عبد الرحيم: الأجيال الفلسطينية ستظل تحمل الراية وتدافع عن الإرث الحضاري والثقافي
جانب من الاحتفالية
أكد أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم، أن أجيالنا الفلسطينية ستظل تحمل الراية، وتدافع عن الإرث الحضاري والثقافي، وعن الهوية والتراب الوطني، لجعل أحلام الشهداء والشعراء، وكل من كتب لفلسطين بالدم؛ حقائق ناجزة على الأرض، بقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وأضاف خلال كلمته لمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، في الحفل الذي نظمته الكلية العصرية الجامعية وبالتعاون مع وزارة الثقافة والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في مقر الكلية في رام الله اليوم الأربعاء، 'أن عبد الرحيم محمود كان ثالث اثنين في المسيرة الشعرية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وهما الشاعران عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وإبراهيم طوقان، الذي نهل من نبعه، وتتلمذ على يديه الشاعر عبد الرحيم محمود، فقد اجترح هذه الجدلية الخلاقة الملتزمة حينما أتبع القول فعلا، دفاعا عن وطنه وهويته، لتظل فلسطين شامخة أنفة وكبرياء بتلالها وجبالها ويانعة خضراء بزيتونها وبرتقالها'.
من جهتها قالت وزيرة الثقافة سهام البرغوثي إن الاحتفاء بشاعر كبير كعبد الرحيم محمود واجب وطني وثقافي، حيث كان مقررا تخصيص عام 2013 لإحياء ذكرى الشاعر عبد الرحيم محمود في ذكرى ميلاده المئة.
وأوضحت أن شعر عبد الرحيم محمود وحياته واستشهاده تلخص كيف نعيش مقاومين ونموت أبطالا، حيث كان الشاعر بطل الكلمة الحرة، عظيم الإنجازات، فضل الثورة على الوظيفة والشهادة على الحياة دفاعا عن الوطن، واستشهد ليبقى رمزا للأحرار.
وبينت أن الوزارة تتطلع باهتمام لتسليط الضوء على شعره نقدا وقراءة وتحليلا ونقلا وتدوينا، إحياء للموروث الأدبي ونقله للأجيال القادمة.
من جهته أعلن رئيس مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية حسين الشيوخي إطلاق اسم الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود على حرم الكلية في مدينة البيرة.
وقال أمين عام الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين مراد السوداني إن الاتحاد أعاد إطلاق شعاره بالبندقية والريشة، وفاء لتلك الكتيبة المؤسسة التي كان عبد الرحيم محمود واحدا من أرواحها المقمرة التي أسست للوعي المقاوم.
وأضاف: 'نعلي الوفاء عبورا إلى أول الحلم وآخرة الفجر، سيرا على الوعد الذي يؤسسه السادة الشهداء والشعراء الذين يحفظون الحلم من السقوط في اللحظة'.
كما خاطب الشاعر سميح القاسم عبر الهاتف جمهور الحاضرين، وروح الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، قائلا: 'إن محمود كان الشاعر والمناضل والشهيد والنموذج والقدوة للمبدع، الذي جمع بين الكلمة واليد، والقول والممارسة والفعل، حيث قدم مثالا لما ينبغي أن يكون عليه المبدع، والمحب لوطنه'.
من جهته قال الكاتب والباحث جهاد صالح، مؤلف كتاب 'عبد الرحيم محمود، جزالة الشعر، وروعة الاستشهاد'، إن شعر عبد الرحيم محمود طبع بسمات خاصة؛ هي التشبث بالهوية الوطنية الفلسطينية، حيث اندمج كليا بقضية شعبه، والانفعال بقضايا المجتمع حيث يذهب لأعماق الظاهرة، وآخرها التأمل والقلق المتزايد، متبعا مفهوما ثوريا للخلاص من الظلم والاستعمار والفساد، متوقعا ما سيحدث في فلسطين، ومدركا أنه كان مشروع شهيد.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الأمين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم
الأخوات والإخوة الأعزاء الأوفياء كل باسمه ولقبه،،،
أشكركم بداية جزيل الشكر على وقفة الوفاء هذه، التي تقفونها في الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، وإن هذه المبادرة من قبلكم، أيها الإخوة الكرام، لهي تكريم أيضاً لكل شهداء وشعراء فلسطين؛ فلكم من صميم قلبي خالص التحية والتقدير على هذه الالتفاتة، التي تقول فيما تقول بأننا على الدرب ماضون، ولإرث وعهود العمل والعطاء والتضحية، أيها الآباء الرواد لحافظون؛ نعم سنظل على الدوام نتعهد رياضكم وعبير دمائكم الزكية، التي ستظل في رحم هذه الأرض، والتي مع كل ربيع تعود لتنبثق مروجاً موشاةً بالحَنّون والنرجسِ تغمرُ ربوعَ فلسطين.
كم هو جميل وبهيٌ وفاؤكم، أيها الإخوة، وأنتم تأتون هنا اليوم، بعد مائة عامٍ على مولد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، لتحيوا ذكرى ميلاده، وتقاربوا بذلك أفعال شاعر سطر كلمته بالدم ومضى شهيداً، وأبقى لنا من بعده الذكريات، ولواعج الشوق والحنين، والطفولة المخضبة بمواجع اليتم وألم الفراق لولا حنو الأعمام، الذي امتزج عندما كبرنا بالفخار والعزة وبالمزيد من العشق والانتماء لفلسطين.
وهكذا ستظل أجيالنا الفلسطينية من بعدنا، تحمل الراية، وتدافع عن إرثنا الحضاري والثقافي، وعن هويتنا وترابنا الوطني، لنجعل أحلام الشهداء والشعراء وكل من كتب لفلسطين بالدم حقائق ناجزة على الأرض، بقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تعلمون، أيها الإخوة، أن عبد الرحيم محمود كان ثالث اثنين في المسيرة الشعرية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وهما الشاعران عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)وإبراهيم طوقان، الذي نهل من نبعه، وتتلمذ على يديه الشاعر عبد الرحيم محمود، فقد اجترح هذه الجدلية الخلاقة الملتزمة حينما أتبع القول فعلا، دفاعاً عن وطنه وهويته، لتظل فلسطين شامخةً أنفةً وكبرياء بتلالها وجبالها ويانعةً خضراء بزيتونها وبرتقالها.
لقد قبض الشاعر الشهيد مبكرا على جمرة النضال، وسخّر مقولته الشعرية لتكون قنطرة العبور إلى أول الحلم وآخر النشيد الذي هو فلسطين، التي ما فارقت قلب الشاعر الذي عرف طعم المنفى والاغتراب، فعاد لوطنه فلسطين:
حملت على يدي روحي وقلبي وما حملتها إلا عتادي
جاءت شهادة الشاعر على تراب الشجرة، لتقول بأن الشعر فِعْلٌ كلَه، وهكذا جمع الشاعر الشهيد بين روحين مقمرتين في التراث العربي مستلهماً أبا الطيب المتنبي، وأبا فراسٍ الحمداني، فكان بحق ذلك الفتى الكنعاني، الذي توسم فيه والده الشيخ محمود عبد الحليم وأخوته وأساتذته ما توسم من ملامح النجابة والموهبة الشعرية، فتعهده في طفولته المبكرة بالتعليم والتهذيب، ونهل من معين النص القرآني، فنشأ الفتى مفعماً بحب لغته العربية ووطنه ودينه، وأخذ يقرأ لفحول الشعراء، صاقلاً تلك الموهبة التي منحه الله إياها بالتجربة الغنية، لتتفتق فيما بعد، ينبوعاً شعرياً فلسطينياً يرفد هذا النهر العظيم من الشاعرية الفلسطينية.
'حمل روحه على راحتيه' غير هيّاب ولا رجّاف:
أخوفا وعندي تهون الحياة وذلا وإني لرب الإبا
فما بين عنبتا المنشأ، وملاعب الصبا، وناصرة السيد المسيح، عبر الشاعر فضاءات فسيحة في العراق وسوريا ولبنان ومصر، لكن البوصلة ظلت نحو فلسطين:
تِلكَ أَوطاني وَهذا رَسمُها في سُوَيداءِ فُؤادي مُحتَفَرْ
مُنيَتي في غُربَتي قَبلَ الرَدى أَن أُمَلّي مِن مَجاليكَ البَصَرْ
كانت تسكنه سنبلات مرج بني عامر وموج عكا وشقائق النعمان في كل ربوع الوطن فاتجه نحو الجليل وبعد العديد من مواقع الفداء ومناقع الدم، يلقى في عام 48 ربه شهيداً على تراب الشجرة لتحضنه الناصرة ابناً باراً، كما حضنت توفيق زياد، تؤم ضريحه قوافل الصامدين هناك، تدعوا له بأصدق وأحلى الإبتهالات القلبية وتستنشق من الزهور على قبره أريج التجذر والصمود والمناعة الوطنية.
فلروحك الرحمة يا أبي، وأنت ترقد هناك في الناصرة الحانية عليك، ونم هانئاً في مرقدك، فهاهم أبناء فلسطين يرددون أشعارك، وهاهم أحفادك من هذا الشعب يحملون الحلم في حقائبهم، ويحفظون أشعارك التي أصبحت وشماً في عقولهم وقلوبهم، يحيون ذكراك الباقية فيهم، حافظةً وصايا الشهداء، ومعليةً فوق الجباه والأرواح إرثهم العزيز، لتظل ذكراكم خالدة ورايات إبداعكم مناره أبداً وقَّادة شامخة.
لقد أحببتَ يا أبي، البلاد وأورثتنا حبها، وهي كما تركتها وكما تنبأت ببعد بصيرتك في كل قصائدك لا زالت تكافح، ماضية نحو فجرها الأكيد، الذي أطلق الشهداء شرارته الأولى منذ مطلع القرن الماضي، ونحن باقون على هذا التراب الوطني الفلسطيني، نزرع الأمل، ونحفظ للشهداء والشعراء وكل الرموز ذكراهم ومرابع صباهم، على أكتاف الجبال، وفي بطون الوديان، وفي السهول والمروج الفلسطينية الخضراء، وفي كل زقاقٍ وحارةٍ وشارع، وعلى جنباتِ كل بيدرٍ، لتظلَّ فلسطين عرساً ونشيداً، وجذوةً متقدةً لا تخبو، ونداءً لا يعيا في عشق الحرية والإنعتاق.
فشكرا يا أبي على ما منحتنا من فضائل لا تغيب وشكرا لأنك علقت البلاد في أعناقنا قلادة حب وحياة وفداء، وشكرا لكم أيتها الأخوات والإخوة الأعزاء الأوفياء في الكلية العصرية الجامعية وفي وزارة الثقافة والإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وكافة أبناء شعبنا، على احتفائكم بالمئوية الأولى لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، معاهدينه وإخوانه الشعراء، وكل من ضحوا من أجل الوطن، على الوفاء لدمائهم والدفاع عن أحلامهم لتبقى فلسطين هي البوصلة والقبلة السياسية إلى الأبد ولينعم أولادنا وأحفادنا بالحياة الحرة الكريمة.
haوأضاف خلال كلمته لمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، في الحفل الذي نظمته الكلية العصرية الجامعية وبالتعاون مع وزارة الثقافة والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في مقر الكلية في رام الله اليوم الأربعاء، 'أن عبد الرحيم محمود كان ثالث اثنين في المسيرة الشعرية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وهما الشاعران عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وإبراهيم طوقان، الذي نهل من نبعه، وتتلمذ على يديه الشاعر عبد الرحيم محمود، فقد اجترح هذه الجدلية الخلاقة الملتزمة حينما أتبع القول فعلا، دفاعا عن وطنه وهويته، لتظل فلسطين شامخة أنفة وكبرياء بتلالها وجبالها ويانعة خضراء بزيتونها وبرتقالها'.
من جهتها قالت وزيرة الثقافة سهام البرغوثي إن الاحتفاء بشاعر كبير كعبد الرحيم محمود واجب وطني وثقافي، حيث كان مقررا تخصيص عام 2013 لإحياء ذكرى الشاعر عبد الرحيم محمود في ذكرى ميلاده المئة.
وأوضحت أن شعر عبد الرحيم محمود وحياته واستشهاده تلخص كيف نعيش مقاومين ونموت أبطالا، حيث كان الشاعر بطل الكلمة الحرة، عظيم الإنجازات، فضل الثورة على الوظيفة والشهادة على الحياة دفاعا عن الوطن، واستشهد ليبقى رمزا للأحرار.
وبينت أن الوزارة تتطلع باهتمام لتسليط الضوء على شعره نقدا وقراءة وتحليلا ونقلا وتدوينا، إحياء للموروث الأدبي ونقله للأجيال القادمة.
من جهته أعلن رئيس مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية حسين الشيوخي إطلاق اسم الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود على حرم الكلية في مدينة البيرة.
وقال أمين عام الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين مراد السوداني إن الاتحاد أعاد إطلاق شعاره بالبندقية والريشة، وفاء لتلك الكتيبة المؤسسة التي كان عبد الرحيم محمود واحدا من أرواحها المقمرة التي أسست للوعي المقاوم.
وأضاف: 'نعلي الوفاء عبورا إلى أول الحلم وآخرة الفجر، سيرا على الوعد الذي يؤسسه السادة الشهداء والشعراء الذين يحفظون الحلم من السقوط في اللحظة'.
كما خاطب الشاعر سميح القاسم عبر الهاتف جمهور الحاضرين، وروح الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، قائلا: 'إن محمود كان الشاعر والمناضل والشهيد والنموذج والقدوة للمبدع، الذي جمع بين الكلمة واليد، والقول والممارسة والفعل، حيث قدم مثالا لما ينبغي أن يكون عليه المبدع، والمحب لوطنه'.
من جهته قال الكاتب والباحث جهاد صالح، مؤلف كتاب 'عبد الرحيم محمود، جزالة الشعر، وروعة الاستشهاد'، إن شعر عبد الرحيم محمود طبع بسمات خاصة؛ هي التشبث بالهوية الوطنية الفلسطينية، حيث اندمج كليا بقضية شعبه، والانفعال بقضايا المجتمع حيث يذهب لأعماق الظاهرة، وآخرها التأمل والقلق المتزايد، متبعا مفهوما ثوريا للخلاص من الظلم والاستعمار والفساد، متوقعا ما سيحدث في فلسطين، ومدركا أنه كان مشروع شهيد.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الأمين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم
الأخوات والإخوة الأعزاء الأوفياء كل باسمه ولقبه،،،
أشكركم بداية جزيل الشكر على وقفة الوفاء هذه، التي تقفونها في الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، وإن هذه المبادرة من قبلكم، أيها الإخوة الكرام، لهي تكريم أيضاً لكل شهداء وشعراء فلسطين؛ فلكم من صميم قلبي خالص التحية والتقدير على هذه الالتفاتة، التي تقول فيما تقول بأننا على الدرب ماضون، ولإرث وعهود العمل والعطاء والتضحية، أيها الآباء الرواد لحافظون؛ نعم سنظل على الدوام نتعهد رياضكم وعبير دمائكم الزكية، التي ستظل في رحم هذه الأرض، والتي مع كل ربيع تعود لتنبثق مروجاً موشاةً بالحَنّون والنرجسِ تغمرُ ربوعَ فلسطين.
كم هو جميل وبهيٌ وفاؤكم، أيها الإخوة، وأنتم تأتون هنا اليوم، بعد مائة عامٍ على مولد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، لتحيوا ذكرى ميلاده، وتقاربوا بذلك أفعال شاعر سطر كلمته بالدم ومضى شهيداً، وأبقى لنا من بعده الذكريات، ولواعج الشوق والحنين، والطفولة المخضبة بمواجع اليتم وألم الفراق لولا حنو الأعمام، الذي امتزج عندما كبرنا بالفخار والعزة وبالمزيد من العشق والانتماء لفلسطين.
وهكذا ستظل أجيالنا الفلسطينية من بعدنا، تحمل الراية، وتدافع عن إرثنا الحضاري والثقافي، وعن هويتنا وترابنا الوطني، لنجعل أحلام الشهداء والشعراء وكل من كتب لفلسطين بالدم حقائق ناجزة على الأرض، بقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تعلمون، أيها الإخوة، أن عبد الرحيم محمود كان ثالث اثنين في المسيرة الشعرية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وهما الشاعران عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)وإبراهيم طوقان، الذي نهل من نبعه، وتتلمذ على يديه الشاعر عبد الرحيم محمود، فقد اجترح هذه الجدلية الخلاقة الملتزمة حينما أتبع القول فعلا، دفاعاً عن وطنه وهويته، لتظل فلسطين شامخةً أنفةً وكبرياء بتلالها وجبالها ويانعةً خضراء بزيتونها وبرتقالها.
لقد قبض الشاعر الشهيد مبكرا على جمرة النضال، وسخّر مقولته الشعرية لتكون قنطرة العبور إلى أول الحلم وآخر النشيد الذي هو فلسطين، التي ما فارقت قلب الشاعر الذي عرف طعم المنفى والاغتراب، فعاد لوطنه فلسطين:
حملت على يدي روحي وقلبي وما حملتها إلا عتادي
جاءت شهادة الشاعر على تراب الشجرة، لتقول بأن الشعر فِعْلٌ كلَه، وهكذا جمع الشاعر الشهيد بين روحين مقمرتين في التراث العربي مستلهماً أبا الطيب المتنبي، وأبا فراسٍ الحمداني، فكان بحق ذلك الفتى الكنعاني، الذي توسم فيه والده الشيخ محمود عبد الحليم وأخوته وأساتذته ما توسم من ملامح النجابة والموهبة الشعرية، فتعهده في طفولته المبكرة بالتعليم والتهذيب، ونهل من معين النص القرآني، فنشأ الفتى مفعماً بحب لغته العربية ووطنه ودينه، وأخذ يقرأ لفحول الشعراء، صاقلاً تلك الموهبة التي منحه الله إياها بالتجربة الغنية، لتتفتق فيما بعد، ينبوعاً شعرياً فلسطينياً يرفد هذا النهر العظيم من الشاعرية الفلسطينية.
'حمل روحه على راحتيه' غير هيّاب ولا رجّاف:
أخوفا وعندي تهون الحياة وذلا وإني لرب الإبا
فما بين عنبتا المنشأ، وملاعب الصبا، وناصرة السيد المسيح، عبر الشاعر فضاءات فسيحة في العراق وسوريا ولبنان ومصر، لكن البوصلة ظلت نحو فلسطين:
تِلكَ أَوطاني وَهذا رَسمُها في سُوَيداءِ فُؤادي مُحتَفَرْ
مُنيَتي في غُربَتي قَبلَ الرَدى أَن أُمَلّي مِن مَجاليكَ البَصَرْ
كانت تسكنه سنبلات مرج بني عامر وموج عكا وشقائق النعمان في كل ربوع الوطن فاتجه نحو الجليل وبعد العديد من مواقع الفداء ومناقع الدم، يلقى في عام 48 ربه شهيداً على تراب الشجرة لتحضنه الناصرة ابناً باراً، كما حضنت توفيق زياد، تؤم ضريحه قوافل الصامدين هناك، تدعوا له بأصدق وأحلى الإبتهالات القلبية وتستنشق من الزهور على قبره أريج التجذر والصمود والمناعة الوطنية.
فلروحك الرحمة يا أبي، وأنت ترقد هناك في الناصرة الحانية عليك، ونم هانئاً في مرقدك، فهاهم أبناء فلسطين يرددون أشعارك، وهاهم أحفادك من هذا الشعب يحملون الحلم في حقائبهم، ويحفظون أشعارك التي أصبحت وشماً في عقولهم وقلوبهم، يحيون ذكراك الباقية فيهم، حافظةً وصايا الشهداء، ومعليةً فوق الجباه والأرواح إرثهم العزيز، لتظل ذكراكم خالدة ورايات إبداعكم مناره أبداً وقَّادة شامخة.
لقد أحببتَ يا أبي، البلاد وأورثتنا حبها، وهي كما تركتها وكما تنبأت ببعد بصيرتك في كل قصائدك لا زالت تكافح، ماضية نحو فجرها الأكيد، الذي أطلق الشهداء شرارته الأولى منذ مطلع القرن الماضي، ونحن باقون على هذا التراب الوطني الفلسطيني، نزرع الأمل، ونحفظ للشهداء والشعراء وكل الرموز ذكراهم ومرابع صباهم، على أكتاف الجبال، وفي بطون الوديان، وفي السهول والمروج الفلسطينية الخضراء، وفي كل زقاقٍ وحارةٍ وشارع، وعلى جنباتِ كل بيدرٍ، لتظلَّ فلسطين عرساً ونشيداً، وجذوةً متقدةً لا تخبو، ونداءً لا يعيا في عشق الحرية والإنعتاق.
فشكرا يا أبي على ما منحتنا من فضائل لا تغيب وشكرا لأنك علقت البلاد في أعناقنا قلادة حب وحياة وفداء، وشكرا لكم أيتها الأخوات والإخوة الأعزاء الأوفياء في الكلية العصرية الجامعية وفي وزارة الثقافة والإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وكافة أبناء شعبنا، على احتفائكم بالمئوية الأولى لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، معاهدينه وإخوانه الشعراء، وكل من ضحوا من أجل الوطن، على الوفاء لدمائهم والدفاع عن أحلامهم لتبقى فلسطين هي البوصلة والقبلة السياسية إلى الأبد ولينعم أولادنا وأحفادنا بالحياة الحرة الكريمة.