مأزق نتنياهو في تشكيل حكومته - غازي السعدي
اهتزت الحلبة السياسية الإسرائيلية عشية تشكيل الحكومة الجديدة رقم 33، ذلك في أعقاب انتخابات الكنيست التي لم تأتِ نتائجها على هوى رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، بالإعلان المبكر والمفاجئ عن قيام الرئيس الأميركي "باراك أوباما" بزيارة غير مرغوب بها لإسرائيل والسلطة الفلسطينية في الشهر القادم، وما تعنيه مثل هذه الزيارة الأولى للرئيس لولايته الثانية على الصعيد السياسي، والتي تهدف إلى دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الأمام، وارتطمت أصوات بعض المسؤولين موجهة الانتقادات بشدة لمشاريع البناء في المستوطنات، فرئيس مجلس الأمن القومي "يعقوب عميدور"، اعتبر أن هذا البناء يلحق الضرر السياسي بإسرائيل، ويجعلها تفقد دعم أعز أصدقائها، وتضر بمكانة إسرائيل الدولية، ويقول:" إن إسرائيل لا يمكنها أن توضح مسألة البناء الاستيطاني في أي مكان في العالم، وكأنه يريد التمهيد أمام الرأي العام الإسرائيلي لاحتمال تغيير سياسة إسرائيل الاستيطانية، أما الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" فقد اعتبر بأن الأنشطة الاستيطانية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، غير قانونية، وعقبة أساسية على طريق حل الدولتين، وطالب وزير المخابرات الإسرائيلية "دان ميريدور" بوضع الخطوط العريضة للحكومة القادمة، وبوضع مشروع حل الدولتين، في صميم البرنامج السياسي للحكومة، وأن من لا يؤيد هذا الحل من بين الأحزاب عليه أن لا ينضم للحكومة. إن نتائج انتخابات الكنيست لم تأت على مقاس "نتنياهو" وحزبه، مع أن (82) نائباً أوصوا أمام رئيس الدولة "شمعون بيرس" بتكليف "نتنياهو" بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن "نتنياهو" يعاني صعوبات جمة في طريقه، تعتبر من أصعب التشكيلات للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وسط توقعات بأن دورة الكنيست رقم (19) هذه لن تصمد طويلاً، بل أن انتخابات مبكرة قادمة قد تجري بعد زمن قصير، فأجندة الأحزاب المرشحة لتشكيل الحكومة تتعارض مع بعضها البعض، وهناك صعوبة للتجسير فيما بينها. "نتنياهو" ما زال يعلن أن من أهم التحديات التي ستواجه الحكومة القادمة، النووي الإيراني، وهو يعلم أن لا أمل بحله دون التدخل الأميركي، سواء كان سلمياً أم عسكرياً، كذلك الوضع الاقتصادي والعجز المالي الكبير الذي تعاني منه إسرائيل، وإقرار موازنة الدولة لعامي 2013-2014 التي ستشهد تقليصات تطال جميع الوزارات وتؤثر على جيوب الإسرائيليين، لكن العقدة الأهم هي المسيرة السياسية التفاوضية مع الفلسطينيين والتي سببت عزلة دولية لإسرائيل. إن القضايا العالقة والخلافية في الطريق لتشكيل الحكومة، تبدأ من مطالبة حزب "يوجد مستقبل" بتشريع قانون تحت اسم "التساوي في الأعباء"، والمقصود تجنيد شبان المعاهد الدينية بالجيش الإسرائيلي، ويلقى هذا الطلب معارضة حادة من قبل حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة" الدينيين، فيما يصر حزب "يوجد مستقبل" على تجنيد كامل للمتدينين من طلبة المعاهد الدينية، وهذا يحظى بتأييد حزب "البيت اليهودي" أيضاً، فالأحزاب الدينية تحصل على موازنات ضخمة لمدارسها الدينية، بالنسبة للعملية السياسية فإن "نتنياهو" عاد ليكرر اسطوانته ودعوته للمفاوضات دون شروط مسبقة، فيما يشترط حزب "يوجد مستقبل"، العودة الفورية إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، كشرط مسبق لانضمامه للحكومة، فهناك اتفاق بين حزبي "يوجد حدود" و"البيت اليهودي"، بإفشال محاولة "نتنياهو" الالتفاف عليهما بتشكيل حكومة دون أحدهما، وهذا يصعب أكثر على "نتنياهو" مهمته، إلا أن حزب "البيت اليهودي"، يعارض الدخول في أية مفاوضات مع الفلسطينيين، ويصف حل الدولتين بالكارثة، فيما تظهر "شاس" و"يهدوت هتوراة" لا مبالاة فيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، إلا أن "يهدوت هتوراة" تعارض بشدة فكفكة أية مستوطنة". إن قضية الموازنة القادمة، تحتل أهمية كبرى في المفاوضات الائتلافية، في الوقت الذي يرفض فيه "نتنياهو"، ووزير ماليته، الكشف عن قيمة هذه الميزانية، التي ستتطلب رفع أعباء الضرائب، رغم تعهد "نتنياهو"، في معركته الانتخابية أن لا ضرائب جديدة، فيما يطالب حزب "يوجد مستقبل"، بإدخال تغييرات بعيدة المدى على بنود صرف الميزانية لصالح الطبقتين الفقيرة والوسطى، مع زيادة ميزانية التربية والتعليم، أما حزب "البيت اليهودي"، فإنه يطالب باستمرار دعم البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، فيما يهدد حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراة"، بإحداث أزمة حكومية، بل والانسحاب من الائتلاف إذ جرى المس بمخصصات الأولاد، ويتهم "البيت اليهودي"- وهو حزب المستوطنين- حزب "شاس" بمحاولة فرض تعاليم التوراة عنوة على العلمانيين، و"شاس" يرد على "البيت اليهودي" بتغيير الوضع الراهن بالنسبة لمكانة الديانة اليهودية ومدى مراعاة تعاليمها، وعلى الصعيد السياسي فإن حزب "يوجد مستقبل"، يؤيد حل المستوطنات، والانسحاب من باقي الأراضي المحتلة، مع إبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة، ونأتي إلى حزب "العمل"، حيث أعلنت زعيمة هذا الحزب، الذي له (15) مقعداً في الكنيست، بأنها ترفض الانضمام إلى حكومة "نتنياهو"، بل أنها تريد قيادة المعارضة، أما حزب الحركة- وله (6) مقاعد برئاسة "تسيفي ليفني"- فهي لا تستبعد الانضمام إلى الحكومة إذا كان هناك عملية سياسية، وتطمح بأن يسند إليها كوزيرة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، وهناك مشاكل ستطفو على السطح، أثناء توزيع الحقائب الوزارية، فـ "أفيغدور ليبرمان" مصر على العودة لوزارة الخارجية، بعد الانتهاء من الإجراءات القضائية المتهم بها، بينما أن الخارجية على الغالب ستخصص لرئيس حزب "يوجد مستقبل" -"يائير لبيد"- و"شاؤول موفاز" –كاديما- يطمح بوزارة الجيش، حيث شغل هذا الوزارة في الماضي، بينما مرشح حزب الليكود لهذا المنصب، هو الجنرال "موشيه يعالون"، غير أن "نتنياهو" يريد تقليم أظافره، كي لا ينافسه مستقبلاً على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. هناك أربعة خيارات وسيناريوهات أمام نتنياهو لتشكيل الحكومة، حيث أن القانون منحه (28) يوماً لهذه المهمة، تنتهي بتاريخ 16-3-2013، وإذا لم يفلح يستطيع الحصول على (28) يوماً أخرى، فهو يفضل تشكيل حكومة من (61) نائباً في البداية، تضم حزبه "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" و"شاس" و"يهدوت هتوراة"، و"البيت اليهودي"، ثم يضم إليها أحزاباً أخرى، وفي هذه الحالة تكون حكومة ضعيفة وقابلة للسقوط، ثم إمكانية تشكيل حكومة يمين- وسط تضم الأحزاب الدينية، و"الحركة" و"كاديما" و"يوجد مستقبل" إضافة إلى حزبه، وتحصل على ثقة (70) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست. واحتمال تشكيل حكومة "ليكود- بيتنا"، تضم المتدينين، و"كاديما" و"يوجد مستقبل" تحصل على ثقة (70) نائباً، والاحتمال الأخير بتشكيل حكومة يمين-وسط، تضم "الحركة" و"كاديما" والأحزاب الدينية، و"يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي" تحصل على ثقة (88) نائباً، لكن تشكيل الحكومة معقد، وأحدٌ لا يعرف إلى أين سيصل "نتنياهو". إن مهمة "نتنياهو" في تشكيل الحكومة صعبة ومعقدة، خاصة كيفية إيجاد التوافق بين حلفائه التاريخيين-أي الأحزاب الدينية- مع الأحزاب الأخرى، مع أن رغبة "نتنياهو" هي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، أو حكومة موسعة، ففي هذه الحالة المعقدة سيضطر إلى عقد صفقات وتفاهمات وحلول وسط مع الأحزاب، والسير بين قطرات المطر، دون أن يتبلل، حتى يتمكن من إنجاز مهمته الهشة وغير القابلة للحياة لفترة طويلة، لما تحمله من ألغام سياسية واقتصادية واجتماعية وشخصية، لكن تبقى جميع الاحتمالات واردة، أما بالنسبة لزيارة الرئيس الأميركي، وموضوع السلام، فإنه في أحسن الأحوال يستطيع تحريك المفاوضات، والتوصل إلى حلول مرحلية مع الفلسطينيين، وليس لحلول سلام جذرية.