الأحزاب الجديدة في إسرائيل ... لا تستمر !- سركيس نعوم
أجريت الانتخابات العامة في اسرائيل قبل أسابيع وكلف رئيس الدولة فيها شمعون بيريس رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو تأليف الحكومة الجديدة. وخلال هذه المدة حفلت وسائل الاعلام الاسرائيلية والاميركية بتحليلات لنتائج الانتخابات وبتوقعات تتناول شكل الحكومة وأطرافها وسياستها العامة حيال قضايا الداخل والخارج وفي مقدمها عملية السلام المتعثرة مع الفلسطينيين. طبعاً لم يحظَ هذا الموضوع باهتمام كبير في الاعلام العربي بسبب انشغال العرب بـ"الربيع العربي" وانجازاته وتداعياتها. لذلك قد يكون مفيداً اعطاء صورة عن "المشهد السياسي" في اسرائيل بعد انتخاباتها العامة الأخيرة بغية تمكين اللبنانيين والعرب من اجراء حسابات دقيقة لسياساتها ومواقفها بعيداً من التفاؤل أو التشاؤم.
يشير "المشهد السياسي" المشار اليه، استناداً الى مسؤول اميركي سابق وباحث حالي، الى ان نتنياهو المكلف تأليف الحكومة الجديدة يندفع بقوة وقلق لتشكيل تحالف جديد ينطلق من غالبية نيابية بسيطة لا تقل عن 61 نائباً وقابلة للتحول غالبية كبيرة. ويشير ايضاً الى ان الشخص الذي سيحدد في النهاية مصير الحكومة المذكورة وتركيبتها هو يائير لابيد الذي كان مفاجأة الانتخابات بفوز حزبه الجديد "هناك مستقبل" بـ19 مقعداً في الكنيست. وهذا رقم صغير مقارنة بعدد اعضاء الكنيست (120)، لكنه ذو مغزى لأن نتنياهو لم يفز سوى بـ31 مقعداً رغم تحالفه الوثيق مع افيغدور ليبرمان زعيم حزب "اسرائيل بيتنا" العلماني واليميني في آن واحد. ويشير المشهد السياسي ثالثاً الى ان انضمام لابيد الى الحكومة الجديدة او بقاءه خارجها سيحدد اذا كانت اسرائيل ستكون بقيادة حكومة ذات غالبية محدودة مؤلفة من تحالف أحزاب يمينية وأخرى دينية أو غالبية واسعة من شأنها دفعها اكثر في اتجاه الوسط. ويشير رابعاً الى ان حزباً آخر جديداً فاز بمقاعد "حرزانة" هو "يش عتيد".
ماذا يعني فوز أحزاب مؤسسة حديثاً اي قبل الانتخابات بقليل بمقاعد مهمة؟
يجيب الباحث الاميركي الحالي بالقول ان هذه ليست ظاهرة جديدة في المجتمع الاسرائيلي. فايغال يادين اسس عام 1977 "الحركة الديموقراطية للتغيير" وحصل على 15 مقعداً في انتخابات ذلك العام. لكنه انطفأ قبل موعد الانتخابات التالية. ووالد لابيد، تومي، اسس حزب "شينوي"، لكنه لم يصمد كثيراً في ساحة السياسة الاسرائيلية. فالاحزاب "الثالثة" هذه كما تسمى لا تعيش أو تستمر كثيراً لأنها تجد نفسها، وهي غير مستعدة او محصنة، جزءاً من الحياة السياسية اليومية التي تلعب فيها معادلة "الأخذ والعطاء" (Give and Take) دوراً محورياً. ولذلك فإن اجندتها التغييرية تصبح عائقاً أمام استمرارها، وخصوصاً اذا ظهر للناخبين الاسرائيليين انها لا تمتلك هوية شاملة ومؤيدين ذوي انتشار واسع في البلاد. وحزب "كاديما"، يضيف الباحث والمسؤول السابق نفسه مثال حيّ على ذلك. فهو فاز في انتخابات الـ2009 بـ28 مقعداً أي أكثر من "ليكود" بمقعد واحد لكنه عجز عن تأليف تحالف حكومي. وفي الانتخابات الاخيرة لم يستطع رئيسه الحالي شاوول موفاز إلاّ الحصول على نسبة اقتراع تمكنه من الوجود في الكنيست ولكن بحجم صغير. فهذا الحزب اسسه شارون بهدف محدد هو الانسحاب من غزة وربما من الضفة الغربية. ولم يتمكن من تأسيس جذور له في الحياة السياسية الاسرائيلية ربما بسبب عدم نجاحه في بلورة ايديولوجيا متماسكة تتناول كل القضايا التي تواجهها اسرائيل. اما الحزب الذي اسسته ليفني بعد انشقاقها عن "كاديما" فلم ينل سوى ستة مقاعد. ولا يبشر ذلك بدور مهم لها سواء في حكومة نتنياهو أو في المعارضة أو باستمرار لحزبها مستقبلاً.
هل ينجح لابيد (19 مقعداً) في تلافي مصير الاحزاب الجديدة في اسرائيل اي الزوال؟
يتوقف ذلك، استناداً الى الباحث والمسؤول السابق على ادائه وعلى مواقفه من مشكلات اسرائيل التي لم يطرحها كلها في اثناء حملته الانتخابية.
لكن الوحيد الذي نجح حتى الآن في تلافي الزوال عن المسرح السياسي كان افيغدور ليبرمان الذي انفصل في السابق عن "ليكود" واسس "اسرائيل بيتنا". اذ أنجز تحالفاً قريباً من الاندماج مع "ليكود" نتنياهو قبل الانتخابات. وابقاه ذلك على المسرح، ولكن مع عامل آخر كان في مصلحته هو اندماج الاسرائيليين الروس مع المجتمع الاسرائيلي او مع الاتجاه السائد فيه.