مزارعو التبغ في يعبد يحاربون داء الفقر بزراعة المرض
وفا_ عميد شحادة
لم تعرف عريفة عطاطرة 83 عاما من بلدة يعبد قضاء جنين الأظافر الناعمة حتى في طفولتها التي انتهت بعد ستة سنوات من ميلادها، لتقضي بقية عمرها في حقول التبغ تزرع وتقلع وتجمع أوراق المحصول القاتل كي لا يقتلها الفقر.
كغيرها من نساء بلدتها ورجالها الذين احترفوا هذه المهنة منذ زمن طويل تقول عريفة بينما كانت تتربع وسط تله من أوراق التبغ الأخضر، وبيديها التي تحمل تجاعيد عمرها تمسك الخيط والإبرة وتتحسس الأوراق وتشبكها ورقة تلو الأخرى.
"بدأت العمل في زراعة التبغ وأنا في السادسة من عمري، والله إذا تركنا زراعة الدخان لن نجد قرشا نعطيه لأولادنا، لا نعرف زراعة غيرها ولا يوجد عمل أصلا، ولا أحد يُشغِل أحد".
كان من حسن حظ كبيرة السن عريفة وأربعين بالمائة من أهالي بلدتها أن أسعار السجائر المستوردة قد ارتفعت، وازداد أيضا إقبال المدخنين محدودي الدخل على استهلاك تبغ يعبد رخيص الثمن، لكن حسن الحظ هذا انقلب سوءا على حد تعبير المزارعين عندما قررت دائرة التبغ والمكوس في السلطة الوطنية عدم السماح لغير مصانع التبغ الرسمية والمرخصة من استخدام أوراق تعبئة التبغ المعروفة محليا "بفلاتر الدخان"، قرارٌ اعتبره مزارعو يعبد ضربة لمهنتهم.
بندي دحدح مدير دائرة التبغ والمكوس الذي اعتبر التبغ من مقومات الدولة قال: "أنابيب السجائر التي تسمى بالفلاتر يمنع التداول بها إلا بموجب ترخيص مسبق من دائرة الجمارك لأنها تعتبر من مشتقات التبغ، من يريد إنتاج السجائر يجب أن يفتح مصنع مرخص نحن لن نمنعه من ذلك".
مزارعو يعبد الخائفين على لقمة عيشهم رأوا أن قرار دائرة التبغ "حصر استخدام الفلاتر على أصحاب المصانع" لم يكن لتنظيف صدور المواطنين من غبار التدخين.
يقول المزارع وصانع التبغ إياد أبو شملة: "القرار لم يكن من أجل صحة المواطنين، الموضوع موضوع اقتصاد بالدرجة الأولى وكما أن دائرة التبغ لديها وجهة نظر لفرصتها الاقتصادية أنا أيضا مواطن ولدي وجهة نظر لفرصتي الاقتصادية، أنا أُحاول كسب لقمة عيشي بوضح النهار وبالطرق القانونية المرضي عنها".
أبو شملة لم يُخفِ خوفه من عدم تفهم السلطات المسؤولة لما يجري في يعبد، مشيرا إلى أن الأدوات التي يستخدمها المزارعون بسيطة ولا ترتقي لمعنى المصنع الذي يحتاج إلى ترخيص وما شابه ذلك من شروط وضعتها دائرة التبغ بعد أن قام احد التجار في يعبد بإنشاء مصنع متطور للتبغ في البلدة.
قال أبو شملة "بعض المسؤولين يعتقدون أن عملية لف السجائر في يعبد تتم في مصانع ومن خلال رجال أعمال كبار وأدوات مهربة من الخارج، هذا غير صحيح، مصنع السجائر الذي نستخدمه لا يتعدى رأس ماله العشرين شيقل وهو عبارة عن ماكينة يدوية لا يتعدى طولها 10 سم نستخدمها لتعبئة السجائر، هذا كل شيء".
الحاجة عريفة لم تلتفت لقرار دائرة التبغ وصراعها مع المزارعين، فهي لا تهتم بالقانون أكثر من اهتمامها بالحفاظ على فرصة عملها، وعمل عائلتها التي لا بديل عنه، وهي لا تعرف ما هي الضابطة الجمركية، فكل الأجهزة الأمنية بالنسبة لها "شرطة"، رافضة فكرة زراعة القمح بدلا من التبغ حيث قالت "أمريكا لم تدع لنا فرصة للزراعة والإنتاج، أصبحت أميركا تصدر كل إنتاجها إلينا، المواطن الذي يجد رغيف الخبز جاهز وكيس الطحين جاهز ما حاجته للقمح؟ زراعة القمح لا تُطعمنا الخبز"