الطريق الى ايلات - عدنان نصر
كان مستلقيا على سريره في عنبر العظام، ورأسه مشحونا بمختلف الصور المتشابكة، ساهماً النظر إلى ساقه الملفوف بالجبس الأبيض فقد أجرى عملية جراحية لتثبيت كاحله المكسور.. ثارت في أعماقه تساؤلات عديدة عن تماثله للشفاء بسرعة، وتخلصه من حياته اليومية الرتيبة، ولقاء عائلته بعد أن فرّق الاحتلال الاسرائيلي بينهما عقب ترحيله إلى قطاع غزة.
تنفس الصعداء بعد أن تلاشى تأثير المخدر، وتحسس بأنامله موضع الجبس، وتألقت على شفتيه ابتسامة عذبة خاصمته طويلا، فأخيراً سيرمي عكازه الخشبي الذي اتكأ عليه عامين في جولاته لعيادات الأطباء المختصين للعظام، اثر سقوطه في غياهب جب عميق من أنفاق التهريب على الحدود الجنوبية مع مصر الشقيقة.
لم يدرك أن القدر سيكتب نهاية مؤلمة لقصة ارتباطه بفتاة عربية تعيش في مدينة يافا المحتلة، فلم تمضِ عشرة أعوام من زواجه، وانجابه ثلاثة أطفال حتى أصدرت محكمة العدل العليا قانون عنصري يرفض الاعتراف بزواج المواطنين العرب في "إسرائيل" من مواطنين من الضفة الغربية وغزة والأردن ومصر، ما وضع هذه العائلات أمام خيارين أحلاهما مُر: فإما رحيل العائلة إلى موطن الزوج، أو تمزق هذه العائلات وتشتتها.
شعر بألم الفراق عندما باءت جهود محاميه بالفشل، ورفضت المحكمة الإسرائيلية منحه بطاقة زرقاء، أو تجديد فترة اقامته السنوية، وبدأ ينتظر اللحظة المنشودة لالقاء القبض عليه وترحيله إلى قطاع غزة، والتي لم تستغرق فترة طويلة.
بذل قصارى جهده من أجل العودة إلى أسرته، لكن بدون فائدة فالطرق أمامه موصدة، وتطرقت إلى ذهنه فكرة التهريب عبر صحراء سيناء وصولاً إلى مدينة ايلات من كثرة ما سمعه عن سلوك المهاجرين الأفارقة لهذه الطريق ، وعزم على خوض مغامرة جنونية كادت أن تكلفه حياته غير مكترث لما يحدق به من أخطار، أو طمع المهربين البدو الذين لا يتحركون قيد أنملة بدون نقود.
تَسَلَّلَ في الظّلام مع زميله للنزول داخل أحد الأنفاق قاصدا الوصول الى الأراضي المصرية، لجأ الى تلك الفكرة بسبب طمع وجشع مالك النفق الذي طلب مبلغاً خيالياً مقابل تهريبه قبل أن يصبح تهريب الأشخاص مقابل حفنة من الشواقل.
كان النفق عميقا جدا، وصل صديقه الى الأسفل، وهم اللحاق به لولا أن انزلقت قدماه، وتأرجح الحبل يميناً ويسارً، وقَرَّرَ القفز الى الأسفل ظاناً أن المسافة قصيرة، وهَوَى كلمح البرق ليرتطم بأرضية النفق قاطعاً ما يزيد عن عشرة أمتار، وتهشمت ساقه، ولم تسلم أنحاء جسده من الاصابة برضوض شديدة.
سحبه صديقه الى العين المصرية، وبرفقة أحد البدو المقيمين على الجانب المصري نقلاهُ الى مستشفى العريش، ليعود بعد شهرين الى غزة لاستكمال علاجه الذي استغرق عامين.
أفاق من مغامرته الجنونية على صوت أصدقائه الذين حضروا للإطمئنان عليه، وانفرجت أسارير وجهه برؤيتهم .. تبادل معهم أطراف الحديث لبرهة من الوقت قبل أن يدخل طبيبه باسم الثغر، فأطلق تنهيدة طويلة، وارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة فقد وعده الطبيب بمبارزة في تنس الطاولة بعد التئام جرحه بشهور قليلة.