إسرائيل بين أمرين.. حرب أهلية أو هجرة دينية معاكسة.!- د. عادل محمد عايش الأسطل
أبرزت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تغيرات كبيرة ومهمة، في الشأن الداخلي الإسرائيلي في حين ظلّت احتمالات إمكانية إحداث تغيرات ذات شأن على المستوى الخارجي تراوح مكانها وخاصةً فيما يتعلق بالشق الفلسطيني.
لم تُعاني الحكومة الإسرائيلية السابقة التي شكلها "بنيامين نتانياهو" منذ العام 2009، من أية مشكلات مهمة- بغض النظر عن بعض المنغّصات الاقتصادية والاجتماعية - بالرغم من وصفها وعلى المستويين الداخلي والخارجي، بأنها الأكثر تطرفاً وعنصرية، من بين الحكومات الإسرائيلية السابقة، (بما فيها حكومة "إسحق شامير" التي شُكلت في صيف عام 1990)، حيث ضمّت كتل اليمين المتطرف، التي تتمثل في الصهيونية القومية والصهيونية الدينية اللتان تؤمنان صراحة بوجوب السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين، وعدم التخلي عن مواصلة الاستيطان، وبالتالي عدم الخوض في الحديث حول أية مسألة من المسائل(الجوهرية) التي تتناول الحقوق الفلسطينية بعمومها.
لكن هناك معاناة كبيرة في انتظار الحكومة الإسرائيلية المقبلة وفور تشكيلها، وضمن أي سيناريو من السيناريوهات المتوقعة التي ستبدو عليها، وستكون هذه المعاناة واضحة وعملية بصورةٍ أدق كلما مرّ المزيد من الوقت. وهذه نجمت في الأساس من الظهور المفاجئ للنّد الآتي والغريم المستقبلي "يائير لابيد" زعيم الحزب الجديد (يوجد مستقبل)، الذي قلب الموازين، ومسح الخارطة الحزبية التي اعتادتها إسرائيل بشكلٍ عام. حيث شكل ظهوره بهذه القوة تحدياً حقيقياً وواضحاً لرئيس كتلة اليمين ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو" فيما لو خاض الانتخابات بمفرده ودون الاندماج مع حزب (يسرائيل بيتنا) اللذين حازا 31 مقعداً فقط من مجموع مقاعد الكنيست الإسرائيلية، بينما حاز "لابيد" بمفرده على 19 مقعداً. حيث مكنته تلك المقاعد من امتلاك قوة – ديناميكية- للتحكم في كيفية التوليفة التي ستكون عليها الحكومة المقبلة. والتي سيكون "لابيد" في صدرها وبحسب شروطه، التي مافتئ يعلنها في كل مناسبة وحين، والتي لا تتوافق في معظمها بأي حال مع برامج الأحزاب الدينية وحزب (الليكود بيتنا) نفسه.
وإذا كانت هذه الواقعة في حد ذاتها قد شكّلت معاناة جديّة (خاصة) بشخص "نتانياهو" فإن ما هو آتٍ سيكون أعظم وأشد، ليس على "نتانياهو" وكتلته، بل على دولة إسرائيل بشكلٍ عام. والذي سيظهر بدايةً من خلال البرنامج السياسي العام الذي ستعتمده الحكومة المقبلة والسلوكيات التي ستتبعها عند قيامها بتنفيذها لبنود هذا البرنامج، والتي ستتناقض للوهلة الأولى مع مبادئ وبرامج الأحزاب الدينية خاصةً (شاس – يهودوت هاتوراة) التي كانت تتبرّأ من كثيرٍ من سياسات الحكومة وهي مكوّن أساسي فيها، ولهذا سيكون من العسير عليها تجرّع انضمام "لابيد" للحكومة من جهة، وسيكون أصعب عند استثنائها بالكلية من التشكيلة الجديدة، مما يعني الاستغناء عنها وعن برامجها التي أُرغم "نتانياهو" على قبولها في الماضي، ومن أهمها حصولها على وزارات سيادية وأخرى مهمة، أعطتها ميزة فرض وتمرير ما تراه مناسباً لها (دينياً واقتصادياً) وخاصة في مسألة الخدمة العسكرية والتكلفة المالية لمجموع المؤسسات الدينية والحيوية التابعة لها.
لقد كانت الأحزاب اليهودية الدينية ولا تزال، تشكل جزءاً رئيساً من النسيج اليهودي بشكلٍ خاص والإسرائيلي بشكلٍ عام، وفي ضوء الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة باتت تشكل ما يقارب من ثلث أعضاء الكنيست (38 عضواً)، منهم 19 من اليهود الحريديم، علماً بأن عددهم في الكنيست الأخيرة كان 28 فقط، كان ذلك نتيجة صعود الحزب الأصولي البيت اليهودي (المفدال سابقاً) بزعامة "نفتالي بينيت".
لهذا فإن انعكاس انتخابات الكنيست الجديدة، لن تكون سهلة لا على "نتانياهو" ولا على إسرائيل بمجموعها، وسواء تم تشكيل الحكومة من اليمين أو اليسار. لأن تشكيلها من اليمين ستكون حكومة ضيقة وبالتالي فهي عرضة للسقوط في أية مناسبة، وفي حال تم توليفها من اليسار، فستبرز انعكاسات متلاحقة، من شأنها المس بالكيان اليهودي وبالمصير الإسرائيلي بشكلٍ عام، لا سيما بعد التصريحات الغير مسبوقة التي صدرت عن الأحزاب الدينية اليهودية، وأعلن عنها بوجهٍ خاص الزعيم الروحي لحزب (شاس) الحاخام "عوفاديا يوسيف" الذي ما فتئ يُحذّر صراحةً بأن إسرائيل ستكون في أزمة حقيقية، في حال تشكيل حكومتها من اليسار، التي ستعمل ضمن شروطه، ومن شأنها المس بالأدبيات اليهودية وبالطقوس الدينية وبالمخصصات المالية والاقتصادية المختلفة، حيث تعتمدها الأحزاب الدينية لتبرير سلوكياتها الدينية الخاصة بها، ورفضها للاندماج في مؤسسات الدولة وخاصةً مؤسسة الجيش، من أجل التفرّغ لدراسة التوراة والتعاليم الدينية والوصول إلى الهدف الأسمى وهو إنقاذ اليهود-غير الدينيين- والنجاة بالجنة.
لهذا كان الحاخام "يوسيف" واضحاً عندما حذّر من أمرين خطيرين بالنسبة لدولة إسرائيل، الأول عندما هدد بهجرة اليهود المتدينين وعلى نطاقٍ واسع من إسرائيل، وهذا أمر لا يُستساغ سماعه لدى القيادات الإسرائيلية وكافة المؤسسات الصهيونية والشرائح المؤيدة للمشروع الصهيوني. والأمر الثاني وهو الأخطر، عندما حذّر الحاخام "يوسيف" رئيس الدولة "شمعون بيرس" نفسه، من احتمالية وقوع حرب أهلية في إسرائيل، بين (المتدينين والعلمانيين) وخاصة في حال تمرير قانون تجنيد طلاب المعاهد الدينية في الجيش الإسرائيلي.
وقام بدعوته إلى ضرورة إجراء محادثات جديّة وممارسة تأثيره، من أجل العمل على تآلف القلوب بين جميع مكونات الشعب اليهودي في هذه المرحلة بالذات، واعتبر بأن المخرج الوحيد للأزمة المقبلة، هو عدم المساس بمقتضيات الشريحة اليهودية المتدينة(أصولها وفروعها)، والإبقاء على كل ما هو ديني والمحافظة عليه.
وفي ضوء ذلك فالسؤال الوارد هنا، فيما إذا كان "نتانياهو" يمتلك قدرات خارقة، تمكنه من تشكيل حكومة إسرائيلية (شاذة) من شأنها التوفيق بين متطلبات الوجوه الجديدة، ومن ناحيةٍ أخرى تجنب تهديدات (شاس) وزعيمها الروحي الحاخام "يوسيف" أو أن "نتانياهو" تأخذه العزّة بالإثم بحيث لا نرى إسرائيل بعد وقت ما؟.