من هو موشيه يعلون ..وزير الحرب الاسرائيلي الجديد؟؟
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
كان الطفل موشيه الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره يقبض على القطط والكلاب الصغيرة، ثم يقوم بتحطيم رؤوسها بحجر كبير، وبعد ذلك يمكث وقتًا طويلاً وهو يقوم بدوسها بنعاله، قائلاً لرفاقه: "هكذا يجب أن نفعل بالعرب".
ومن كثرة ما شوهد وهو يدوس على القطط والكلاب أَطلق عليه أهل الحي "بوغي"- بالعبرية "جسم الدبابة"- وذلك للأثر الذي يتركه على ضحاياه من الحيوانات الأليفة، وقد ظل هذا اللقب مرافقًا لاسمه حتى هذه الأيام.
لم يكن مثل هذا السلوك المتطرف متوقعًا من طفل يسكن في "كيبوتس" (قرية تعاونية)- هي كيبوتس كريات حاييم- في منطقة الجليل شمال فلسطين؛ فسكان الكيبوتسات بشكل تقليدي من "الحمائم"، ومصوتو اليسار بشكل أساسي من الكيبوتسات.
موشيه الذي كان من مواليد عام 1950 عبَّر لوالده أكثر من مرة عن ضيقه الشديد من مناهج التعليم في مدارس الحركة "كيبوتسية"؛ لأنها لا تشتمل على مواد تحريضية ضد العرب بما تتلاءم مع مستوى الكراهية التي يكنُّها للفلسطينيين والعرب، لم يكن العيش في "الكيبوتس" يروق له، وكان يحث والده على الانتقال إلى مكان آخر تكون فيه بيئة مناسبة لأفكاره، لم ينتظر موشيه كثيرًا، وعندما أنهى دراسته الثانوية كان الجيش الصهيوني قد أنهى للتوِّ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء، عندها قرَّر موشيه الانتقال للعيش في الأرض المحتلة التي كان يعتبرها "محررةً".
اتفق مع عدد من رفاقه على أن يشكِّلوا نواةً لإنشاء مستوطنة في منطقة "غور الأردن"، وقد أطلق على المستوطنة الجديدة اسم "يعلون" نسبة إلى إحدى المعارك التي انتصر فيها اليهود في غابر الأزمان كما تنص إحدى الأساطير اليهودية؛ ولأن ارتباطه بعقيدته وتراثه شديد التجذُّر فقد قرر موشيه تغيير اسمه ليصبح اسم عائلته أيضًا "يعلون"؛ فقد كان اسم عائلة والده دافيد الذي هاجر مع أمه باتيا من بولندا هو "سلوميانسكي"، وأصبح يُدعى موشيه "بوغي يعلون".
مسيرة عسكرية حافلة
في عام 1968 التحق موشيه بالجيش واختار لواء المشاه "هناحل"، ومن المفارقات أن موشيه لم يكن يفكر في مواصلة خدمته في الجيش؛ إذ كان يرى أن استيطان الأرض التي احتلت "قدس" مهمة يتوجَّب على اليهود أن يقوموا بها في ذلك الحين مع أنه علماني؛ لذا أنهى خدمته الإجبارية في الجيش بعد ثلاث سنوات في عام 1971 وهو جندي برتبة رقيب.
عاد لمستوطنة "يعلون" في الغور؛ حيث عمل في الزراعة، وكان يقوم بقيادة جرار زراعي، بعد عامين نشبت حرب "رمضان" فالتحق بالجيش ثانيةً ضمن قوات الاحتياط وخدَم في جبهة سيناء، كانت هذه الحرب قد غيرت قناعاته بالنسبة لمستقبله؛ فقد قرر العودة للجيش، وانضم للواء المظليين، وسرعان ما اجتاز دورة "ضباط"، وفي هذه الأثناء شارك موشي يعلون في عمليات الوحدة الخاصة بسلاح المظليين التي تُعرف بـ"سييرت هتسانحنيم"، وبعد اجتياح القوات الصهيونية للبنان في عام 82 أصبح موشيه يعلون قائدًا للواء المظليين ورُقي لرتبة عقيد.
في صيف عام 1985 اشتبكت قوةٌ قادها "يعلون" مع عناصر من مقاتلي حزب الله قتل ثلاثة من جنود يعلون ونجا هو بأعجوبة، لكنه أصيب بدرجة متوسطة.
في عام 1986 خرج للدراسة في إنجلترا، وفي عام 1987 أوصى الجنرال "أمنون شاحاك" الذي كان في ذلك الوقت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بتعيين يعلون قائدًا لأكثر وحدات الجيش الصهيوني نخبةً وشهرةً وهي "سييرت متكال"، أي "سرية الأركان"، وهذا ما تم فعلاً، وبعد ذلك تحول لقيادة سلاح المدرعات، وفي نفس الوقت حصل على لقب البكالوريوس في العلوم السياسية، وقد تمَّت ترقيته إلى رتبة عميد، بعد ذلك عُين قائدًا لقوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية.
في عام 1994 عُين قائدًا لقاعدة التدريبات في قاعدة "بتساليم" في صحراء النقب، وبعد ذلك عيَّنه رئيس هيئة أركان الجيش "أمنون شاحاك" رئيسًا لشعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة بـ"أمان"، وتمَّت ترقيته إلى رتبه لواء، وحين أنهى منصبه عُين قائدًا للمنطقة الوسطى في الجيش، وفي عام 2000 وعُيِّن نائبًا لرئيس هيئة الأركان، وظلَّ في هذا المنصب حتى أُعلن رسميًّا في شهر فبراير الماضي تعيينه رئيسًا لهيئة أركان الجيش.
"بوجي".. آلة قتل موجهة!!
في كل المناصب التي تقلدها في الجيش كان يعلون يعيش بنفس مشاعر الكراهية ضد العرب التي كانت تسيطر عليه عندما كان طفلاً يقتل القطط والكلاب، وقد أشار العديد من رفاقه إلى أنه في حرب "رمضان" كان ضمن القوة التي اجتازت قناة السويس، ويشهد رفاقه أنه كان يتعمَّد إطلاق النار على الفلاحين المصريين الذين كانوا يقومون بفلاحة حقولهم، وقد قتل عددًا منهم جرَّاء ذلك (وفقًا للإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية 20/6/1997).
مهنته الرسمية "قاتل"
لكن بعد عام 1973 وعندما التحق بالقوات الخاصة في لواء "المظليين" أصبح القتل مهنةً رسميةً ليعلون، فمن خلال عمله في الوحدات الخاصة عهِد إليه قادتُه بقيادة فرق الاغتيال لعدد من قادة منظمة التحرير في أوروبا، كما كان يتم انتداب يعلون للقيام بعمليات استخبارية؛ حيث كان يكلّف بالتوجه لعدد من العواصم الأوروبية لزرع أجهزة تنصت في العديد من الممثليات العربية والإسلامية في أوروبا.
وبعد اجتياح لبنان في عام 1982 تخصص في تنفيذ عمليات الاختطاف؛ حيث قام باختطاف العديد من عناصر كوادر منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، فضلاً عن تنفيذ عمليات الاغتيال، لكن أشهر عملية خطط لها وأشرف عليها وقادها كانت في عام 88 بعد أقل من عام على تولِّيه قيادة وحدة "سييرت متكال"، وكانت هذه عملية تصفية خليل الوزير المعروف بـ"أبو جهاد" الذي كان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في بيته في العاصمة التونسية، فقد كانت الأجهزة الاستخبارية الصهيونية تعتبر "أبو جهاد" المسئول عن العمليات الفدائية التي ينفذها رجال منظمة التحرير الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وخارجها.
وصل يعلون لتونس قبل يومين من تنفيذ العملية بجواز سفر أجنبي، راقب البيت وحجم الحراسة حوله، وفي الفندق الذي نزل فيه رسم مخطط الاقتحام، وذلك بعد أن حصل على معلومات عن حقيقة الأوضاع داخل البيت بواسطة إحدى عميلات الموساد التي تقمَّصت شخصية صحفية، وسبق لها أن أجرت عدة مقابلات مع أبو جهاد في بيته وحرصت خلالها على التعرف على البيت بشكل جيد.
بعد يومين كان عناصر وحدة "سييرت متكال" ينزلون من على ظهر سفينة تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي على الساحل التونسي، وكان يرافقهم نائب رئيسة هيئة الأركان في ذلك الوقت الجنرال "إيهود باراك" الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للأركان ووزيرًا للخارجية ورئيسًا للوزراء.
كان يعلون أول من أطلق النار على ثلاثة من حراس أبو جهاد من أسلحة مزودة بكاتم للصوت، وانطلق هو وجنوده إلى داخل البيت برفقة الصحفية المزوَّرة التي دلَّتهم بصمت على غرفة نوم أبو جهاد، أحس الرجل بحركة غريبة في بيته فخرج لاستجلاء الأمر فعاجله أحد جنود يعلون بثلاثة أعيرة في الصدر، وقام يعلون شخصيًّا بإطلاق ثلاث رصاصات على جمجمته ورقبته للتأكد من وفاته، وقد اعترف يعلون في أكثر من مقابلة صحفية بقيادته لهذه العملية.
خانق القطط يتدخل في السياسة
كما ينص العرف في الدولة العبرية فلا يحق لقادة الجيش التعبير عن آرائهم السياسية، بل يكتفون بتقديم توصيات للحكومة بناء على معايير مهنية محضة، وقد كان يعلون من أبرز كبار الضباط الذين كسروا هذا العرف؛ حيث أغضب اليسار بشكل خاص بسبب مواقفه ذات الطابع اليميني الخالص؛ فقد اعتبر يعلون أكثر من مرة أن اتفاقيات "أوسلو" "كارثة" على مستقبل إسرائيل يتوجب الخلاص منها، وقد سبب يعلون حرجًا حتى لشارون عندما صرَّح بعد شهرين من تولي شارون الحكم قائلاً: إن على إسرائيل إعادة احتلال مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل، وعبَّر عن ارتباطه الشديد بمشروع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، معتبرًا إياه "المشروع الرائد للحركة الصهيونية".
ويحظى يعلون بشعبية كبيرة في صفوف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خاص؛ فقد صرَّح عندما كان قائدًا لقوات الاحتلال في الضفة الغربية أنه لا يتردَّد في قتل 1000 فلسطيني مقابل إنقاذ حياة طفل يهودي واحد (القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي 25/5/1993).
ويعتبر يعلون من أكثر المنتقدين لظاهرة رفض الخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة التي برزت في الآونة الأخيرة، وقد نُقل عن يعلون اتهامه للشباب اليهودي الذي يرفض الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية بأنهم يحرِّضون على التمرد ضد الدولة، وتتوجب محاكمتهم بناءً على ذلك، وقد عبَّر أكثر من مرة عن احتقاره لسكان الكيبوتسات على اعتبار أنهم أكثر فئات المجتمع الصهيوني قبولاً لأفكار التسوية السياسية.
"العرب أعداء الحضارة".. هكذا يقول
وإلى جانب كل ذلك فقد حرص يعلون على ترديد عبارات عنصرية؛ فقد نُقل عنه وصفه للعرب بأنهم "بدائيون وأعداء الحضارة الغربية"، وفي محاضرة أمام طلاب إحدى المدارس الثانوية قال يعلون: "عندما نتحدث عن الحضارة فعليكم أن تعوا أننا لا نقصد العرب؛ فهؤلاء أعداء الحضارة" (إذاعة الجيش الإسرائيلي 14/2/1999).
ويُعتبر يعلون من المنادين بتفكيك السلطة الفلسطينية، وقد وصف قيادة السلطة بأنها مجموعة "من المجرمين الفاسدين"، وقد نُقل عنه قوله: "لو افترضنا أن للفلسطينيين حقًّا في هذه البلاد فهل يمكن أن يتنازل المرء لمجموعة من المتخلفين؟! إنهم لا ينتمون للجنس البشري".