الانتخابات الإسرائيلية: نتنياهو الخاسر .. الرابح - غازي السعدي
أحدثت نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست في دورتها التاسعة عشرة، صدمة لم تكن متوقعة لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" وقائمة حزبه المشتركة مع حزب "إسرائيل بيتنا" حيث خسرت هذه القائمة في هذه الانتخابات (11) مقعداً، فيما كان لهما (42) مقعداً في الكنيست الثامنة عشرة، فكانت هذه القائمة أكثر الخاسرين على عكس توقعاتهم بزيادة عدد مقاعدها، أما الرابح الأكبر في هذه الانتخابات فكانت من نصيب قائمة "يوجد مستقبل" "يش عتيد"، التي يرأسها الإعلامي السابق "يائير لبيد" هذه القائمة التي تخوض الانتخابات للمرة الأولى.
خاضت هذه الانتخابات (33) قائمة، فاز منها (12) قائمة بعد أن اجتازت نسبة الحسم وقدره 2% من مجموع الأصوات التي مارست حقها الانتخابي، الذي بلغ نحو (75) ألف صوت، وبعد هذا الاجتياز فإن كل مقعد يحتاج للحصول عليه (30) ألف صوت، أما عدد أصحاب حق الانتخاب فبلغ 5.656.705 ناخب، بينهم نحو (800) ألف ناخب من مواطني عرب الداخل، وبلغت نسبة الذين مارسوا حقهم الانتخابي 66.1% وكما هو معروف فإن طريقة الانتخاب هي الطريقة النسبية التي تعتبر كل إسرائيل- من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها- دائرة واحدة، والقوائم التي لم تحصل على نسبة الحسم 2% كما ذكرنا، وعددها (21) فقد كان مجموع الأصوات التي حصلت عليها (235) ألف صوت، ذهبت أدراج الرياح دون أي فائدة.
الانتخابات للكنيست تجري مرة كل أربع سنوات، لكن في حالات خاصة ووفق أغلبية أعضاء الكنيست، يجري إجراء الانتخابات قبل موعدها المحدد، ويبلغ عدد أعضاء الكنيست (120) عضواً، وبعد الإعلان رسمياً عن النتائج، يبدأ رئيس الدولة الاجتماع بقادة الأحزاب المختلفة الممثلة في الكنيست لمدة يومين أو ثلاثة أيام لاستمزاج رأيهم عن المرشح المفضل لهم لتكليفه بتشكيل الحكومة، وعلى الغالب فإن الذي يكلفه الرئيس بعملية التشكيل، رئيس الحزب الأكبر، أو المرشح الذي له الفرصة بتأييد أغلبية أعضاء الكنيست للحصول على الثقة منها، ويمنح المكلف (28) يوماً، وإذا لم يستطع خلال هذه المدة تشكيل الحكومة، يمنح أسبوعين آخرين، وإذا فشل، يكلف رئيس الدولة مرشحاً آخر لتشكيل الحكومة. إن تقديم موعد هذه الانتخابات، وإجراءها قبل موعدها القانوني، جاء على خلفية فشل إقرار موازنة عام 2013، أما نتائج هذه الانتخابات، فهي غير نهائية، لأنه لم يتم فرز أصوات الجيش، والدبلوماسيين في الخارج، والبحارة، ونزلاء المستشفيات والسجون، فقائمة الليكود بيتنا، حصلت على (31) مقعداً أي بخسارة (11) مقعداً كما أسلفنا، يليه مفاجأة قائمة (يوجد مستقبل) التي حصلت على (19) مقعداً، ثم حزب (العمل) الذي حصل على (15) مقعداً، وكل من حزبي (البيت اليهودي) و(شاس) حصل كل منهما على (11) مقعداً، يليهما حزب يهدوت هتوراة (7) مقاعد، ثم كل من قائمة "الحركة"، و"ميرتس" لكل منهما (6) مقاعد، ثم القائمة العربية المشتركة التي حصلت على (5) مقاعد أي بزيادة مقعد عن الكنيست السابقة، ويبدو أن حث الجامعة العربية لفلسطينيي الداخل للمشاركة المكثفة أعطى أكله، ولو بصورة متواضعة، ثم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة "حداش" (4) مقاعد، يليها التجمع الوطني "بلد" حصل على (3) مقاعد، وحزب "كاديما" الذي كان له (28) مقعداً في الكنيست المنتهية، حصل على مقعدين فقد، وللتنويه فإن هذه النتائج غير نهائية، حتى الانتهاء من فرز الأصوات التي لم تفرز حتى الآن.
إن من أهم هذه النتائج أنه ولأول مرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يتعادل أحزاب اليمين والمتدينين، مع (60) نائباً ينتمون لأحزاب اليسار والوسط والعرب، مما يمكن الأحزاب الأخيرة -لو كانت منسجمة ومنسقة مع بعضها- لاستطاعت التوصية بأحد أعضائها لرئاسة الحكومة، أو على الأقل التناوب على الرئاسة لسنتين لكل من الجانبين، ويبدو أن "نتنياهو" الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة القادمة، ومع أنه أعلن أنه يريد حكومة موسعة، وأمامه فرصاً عديدة في اختيار الأحزاب التي يريدها في هذه الحكومة، منها: "يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي"، و"شاس"، و"الحركة"، إلا أن هناك دعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن عملية التشكيل ليست سهلة، فضم أحزاب كثيرة في الائتلاف الوزاري، يثير مشاكل وتناقضات عديدة، ولكل حزب مطالبه فكيف يمكن لحزب "يوجد مستقبل" العلماني، الجلوس سوياً والتفاهم مع الأحزاب الدينية؟، من جهة أخرى، فإن حزب "الليكود-بيتنا"، لم يتقدموا ببرنامج سياسي أثناء المعركة الانتخابية، وهم لم يعلنوا عن مواقفهم حيال المواضيع الساخنة، مثل مستقبل العملية السياسية مع الفلسطينيين، والأمن والاقتصاد، والقضايا الاجتماعية، وحسب المعلومات فإن عدم تقديمهم برنامج سياسي يعود لخلافات برزت بينهم، في المواضيع السياسية والأمنية، كما أن أعضاء قياديين في حزب "الليكود" يرفضون مضمون خطاب بار ايلان، الذي ألقاه نتنياهو عام 2009 والذي عرض فيه حل الدولتين، فيما أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الإستراتيجية الجنرال "موشيه يعالون"- ليكود- في مطلع هذا الشهر، عن معارضته لقيام دولة فلسطينية، كما سبق أن أعلن وزير الخارجية السابق من حزب "إسرائيل بيتنا" "أفيغدور ليبرمان" عن معارضته لقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، كذلك أن رئيس حزب البيت اليهودي -الذي سينضم إلى حكومة نتنياهو، رغم ما أثاره من غضب لـ "نتنياهو"، بتخسيره المقاعد في الكنيست لصالح حزبه- فإنه يعارض أيضاً قيام دولة فلسطينية، حتى أن قائمة "الليكود-بيتنا"، التي يقودها "نتنياهو"، أكد قادتها عن رفضهم قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، حسب "هآرتس 18-1-2013"، متذرعين –وما أكثر ذرائعهم- بعناق الرئيس الفلسطيني لقادة حماس، في إشارة إلى مساعي المصالحة بين الجانبين، فبرنامج حزب الليكود السياسي لم يعترف، ولم يقر حتى اليوم بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بينما رئيسة حزب "الحركة" "تسيفي ليفني" قالت أنها ستجبر "نتنياهو" على تبني السلام مع الفلسطينيين، وتقول أن حكومة بقيادة "نتنياهو"و"بنيت"- رئيس حزب "البيت اليهودي"- ستقود إلى تدمير مكانة إسرائيل على الصعيد الدولي، بينما حزب "يوجد مستقبل"، يتبنى عملية السلام مع الفلسطينيين، فهذه التناقضات في مواقف الأحزاب الإسرائيلية، تحتاج إلى تدخل أميركي وأوروبي فوري، لإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، في الوقت الذي يعلن "نتنياهو" فيه، أن همه هو النووي الإيراني، فعملية السلام في انهيار، و"نتنياهو" أمام خيارات صعبة على الصعيدين الداخلي، في عملية الخلافات التي بدأت مبكراً على توزيع الحقائب الوزارية، وليس البرامج ،وثانيا في العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل على خلفية الاستيطان، والتهرب من الاستحقاقات لحل القضية الفلسطينية، فعلينا أن نذكر أن الطريق مغلقة للسلام قبل وبعد الانتخابات.