الطفلة عبيدي ولدت بلا يدين وعائلتها تبحث عن مستقبلها بعيدا عن الألم
علي سمودي- عندما يصاب الانسان بمرض ويعيش المه المستمر فانه لا يحتمل عجزه وقلة حيلته عن العلاج ولا يصبر رغم ما يتمتع به من قوة وقدرة وصحة، فكيف هو واقع الانسان وشكل الحياة وصورتها عندما يولد ويواجه نقصا لبعض اجزاءه، وكيف تكون حياته عندما يفقد اجزاءا رئيسية من جسده خاصة عندما يكون طفلا ؟.
الاجابة ليست بحاجة لبحث لانها بالتاكيد ستكون حياة تتجسد فيها كل صور الماسي، ففي تقريرنا نتحدث عن حكاية الم وحزن مريرة لطفلة لا تغادر الابتسامه محياها، فقد ولدت بلا يدين، ورغم الواقع المرير الذي تتجرعه والدتها ووالدها الا انها تحطيها بكل الحب والرعاية، تقاوم والدتها الدموع وجنبا الى جنب مع زوجها يبحثون عن العلاج والحل، فاسموها فرح وكلهم امل ان تكون سنوات عمرها القادمة ما دام الله صنع قدرها ووهبها الحياة ان تكون ايام فرح.
اصبع الشاهد الوحيد عوضها الله به عن فقدان ذراعيها، فقد ولدت بلا يدين، فتبعث رغم لحظات الحزن والالم الفرح في حياة اسرتها، ورغم فقره وعدم قدرته على العمل يحتضنها الاب و تضحي الام بدراستها الجامعية وحياتها لترعاها فهي روح الروح لكل منهما، وكلاهما لا يتوقف عن الدعاء لله ليفرج كرب صغيرتهم التي ولدت بتلك الصورة ولكن صورتها في حياتها اليومية لا تختلف كثيرا عن شققيتها التي تكبرها بعامين تولين، ابتسامة وحركة وروح حياة، جعلتها تحظى بمكانة اكبر وحب اكثر ودعوات لا تتوقف، الله بحكمته وقضاءه منح الطفلة البرئية القدرة على الدعاء باصبعها الواحد، فالشاهد وهو كل ما لديها ليعوضها عن فقدان اليدين فهل من قلوب رحيمة تسجتيب لدعواتها وتساعدها.
الصدمة القاسية
في يوم الثلاثين من اذار المنصرم، ابصرت الطفلة النور لتكون الثانية في عائلتها بعد شقيقتها تولين التي تكبرها بعامين ولكن قبل ان يوزع الوالد العاطل عن العمل والذي ترفض سلطات الاحتلال منحه تصريح رامي محمود عيسى العبيدي، قبل ان يوزع حلوى الفرح ابتهاجا بمولودته الجديدة كان على موعد مع الصدمة والكابوس الذي حول حياته لجحيم ولم يتوقعه كما يقول في اكثر كوابيس حياته سوءا، فرغم ان زوجته انجبت الطفلة في ولادة طبيعية في مستشفى جنين الحكومي فوجيء عندما اكتشف ان طفلته ولدت بلا يدين، وما زاد من حزنه والمه عجز الاطباء من عن تقديم تفسير علمي او طبي حول الموضوع رغم انها ظاهرة نادرة الحدوث.
السبب المجهول
وبين العجز والواقع المرير والتكهنات، جلس الوالد رامي قرب سرير زوجته سلام بسام ابو الهيجاء(22 عاما ) يكتم المه وحزنه ودموعه عاجزا عن ابلاغها الحقيقة وهو يتذكر كل الايام التي مرت خلال الحمل لعله يهتدي للسبب، ويقول " منذ اكتشاف الحمل حرصت زوجتي على اجراء الفحوصات بشكل دوري لها في عيادة الصحة و لدى طبية خاصة "،وتضيف الزوجة " في فترة الحمل الاولى في الشهر الاول و الثاني كان حملي طبيعي ولم تبرز اية مشاكل، ولكن بشكل مفاجئ عانيت من الالام في الخاصرة، وبعد الفحوصات ابلغني الاطباء وجود تضخم في الكلية اليمنى وحصلت على دواء وانتهى الالم ".وفي اسرتها حيث تحرص مع زوجها رغم الظروف الصعبة على بناء اسرة وحياة سعيدة عامرة بالابناء استمرت سلام في متابعة وضع الجنين، وتقول " كانت فرحتنا كبيرة بحملي الثاني بعد 3 سنوات من زواجنا، وواصلت مراجعة الطبيبة الخاصة ولم يطرا أي مشاكل صحية خلال حملي واستمريت في الفحوصات وشاهدت صورتها على التلفزيون، وكانت الطبية تقول لي في كل مرحلة انها تعيش مراحل النمو الطبيعي، وفي الشهر الخامس ابلغتني الطبيبة انها كاملة وشاهدت معها على جهاز الفحص يديها وقدميها، وكذلك اطباء عيادة الصحة في جنين اكدوا لي انها مكتملة وابلغوني انني حامل ببنت".
اللحظات العصيبة
استمرت سلام وزوجها التحضير لاستقبال المولودة الجديدة، وتقول "قبل اسبوع من ولادتها ولانها تجاوزت الفترة المحددة ذهبت للدكتورة والمستشفى وشاهدوها على التلفزيون ولم يعلمني احد بوجود نقص في طفلتي، ثم جاءت الام المخاض ". ويضيف الزوج رامي " نقلتها للمستشفى وجلسنا ننتظر ينما لا زمت امي وحماتي سلام التي انجبت دون أي مشاكل او تعقيدات، وعندما ذهبت لاطمئن على الزوجة والمولودة فوجئت بوالدتي تقع على الارض وتصاب بالاغماء بينما كانت حماتي تبكي "’ويضيف " كانت لحظات عصيبة ومؤلمة وقاسيىة عندما ابلغوني بان طفلتي ولدت دون ذراعين، صدمت وبكيت ولم احتمل هول الصدمة خاصة عندما عجز الاطباء عن معرفة السبب ووقف الجميع عاجزا عن اجراء أي شيء لطفلتي".
صدمة الزوجة والابنة
انهمك الجميع في مواساة رامي والتخفيف من حزنه، ولكن صدمته كانت مزودجة ويقول " كل الكلمات والعبارات لم تتمكن من تخفيف المي لان ماستي كانت كبيرة بين زوجتي وابنتي والمصير المجهول، والبعض يقول انها محنة من الله وعلينا الصبر، واخرون يقولون انها حالة نادرة ولن تعيش ولن يكون امل بنجاة طفلتي، واهل العلم والطب يقولون ان السبب مجهول ولا وجود لعلاج في هذه المرحلة ".عمت اجواء الحزن عائلة رامي وزوجته، ووالدته رغم ان لديها 10 ابناء وعدد كبير من الاحفاد لم تتوقف عن البكاء، وكذلك حماته التي تالمت والجميع يسعى لاخفاء حقيقة الوضع عن الزوجة تفاديا لاصابتها الصدمة، وتقول الزوجة سلام " لم اعلم بما حدث لابنتي وكنت عندما اسال عنها يقولون في الحضانة بسبب حاجتها الماسة لرعاية اضافية، ولكني شعرت ان هناك مصيبة كبيرة فزوجي الذي فرح عندما رزقنا بتولين كان حزينا، وكل من كان يدخل عندي في المستشفى من اهلي كان يسلم علي ويبكي ثم يغادر دون ان يهنئني احد بالمولود مما اثار خوفي وقلقي ".
اصعب موقف
حاول رامي تهدئة روع زوجته ووقف لجانبها يتحدث اليها ويرفع معنوياتها ويصيرها وهو يهياها حتى لا تصاب بالصدمة، ويقول " عشت لحظات مروعة في اصعب موقف يمر بحياتي وفي اليوم الثاني وجدت نفسي مضطرا لابلاغ زوجتي بالحقيقة لاننا غادرنا المستشفى ومعنا طفلتنا وكانت صدمتها كبيرة لم تصدقني حتى حملتها وفور مشاهدتها صبحت بحالة يرثى لها كمن فقد الوعي، عينين يتحركن ودموع، وبينما كان البعض يقول انها لن تعيش واخرين من اهلنا يتمنون ان تموت حتى لا تعيش حياة قاسية بدون يدين، فان اول كلمة قالتها زوجتي فور استعادت الوعي دعاء لله ان يحمي طفلتها ويشفيها وطول العمر.
الطفلة فرح
وسرعان ما احتضنت الوالدة مولودتها ومنحتها كل الحب والرعاية رغم الصدمة، وتقول الوالدة " كانت طفلة غير طبيعية ترتسم الابتسامة على وجهها وتتحرك باستمرار كمن يقول لنا من حقي ان اعيش ونحن قررنا ان نمحنها كل حياتنا فهي لم ولن تختلف عن شقيقتها تولين وبدانا نبحث لها عن اسم، وتعددت الاقتراحات رحمه ووعد وحنان وامي اقترحت فرح حتى تبقى الفرحة في حياتها وتكون عنوانا لفرحتنا، وعلى الفور قرر زوجي اطلاق الاسم عليها وهو يدعو معي لله ان يفرحنا بفرج سريع وعاجل لتعيش طفلتي بسعادة ولا تحرم الفرح.خلال ذلك، انهمك الوالدين في البحث عن علاج وتامين مستقبل فرح، ويقول رامي " تجاوزنا الصدمة ورضينا بقضاء الله وقدره وبدانا نفكر بالمستقبل والبحث عن علاج وتنقلت بين المراكز والعيادات والاطباء ولكنهم جميعهم قالوا لنا انه لا يوجد حل في هذه المرحلة في الوطن وعلينا ان ننتظر للمستقبل، او نقلها لاسرائيل والخارج لان الطب اكثر تقدما ويمكن في حال عرضها على اطباء مختصين تحديد مراحل العلاج "،ويضيف " وضعي الاقتصادي لم يكن ليسمح بنقلها للعلاج،فانا عاطل عن العمل منذ فترة وسلطات الاحتلال ترفض منحي تصريح، وحاولت الحصول على تحويله لكن دون جدوى،في نفس الوقت برزت لدى فرح فتحتين في القلب واصبحت بحاجة لعلاج لهما.
التخلي عن الجامعة
وامام هذا الواقع، قررت الوالدة سهام التخلي عن حلمها وتكريس حياتها لرعاية فرح، وتقول " كنت ادرس في جامعة القدس المفتوحة وحصلت على معدلات عالية واسعى للتخرج والحصول على شهادة لمساعدة زوجي، ولكن وضعنا الاقتصادي الصعب وعدم عمل زوجي واحتياجات طفلتي الكثيرة التي رفضت حليبي وترضع حليب صناعي تكاليفه باهظة ثم حاجة طفلتي لرعاية مستمرة قررت التخلي عن الدراسة "، ويضيف رامي " واجهنا ظروف صعبة بسبب الحالة الخاصة لطفلتي وانضمامي لجيش العاطلين عن العمل فلجات للشؤون الاجتماعية لمساعدتي ولكنهم رفضوا وابلغوني ان حالة طفلتي واحتياجاتها لا تقع ضمن الاختصاصات والحالات الاجتماعية التي تحصل على مساعدات رغم اننا قدمنا تقرير من مستشقى جنين صدر في 12-4، اكد ان طفلتي التي تعاني من عدم وجود يدين من الكتفين وتشوه خلقي في القلب بحاجة الى رعاية صحية واجتماعية مدى الحياة ".
الامل بالله
وفي اجواء الحزن والالم، فان ابتسامة الطفلة البريئة وحركتها النشطة اعادت الامل والفرح لعائلة العبيدي في منزلهم في قرية زبوبا غرب جنين، وتقول الزوجة " في احيان كثيرة لا ننام انا وزوجي ونحن نفكر ونتالم ونعجز عن ايجاد حل ولكن في كل الاحوال فان فرح اصبحت جزءا من حياتنا واسرت قلوبنا وتحظى بحب الجميع حتى انها تفوقت على تولين "’، وتضيف " الله منح ابنتي الحياة، ونحن سنسعى لمساعدتها ونفديها حياتنا ونطالب كال من يملك معرفة بكيفية علاجها ارشادنا واناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور سلام فياض وكل ضمير حي مساعدتنا لتحويلها للخارج للبحث عن حل، فالاشد قساوة كونها بنت وهذا يزيد من خوفي وقلقي لانها ستكبر في هذه لصورة، ابكي كلما شاهدت الاطفال الاخرين، لا نريد مساعدة اجتماعية والتعامل مع قضية ابنتي بعطف وشفقة فنحن راضون بقضاء وقدره ولكن نامل ان لا يظلمنا بني البشر ".