على اسرائيل أن تتقدم بمبادرة سلمية حقيقية - هآرتس – يحزقيل درور
أحد الاخفاقات الخطيرة في الادارة الاستراتيجية لحرب لبنان الثانية كان "المراوحة في المكان". كانت هذه في حينه حربا صغيرة، آثارها محدودة – يختلف الوضع بالنسبة للمسيرة السلمية. هنا المراوحة في المكان من جانب اسرائيل خطيرة على مستقبلها.
محظور أن نرى في فترة الهدوء الأمني اكثر من وضع من الاستقرار المؤقت. مجرد الخطوات العسكرية التي تضطر اسرائيل الى اتخاذها مؤخرا، حتى وان كانت فيها منفعة موضعية، تثبت ان الوضع الأمني – السياسي بعمومه ليس مستقرا. فعملية عسكرية اسرائيلية ناجحة كفيلة بان تشكل فرصة ذهبية لمبادرة سياسية. وفي نظرة بعيدة المدى، تقف اسرائيل في مفترق بين طريقين: واحد يكمن فيه خطر وجودي، بسبب التطلع العنيد من جانب جهات معادية لابادة الدولة، مع تغييرات تكنولوجية وجغرافية سياسية تضعضع أمننا القومي. والثاني، التقدم على مراحل نحو خليط بين الوضع الثابت المستقر والسلام الحقيقي، العميق.
بعض من عناصر تحقق المستقبل ليس بالضرورة متعلقة باسرائيل. فالمكانة العالمية للولايات المتحدة، التطورات في دول الشرق الأوسط والمحافل غير الدولة العاملة فيه، ووفرة التكنولوجيات الجديدة الفتاكة للناس (مثل الفيروسات في المختبرات) ولكن اسرائيل يمكنها ان تؤثر كثيرا على جهات اخرى تصمم مستقبلها، بما في ذلك المسيرة السلمية. غير أنها تراوح في المكان وهكذا فانها تفوت فرصا حرجة للتأثير على مستقبلها. المثال الأبرز على ذلك هو انعدام الموقف الحقيقي من مبادرة السلام السعودية، منذ بدايتها قبل عقد من الزمن.
لا أساس للأمل في أن تعمل السياقات التاريخية المهمة لمستقبلنا بقواها الذاتية في صالح اسرائيل. وعليه، فان المراوحة في المكان يضاف اليها اعمال عسكرية لا تلبي احتياجاتنا بل العكس. فالأزمات الحالية في دول الشرق الأوسط، مثلا، هي ظاهرة مؤقتة، ولكن قد تنشأ عنها مخاطر حقيقية لاسرائيل اذا استمرت المعارضة لوجودها كدولة يهودية بكامل قوتها. ومع أن الازمات توفر ايضا فرصا للتأثير على مستقبل علاقات الدول العربية مع اسرائيل، ولكن لهذا الغرض مطلوبة مبادرة اسرائيلية كثيرة الزخم. لشدة الأسف، تتخذ اسرائيل ردود فعل تكتيكية على الأحداث ليست سوى شكلا خطيرا من المراوحة في المكان.
على اسرائيل أن تتقدم بمبادرة سلمية حقيقية، تتصدى لجوهر النزاع بعناصره الثقافية، الدينية والنفسية والا، يحتمل أن يأخذ الآخرون المبادرة فيتخذوا خطوات لا تكون لصالحنا. لا توجد هنا محاولة لاملاء جوهر المبادرة الاسرائيلية اللازمة، ولكن واضح ان عليها أن تتضمن مبادئ تسوية النزاع والانتقال على مراحل الى سلام مستقر وعميق. على هذه المبادئ ان تلبي الاحتياجات الاساسية لاسرائيل، بما فيها أمنها، ومع ذلك عليها أن تكون ذات احتمال للقبول كأساس لمفاوضات جدية وخطوات عملية قابلة للتحقق.
لدي توصيات للمبادرة ولكن يمكن ايضا بلورة مبادرات اخرى. افضل في نظري مبادرة اسرائيلية جوهريا لا اؤيدها (على أن تكون درست بعناية) على استمرار المراوحة في المكان.
كل مبادرة اسرائيلية جدية تستدعي قرارا واضحا: ماذا نريد، قيميا وعمليا. هذا حسم اجتماعي وسياسي متطلب. على رؤساء الحكم في اسرائيل أن يتخذوا قرارا أليما في ضوء عدم اليقين الشديد. عليهم أن يجندوا دعما اجتماعيا وسياسيا – يمكن بناء ائتلاف داعم. اذا لم نتصرف هكذا، اذا امتنعنا عن بلورة مبادرة سلام اسرائيلية ووصلنا المراوحة في المكان، فاننا نعرض مستقبلنا للخطر ونتخلى عن أحد مبادئ الصهيونية: وجود قدرة الشعب اليهودي في دولته في التأثير الحقيقي على مستقبله.