إسرائيل أمام خيارين: الدولة الدينية أو الدولة الديموقراطية- رندى حيدر
توجه الناخبون الإسرائيليون اليوم الى صناديق الاقتراع ليحددوا ما ستكون عليه صورة إسرائيل في السنوات الاربع المقبلة وما اذا كانوا يريدون دولة يهودية دينية متشددة كتلك التي تحمل شعارها أحزاب اليمين القومي والاحزاب الدينية، أم أنهم سيختارون "الدولة اليهودية الديموقراطية" التي تنادي بها احزاب الوسط واليسار من انصار الصهيونية الاشتراكية، وورثة الجيل الاول المؤسس لدولة إسرائيل قبل 65 سنة. واذا كانت المعركة الانتخابية الأخيرة افتقرت الى عناوين كبيرة وواضحة لحملة المرشحين من مختلف الأحزاب المتنافسة سواء انتموا الى اليسار أو الى اليمين، فالراهن ان الصراع الدائر اليوم هو في شأن مفهوم دولة اليهود، وما اذا كانت إسرائيل هي دولة للشعب اليهودي بالمفهوم القومي للكلمة، أم دولة تمثل الديانة اليهودية، كما تراها أحزاب اليمين الديني والاحزاب المتدينة المتشددة التي تعرف بالاحزاب الحريدية.
هذا هو التحدي الاساسي الذي تتنافس عليه الأحزاب الكبرى بين اليمين الديني المتطرف واليمين المعتدل ومعسكرالوسط واليسار. وهو تحدّ يواجهه أيضاً حزب "الليكود" الذي على رغم الصعود البارز لصقور اليمين المتشدد فيه، يحاول المحافظة على تمثيله لليمين العلماني المعتدل المختلف عن اليمين الديني، يساعده في ذلك تحالفه مع حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يمثل المهاجرين الروس وهو من الاحزاب العلمانية ايضاً.
ولكن اذا لم يستطع تحالف ليكود - بيتنا تخطي المقاعد الـ32 التي تتوقعها له استطلاعات الرأي، ونجحت احزاب اليمين الديني القومي المتمثلة بحزب "البيت اليهودي" وحزب "عوتسما لإسرائيل"، مع الاحزاب الدينية والحريدية مثل حزب "شاس" وحزب "يهودت هاتواره" في الحصول على عدد مساو من المقاعد، فان هذا معناه ان نتنياهو سيكون في ولايته الثالثة واقعاً تحت رحمة التيارات الدينية القومية منها والمتطرفة على أنواعها لدى تشكيله الائتلاف الحكومي المقبل.
أما اذا نجحت أحزاب الوسط وفي مقدمها حزب "يش عتيد" بزعامة يائير لبيد الذي حافظ منذ بدء الحملة الانتخابية على قوته الانتخابية (12 مقعداً) ونجح حزب "كاديما" في تخطي نسبة الحسم وجذب اصوات المستوطنين اليه، واستطاع حزب العمل الممثل لليسار الصهيوني العلماني وحزب الوسط "هتنوعا" الجديد الذي أسسته تسيبي ليفني استقطاب الاصوات الخائفة من انتصار اليمين الديني والناخبين الذين لا يزالون مترددين، واستطاعوا تقليص الفارق الذي يفصل بين المعسكرين (حتى الآن تتحدث الاستطلاعات عن 63 مقعداً لمعسكر اليمين في مقابل 57 مقعداً للوسط واليسار والاحزاب العربية)، فإن هذا يمكن أن يؤثر بصورة واضحة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وان يكبح نفوذ الاحزاب الدينية على أنواعها ويفسح في المجال لقيام ائتلاف واسع يضم الى تحالف ليكود- بيتنا أحزاباً من الوسط المعتدل.
ومن هذا المنظور تبدو المعركة الانتخابية الإسرائيلية ذات ارتدادت داخلية في الدرجة الأولى. ففي حال فوز اليمين المتطرف الديني، فمعنى هذا أننا ازاء منعطف في تاريخ دولة إسرائيل كما عرفناها حتى اليوم، قد لا يعني البدء بتطبيق الشرعية اليهودية (الهالاخاه) في دولة إسرائيل، إلا أنه سيكون ايذاناً بعهد من صهيونية مختلفة عن رؤية بن غوريون وجابوتنسكي زعيم الحركة الصهيونية الاصلاحية، حيث لا يضطلع الدين اليهودي بدور أساسي. كما سيشكل نقطة بارزة في النزاع الدائر منذ عقود على هوية دولة إسرائيل بين معسكر المتدينين دعاة تطبيق الشريعة والفرائض الدينية، ومعسكر العلمانيين دعاة الدولة العصرية الرافض للاكراه الديني.
كيف يمكن أن ينعكس ذلك على النزاع مع الفلسطينيين والعرب؟ بالتأكيد سينعكس مزيداً من التطرف والتعنت والتمسك بالاحتلال ورفض التفاوض مع الفلسطينيين وعودة مقولة أرض إسرائيل الكاملة. لكن هذا لن يكون عملياً مختلفاً بصورة جذرية عما عرفناه من مواقف سياسية تقليدية حتى اليوم. إلا أن فائدته قد تكون في انه سيؤدي أخيراً الى سقوط قناع الاعتدال الإسرائيلي، وادعاءات السعي الى السلام، وسيكشف الوجه الحقيقي لدولة إسرائيل كدولة احتلال وفصل عنصري.