المغني والأغنية - يحيى يخلف
أيامنا متشابهة ولا جديد.. الأخبار هي.. هي.. استيطان, هدم بيوت, اعتقالات, اقتحام الأقصى, تصريحات وأفعال اسرائيلية لا تتوقف. زيارة للشيخ القرضاوي بلون كالح, المصالحة تبتعد, واخبار العالم العربي ايقاعها المقلق لا يتغير. فوضى وعدم استقرار في مصر وليبيا, وقتل ودمار وذبح بالسكاكين في سوريا, ومطاردة للإرهابيين في تونس. في العالم أزمة مالية عالمية, وقوى كبرى تتربص للهيمنة وفرض النفوذ والتبعية على الشرق الأوسط وعلى أماكن أخرى..الكوارث الطبيعية في حالة هيجان.
السأم يظلل غلافنا الجوي, والفضائيات الإخبارية تلاحقنا برياح السموم وتحول بيوتنا الى ما يشبه الزنازين..ندخل غرف نومنا على كوراث, ونصبح على هلع الأخبار نفسها ..ندمن على هذا الهلع فننتقل من محطة تبث الكآبة الى محطة أخرى تبث الإحباط.
نحن مشدودون الى جاذبية الأحزان, وأفراحنا في مناسبات يتعين ان تكون سعيدة تبدو في أغلب الأحيان شاحبة, كأن الفرح لا يليق بأيامنا. لا نلتقي الا في بيوت الأجر والتعازي, ومشينا في الشوارع يشبه القهقرى.
حان الوقت لنرمم ما انهار في أعماقنا, وأن نقول للفضائيات ووسائل الإعلام, ووسائل التواصل الاجتماعي: ارفعوا أياديكم عن أرواحنا. امنحونا شيئا من الفرح ففي القلب المزدحم بالكرب متسع لشيء من الفرح والسكينة والتوازن النفسي.
لعل الظاهرة التي برزت في الآونة الأخيرة عند شبابنا في التحزب لفريق برشلونة أو ريال مدريد والتجمع في المقاهي لمشاهدة المباريات تبدو اكثر جدوى من التحزب للتنظيمات والفصائل الفلسطينية, ولعل ظاهرة الإقلاع عن الفضائيات الإخبارية, والبحث عن المتعة الفنية في المحطات التي تبث برنامج (أرب آيدول) أي محبوب العرب تبشر بالخير, وتوحي بأن معظمنا سئم السأم, وملّ الملل, وأيقن أن قليلا من المتعة يفرح قلب الإنسان, غير أن البعض الآخر الذي أدمن على السأم والملل قاوم الفرح وهاجم هذا الفرح الذي تمثّل بتألق أحد ابناء هذا الوطن الشاب المبدع محمد عساف, متذرعا بأن التركيز على المطرب يلحق الضرر بقضية الأسرى!
وغني عن القول إن قضية الأسرى كانت وما زالت قضية كبرى حظيت وتحظى بأكبر اهتمام, وان قليلا من الفرح يمنحنا طاقة تمكننا من الالتفاف حول قضيتهم بقوة أعظم وأكبر.
ولعل هذا الفتى ذو الإبتسامة الساحرة والصوت العذب والإطلالة البهية قد ملأ القلوب بفرح ما أحوجنا اليه, ونشر البهاء في بيوت الفقراء في المخيمات, ودروب ومسارب الأرياف, وشوارع وميادين المدن, ورفع اسم فلسطين عاليا في وقت غاب فيه اسم فلسطين عن ساحات وميادين وأزقة الربيع أو الخريف العربي.
فرح أضاء أرواح الناس في بلادنا من خلال برنامج فني تصدح فيه الموسيقى والغناء ويكشف عن مواهب الشباب والصبايا العرب في زمن الإحباط والشدّة وفقدان الأمل, ويمنحنا أملا في وقف زحف الصحراء نحو أرواحنا.
هذا الفتى الفلسطيني أحببنا أغنيته (علّي الكوفية علّي ولولح فيها) التي هي أغنية حب لزعيمنا الخالد ياسر عرفات, أحببنا الأغنية وتجاهلنا المغني ..لكننا أعدنا اكتشافه في برنامج (أرب آيدول)..اكتشفناه ولم نلق اللوم على مؤسساتنا ذات العلاقة التي لم تكتشفه قبل ان تتاح له هذه الفرصة.
محمد عساف يحقق نجاحات مبهرة في البرنامج, ونجاحه قصة كفاح, ونجاحه ناجم عن تكافؤ الفرص, وتكافؤ الفرص يمنح شبابنا حق الاختيار, ويتعين علينا ان نمنح لشبابنا هذا الحق.
أفرح محمد عساف وملأ بالفخر والاعتزاز ابناء شعبنا في كل مكان, ومن شتى المواقع. أفرح الرئيس وعائلته, ورئيس الوزراء وعائلته, وافرح الشباب والصبايا والآباء والأمهات والعائلات في بيوت فلسطين, وافرح أيضا كاتب هذه السطور وعائلته.
وان شاء الله تكون كل أيامكم فرحا.