أوباما ونتنياهو . . من يفهم مصالح “إسرائيل”؟- مأمون الحسيني
أثارت الإشكالية التي فجرتها التصريحات المنسوبة إلى الرئيس الأمريكي عن عدم فهم نتنياهو لمصالح “إسرائيل”، وسوء سلوكه الذي يقود الدولة العبرية إلى عزلة دولية، وردود فعل الأخير الصلفة تجاهها، واعتبارها فرصة لتأكيد ما أسماه المصالح الحيوية الثلاث ل “إسرائيل”: “منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وعدم العودة إلى خط العام ،1967 والحفاظ على وحدة القدس” .
أثارت زوابع سياسية وإعلامية واسعة، وطرحت سيلاً من التعليقات والتحليلات والأسئلة التي انصبّ معظمها على مستقبل العلاقات الأمريكية- “الإسرائيلية” وآفاقها المتوقعة، تحت ظلال المتغيرات، ذات الطبيعة النوعية التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية، بشكل عام، والمستجدات التي تعتمل في قلب وثنايا ومفاصل الحليفين الاستراتيجيين، حيث يتخبط الأول (أمريكا) في أزمة مالية واقتصادية تقف على شفا الهاوية، ويعاني اضمحلال دوره ومكانته وتأثيره في العالم، فيما يواصل الثاني (الكيان) مجازره ضد الفلسطينيين والعرب، ويكثّف من وتائر تهويده واستيطانه للأراضي المحتلة، ويتحوّل يمينه إلى يمين متوحش، ووسطه إلى وسط هزيل، ويساره إلى أثر بعد عين
حقائق المشهد الأمريكي- “الإسرائيلي” ومستجداته، في حال استبعاد العامل التكتيكي المتعلق بتأثير تصريحات أوباما في مجرى ونتيجة انتخابات الكنيست، وإهمال الكلام المرسل عن “انتقام” الرئيس الأمريكي من نتنياهو، تفيد بما يلي: “إسرائيل” القوية عسكرياً والمزدهرة اقتصادياً والمحتلة للأراضي الفلسطينية والعربية، كانت، ولا تزال، وبكل المقاييس، مصلحة حيوية صرفة للأمريكيين الذين قدّموا لها حتى منتصف العام الماضي، ما مجموعه أكثر من 115 مليار دولار، أي ما يزيد على ما حصلت عليه 15 دولة أوروبية مجتمعة في إطار خطة مارشال لإعادة إعمار القارة المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وفق ما أفاد تقرير أعدته هيئة أمريكية تابعة للكونغرس . وواشنطن التي قالت، على لسان رئيسها، كلاماً شديداً ومخيفاً عن نتنياهو ومستقبل “إسرائيل” لم يسبق له مثيل، ويتصل اتصالاً وثيقاً بكلام رئيس “الشاباك” السابق يوفال ديسكن، هي التي تضع لنفسها ول”إسرائيل” الخطوط الحمر، وليس متعهداً ثانوياً مثل نتنياهو، كما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لصحيفة “واشنطن بوست” قبل أشهر .
غير أن هذه الحقائق والأسس التي يسهم سلوك نتنياهو وغروره في زعزعتها، رغم زعمه بأن علاقات كيانه مع الولايات المتحدة “علاقات متينة، وأن التعاون الاستخباري، بين الجانبين، “معزّز”، باتت تهتز بقوة على وقع التطورات الدراماتيكية التي تشهدها موازين القوى الدولية، والاقتصاد العالمي، والمنطقة العربية التي يحاول الأمريكيون قيادة عملية التغيير الجارية فيها وإعادة ترتيبها، وأخذ الملف الفلسطيني- “الإسرائيلي”، في سياق ذلك، في الحسبان، وعدم تركه بالكامل في يد الحكومة “الإسرائيلية” اليمينية .
ويبدو أن نتنياهو الذي يحاول كسر قاعدة كيسنجر الشهيرة التي تقول “إن “إسرائيل” لها سياسة داخلية فقط، أما السياسة الخارجية فغير موجودة”، أي أنها من اختصاص الولايات المتحدة، يراهن على حاجة واشنطن التي تتراكم الأدلة والمؤشرات إلى إمكان خروجها تدريجياً من المنطقة التي تعجّ بالاضطراب، إلى كيانه كحليف أساسي مجرّب وموثوق، للحفاظ على مصالحها في هذه البقعة الحيوية من العالم، والتي ترتسم في آفاقها ملامح النظام العالمي الجديد
ولكن ما لا يفهمه نتنياهو وحلفاؤه من قوى اليمين الصهيوني والديني التي ستأخذ كيانها إلى المجهول بعد فوزها المتوقع في الانتخابات، أو ما لا يريد أن يراه ببصر وبصيرة، هو أن انتقاد الرئيس الأمريكي الذي قدم أدلة ملموسة على دعمه ل”إسرائيل” ليس أقلها استثناء دعم “القبة الحديدية” من عملية تقليص الموازنة الأمريكية، ليس سوى أحد الخيوط البارزة في كتل النسيج الدولي المتخم بالامتعاض والنفور من الدولة العبرية وسياساتها المعادية للفلسطينيين والعرب و”السلام” الإقليمي والدولي .
وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية قد سمحت لصانع القرار والسياسة الأمريكية، في السابق، بالتعاطي بمرونة وأريحية وتفهّم مع كل الانتهاكات والخطايا والمجازر الفعلية والسياسية والاستيطانية “الإسرائيلية”، فإن وضع المنطقة الراهن، والمناخ الدولي، لا يحتملان اليوم هذا النمط من التعاطي الاستعلائي الفاشي الذي ربما يقود، في حال استمراره تحت ظلال تآكل قوة ومكانة الولايات المتحدة، ليس فقط إلى فقدان التأييد الدولي وفقدان الشرعية والإقصاء، وإنما كذلك، وكما يرى العديد من المفكرين والمثقفين “الإسرائيليين”، بمن فيهم الشاعر المعروف ناتان زاخ، إلى وضع الدولة العبرية على سكة التفجّر والتلاشي خلال العقود القليلة المقبلة .