مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

على ضفاف المرج

القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عميد شحادة
كانوا عشرة أطفال، يركضون من بعيد وقد سبقتهم أصواتهم حين صاحوا بكلمات غير مفهومة، وقبيل وصولهم إلى السهل المحاذي لقرية صانور في جنين والمسمى "مرج صانور"؛ توحدت حناجرهم مرددين "بحر.. بحر.. بحر."، حتى أنهم خلعوا ملابسهم قبل بلوغ التلة المطلة على السهل، وقفوا برهة فوقها، ثم غطسوا سابحين في وحل سبعة آلاف وخمسمئة دونم غمرتها مياه أمطار المنخفض القطبي الأخير وحولتها الى ما يشبه حقا البحيرة.
واحدٌ فقط من الأطفال العشرة خلع ملابسه ولم يسبح، ظل واقفا كالغريب على شاطيء المرج، كان عارياً، صامتاً، خجولا وشارد الذهن.
على يمين الطفل الغريب، يجلس شاردَ الذهن أيضاً الفلاحُ صلاح العيسى من قرية صانور، ورغم تحديقه المتواصل في السهل الغارق، إلا أنه كان واضحا عدم مجيئه لاحتساء مشهد جميل بغرابته، فهو جاء ليتحسر، بعد أن غرقت أربعة وتسعون دونما من أرضه، ويقول "أنا والمزارعون لا أصعب علينا من رؤية أراضينا مدفونة بالمياه، ضاع الموسم".
عادة يرفع المزارعون أيديهم راجين السماء ماءً، حتى أنهم يشتمون المذيع حين يصف المطر الغزير بـ"أحوال جوية سيئة"، عشرات السنين مرت ولم يكن المطر فيها نهرا متقطعا ولا بـ"نبع نزّاز"، الأرض في جنين حقا عطشى، تنجب خيرا مشوها، لطالما سرق الاحتلال مياهها وبخلت السماء في ريّها.
اشتدت دموع السماء مؤخرا، وهذا مرج صانور المحاط بسلسلة جبيلة والشبيه بطبق عميق، لم يرتو، بل اختنق غرقاً.
يقول المهندس منذر صلاح نائب مدير مديرية زراعة جنين: "مساحة المرج 12 ألف دونم، والآن 7442 دونما تحت حالة الغرق التي قد تستمر إلى فصل الصيف. كان هناك عدة توصيات لتفادي الغرق، كحفر آبار ارتوازية لتغذية المياه الجوفية هناك، أو تجميع المياه في برك داخل السهل، أو فتح قناة لتصريف المياه، لكن هذه الحلول لم تُنفذ، لأنها مكلفة بالدرجة الأولى. المزارع ينتظر قدره لا أكثر".
قدر المزارعين يصنعه أحيانا المزارعون بأيديهم، فلديك مثلا هذا المزارع الذي عَرف عن نفسه بـ "صاحب مزرعة في الواد"، كان متحمسا لسرد مأساته للصحافة. هو أحد الذين نفقت أغنامهم بفعل غزارة الأمطار، ولكي يقطع شكنا باليقين، سار بنا في الوادي حتى وصل مجرى المياه القريب من مزرعته، وأشار بسبابته إلى حيث تكدست جثث وأغلقت مجرى الوادي المخصص لتصريف المياه، وقال: "انظروا .. تلك هي أغنامي".
المهندس إبراهيم دواس مسؤول قسم الإنتاج الحيواني في مديرية زراعة جنين، يتحدث عن نفوق 340 رأس غنم، و40 عجلا وبقرة واحدة، فضلا عن الخسائر التي لحقت المنشئات والأعلاف.
قرى فلسطينية ومدن لها طابع الانخفاض؛ ليس عجيبا غرقها ما دامت تتسابق في الامتداد إلى الحفر، في حين تعربد المستوطنات فوق قمم الجبال. قد يعتبر الناس من هذه الفكرة، كيف يعتبرون؟ ذاته المزارع الذي ماتت أغنامه غرقا بكاها ثم ألقاها في مجرى المياه القريب من مزرعته.
الطفل الغريب ما زال واقفا على شواطيء مرج صانور، فيما رفاقه يسبحون. استدارت الشمس في وسط السماء، وبدأت العائلات بالتوافد من القرى المجاورة إلى المرج للاستجمام. عابروا سبيل أوقفوا سياراتهم ونزلوا لالتقاط صور تذكارية على ضفاف السهل الغارق.
حزم الطفل الغريب سترته ومضى تاركا رفاقه في الوحل، ربما كان خائفا أو سرت برودة الجو إلى جسده، وإلا لماذا مضى إذاً؟.
كان أصغر من أن يسخر أو يحزن، لأن للناس كان يوما بحرٌ أبيضُ متوسط، يتكئ عليه الوطن. 
 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024