أسألك الرحيلا- يوسف أبو لوز
لم يكن الشاعر نزار قباني في قصيدته أسألك الرحيلا يقصد بعض السياسيين العرب الذين طاروا أو الذين على وشك الطيران وصوت الجماهير يتناهى إليهم من الميادين العامة “الشعب يريد رحيل النظام”، فصاحب “الشعر قنديل أخضر” كتب هذه القصيدة قبل اندلاع الربيع العربي بسنوات طويلة، بل قباني نفسه لم يكن يحلم في النوم ولا في اليقظة أن يشاهد زعيماً عربياً يركب طائرته ويهرب تحت جنح الليل بسبب ثورة ياسمين .
ما لنا ولثورات الشوك أو الورد، بل، وحتى ما شأننا بالربيع والخريف؟ ما شأننا بربيع الإنسان العربي وخريف البطريرك؟ بعد الإذن من الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز . فقبل أن تزهر تويجات الربيع السياسي العربي ها هي الكثير من النخب السياسية والثقافية العربية تتحفظ على هذا الربيع الذي يصفه البعض بأنه لعنة ومؤامرة .
الشعراء لا شأن لهم بذلك . لا نعرف اليوم الأبيض من الأسود . لا نعرف المتآمر من اللامتآمر، ولا نعرف الفرق بين اللعنة السياسية والنعيم السياسي، ولكن يحق لأي إنسان عربي عاش عمره تحت ظلال تمثال الديكتاتور أن يغني على ليلاه، ويغني أيضاً مع نزار قباني:
“أسألك الرحيلا
لنفترق أحبابا
فالطير في كل موسم تفارق الهضابا
والشمس أحلى عندما تحاول الغيابا”
ولكن هيهات أن تغيب شمس الطاغية هكذا بسهولة، فالشعر لا قيمة له على بلاطات الطغاة .
وهكذا فليكتف شاعر الياسمين الدمشقي، كما يطلق نقاد الأدب على نزار قباني هذا الوصف، بغياب الشمس العادي وقت الغروب، أو ليكتف هذا الشاعر بغياب الحب . غياب امرأة من قلب شاعر أرحم مليون مرة من غياب ألف امرأة وألف طفل تحت ظلال ذلك التمثال الثقيل في شارع الورد الذي يتراكم على الأضرحة والقبور الصغيرة .
ولكن إذا أردنا أن نلبس هذه القصيدة “طاقية” أخرى غير طاقية الحب، طاقية سياسية مثلاً، فسوف نزعم أن نزار قباني تنبأ بالربيع العربي منذ أربعين عاماً، ولكن نحن لا نقرأ الشعر جيداً، ولا نعرف ما بين السطور، والمقصود بالرحيل ظل في بطن نزار قباني منذ ذلك الوقت، والمعنى كما يقولون في بطن الشاعر .
لا تصدق هذه النبوءة، عزيزي القارئ، فالربيع يزرعه الشهداء، وليس الشعراء .