الفدائية المغربية التي اقتحمت " إسرائيل " وأسرت لسنوات ..
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عبد الناصر فروانة
استوقفني اسمها بشدة منذ زمن ، وأضطررت لمتابعة قصتها المثيرة للاهتمام ، وأذهلتني شراستها ، جرأتها ، شجاعتها وفدائيتها ، فهي ( لا ) تقل بصفاتها وثوريتها عن النساء الفلسطينيات اللواتي شاركن بأعمال فدائية في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وقضيتها تصلح سيناريو عظيم لفيلم كبير جداً .
إنها فتاة عربية جميلة ، شقراء ، ثرية ، مغربية الأصل والنشأة ، فلسطينية العشق والانتماء ، آمنت بالفكرة وبالثورة طريقاً ، وأدارت ظهرها لكل مظاهر الترف واختارت أن تصبح فدائية عربية تضع حياتها ثمناً للقضية الفلسطينية.. فدافعت وبكل شراسة عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من خلال " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ..
اقتحمت " إسرائيل " في الحادي عشر من ابريل / نيسان عام 1971 ، وأرادت مع مجموعة تضم شقيقتها وثلاثة فرنسيين آخرين ، القيام بعملية فدائية تتمثل بتفجير تسعة فنادق دفعة واحدة وسط مدينة " تل أبيب " ، وبمجرد وصولها إلى مطار " اللد " التي تبعد عن تل أبيب بعشرين كيلومترا ، اكتشف أمرهما وعثر بين أمتعته على بودرة متفجرات شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير ، فأكتشف أمرها وألقت أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض عليها ، لتقضي سنوات من عمرها في سجون " إسرائيل " ، فاستحقت منا ومن شعبها والأمة العربية والإسلامية كل الاحترام والتقدير ... إنها الفدائية العربية المغربية " نادية البرادلي ".
" نادية البرادلي " تلك الأسيرة العربية المغربية المحررة التي لم تنل حقها في الإعلام العربي الذي أخفق و لم يمنحها المساحة التي تَستحقها ، ولم يُعطها حقها من كلمات الإشادة والثناء ، وربما الكثيرين من الفلسطينيين ومن الأشقاء المغاربة يجهلون قصتها ولا يعرفون أن مواطنة مغربية أدارت ظهرها لمتاع الدنيا واختارت النضال والجهاد والاستشهاد من أجل فلسطين .. فهي بطلة بكل معنى الكلمة وتستحق لقب " الفدائية " عن جدارة .
ولدت ( نادية خليل برادلي ) عام 1945 في المغرب الشقيق ، وتابعت دراستها في الفلسفة والآداب بجامعة السوربون ، وتعرضت لحادث مؤسف عام 1971 فينقذها جارها الذي كان يرأس المكتب الأوربي لـ" الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" فخلق الحادث بينهما صداقة ، ومن ثم أطلعها صديقها الفلسطيني على القضية الفلسطينية وما تمارسه " اسرائيل " بحق أبناء شعبه ، فانتمت للقضية وشحنت أفكارها بضرورة القيام بعمل ما لنصرة الشعب الفلسطيني ودعم حقه بالتحرر ، فقررت اقتحام " إسرائيل " وتنفيذ عملية فدائية ونوعية دعما للثورة الفلسطينية .
وفي الحادي عشر من نيسان / ابريل عام 1971 وصلت إلى مطار " اللد " الإسرائيلي، بجواز سفر فرنسي مزور تحت اسم " هيلين ماترين " برفقة شقيقتها الصغرى ، فعثر بين أمتعتهما على بودرة متفجرات، شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير كانت معدة بشكل محكم وداخل أكعاب أحذية وضمن مساحيق التجميل وداخل الملابس.
فاعتقلت مع شقيقتها ، و تعرضت الأختان "برادلي " لصنوف مختلفة من التعذيب لبضعة شهور وداخل غرف انفرادية معتمة ، ويقال أنه ومع توالي التحقيقات، استقدم الإسرائيليون خبراء متخصصين في صناعة وتفكيك المتفجرات وتأكدوا من أن الملابس التي كانت بحوزة الأختين مشبعة بمواد بلاستيكية قابلة للانفجار وقادرة على تدمير الفنادق التسعة بسهولة فائقة.
ومن ثم أصدرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حكماً بسجنها لمدة اثنتي عشرة سنة ، وسجن شقيقتها لمدة عشر سنوات، وفي أبريل عام 1974 أي بعد مرور ثلاث سنوات من الاعتقال في السجن الإسرائيلي المخصص للنساء " نفي تريستا " ، أفرج عنها جراء تدهور وضعها الصحي واصابتها ببعض الأمراض ، وأبعدت من السجن في "إسرائيل " في طائرة توجهت بها الى باريس في حين بقيت شقيقتها بالسجن، وبعدها توجهت إلى لبنان وعملت مع الثورة الفلسطينية و وتزوجت من استاذ جامعي فلسطيني يُعتبر من نشطاء "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وتقول في احدى المقابلات معها ( بعد اطلاق سراحي، توجهت الى لبنان حيث وجود المقاومة الفلسطينية ، ومكثت هناك سبع سنوات، فقد خرجت من السجن وأنا أكثر اصرارا من ذي قبل على مواصلة النضال،،،، لعل معايشتي اليومية للفلسطينيات في السجن كانت وراء هذا القرار، فقد عرفت منهن حقائق كثيرة أجهلها.
وعندما خرجت من السجن كنت ممزقة للغاية ولا أنسى أبدا وجوه وأصوات الفتيات وهن ينادين علي " ناديه تشجعي " ، كما أنني تركت أختي في السجن ولم تخرج إلا بعد ذلك بعامين، وقد عدت إلى المغرب قبل غزو اسرائيل للبنان بشهر واحد ، وعن حياتها الخاصة تقول ناديه : لقد تزوجت وأنا في لبنان وعشت مع زوجي وهو أستاذ جامعي فلسطيني سنوات النضال الصعبة في لبنان ولكننا انفصلنا هنا في المغرب بعد أن عشنا عشر سنوات معا ).
وبعد سنوات من عودتها للمغرب ، واستقرارها فيه ، وعملها في الصحافة والاعلام ، خطفها الموت في صيف عام 1995 ، متاثرة بالأمراض التي ورثتها عن السجون الإسرائيلية اثناء فترة اعتقالها .
" نادية " .. فدائية من طراز خاص تعكس حالة وحقيقية المرأة المغربية ومشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والقومي وفي الشأن السياسي والدبلوماسي ، لتذكرنا بكوكبة من المغربيات اللواتي كان لهن بصمات واضحة في كافة المجالات وعلى كافة الصعد أمثال " فاطمة الفهرية " من فاس والتي تعتبر أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره اسمها جامعة القرويين ، وبالرياضية ( نوال المتوكل ) التي فازت بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984 ، والفلكية المغربية ( مريم شديد ) التي وصلت الى القطب الجنوبي المتجمد، والطيارة الشابة " ثريا الشاوي " والسيدة سعيدة عباد أول امرأة تقود القطار في العالم العربي .
( نادية خليل برادلي ) هي تلك الفتاة المغربية الشقراء التي اقتحمت " اسرائيل " وقضت سنوات من عمرها في سجونها ، وعاشت في بيروت أواسط السبعينات ، وانخرطت في العمل مع المقاومة الفلسطينية قبل وبعد الإعتقال ، رحلت عنا ، فيما بقىّ اسمها محفور في ذاكرتنا .
ليست هي وحدها وانما كافة أسماء من سبقها وتلاها من الأسرى والشهداء من أبناء الشعب العربي المغربي الشقيق خصوصاً ، والعرب عموماً الذين ناضلوا وضحوا بجانب الشعب الفلسطيني في مسيرته الكفاحية ضد الإحتلال الإسرائيلي ومن أجل نيل حريته .
فنحن شعب يبقى وفيا لمن كانوا أوفياء لقضيته ، وبغض النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم ، ومن أي البلدان والقارات جاؤوا ....
ويكفينا فخرا أنهم جاؤوا لنصرة قضيتنا ودعم شعبنا الفلسطيني في تحقيق أهدافه المشروعه ونيل حريته المفقودة ... فاستحقوا تقديرنا واستحقت أسمائهم أن تحفر في سجلات مجد تاريخنا وثورتنا بأحرف من نور وستبقى محفورة ولن تمحى أبدا .
وأنتم ايها القراء .. ابحثوا عن قصتها واقرؤوا تفاصيل حياتها .. وتمعنوا بتجربتها الفدائية قبل وبعد الإعتقال ... وحينها ستدركون أنها تستحق من كلمات الاعجاب أكثر مما كتبت هنا بحقها.
zaعبد الناصر فروانة
استوقفني اسمها بشدة منذ زمن ، وأضطررت لمتابعة قصتها المثيرة للاهتمام ، وأذهلتني شراستها ، جرأتها ، شجاعتها وفدائيتها ، فهي ( لا ) تقل بصفاتها وثوريتها عن النساء الفلسطينيات اللواتي شاركن بأعمال فدائية في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وقضيتها تصلح سيناريو عظيم لفيلم كبير جداً .
إنها فتاة عربية جميلة ، شقراء ، ثرية ، مغربية الأصل والنشأة ، فلسطينية العشق والانتماء ، آمنت بالفكرة وبالثورة طريقاً ، وأدارت ظهرها لكل مظاهر الترف واختارت أن تصبح فدائية عربية تضع حياتها ثمناً للقضية الفلسطينية.. فدافعت وبكل شراسة عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من خلال " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ..
اقتحمت " إسرائيل " في الحادي عشر من ابريل / نيسان عام 1971 ، وأرادت مع مجموعة تضم شقيقتها وثلاثة فرنسيين آخرين ، القيام بعملية فدائية تتمثل بتفجير تسعة فنادق دفعة واحدة وسط مدينة " تل أبيب " ، وبمجرد وصولها إلى مطار " اللد " التي تبعد عن تل أبيب بعشرين كيلومترا ، اكتشف أمرهما وعثر بين أمتعته على بودرة متفجرات شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير ، فأكتشف أمرها وألقت أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض عليها ، لتقضي سنوات من عمرها في سجون " إسرائيل " ، فاستحقت منا ومن شعبها والأمة العربية والإسلامية كل الاحترام والتقدير ... إنها الفدائية العربية المغربية " نادية البرادلي ".
" نادية البرادلي " تلك الأسيرة العربية المغربية المحررة التي لم تنل حقها في الإعلام العربي الذي أخفق و لم يمنحها المساحة التي تَستحقها ، ولم يُعطها حقها من كلمات الإشادة والثناء ، وربما الكثيرين من الفلسطينيين ومن الأشقاء المغاربة يجهلون قصتها ولا يعرفون أن مواطنة مغربية أدارت ظهرها لمتاع الدنيا واختارت النضال والجهاد والاستشهاد من أجل فلسطين .. فهي بطلة بكل معنى الكلمة وتستحق لقب " الفدائية " عن جدارة .
ولدت ( نادية خليل برادلي ) عام 1945 في المغرب الشقيق ، وتابعت دراستها في الفلسفة والآداب بجامعة السوربون ، وتعرضت لحادث مؤسف عام 1971 فينقذها جارها الذي كان يرأس المكتب الأوربي لـ" الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" فخلق الحادث بينهما صداقة ، ومن ثم أطلعها صديقها الفلسطيني على القضية الفلسطينية وما تمارسه " اسرائيل " بحق أبناء شعبه ، فانتمت للقضية وشحنت أفكارها بضرورة القيام بعمل ما لنصرة الشعب الفلسطيني ودعم حقه بالتحرر ، فقررت اقتحام " إسرائيل " وتنفيذ عملية فدائية ونوعية دعما للثورة الفلسطينية .
وفي الحادي عشر من نيسان / ابريل عام 1971 وصلت إلى مطار " اللد " الإسرائيلي، بجواز سفر فرنسي مزور تحت اسم " هيلين ماترين " برفقة شقيقتها الصغرى ، فعثر بين أمتعتهما على بودرة متفجرات، شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير كانت معدة بشكل محكم وداخل أكعاب أحذية وضمن مساحيق التجميل وداخل الملابس.
فاعتقلت مع شقيقتها ، و تعرضت الأختان "برادلي " لصنوف مختلفة من التعذيب لبضعة شهور وداخل غرف انفرادية معتمة ، ويقال أنه ومع توالي التحقيقات، استقدم الإسرائيليون خبراء متخصصين في صناعة وتفكيك المتفجرات وتأكدوا من أن الملابس التي كانت بحوزة الأختين مشبعة بمواد بلاستيكية قابلة للانفجار وقادرة على تدمير الفنادق التسعة بسهولة فائقة.
ومن ثم أصدرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حكماً بسجنها لمدة اثنتي عشرة سنة ، وسجن شقيقتها لمدة عشر سنوات، وفي أبريل عام 1974 أي بعد مرور ثلاث سنوات من الاعتقال في السجن الإسرائيلي المخصص للنساء " نفي تريستا " ، أفرج عنها جراء تدهور وضعها الصحي واصابتها ببعض الأمراض ، وأبعدت من السجن في "إسرائيل " في طائرة توجهت بها الى باريس في حين بقيت شقيقتها بالسجن، وبعدها توجهت إلى لبنان وعملت مع الثورة الفلسطينية و وتزوجت من استاذ جامعي فلسطيني يُعتبر من نشطاء "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وتقول في احدى المقابلات معها ( بعد اطلاق سراحي، توجهت الى لبنان حيث وجود المقاومة الفلسطينية ، ومكثت هناك سبع سنوات، فقد خرجت من السجن وأنا أكثر اصرارا من ذي قبل على مواصلة النضال،،،، لعل معايشتي اليومية للفلسطينيات في السجن كانت وراء هذا القرار، فقد عرفت منهن حقائق كثيرة أجهلها.
وعندما خرجت من السجن كنت ممزقة للغاية ولا أنسى أبدا وجوه وأصوات الفتيات وهن ينادين علي " ناديه تشجعي " ، كما أنني تركت أختي في السجن ولم تخرج إلا بعد ذلك بعامين، وقد عدت إلى المغرب قبل غزو اسرائيل للبنان بشهر واحد ، وعن حياتها الخاصة تقول ناديه : لقد تزوجت وأنا في لبنان وعشت مع زوجي وهو أستاذ جامعي فلسطيني سنوات النضال الصعبة في لبنان ولكننا انفصلنا هنا في المغرب بعد أن عشنا عشر سنوات معا ).
وبعد سنوات من عودتها للمغرب ، واستقرارها فيه ، وعملها في الصحافة والاعلام ، خطفها الموت في صيف عام 1995 ، متاثرة بالأمراض التي ورثتها عن السجون الإسرائيلية اثناء فترة اعتقالها .
" نادية " .. فدائية من طراز خاص تعكس حالة وحقيقية المرأة المغربية ومشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والقومي وفي الشأن السياسي والدبلوماسي ، لتذكرنا بكوكبة من المغربيات اللواتي كان لهن بصمات واضحة في كافة المجالات وعلى كافة الصعد أمثال " فاطمة الفهرية " من فاس والتي تعتبر أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره اسمها جامعة القرويين ، وبالرياضية ( نوال المتوكل ) التي فازت بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984 ، والفلكية المغربية ( مريم شديد ) التي وصلت الى القطب الجنوبي المتجمد، والطيارة الشابة " ثريا الشاوي " والسيدة سعيدة عباد أول امرأة تقود القطار في العالم العربي .
( نادية خليل برادلي ) هي تلك الفتاة المغربية الشقراء التي اقتحمت " اسرائيل " وقضت سنوات من عمرها في سجونها ، وعاشت في بيروت أواسط السبعينات ، وانخرطت في العمل مع المقاومة الفلسطينية قبل وبعد الإعتقال ، رحلت عنا ، فيما بقىّ اسمها محفور في ذاكرتنا .
ليست هي وحدها وانما كافة أسماء من سبقها وتلاها من الأسرى والشهداء من أبناء الشعب العربي المغربي الشقيق خصوصاً ، والعرب عموماً الذين ناضلوا وضحوا بجانب الشعب الفلسطيني في مسيرته الكفاحية ضد الإحتلال الإسرائيلي ومن أجل نيل حريته .
فنحن شعب يبقى وفيا لمن كانوا أوفياء لقضيته ، وبغض النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم ، ومن أي البلدان والقارات جاؤوا ....
ويكفينا فخرا أنهم جاؤوا لنصرة قضيتنا ودعم شعبنا الفلسطيني في تحقيق أهدافه المشروعه ونيل حريته المفقودة ... فاستحقوا تقديرنا واستحقت أسمائهم أن تحفر في سجلات مجد تاريخنا وثورتنا بأحرف من نور وستبقى محفورة ولن تمحى أبدا .
وأنتم ايها القراء .. ابحثوا عن قصتها واقرؤوا تفاصيل حياتها .. وتمعنوا بتجربتها الفدائية قبل وبعد الإعتقال ... وحينها ستدركون أنها تستحق من كلمات الاعجاب أكثر مما كتبت هنا بحقها.