جنود تساهال خلاصهم في الحشيش- مصطفى مصطفى
حتى بعد إنهاء خدمتهم في الضفة والقطاع، يواصل جنود الاحتلال عنصريتهم وادعاءهم أنهم ضحايا. في فيلم «الشقلبة: جيل المخدرات الإسرائيلي»، يذهب يوآف شامير إلى الهند، حيث يغرق هؤلاء في المخدرات والماريجوانا والكوكايين و... الانهيارات العصبية
=====
القدس | في كل سنة، يُسرّحُ الجيش الإسرائيلي 50 ألفاً من جنوده بعد ثلاث سنوات من الخدمة الإجبارية. ثلاثون ألفاً من هؤلاء الجنود المُسرّحين يحزمون حقائبهم، وفي جيوبهم حوالي أربعة آلاف دولار مكافأة «الخدمة الوطنية» التي أدّوها، ويسافرون إلى الهند، حيث يغرق 90% منهم في تعاطي المخدرات، ويُصاب ألفان من هؤلاء باضطرابات عقلية وانهيارات نفسية بسبب إدمانهم أنواعاً ثقيلة من المخدرات. في الفيلم الوثائقي «الشَقْلَبة: جيل المخدرات الإسرائيلي» (Flipping out: Israel’s Drug Generation ـــ 60د ـــ 2008) الذي عُرض أخيراً على محطة «بي. بي. سي 4»، نرتحلُ إلى جبال الهيملايا شمالاً، ومدينة جوا الهندية جنوباً، الوجهتين الرئيسيتين لجنود الجيش الذي يُقهر، لنُعاين حالهم بعدما نسي بعضهم رقمه العسكري، بعد أشهر قليلة من تسريحهم من الجيش.
"ألم يُدمّرْك الجيش؟" يسأل المخرج الإسرائيلي يوآف شامير أحد الجنود السابقين الذين يظهر غالبيتهم في الفيلم وهم مُخدّرون مسطولون أو يدخنون الحشيش. يجيبه بلسان ثقيل: «بالعكس. الجيش يجعلك قوياً ورجلاً، وتفعل أُموراً جيّدة. يُعلّمك التضحية وأن تكون صديقاً وفيّاً». ثم يسألُ جندياً آخر «خدمَ» في الضفة الغربية عن سنواته في الجيش، فجيبه وهو مُخدّر: «كانت أجمل سنوات حياتي». وحين يسأله شامير ما إذا فعل أُموراً تُشعره بـ«العار»، يجيبه: «لم نرتكب أخطاء. اقتحمنا بيوت (الفلسطينيين) لهدف معين: للتفتيش أو الاعتقال. لا أشعر بالذنب».
وفي حوارٍ مع ضابط سابق في وحدة النخبة، يعيش في الهند منذ ستّ سنوات، يقول «إنّ الخدمة العسكرية دمّرت هوية هؤلاء الجنود وفهمهم للحياة. لذلك يتعاطون المخدرات ليتجاوزوا هذا». من خلال هذه الحوارات مع جنود «خدموا» في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن خلال مشاهد «فلاش باك» لاقتحامهم المدن والبيوت الفلسطينية، يُمرّر الفيلم منذ بدايته رسالة خبيثة إلى المشاهدين، وهي أنهم أمام «ضحايا»، وليس أمام قتلة تلطخت أيديهم بالدماء. إنهم «ضحايا» الحواجز العسكرية والاقتحامات، و«ضحايا» السياسة والثقافة الإسرائيليتين؛ ووفق منطق غولدا مائير هم «ضحايا العرب الذين جعلونا نقتل أطفالهم».
باستثناء هذه الرسالة الخبيثة، فإنّ ما نشاهده هو الجندي الإسرائيلي بعنصريته ذاتها الذي يرى «الهنود أطفالاً متخلفين» مع فارق بسيط أنّ هذا الجيل الجديد من الجنود المُسرّحين مهزوز وغير واثق بمصيره، وربما يُفضّل نشوة المخدرات على العقيدة الصهيونية. «لا آمل بأن أعود قريباً إلى إسرائيل، أشعر أنني ما عدت أنتمي إليها؛ إنها مشكلة أنني أحمل جواز سفر إسرائيلياً»، يجيب أحد الجنود في الفيلم على سؤال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيلي يشاي، فيما تقول له مجنّدة سابقة: «هنا (في الهند) تشعر بأنك طبيعي مجدداً. لا قنابل، لا فساد. لا شيء من الضغط الذي تواجهه في إسرائيل». يشاي كان في زيارة خاصة إلى ما يسمى «بيت إسرائيل الدافئ»، وهو جمعية مموّلة من «سلطة مكافحة المخدرات» الإسرائيلية التي تنشطُ في الهند إلى جانب «بيت الشاباد»، وهو مؤسسة يهودية أرثوذكسية منتشرة حول العالم. هدف هاتين الجمعيتين هو إنقاذ هؤلاء الجنود من الحشيش وحبوب الهلوسة والماريجوانا والكوكايين. الأُولى من خلال توفير مكتبة وأفلام وتنظيم حفلات عشاء؛ والثانية من خلال دروس الإصلاح الدينية.
يعرض لنا الشريط حالتين لجنديين إسرائيليين «أصيبا بالجنون» بعد تعاطيهما المخدرات: الأول حشرَ نفسه في غرفته بعدما صار يسمع أصواتاً تريد قتله في القرية، وتوقف عن الكلام؛ وآخر مُفلس راح ينهي ويأمر عمّالاً هنود لزراعة أرضٍ لا يملكها. حالتان مقابل جنود آخرون «تنعّموا» بالمخدرات والدراجات النارية وبرك المياه الساخنة في مناطق يعتبرها أحد الهنود في الفيلم بمثابة «إسرائيل الصغرى»، حيث لافتات المطاعم والفنادق مكتوبة باللغة العبرية.