صناعة الأحذية في نابلس.. في طريقها إلى الاندثار
عامل في مشغل أحذية، خلال قيامه بتصنيع الأحذية المنتجة محلياً
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بدوية السامري
shبدوية السامري
داخل حارة الياسمينة في البلدة القديمة وسط مدينة نابلس يجلس صانع الأحذية حاتم الدواية (52 عاماً) في مشغله المتواضع، وحوله عدد من الآلات القديمة التي اشتراها من أحد مشاغل الأحذية القديمة، لتبقى تذكارا أمامه على عراقة تلك الصناعة داخل المدينة.
"تفصيل، وتنبيت(درازة)، وتلبيس القالب، ومن ثم اللمسات الأخيرة أو بما يعرف بـ(الفينيش) والذي يحتاج عادة إلى أربعة عمال، نقوم بها أنا وشخص آخر فقط" يقول الدوايه.
والدوايه يعمل في مشغل من أصل عشرين آخرين داخل نابلس، بعد انخفاض عددها 90% في السنوات العشر الأخيرة، حيث كان يقدر عدد المصانع بأكثر من 200 مع بداية العام 2000.
ومنذ نعومة أظفاره ترعرع الدواية في أحد مشاغل الصناعة في المدينة، فهو ومنذ عام 1968 مطّلع على كيفية صنع الأحذية وفنونها كغيره من أصحاب المشاغل الآخرين، ويشير الدواية، "أن أغلب العاملين في مشاغل الأحذية نشأوا منذ صغرهم على تلك الصنعة، ولا يوجد جيل جديد يعمل فيها".
ويقول: كنا في فترات الأعياد نعمل حتى ساعات الصباح الباكر لننهي ما يطلبه المواطنون، كما كنا نعمل في شهر رمضان في ساعات ما بعد الفطور حتى ساحات السحور، كان ذلك زمن "العز" لصناعة الأحذية داخل المدينة، أما الآن فاننا نقضي الساعات بانتظار الطلب أكثر مما نقضيه بالعمل".
ويضيف الدواية.:"وجهت أبنائي لأعمال أخرى بعيداً عن صنعتي ليجدوا لقمة عيشهم بطريقة أفضل، إنها صناعة في طريقها إلى الاندثار، فالمشاغل بسيطة، ولا تقارن بغيرها من مصانع الأحذية المتطورة".
وأشار شادي ملحيس أحد أصحاب معارض الأحذية في نابلس، الذي كان يعمل لسنوات مع والده في مشغلهم الخاص، إلى أن مشاغل الأحذية في مدينته تفتقر للجيل الجديد، فأغلب العاملين فيها فوق الخمسين عاماً، ولا اقبال من الشباب على تعلم الصنعة، كما لا يوجد رجال أعمال يفكرون بافتتاح مصانع للأحذية تستخدم الآلات الحديثة، وتحاكي الموضة والتقدم في صناعتها.
ويضيف ملحيس: "أغلب المشاغل بسيطة، ولا تفي بالمطلوب، كما أنها ومع متانة ما تقدمه من منتج إلا أنه بعيد عن الموضة والتغييرات". مشددا على الحاجة لقفزات كبيرة لتحقيق تقدم في هذه الصناعة.
وحول اقبال المستهلك على السلع، أوضح أن معظم المستهلكين يطلبون الألوان والأشكال المميزة، خصوصاً في ظل العولمة والانفتاح على الموضة، فهم يريدون كل ما هو مميز، ومن المؤكد أنهم يفضلون الأسعار التي تناسبهم خصوصاً مع الوضع الاقتصادي السيء هذه الأيام.
ويقول: تدخل أحيانا الأم ومعها بناتها الثلاث أو الأربع وتشترط ألا يتعدى سعر الحذاء عن خمسين شيكلاً، وفي هذه الحالة لا يمكن توفير طلبها إلا من خلال البضاعة الصينية، التي تناسب عائدها المادي، حيث تعد التقنيات الموجودة بالخارج أكبر بكثير من التي تتوفر حالياً لدينا، فالمشاغل الصغيرة لم تعد تفي بالغرض واحتياجات الأسواق.
ويضيف" والدي هو من شجعنا على ترك المشغل لأن العمل فيه ليس كما يجب، والآن يحوي عاملين اثنين فقط، بعد أن كان في فترة من الفترات يضم أكثر من عشرة عمال. موضحا أن المواد الخام لصناعة الأحذية تأتي من داخل "اسرائيل" وهي غالية الثمن مقارنة بغيرها، وبذلك تكون البضائع المستوردة أقل ثمناً من البضائع المحلية، التي حتى الآن لا تستطيع منافسة بضائع الصين والهند والبرازيل.
أجابت إحدى الزبائن عن رأيها في جودة صناعة الأحذية المحلية، بقولها: أحب التغيير ولبس الحذاء المناسب لي، وأرغب في أن يكون ذا طابع مميز، وهذا لا يمكن توفيره للمنتج المحلي.
وقال عضو اتحاد الصناعات الجلدية في نابلس ابراهيم عنبوسي لـ"وفا"، كانت نابلس تحوي أكثر من 200 مشغل للأحذية قبل عام 2000، وتراجع العدد ليصل إلى 20 مشغلاً في الوقت الحالي، وذلك بسبب فوضى الاستيراد، والمنافسة غير الصحيحة.
وأضاف عنبوسي" تقنين الاستيراد سيتيح الفرصة للمنتج الوطني بالانتشار، وبذلك سيتم تشغيل أكبر عدد من الأيدي العاطلة عن العمل، وتقديم البضائع الأفضل للمستهلك، خاصة إذا تم ذلك بالتزامن مع تطبيق إجراءات لحماية المنتج الوطني".
وأوضح" سابقا كان يعمل في كل مشغل للأحذية من 12 إلى 15 عاملاً، ولكن في هذه الأيام يعمل في كل مشغل اثنان أو ثلاث فقط، ما زاد عدد العاطلين عن العمل داخل المدينة.
يشار إلى أن الحكومة تراجعت خلال جلستها يوم أمس الثلاثاء عن قرارها برفع الضرائب الجمركية المفروضة على البضائع المستوردة من الصين بنسبة 35 %، في خطوة تتناقض ومطالب أصحاب المشاغل الذين وجدوا هذا القرار دعما للمنتج الوطني، وتفاديا لإغراق السوق الفلسطيني بالبضائع المستوردة.القرار أثار استياءً في أوساط التجار في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، التي بلغت نسبتها وفقا لمركز الإحصاء في الربع الرابع لعام 2012 22.9%، في حين بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب منظمة العمل الدولية نحو 260 ألف شخص في فلسطين.