خضر.. حكاية ضحية دفنها الفقر في نفق
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
هاني الشاعر
هرب من الواقع المؤلم والفقر المُدقع الذي يعيشه ليلتقط رزقه وقوت عيش أبنائه الثمانية، وذهب لمقابر الأحياء أسفل الحدود الفلسطينية المصرية، حيث الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون لجلب حاجياتهم التي حرموا منها بسبب إغلاق المعابر، فالداخل لها مفقود والخارج مولود.
إنها حكاية بسام شاهين خضر (42عامًا) من سكان حي السلطان غرب رفح جنوب قطاع غزة، الذي توفى داخل نفقٍ على الحدود المصرية قبل أسبوع، أثناء عمله بداخله برفقة عدد من العاملين، نجا بعضهم وفُقد آخرون، فيما بقي هو تحت الأرض مفقودًا ثمانية أيام، حتى عُثر عليه أمس.
أيام مؤلمة
ثمانية أيام قضتها زوجة المتوفى خضر وأبناؤها الثمانية بحسرة وعذاب، لتُكون تلك الأيام كفيلة بأن تٌكمل حكاية الفقر التي عاشتها العائلة مُنذ (20عامًا)، قضاها رب الأسرة، والذي أصبح رقمًا في عداد ضحايا الأنفاق، مُتنقلاً بين العديد من الأعمال قبل أن توصله البطالة إلى نفاق الموت.
عزة نفس خضر ولّدت الحلُم بداخله بأن يوفر لأولاده لقمة عيش كريمة، ولا يدعهم ينظرون لغيرهم ويشتهون ما يتناولون، فكان قرار الذهاب للأنفاق كباقي العائلات التي لجأت لنفس المهنة قبل نحو أربع سنوات.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن زوجة خضر- التي تروي لنا الحكاية- راضية بأن يعمل زوجها داخل الأنفاق، ولم يكن يهدأ بالها حتى يعود من عمله للبيت، ولكنه بنفس الوقت وقع في شباك نصب واحتيال مُلاك الأنفاق، الذين سرقوا حقه وأجرة عمله عدة مرات.
تقول زوجته "رغم سرقة حق زوجي إلا أنه واصل عمله بالأنفاق بجانب مهنة السباكة التي يعمل بها بصورةٍ مُتقطعة، ولكني لم أكن أتوقع يومًا ما أنه سيعود لبيته ميتًا".
وجاء قدر الله عز وجل بعدما غمرت كميات الأمطار الهائلة التي سقطت خلال المنخفض الجوي الأخير على القطاع النفق الذي كان يعمل به، فانهار عليه وغرق هو ومن معه.
ولم يكن وقع الخبر على نفسية الزوجة وأبنائها بالبسيط، فما إن علموا بفقدانه حتى سارعوا بالدعاء والتضرع لله بأن يخرجه ومن معه سالمين من داخل النفق، ولكن لم يتم العثور عليه، بعد إنقاذ ثلاثة عاملين وبقي هو وعامل آخر مفقودين.
مر اليوم الأول والثاني والثالث والرابع... وأعمال البحث لازالت متواصلة من قبل الدفاع المدني والبلدية والأشغال والأهالي، والعائلة لم تنقطع عن الدعاء له بالسلامة، وسط حالةٍ من الحزنِ والقلق -كما تصف الزوجة.
حزن وبكاء
وفي اليوم الثامن من أعمال البحث، نجحت فرق الإنقاذ في العثور على خضر وقد كان منتفخ الجسم، ومشوه الوجه، ويده ممتدة أمامه كأنه كان يحاول أن ينقذ نفسه ويطالب بمساعدته.
ووصل الخبر اليقين للزوجة والأبناء بأنه خرج ميتًا، ليكون بمثابة صاعقة نزلت عليهم، لتنطفئ بذلك شمعة الفرح التي أوقدتها فرحة الخطوبة بابنته البكر حنين (20عامًا) قبل نحو شهر، وتوقد شمعة الحزن برحيله، وعدم الإيفاء بوعده لشراء حاجيات العرس وإحضارها معه..!
"يا فرحة ما تمت" هذا كان لسان حال ابنته حنين التي كانت تأمل أن يعود كي يشاركها الفرحة بحضوره حفل زفافها كأي بنت تحلُم بهذا اليوم، ولكن قدر الله كان الغالب!.
ووسط حالة الحزن التي سيطرت على حنين، تقول "لم أصدق بعد ما حدث لأبي، فكنت أحلم بأن يأتي سالمًا،، لكنه عاد ميتًا، فمن سيكون مكانه بهذا اليوم..؟!".
ولا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لطفلته رنين (13عامًا)، فهي الأخرى لم تتمالك نفسها من البكاء لرحيل والدها الذي ذهب للعمل وجلب لقمة العيش لهم، كي يعيشوا بكرامة كباقي الأسر الفقيرة.
وكانت رنين ذات الجسم النحيف والبشرة الحنطية التي إكتستها الدموع المنهمرة من عيناها، ترفض بتاتًا عمل والدها بالأنفاق مهما كان السبب، خشية تعرضه للإصابة أو الموت كما حدث.
وبحسب إحصائية أصدرها مركز الميزان لحقوق الإنسان فإن عدد ضحايا الأنفاق ارتفع منذ العام 2006 وحتى الآن إلى (232) قتيلًا من بينهم تسعة أطفال، و(20) سقطوا بسبب قصف قوات الاحتلال لمناطق الأنفاق، فيما بلغ عدد المصابين (597) مصابًا.
عن صفا