وردة وفاء الى فتى الثورة- احمد دحبور
اراحني النبأ السعيد الذي نشرته الحياة الجديدة يوم الاحد الفائت، حول تكريم ذكرى الشاعر الوطني سعيد المزين، وتقديم وسام التحقيق والتميز باسمه الى نجله هشام.
وقد يذكر الفلسطينيون المخضرمون والشيوخ في سورية، ان ابا هشام كان من اكثر القادة الفلسطينيين ترددا على المخيمات، وانه كان الى جانب نصوص أغاني الثورة التي كتبها، قد وضع مسرحية تحتفل بالمقاومة الفلسطينية في بداية انتشارها، وعنوان تلك المسرحية، لمن يذكر هو «شعب لن يموت» وقد نجحت محاولات لبعض الشباب في تقديم هذه المسرحية على الخشبة، وكانت نهايات العرض تتحول باستمرار الى ما يشبه المهرجان بسبب الهتافات الحارة التي كانت تطلقها حناجر الشباب المتحمسين.
وكان معروفا عن ابي هشام، تميز شعره ونثره بنكهة اسلامية لا تخفى، في معرض التشديد على تجنيد الشعب والامة على طريق التحرير، الا ان الخطاب الاسلامي عند سعيد المزين لم يكن ليتعارض - وانى له ان يتعارض - مع شخصيته المنفتحة وقبوله للآراء المختلفة بما فيها اليسارية الواضحة، فهو من الدعاة الاوائل في فتح الى وحدة وطنية تشمل المنادين بتحرير فلسطين على اختلاف مشاربهم.
ومن المفارقات ان ابياته التي تحولت الى اغنية فلسطينية شهيرة، هي «ولقد كسرت القيد» كانت مبكرة في الانتشار حتى قبل ظهور فصائل جديدة فلسطينية غير فتح، وكان عند ما يقول: انا ابن فتح ما هتفت لغيرها، انما يقصد ما يذكره الجميع، ان الهدف الاول هو بناء التنظيم الفلسطيني الوطني بعد انتقال الفلسطينيين من الاحزاب العربية السائدة، الى هذا التنظيم الجديد، فتح وكان بعض اليسراويين المضجرين يسخرون من هذا التوجه، ويطلقون على الرواد الاوائل في فتح اسما كاريكاتوريا، هو «جماعة يصطفلوا».. بمعنى ان ذلك التوجه الفتحاوي الذي كان يشدد على فلسطينية المشروع الوطني، كانوا من وجهة نظر اولئك الادعياء اقليميين مغلقين، وكأن لسان حالهم ان اتركوا العرب «يصطفلوا» يومها رفع ابو هشام ذلك الشعار الذي تلقفه الاخ ابو عمار، وظل يردده طيلة حياته: ثورتنا فلسطينية الوجه، عربية القلب، انسانية الاهداف والنتائج..
واصدر ابو هشام عام 1969، اول مجلة ميدانية فلسطينية باسم «الثورة الفلسطينية» وقد حملت تلك المجلة اهداف المشروع الفتحاوي، وتحولت الى ترسانة اعلامية للدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، واذكر انني تعرفت في احد المعسكرات الفدائية، على شاب يوغسلافي متطوع، كان يطلق على نفسه اسم «ناصر فتح»، وقد اجريت معه حوارا مثيرا كشف عن نزوعه اليساري، فقيل لي ان فتى الثورة ابا هشام المتدين سيغضبه هذا ولن ينشر الحوار، وكانت النتيجة ان احتفل ابو هشام بالحوار ونشره في مكان لائق من المجلة، بل انه طلب مني ان آتي بناصر فتح هذا حتى يتعرف عليه، وهذا ما كان..
وحين اصبح لدينا اعلام موحد، برئاسة الشهيد الشاعر كمال ناصر، قام الاخ نزيه ابو نضال بجمع قصائد من الشعراء الشباب المنتمين الى فتح، وكنت احدهم، فسألته ما اذا كانت بينها قصائد لسعيد المزين ابي هشام، فأجابني: هل انا مجنون لاتجاهل شاعر «طالع لك يا عدوي طالع، وباسم الله باسم الفتح، وانا يا اخي، والشعب الفلسطيني ثورة»؟ وهكذا ظهرت اشعار ابي هشام الى جانب الشعراء الشباب المصنفين في خانة يسار فتح، واذا بهذا الذي لم يكن يخفي نقده وملاحظاته علينا، يرحب ويسهم في توزيع الكتاب الذي ظهر على الملأ بعنوان «قصائد منقوشة على مسلة الاشرفية» ولعل هذا الكتاب هو الذي قدم اسماءنا على نطاق شعبي، وقد فوجئ محمود درويش بهذا الكتاب - وكان لا يزال مقيما في القاهرة بعد خروجه من فلسطين - فكتب في جريدة الاهرام - تموز 1971 - مقالة ضافية حول ذلك، وكانت تلك المقالة مفتاح صداقتي مع شاعر فلسطين الكبير الذي اعطى شهادة بي يومها، لا زال اعتز بها حتى الآن..
كان سعيد المزين، ابو هشام، يطلق على نفسه اسم فتى الثورة علما انه مولود عام 1935، اي انه كان في حينها قد تجاوز السادسة والثلاثين، الا انه كان يؤكد انتماءه الى الفتوة والشباب تعبيرا عن ان هذا الزمن هو شباب فلسطين.. وكان لاذعا في نقده فقد كتب قصيدة بعنوان «ثورة على السفينة بونتي» يقول فيها اننا جميعا مسؤولون فلا كبير فينا ولا صغير.. وكان الاخ ابو عمار يتفهم ذلك ويشجع عليه مع انه المقصود بالمسؤول عن السفينة بونتي..
ولا يسعني في هذا المقام الا ان احيي القيادة الفلسطينية التي لم تنس ابا هشام، فأمر الاخ ابو مازن بمنحه وسام القدس.. لقد كان رحمه الله، وساما في المشروع الثقافي الفلسطيني.. وعلامة في ثقافة الاختلاف..