كاتب اسكتلندي يشرح اسباب دعوته الى مقاطعة اسرائيل ثقافيا: تمارس العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية السبت مقالا للمؤلف والكاتب الروائي البريطاني إيان بانكس الذي اعلن هذا الاسبوع انه يعاني من السرطان وقد لا يبقى على قيد الحياة الا لبضعة اشهر اخرى عن الاسباب التي دعته في العام 2010 الى ان يقرر عدم نشر اي من مؤلفاته في اسرائيل، وقال فيه انه يدعم "حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات" لاننا في هذ العالم المتواصل عن قرب، حسب قوله، "نعتبر ان اي ظلم يرتكب بحق اي طرف او اي مجموعة من الناس هو ظلم ضد الجميع، بل كل واحد منا لأنه اهانة جماعية".
وفي ما يلي نص المقال:
"السبب الحقيقي وراء مشاركتي في المقاطعة الثقافية لاسرائيل هو، قبل كل شيء، انني استطيع ذلك. فانا كاتب ومؤلف وانتج اعمالا تنتشر في الاسواق العالمية. وهذا يمنحني درجة صغيرة اضافية من القوة التي املكها كمواطن ومستهلك بريطاني. وثانيا، حيثما يكون ممكنا عندما يحاول المرء ان يبرز وجهة نظر، فان عليه ان يكون دقيقا وان يصيب في موجع. فالمقاطعة الرياضية لجنوب افريقيا، عندما كانت لا تزال تحت الحكم العنصري، ساعدت على ايقاظ المشاعر في تلك البلاد، لان الاقلية الحاكمة وضعت الكثير من ثقلها في كفة ميزان الرياضة لديها. فلعبتا الرغبي والكريكيت لهما اهمية كبيرة، بشكل خاص، بالنسبة اليهم، وكان ارتفاع مكانة فريقهم بشكل عام على جدول الدوري الدولي مسألة مهمة تتعلق بالكرامة.
وعندما عُزلوا نتيجة المقاطعة الرياضية- كجزء من مقاطعة تجارية وثقافية أوسع – ازدادت القناعة لديهم بوضعهم غير القانوني في العالم.
غير ان مقاطعة رياضية لاسرائيل لن يكون لها اثر يذكر نسبيا في مواجهة الغلو الاسرائيلي في تقدير الذات مقارنة بجنوب افريقيا. وان كانت المقاطعة الثقافية والعلمية قد تساعد في تبيان الاختلاف خاصة الان بعد ان هددت احداث الربيع العربي والتداعيات المتواصلة لمهاجمة السفن المسالمة المتوجهة الى غزة، قدرة اسرائيل على الاعتماد على تواطؤ مصر في احتواء غزة وعلى استعداد تركيا في التعامل بانحياز في التعاطي مع النظام الاسرائيلي. واذ تشعر اسرائيل بتزايد انعزالها، فانها تصبح اكثر عرضة لمزيد من الادلة على انها بدورها مثل نظام جنوب افريقيا العنصري الذي كانت ساندته وتعاونت معه، تعتبر على نطاق اوسع بانها دولة خارجة على القانون.
لقد امكنني ان أقوم بدور صغير في المقاطعة الثقافية لجنوب افريقيا، بالتأكيد- ما ان انطلق في نفسي شعور بامكان ان افعل ذلك - ولم تكن مؤلفاتي تباع هناك (وقمت في الوقت نفسه باجراء حساب تقريبي لما حققته من حقوق النشر كل سنة نتيجة عقود سابقة، وارسلت ذلك المبلغ الى المؤتمر الوطني الافريقي). ومن العام 2010 عندما هوجمت قافلة السفن التركية المتجهة الى غزة في المياه الدولية، اصدرت تعليماتي الى وكيل اعمالي بعدم بيع الحقوق الخاصة باي من مؤلفاتي الى ناشرين اسرائيليين. كما انني امتنع عن شراء اي منتج او طعام اسرائيلي المصدر، وحاولت زوجتي وانا ان ندعم المنتجات الفلسطينية المصدر حيثما كان ذلك ممكنا.
ولا يبدو ذلك كافيا، ولا اشعر براحة تامة في القيام بذلك العمل. اذ يشعر المرء احيانا كما لو انه يشارك في عقوبة جماعية (وان كانت حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات، تستهدف الدولة وليس الشعب على وجه التحديد)، وهذه احدى التهم الدامغة التي يمكن توجيهها الى اسرائيل ذاتها: انها تمارس العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل والاراضي المحتلة او الضفة الغربية، وخاصة مخيم السجن الكبير وهو غزة. وتبدو المشكلة في فشل نجاح التواصل البناء والمحاججة المعقولة، وان كل ما بقي لدينا الى حد كبير هو سلاح المقاطعة الخام نسبيا.
وباعتبار انني كنت دوما اقدر واحترم الانجازات التي حققها الشعب اليهودي – وربما انهم اسهموا في حضارة العالم اكثر من الاسكتلنديين، ونكاد نحن الكاليدونيين لا نخجل من الترويج لسجلنا وحالنا الصغير وان كان مؤثرا، وقد احسسنا بالتعاطف تجاه المعاناة التي عايشوها، خاصة في السنوات التي سبقت والتي استمرت خلال الحرب العالمية الثانية والمحرقة، وسابقى دوما احس بعدم الراحة في المشاركة في اي عمل، وان كان بفضل جهود آلة الدعاية الاسرائيلية، اذ يدعي البعض انها موجهة ضدهم، رغم ان دولة اسرائيل والشعب اليهودي ليسا صنوين. غير انه لا يمكن لاسرائيل والمدافعين عنها ان يكيلوا بمكيالين، خاصة – اذا كانوا سيرفعون عقيرتهم بالادعاء الهستيري ان اي انتقاد لسياسة اسرائيل الداخلية او الخارجية يرقى الى مستوى معاداة السامية، فان عليهم ان يقتنعوا ان الادعاء بعدم التفرقة، وان اظهر غير ما ابطن، يوفر فرصة لما يدعون انه استنكار لقيام احدهم بالعمل بقدر ما هو تنديد بالاخر.
ان الكارثة البارزة في معاملة اسرائيل للشعب الفلسطيني هي انه يبدو ان لا احد اتعظ على الاطلاق. فقيام اسرائيل نفسها كان جزئيا محاولة متأخرة وشعورا بالذنب من العالم للمساعدة في التعويض عن مشاركتها او على الاقل عن عدم قدرتها على منع مأساة جريمة المحرقة. ومن بين كل سكان الارض، فان على اليهود ان يدركوا المشاعر التي تنتاب المقهورين جميعا، ومعاقبتهم الجماعية ومعاملتهم على انهم اقل من المخلوقات الاخرى. وبالنسبة الى دولة اسرائيل والمتعاطفين معها الذين يدعمونها من دون سؤال او جواب في انحاء العالم ان يتابعوا ويعارضوا المعاملة اللاانسانية التي تقع على الشعب الفلسطيني، والتي فرضت عليهم بالقوة للخروج من اراضيهم في العام 1948 ولا يزالون يتعرضون للهجمات حتى هذا اليوم، الا يصيبهم العمي لان يدركوا ان الظلم، ليس على الذين يقع عليهم فحسب، بل على من يمارسه ايضا، باعتباره احد الاجحافات في عصرنا، وانه يلمح ضمنا الى تدني مستوى ذكاء الجنس البشري.
ان الحل لاضطهاد شعب ما وتجريده من حقوقه لا يمكن ان يأتي ابداً باضطهاد شعب اخر وتجريده من حقوقه وممتلكاته. فعندما نقوم بذلك، او نشارك فيه، او حتى نسمح بوقوعه من دون تنديد او مقاومة، فاننا انما نساهم في تاكيد مزيد من الظم والقهر والاضطهاد والقسوة والعنف في المستقبل.
وقد ننظر الى انفسنا على اننا قبائل متعددة، ولكننا من جنس واحد، والفشل في اعلاء الصوت ضد الظلم الذي يقع على بعضنا، وفي ما يمكننا ان نفعله لمواجهة اولئك من دون تكديس الاخطاء على ما سبقها، فاننا في واقع الامر نقوم بمعاقبة جماعية لانفسنا.
ان حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات التي تدعو الى احقاق الحق للشعب الفلسطيني هي احدى الحملات التي امل ان يساندها كل شخص محترم ومتفتح الذهن. وايا كنت سواء يهوديا ام لا، محافظا او يساريا، ومهما تكن نظرتك الى نفسك، فان هؤلاء هم اهلنا، وقد ادرنا ظهورنا جماعياً لمعاناتهم لفترة طويلة للغاية".
____________________
(المقال مقتطف من كتاب عنوانه "جيل فلسطين: اصوات من حركة المقاطعة وسحب الاستثمار والعقوبات" صادر عن دار "بلوتو" للنشر في بريطانيا شارك فيه مشاهير من امثال الاسقف دزموند توتو والمطران عطا الله حنا والبروفيسور ريتشارد فولك والمؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه وعمر البرغوثي ورمزي بارود وغيرهم).
Generation PalestineVoices from the Boycott, Divestment and Sanctions Movement
zaنشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية السبت مقالا للمؤلف والكاتب الروائي البريطاني إيان بانكس الذي اعلن هذا الاسبوع انه يعاني من السرطان وقد لا يبقى على قيد الحياة الا لبضعة اشهر اخرى عن الاسباب التي دعته في العام 2010 الى ان يقرر عدم نشر اي من مؤلفاته في اسرائيل، وقال فيه انه يدعم "حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات" لاننا في هذ العالم المتواصل عن قرب، حسب قوله، "نعتبر ان اي ظلم يرتكب بحق اي طرف او اي مجموعة من الناس هو ظلم ضد الجميع، بل كل واحد منا لأنه اهانة جماعية".
وفي ما يلي نص المقال:
"السبب الحقيقي وراء مشاركتي في المقاطعة الثقافية لاسرائيل هو، قبل كل شيء، انني استطيع ذلك. فانا كاتب ومؤلف وانتج اعمالا تنتشر في الاسواق العالمية. وهذا يمنحني درجة صغيرة اضافية من القوة التي املكها كمواطن ومستهلك بريطاني. وثانيا، حيثما يكون ممكنا عندما يحاول المرء ان يبرز وجهة نظر، فان عليه ان يكون دقيقا وان يصيب في موجع. فالمقاطعة الرياضية لجنوب افريقيا، عندما كانت لا تزال تحت الحكم العنصري، ساعدت على ايقاظ المشاعر في تلك البلاد، لان الاقلية الحاكمة وضعت الكثير من ثقلها في كفة ميزان الرياضة لديها. فلعبتا الرغبي والكريكيت لهما اهمية كبيرة، بشكل خاص، بالنسبة اليهم، وكان ارتفاع مكانة فريقهم بشكل عام على جدول الدوري الدولي مسألة مهمة تتعلق بالكرامة.
وعندما عُزلوا نتيجة المقاطعة الرياضية- كجزء من مقاطعة تجارية وثقافية أوسع – ازدادت القناعة لديهم بوضعهم غير القانوني في العالم.
غير ان مقاطعة رياضية لاسرائيل لن يكون لها اثر يذكر نسبيا في مواجهة الغلو الاسرائيلي في تقدير الذات مقارنة بجنوب افريقيا. وان كانت المقاطعة الثقافية والعلمية قد تساعد في تبيان الاختلاف خاصة الان بعد ان هددت احداث الربيع العربي والتداعيات المتواصلة لمهاجمة السفن المسالمة المتوجهة الى غزة، قدرة اسرائيل على الاعتماد على تواطؤ مصر في احتواء غزة وعلى استعداد تركيا في التعامل بانحياز في التعاطي مع النظام الاسرائيلي. واذ تشعر اسرائيل بتزايد انعزالها، فانها تصبح اكثر عرضة لمزيد من الادلة على انها بدورها مثل نظام جنوب افريقيا العنصري الذي كانت ساندته وتعاونت معه، تعتبر على نطاق اوسع بانها دولة خارجة على القانون.
لقد امكنني ان أقوم بدور صغير في المقاطعة الثقافية لجنوب افريقيا، بالتأكيد- ما ان انطلق في نفسي شعور بامكان ان افعل ذلك - ولم تكن مؤلفاتي تباع هناك (وقمت في الوقت نفسه باجراء حساب تقريبي لما حققته من حقوق النشر كل سنة نتيجة عقود سابقة، وارسلت ذلك المبلغ الى المؤتمر الوطني الافريقي). ومن العام 2010 عندما هوجمت قافلة السفن التركية المتجهة الى غزة في المياه الدولية، اصدرت تعليماتي الى وكيل اعمالي بعدم بيع الحقوق الخاصة باي من مؤلفاتي الى ناشرين اسرائيليين. كما انني امتنع عن شراء اي منتج او طعام اسرائيلي المصدر، وحاولت زوجتي وانا ان ندعم المنتجات الفلسطينية المصدر حيثما كان ذلك ممكنا.
ولا يبدو ذلك كافيا، ولا اشعر براحة تامة في القيام بذلك العمل. اذ يشعر المرء احيانا كما لو انه يشارك في عقوبة جماعية (وان كانت حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات، تستهدف الدولة وليس الشعب على وجه التحديد)، وهذه احدى التهم الدامغة التي يمكن توجيهها الى اسرائيل ذاتها: انها تمارس العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل والاراضي المحتلة او الضفة الغربية، وخاصة مخيم السجن الكبير وهو غزة. وتبدو المشكلة في فشل نجاح التواصل البناء والمحاججة المعقولة، وان كل ما بقي لدينا الى حد كبير هو سلاح المقاطعة الخام نسبيا.
وباعتبار انني كنت دوما اقدر واحترم الانجازات التي حققها الشعب اليهودي – وربما انهم اسهموا في حضارة العالم اكثر من الاسكتلنديين، ونكاد نحن الكاليدونيين لا نخجل من الترويج لسجلنا وحالنا الصغير وان كان مؤثرا، وقد احسسنا بالتعاطف تجاه المعاناة التي عايشوها، خاصة في السنوات التي سبقت والتي استمرت خلال الحرب العالمية الثانية والمحرقة، وسابقى دوما احس بعدم الراحة في المشاركة في اي عمل، وان كان بفضل جهود آلة الدعاية الاسرائيلية، اذ يدعي البعض انها موجهة ضدهم، رغم ان دولة اسرائيل والشعب اليهودي ليسا صنوين. غير انه لا يمكن لاسرائيل والمدافعين عنها ان يكيلوا بمكيالين، خاصة – اذا كانوا سيرفعون عقيرتهم بالادعاء الهستيري ان اي انتقاد لسياسة اسرائيل الداخلية او الخارجية يرقى الى مستوى معاداة السامية، فان عليهم ان يقتنعوا ان الادعاء بعدم التفرقة، وان اظهر غير ما ابطن، يوفر فرصة لما يدعون انه استنكار لقيام احدهم بالعمل بقدر ما هو تنديد بالاخر.
ان الكارثة البارزة في معاملة اسرائيل للشعب الفلسطيني هي انه يبدو ان لا احد اتعظ على الاطلاق. فقيام اسرائيل نفسها كان جزئيا محاولة متأخرة وشعورا بالذنب من العالم للمساعدة في التعويض عن مشاركتها او على الاقل عن عدم قدرتها على منع مأساة جريمة المحرقة. ومن بين كل سكان الارض، فان على اليهود ان يدركوا المشاعر التي تنتاب المقهورين جميعا، ومعاقبتهم الجماعية ومعاملتهم على انهم اقل من المخلوقات الاخرى. وبالنسبة الى دولة اسرائيل والمتعاطفين معها الذين يدعمونها من دون سؤال او جواب في انحاء العالم ان يتابعوا ويعارضوا المعاملة اللاانسانية التي تقع على الشعب الفلسطيني، والتي فرضت عليهم بالقوة للخروج من اراضيهم في العام 1948 ولا يزالون يتعرضون للهجمات حتى هذا اليوم، الا يصيبهم العمي لان يدركوا ان الظلم، ليس على الذين يقع عليهم فحسب، بل على من يمارسه ايضا، باعتباره احد الاجحافات في عصرنا، وانه يلمح ضمنا الى تدني مستوى ذكاء الجنس البشري.
ان الحل لاضطهاد شعب ما وتجريده من حقوقه لا يمكن ان يأتي ابداً باضطهاد شعب اخر وتجريده من حقوقه وممتلكاته. فعندما نقوم بذلك، او نشارك فيه، او حتى نسمح بوقوعه من دون تنديد او مقاومة، فاننا انما نساهم في تاكيد مزيد من الظم والقهر والاضطهاد والقسوة والعنف في المستقبل.
وقد ننظر الى انفسنا على اننا قبائل متعددة، ولكننا من جنس واحد، والفشل في اعلاء الصوت ضد الظلم الذي يقع على بعضنا، وفي ما يمكننا ان نفعله لمواجهة اولئك من دون تكديس الاخطاء على ما سبقها، فاننا في واقع الامر نقوم بمعاقبة جماعية لانفسنا.
ان حملة المقاطعة والتعرية والعقوبات التي تدعو الى احقاق الحق للشعب الفلسطيني هي احدى الحملات التي امل ان يساندها كل شخص محترم ومتفتح الذهن. وايا كنت سواء يهوديا ام لا، محافظا او يساريا، ومهما تكن نظرتك الى نفسك، فان هؤلاء هم اهلنا، وقد ادرنا ظهورنا جماعياً لمعاناتهم لفترة طويلة للغاية".
____________________
(المقال مقتطف من كتاب عنوانه "جيل فلسطين: اصوات من حركة المقاطعة وسحب الاستثمار والعقوبات" صادر عن دار "بلوتو" للنشر في بريطانيا شارك فيه مشاهير من امثال الاسقف دزموند توتو والمطران عطا الله حنا والبروفيسور ريتشارد فولك والمؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه وعمر البرغوثي ورمزي بارود وغيرهم).
Generation PalestineVoices from the Boycott, Divestment and Sanctions Movement