والقبال. وفي كل يوم خميس ينعقد سوق البرين، وفيه يتوافد الناس من البلدات والمدن المجاورة للمتاجرة بالسلع المختلفة، كالقماش واللحوم والذهب والخضار.
وقال: "كنا نشاهد مواسم وادي النمل، والمنطار، أسدود، والنبي روبين، والرملة، التي كانت مثل العرس، وتعقد في شهر أيار، وفيها سباقات خيول على البحر، ودبكة، وأناشيد دينية للفرق الصوفية، وبيع، وشراء.
وتابع: "كنت أشاهد الناس والتجار في سوق البرين، ونرى القادمين من سيناء واللد والرملة، وكنا نلعب بالفخاخ، ونصطاد العصافير من الحقول. وما زلت أتذكر يوم اجتمع الأهالي، وقرروا قبل النكبة إرسال الشيخ محمد عواد، رئيس البلدية إلى مصر لشراء السلاح، بعد أن جمعوا المال، وقرروا تدريب 360 من الشبان المتطوعين على استخدامه."
ويسترجع: "في أحد أيام شهر نيسان، كان الجو ربيعيا، وكنا نلعب في المزارع، عندما أوقفتنا سيارة عسكرية للجيش المصري، فسألني الضابط: يا جدع وين المستعمرة؟ فأشرت له إلى مكانها، وصعد إلى خزان المياه في البلدة، لينظر بالدربيل (المنظار)، ثم ينزل بعد أيام قليلة بدأ الجيش يدخل البلدة، وطلب من الناس أن يحفروا خندقا حولها، وظلوا يقومون بهذا العمل لشهر، حتى أنهوه".
حظي عرجا بفرصة للاحتكاك بالجنود المصريين، وكان يبيت بينهم في منزل أسرته، وتعرف على الأسلحة، وشاهد مدفع "أبو الستة رطل"، وراح يجر صناديق الرصاص معهم، وتعرف إلى الضابط القبطي وحيد، وشحاتة من المنصورة، وسعيد القادم من السويس، وجمال عبد الناصر الذي صار لاحقا رئيسا لمصر.
وأضاف: "عشنا تحت الحصار والقصف ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة، وشاهدت بعيني الشهداء والجرحى والطائرات، وكان يظن الجنود المصريون أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصفهم هي مصرية"
ويتذكر: "طلعنا من البلد أنا وأمي وعمتي وإخواني، وظل أبي في البلد مع الجيش المصري، وروحنا على الدوايمة، وفقدنا عمتي في الطريق، قبل أن نعثر عليها. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة العجوز فاطمة البعم، التي قالوا لها إن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد حتى أصابتها قذيفة، وشاهدت كيف شطرت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها، وجاء زوجها الذي تبحث عنه ليدفنها بنفسه".
ينهي: لا ننسى مشهد محمد البعم على دراجته، حين كان يشعل الإنارات (اللوكس) في طرقات البلدة، ويعود لتفقدها مع الفجر.
ورسم السبعيني هزاع عبد الرحمن الغول، ومحمود أمين أبو لبادة، 69 عاما، طرقات الكفرين وحقولها وينابيع: الحنانة، والصفصاف، والبلد. وقالا: كنا نزرع القمح والشعير والذرة البيضاء في السهول، ونغرس الأشجار في الأراضي الجلية ذات التربة البيضاء.
وأضافا: كان في بلدتنا عائلات مصرية، وكنا في منتصف المسافة تقريبا بين حيفا وأم الفحم، وكان الأساتذة يأتون للبلدة من نابلس، وبنينا بيوتنا من الطين، وبعضنا سكن في علية (طابق مرتفع)، ونخصص المكان السفلي للدواب.
ووفق أبو لبادة والغول، فقد كان مختار القرية أديب النجمي، يمتلك المذياع الوحيد في القرية، ويجتمع الكبار عنده، ويستمعون إلى أخبار الدنيا، قبل أن تدمر قريتهما التي استوطنت بقربها مستعمرة (مشمار هعيمق).
وتنقلت يسرى محمد شحادة (70 عاما) بين ينابيع الكفرين، حين كانت تنقل المياه على رأسها بالجرار، هي وبنات جيلها، وكن يشاهدن على حواف الطريق ما تنبته الأرض من خردلة، وعكوب، وأبو صوي، وجعدة، ودريهمة، وحويرية، وزعتر، وغيرها.
تروي: كنا نزرع أرضنا دون مياه، ونأكل الخيار والبطيخ والشمام والبندورة والبطاطا والبصل، ولم نكن نحتاج إلى شراء شيء من حيفا إلا بالمناسبات. وتضيف: كان بيتنا من قنطرتين، وكنت أركب الجمال التي كانت معنا في نفس البيت، وأخرج بها إلى العين لأسقيها، وشاهدنا توديع العرايس من القرية إلى البلدات المجاورة على ظهور الجمال.
وما زالت تمام محمد صالح، تحن إلى منزل عائلتها المكون من 8 قناطر في أم الزينات، ولا تنسى كيف أخفت والدتها دلة القهوة والفناجين من ديوان والدها في قن الدجاج، قبل أن تغادر القرية، وهي تؤكد أن غيابهم عنها لن يتعدى الأيام السبعة، وهم يغادرونها إلى إجزم ودالية الكرمل.
فيما تحفظ فخرية رجا جعايصة، التي أبصرت النور عام 1959، ما قصه لها والدها، حين كان يلاعبها بعين الحنانة، ويقول: (حنانة منانة، نزرع خوخة ورمانة). وتقول: كان بيتنا أول عليه في الكفرين، بشبابيك زجاجية.
وأكد منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، أن إعادة بناء القرى المدمرة، يساهم في إبقاء نار ذاكرة الأجيال الجديدة مشتعلة، خاصة في ظل الموت الذي يغيب الشهود على جرحاها.
مشيرا إلى مساعي الوزارة واللجنة الشعبية في إنتاج توثيق مرئي، يتنقل بين محافظات الوطن، ويجمع من مخيماتها حكاية اللجوء المرة.
بدوره أكد نافز جوابرة من اللجنة الشعبية حرص الأخيرة على تناول النكبة بشكل دائم، دون موسمية تحصره في شهر أيار كل عام.