"القضاء الإسرائيلي" يحصن قتلة شعبنا ويعاقب من يحاول الوصول للعدالة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
محمد أبو فياض
shمحمد أبو فياض
دلل رد القضاء الإسرائيلي لعدة دعاوى حقوقية فلسطينية ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي، على إصرار هذا القضاء على نزع أي مسؤولية جنائية أو مدنية لقوات الاحتلال في قضايا بينة وخطيرة، وعلى حرمان الضحايا من حقهم في العدالة والإنصاف القضائي والتعويض.
ويوفر هذا الرد، وفق ما تؤكد مراكز حقوق الإنسان التي تتابع مثل هذه الدعاوى، حصانة لمرتكبي جرائم بينة ويعاقب الضحايا لمجرد محاولتهم الوصول إلى العدالة والإنصاف من خلال القضاء الإسرائيلي، خاصة وأن سلطات الاحتلال تضع عراقيل تحول دون وصول الضحايا من الفلسطينيين إلى العدالة بموجب القانون الإسرائيلي.
وكانت المحكمة المركزية في بئر السبع بإسرائيل قررت في 7/2/2013 رد الدعوى التي رفعها مركز الميزان لحقوق الإنسان ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي بشأن قصفها منزل المواطن فايز صالحة بالصواريخ بتاريخ 9 يناير 2009 ما تسبب باستشهاد زوجته وأربعة من أطفاله، وشقيقة زوجته، وتدمير منزل العائلة بالكامل، كما قررت المحكمة تغريم المدعين 20.000 شيقل (حوالي 5.500 دولار أمريكي) كأتعاب تقاضي للدولة.
وجاء في حيثيات حكم المحكمة أنه بالنظر إلى الأحكام السابقة المتعلقة بالهجمات الجوية واعتبارها حالة حرب (أثناء عملية الرصاص المصبوب) فإنه، حسب المحكمة، بالرغم من إثبات المدعين لوجود إهمال من الجيش الإسرائيلي بعدم إعطاء فرصة للسكان لإخلاء المنزل وأن ادعاء الإهمال حتى لو أثبت لا يبطل كون الهجوم يأتي ضمن عملية حربية.
وكان مركز الميزان تقدم بطلب تحقيق جنائي بالحادث في نوفمبر 2009، لدى مكتب المدعي العسكري الإسرائيلي، الذي أغلق التحقيق بسرعة دون توجيه أي تهم.
وتضع سلطات الاحتلال عراقيل تحول دون وصول الضحايا من الفلسطينيين إلى العدالة بموجب القانون الإسرائيلي. كانت آخر هذه التعديلات أقرت بتاريخ 23/07/2012 بتعديل قانون الأضرار (مسؤولية الدولة) ويسمى بالتعديل الثامن، حيث أجرى المشرَّع الإسرائيلي تعديلات على القانون تشمل تعديل تعريف العملية الحربية بحيث تم إلغاء الفقرة التي توجب وجود خطر داهم أثناء العملية على حياة الجنود، وتم استبدال ذلك بفقرة تعرف العملية الحربية إضافة للتعريف السابق "كون العملية ذات طابع حربي بناء على كل المعطيات بما في ذلك هدف العملية، مكانها الجغرافي"، وفق ما جاء في تقرير بالخصوص لمركز الميزان لحقوق الإنسان.
وحسب التقرير ذاته، فقد تم تعديل الفقرة 5 (ب) بحيث تخول المحكمة النظر في ادعاء الدولة لسريان إعفاء العملية الحربية على الدعوى المقدمة كادعاء أولي وأعطت المحكمة صلاحية رد الدعوى بناء على هذا الادعاء، ما يعني أن المحكمة تستطيع رد الدعوى بناء على ادعاءات أولية ودون سماع شهود.
كذلك قام "المشرع" بتشريع التعديل بأثر رجعي ابتداء من 12/09/2005 ما يعني أنه يسري على انتهاكات وقعت منذ ذلك التاريخ فصاعدا بما في ذلك عدوان "الرصاص المصبوب" الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة عام 2008-2009، والذي تقع جريمة قصف منزل عائلة صالحة في سياقه.
وأكد التقرير أنه في ضوء قرار المحكمة هذا، والتعديلات التي تحرم الضحايا الفلسطينيين من الوصول إلى العدالة والإنصاف أمام القضاء الإسرائيلي الذي يصر على نزع أي مسؤولية جنائية أو مدنية لقوات الاحتلال في قضايا بينة وخطيرة كحالة عائلة صالحة، فإن الخيارات القضائية المتاحة أمام الفلسطينيين في الوقت الحالي تكاد تنحصر في الآليات القضائية الدولية، بما في ذلك أجسام الأمم المتحدة، ومحكمة الجزاء الدولية.
وفي هذا الإطار، شدد مركز الميزان لحقوق الإنسان على مسؤولية المجتمع الدولي وخاصة الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة بموجب المادة المشتركة رقم (1) التي تلزم الدول الأطراف باحترام الاتفاقية وكفالة احترامها في كل الأوقات. بالإضافة إلى الالتزام الذي يقع على عاتق الأطراف بوضح حد لأي انتهاك يقع وقمعه بأسرع ما يمكن، وهذا ما فشل فيه المجتمع الدولي بالرغم من ارتكاب قوات الاحتلال لانتهاكات جسيمة ومنظمة وواسعة النطاق على مدى السنوات المنصرمة، بما في ذلك أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر 2012.
وعليه طالب المركز الدول الأطراف بإتاحة محاكمها للضحايا وملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وكرر الدعوة المشتركة التي أطلقها مع منظمات حقوق إنسان فلسطينية أخرى لدولة فلسطين إلى الانضمام لميثاق روما المؤسس لمحكمة الجزاء الدولية دون أي تأخير وقبول ممارسة المحكمة لولايتها على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وعبر عن استنكاره الشديد لقرار المحكمة الإسرائيلية الذي يحصن مرتكبي جرائم بينة ويعاقب الضحايا لمجرد محاولتهم الوصول إلى العدالة والإنصاف من خلال القضاء الإسرائيلي. مجددا مطالبته المجتمع الدولي، لا سيما الدول الأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، بضرورة التحرك لوقف الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ولنصوص الاتفاقية على وجه الخصوص.
ولم تكن دعوى عائلة صالحة الأولى، ولن تكون الأخيرة. حيث رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية في بئر السبع في 7 فبراير 2013، ثلاث دعاوى مدنية رفعها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. تتعلق بثلاثة حوادث منفصلة استشهد فيها 14 مدنياً فلسطينياً وجرح 24 آخرون أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (عملية الرصاص المصبوب) في عام 2008-2009.
ورفعت القضية الأولى للمطالبة بتعويض الضحايا الذين قتلوا أو فقدوا أطرافهم نتيجة استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمسعفين في مستشفى العودة بتاريخ 4 يناير 2009.
أما القضية الثانية فتتعلق باستهداف شقة في الطابق الرابع لإحدى البنايات في حي الشجاعية شرق مدينة غزة بقذيفة مدفعية إسرائيلية بتاريخ 5 يناير 2009، بينما تتعلق القضية الثالثة بمهاجمة قوات الاحتلال لبيت عزاء بالقذائف المسمارية بتاريخ 5 يناير 2009 أيضاً.
وبين المركز في تقرير له بالخصوص، أن هذه القضايا ذات طابع مدني وكان الهدف منها المطالبة بتعويض ضحايا هذه الهجمات، بينما تقدم المركز أيضاً بشكاوى جنائية فيما يتصل بهذه الحوادث الثلاثة إلى النيابة العامة العسكرية، لكن المركز لم يتلق أي رد حتى الآن من النيابة العسكرية بشأن اثنتين من هذه الشكاوى، أما الشكوى الثالثة فقد بدأت سلطات الاحتلال بفحصها في عام 2009، ولكن لم يتم الإعلان عن نتائج ذلك الفحص على الرغم من الطلبات المتكررة التي تقدم بها المركز إلى "السلطات المختصة".
ويشكل رفض هذه الدعاوى المدنية الثلاث انتكاسة كبيرة للضحايا، ويؤثر بشكل خطير على المساعي المشروعة لتحقيق المساءلة والإنصاف، خاصة في ظل الأسباب الجائرة التي تقف خلف قرار المحكمة.
واعتمدت المحكمة في بناء القرائن على التعديل رقم 8 على قانون الأضرار المدنية الإسرائيلي(مسؤولية الدولة) الذي يعفي إسرائيل بشكل كامل من أية مسؤولية تنشأ عن الأضرار التي تتسبب بها لسكان "منطقة معادية" خلال "عمل قتالي" أو"عملية عسكرية".
ووسع هذا التعديل، الذي يطبق بأثر رجعي بدءاً من عام 2000، نطاق "الأعمال القتالية" لتشمل أية عمليات تقوم بها قوات الاحتلال رداً على "الإرهاب" أو "الأعمال العدائية" أو "التمردات"، إذا كانت في طبيعتها أعمالاً قتالية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة، بما في ذلك الهدف من هذا العمل، والموقع الجغرافي، والتهديد المصاحب لأفراد قوات الاحتلال المشاركين في تنفيذ هذا العمل.
ويتجاهل هذا التعديل، وفق المركز، مسألة مهمة تتعلق بقانونية هذه الهجمات، ولا يأخذ في الحسبان الأضرار التي تلحق بالضحايا نتيجتها، وهو ما قد يشكل انتهاكاً للقواعد التي تحكم سلوك القوات المسلحة خلال العمليات العسكرية، وفقاً لما ينص عليه القانون الدولي.
وقال المركز: يتناقض التعديل رقم 8 بشكل مباشر مع معايير القانون الدولي التي تقضي بأن الدولة (إسرائيل في هذه الحالة) مسؤولة عن كافة الأفعال التي يرتكبها أشخاص هم جزء من قواتها المسلحة. كما أن إسرائيل كطرف سامٍ متعاقد على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لا يمكن أن تعفى من أية مسؤولية تقع على عاتقها فيما يتعلق بالمخالفات الجسيمة أو الانتهاكات الخطيرة التي ترتكب بحق السكان المدنيين خلال العمليات العسكرية.
وبين المركز أن الأهم من ذلك، أن هذه القرارات تشكل جزءاً من سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال في السنوات الأخيرة، والتي نتج عنها شطب عدد كبير من القضايا، بهدف منع الفلسطينيين من المطالبة بتعويضات بشأن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
وتصنف إسرائيل الأرض الفلسطينية المحتلة بأكملها كــ "منطقة نزاع،" وتمنع منذ عام 2007 الفلسطينيين – سواء الضحايا أو الشهود أو محاميهم – من مغادرة قطاع غزة للمثول أمام المحاكم الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، شطبت تلك المحاكم العديد من القضايا تحت ذريعة غياب المدعين والشهود خلال إجراءات التقاضي.
وتحرم هذه التكتيكات التي يستخدمها القضاء الإسرائيلي الضحايا الفلسطينيين من حقهم في الوصول إلى العدالة والحق بإنصاف قضائي فعال فيما يتصل بالدعاوى المدنية والجنائية على حد سواء وفق ما أورد المركز في تقريره.
وأكد المركز أن هذه الإجراءات تثبت أن إسرائيل ممتنعة عن الوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه ضحايا العمليات العسكرية من خلال آلياتها الداخلية. وعليه، فإن اللجوء إلى آليات العدالة الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية، هو أمر ضروري من أجل تحقيق العدالة والمساءلة بالنسبة للضحايا الفلسطينيين، وبالتالي معالجة مسألة الحصانة الإسرائيلية وضمان احترام حقوق الفلسطينيين في المستقبل