اكليل العروس .. قصة للأطفال- يحيى يخلف
كفربرعم قرية فلسطينية من قرى الجليل الأعلى، وقد بناها الفلسطينيون الأوائل منذ فجر التاريخ على تلة مكسوة بالأحراج وأشجار التين والتفاح والزيتون والرمان، تشرف على واد عميق تجري فيه الينابيع التي تسقي أراضيها الخصبة، وانسانها الذي عمرها في مختلف الحقب والأزمان.
كانت سلمى طفلة جميلة، ولدت وترعرعت في تلك القرية الطيبة التي تحتضن التلال بيوتها الطينية والحجرية، وتحتضن آمال أهلها وأحلامهم،وتحتضن أيضا آمال وأحلام سلمى وعائلتها المكونة من والديها اللذين يمضيان معظم النهار في الحقول يعتنيان بالأرض وزرعها، ومن شقيقها الكبير الذي يتلقى تعليمه في مدينة صفد التي لا تبعد كثيرا عن كفر برعم.
كانت سلمى الطفلة المدللة المحببة لوالديها،وكان شقيقها يدللها ويعتني بها أيضا ويجلب لها الهدايا، والملابس الجميلة والقصص الملونة من مدينة صفد العامرة,وكانت أمها كل صباح وقبل أن تذهب للحقول توصلها الى المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية.
كانت سلمى تحب المدرسة وتحب معلمتها ورفيقاتها،وتحب كتبها ودروسها ومسطرتها وقلمها،وتحب في أيام العطل المدرسية أن تذهب مع والديها الى الحقول وتدعورفيقاتها للتنزه واللعب معها أو تذهب وحدها لمساعدة والديها في بعض الشؤون الصغيرة كسقي الدواب، أو حلب الماعز، أو جمع البقول. لكن هذه الحياة الهانئة بدأت تتعكر عندما حلت الحرب في ذلك العام المشؤوم عام1948 اذ بدأ اليهود الصهاينة حربهم لطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ومن ديارهم.
في ربيع ذلك العام ذهبت سلمى مع رفيقاتها الى حقل العائلة للاستمتاع بزهور الطبيعة ،وتفقد البراعم وهي تتفتح..وكذلك لصنع دمية على هيئة عروس، لذا حملن معهن لوازم العمل. سلمى جلبت القماش والابرة والمقص والخيوط بشتى الألوان، نبيلة أحضرت المكحلة، روز أحضرت الشعر الأشقر من ذيل الفرس،سناء جلبت كمشة من القطن الأبيض.
جلسن تحت شجرة رمان ،فغنّت سلمى بصوتها العذب أغنية عن البلبل الذي يحط على شجرة الرمان، وغنت سناء للذاهبين الى حلب وهم يحملون في عرباتهم قطوفا من العنب ويحملون التفاح تحت العنب، وغنّت روز أغنية : ظريف الطول الذي يعود من الغربة الى بلاده،ثم ضحكن وقد بدت على وجوههنّ السعادة والفرح، وبعدها بدأن العمل لصنع الدمية العروس. وفي أجواءالفرح والنشوة والسرورقامت سلمى بتفصيل القماش وخياطته، وقامت سناء بحشوالقماش بالقطن، وأصبحن يملكن قامة دمية عارية، ثمّ صنعت سلمى فستانا من قماش التول الأبيض الشفاف ألبستها ايّاه، فصارت الدمية عروسا ينقصها الشعر والزينة..عند ذلك جاء دور نبيلة والمكحلة، وما هي الا لحظات حتى صار للدمية عينان وشفتان وحاجبان وأنف وخصلات شعر.
قالت سناء : صار عندنا عروسة. وأخذت كل منهن تتأمل العروس وتبدي اعجابها، وبدا أيضا كما لو أنّ البراعم على أغصان شجرة الرمّان وقد تفتحت زهورها الحمراء التي تشبه الأجراس تنظر الى الدمية العروس بفرح، بل انّ سربا من العصافير طار ودار دورتين في الفضاء وحطّ على شجرة الرمان والأشجار المجاورة كأنه يعبر عن سروره بما يعملنه..لكن..فجأة قالت روز: با بنات اذا كانت هذه الدمية عروسا فأين اذن الأكليل الذي تضعه على رأسها؟
وقلن جميعا بصوت واحد: نعم..نحتاج ان نصنع اكليلا للعروس.
وقبل أن يواصلن العمل، دوّى فجأة صوت انفجار هائل، فدب الذعر في قلوب البنات والعصافير وأجراس زهور براعم الرمان..لقد جاءت الدبابات الصهيونية الى القرية لطرد وتهجير سكّانها..هرع والدا سلمى لحماية سلمى ورفيقاتها، وظلت العصافير تطير في كل الاتجاهات وقد انتابها الذعر،وما هي الاّ فترة قصيرة حتى خلا المكان ،وعاد الجميع الى القرية ليتدبروا أمرهم، وبقيت الدمية العروس وحيدة ملقاة فوق العشب الأخضر.
طرد أهالي كفر برعم جميعا من قريتهم التي ولدوا وترعرعوا وعاشوا فيها، وفيها عاش آباؤهم وأجدادهم، وطردت سلمى وعائلتهاورفيقاتها وعائلاتهن، لكنّ الدمية العروس التي ينقصها الاكليل الأبيض ظلت وحيدة..
مرّ الربيع، وثارت رياح خفيفة حملت معها البذور وغبار الطلع، ومرت على التلة التي تغفوعلى عشبها الدمية، ثمّ مرّ ربيع آخر نبتت فيه زهور بيضاء وصفراء وحمراء.. نبتت فيه زهور الحنّون والنرجس وقرن الغزال والليلك وغيرها، غير انّ زهرة فريدة طويلة السيقان، أوراقها بيضاء، ملأت التلة حيث تنام الدمية،وظلت تنمو قي ذلك المكان وتتكاثر وصارت تشكل دغلا يحيط بالدمية. لم يكن أحد يعرف اسم هذه الزهرة، لكنّ الرعاة الذين يسرحون بالخراف والماعز في ذلك المكان المهجور المليء بالاعشاب أطلقوا على تلك الزهور ذات التيجان البيضاء التي تحيط بالدمية وتؤنس وحدتها، أطلقوا عليها اسم : زهرة اكليل العروس.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت هذه الزهور تستيقظ من غفوتها كل ربيع وتطرز تلال فلسطين بالأبيض الناصع، وترفع كأسها وميسمها وتويجها عاليا، وتطلّ على الوديان والسهول المحتلة بكل أنفة وشموخ بانتظار عودة الناس الذين كانوا يعمرون تلك البقاع، وبانتظار عودة أهالي كفر برعم وهم يحملون معهم ألأكاليل لعرائس الزمن الآتي.
zaكانت سلمى طفلة جميلة، ولدت وترعرعت في تلك القرية الطيبة التي تحتضن التلال بيوتها الطينية والحجرية، وتحتضن آمال أهلها وأحلامهم،وتحتضن أيضا آمال وأحلام سلمى وعائلتها المكونة من والديها اللذين يمضيان معظم النهار في الحقول يعتنيان بالأرض وزرعها، ومن شقيقها الكبير الذي يتلقى تعليمه في مدينة صفد التي لا تبعد كثيرا عن كفر برعم.
كانت سلمى الطفلة المدللة المحببة لوالديها،وكان شقيقها يدللها ويعتني بها أيضا ويجلب لها الهدايا، والملابس الجميلة والقصص الملونة من مدينة صفد العامرة,وكانت أمها كل صباح وقبل أن تذهب للحقول توصلها الى المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية.
كانت سلمى تحب المدرسة وتحب معلمتها ورفيقاتها،وتحب كتبها ودروسها ومسطرتها وقلمها،وتحب في أيام العطل المدرسية أن تذهب مع والديها الى الحقول وتدعورفيقاتها للتنزه واللعب معها أو تذهب وحدها لمساعدة والديها في بعض الشؤون الصغيرة كسقي الدواب، أو حلب الماعز، أو جمع البقول. لكن هذه الحياة الهانئة بدأت تتعكر عندما حلت الحرب في ذلك العام المشؤوم عام1948 اذ بدأ اليهود الصهاينة حربهم لطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم ومن ديارهم.
في ربيع ذلك العام ذهبت سلمى مع رفيقاتها الى حقل العائلة للاستمتاع بزهور الطبيعة ،وتفقد البراعم وهي تتفتح..وكذلك لصنع دمية على هيئة عروس، لذا حملن معهن لوازم العمل. سلمى جلبت القماش والابرة والمقص والخيوط بشتى الألوان، نبيلة أحضرت المكحلة، روز أحضرت الشعر الأشقر من ذيل الفرس،سناء جلبت كمشة من القطن الأبيض.
جلسن تحت شجرة رمان ،فغنّت سلمى بصوتها العذب أغنية عن البلبل الذي يحط على شجرة الرمان، وغنت سناء للذاهبين الى حلب وهم يحملون في عرباتهم قطوفا من العنب ويحملون التفاح تحت العنب، وغنّت روز أغنية : ظريف الطول الذي يعود من الغربة الى بلاده،ثم ضحكن وقد بدت على وجوههنّ السعادة والفرح، وبعدها بدأن العمل لصنع الدمية العروس. وفي أجواءالفرح والنشوة والسرورقامت سلمى بتفصيل القماش وخياطته، وقامت سناء بحشوالقماش بالقطن، وأصبحن يملكن قامة دمية عارية، ثمّ صنعت سلمى فستانا من قماش التول الأبيض الشفاف ألبستها ايّاه، فصارت الدمية عروسا ينقصها الشعر والزينة..عند ذلك جاء دور نبيلة والمكحلة، وما هي الا لحظات حتى صار للدمية عينان وشفتان وحاجبان وأنف وخصلات شعر.
قالت سناء : صار عندنا عروسة. وأخذت كل منهن تتأمل العروس وتبدي اعجابها، وبدا أيضا كما لو أنّ البراعم على أغصان شجرة الرمّان وقد تفتحت زهورها الحمراء التي تشبه الأجراس تنظر الى الدمية العروس بفرح، بل انّ سربا من العصافير طار ودار دورتين في الفضاء وحطّ على شجرة الرمان والأشجار المجاورة كأنه يعبر عن سروره بما يعملنه..لكن..فجأة قالت روز: با بنات اذا كانت هذه الدمية عروسا فأين اذن الأكليل الذي تضعه على رأسها؟
وقلن جميعا بصوت واحد: نعم..نحتاج ان نصنع اكليلا للعروس.
وقبل أن يواصلن العمل، دوّى فجأة صوت انفجار هائل، فدب الذعر في قلوب البنات والعصافير وأجراس زهور براعم الرمان..لقد جاءت الدبابات الصهيونية الى القرية لطرد وتهجير سكّانها..هرع والدا سلمى لحماية سلمى ورفيقاتها، وظلت العصافير تطير في كل الاتجاهات وقد انتابها الذعر،وما هي الاّ فترة قصيرة حتى خلا المكان ،وعاد الجميع الى القرية ليتدبروا أمرهم، وبقيت الدمية العروس وحيدة ملقاة فوق العشب الأخضر.
طرد أهالي كفر برعم جميعا من قريتهم التي ولدوا وترعرعوا وعاشوا فيها، وفيها عاش آباؤهم وأجدادهم، وطردت سلمى وعائلتهاورفيقاتها وعائلاتهن، لكنّ الدمية العروس التي ينقصها الاكليل الأبيض ظلت وحيدة..
مرّ الربيع، وثارت رياح خفيفة حملت معها البذور وغبار الطلع، ومرت على التلة التي تغفوعلى عشبها الدمية، ثمّ مرّ ربيع آخر نبتت فيه زهور بيضاء وصفراء وحمراء.. نبتت فيه زهور الحنّون والنرجس وقرن الغزال والليلك وغيرها، غير انّ زهرة فريدة طويلة السيقان، أوراقها بيضاء، ملأت التلة حيث تنام الدمية،وظلت تنمو قي ذلك المكان وتتكاثر وصارت تشكل دغلا يحيط بالدمية. لم يكن أحد يعرف اسم هذه الزهرة، لكنّ الرعاة الذين يسرحون بالخراف والماعز في ذلك المكان المهجور المليء بالاعشاب أطلقوا على تلك الزهور ذات التيجان البيضاء التي تحيط بالدمية وتؤنس وحدتها، أطلقوا عليها اسم : زهرة اكليل العروس.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت هذه الزهور تستيقظ من غفوتها كل ربيع وتطرز تلال فلسطين بالأبيض الناصع، وترفع كأسها وميسمها وتويجها عاليا، وتطلّ على الوديان والسهول المحتلة بكل أنفة وشموخ بانتظار عودة الناس الذين كانوا يعمرون تلك البقاع، وبانتظار عودة أهالي كفر برعم وهم يحملون معهم ألأكاليل لعرائس الزمن الآتي.