أب يبيع صغاره المصابين بالسرطان!
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
مها شهوان
داخل غرفة صغيرة تفوح منها رائحتا الفقر والمرض قرب الحدود الشمالية، تسكن سماح أبو عمشة -29 عاما- بصحبة صغارها الأربعة بعد طلاقها، فقد منحها والدها المكان الذي لا يصلح للسكن الآدمي رأفة بوضعها وأطفالها المرضى بالسرطان.
دوما تقف الأم حائرة مكتوفة الايدي أمام صغارها منتظرة أن يطرق أحد الجيران بابها ويمدها بصحن "طبيخ" يسد رمق أبنائها، بالإضافة إلى أنها لم تترك جمعية خيرية إلا وطرقت بابها علهم يوفرون لها المال لعلاجها وأبنائها المرضى.
حكاية أبو عمشة وصغارها ربما لم تُرْوَ في فيلم سينمائي، فقد تنازل طليقها عن أبنائه لدى محام شرعي بعقد موثق لمرضهم رغم أن وضعه المادي يسمح له بمداواتهم.
جميعهم يعانون السرطان
رغم صغر سن أبو عمشة فإن الهموم التي لا تزال تغطي وجهها أعطتها عمرا اضافيا فهي منهكة الجسد طوال الوقت لحيرتها بين توفير العلاج لها ولأطفالها.
تروي حكايتها بكلمات مقتضبة قائلة: "بعد استشهاد زوجي الأول تزوجت رجلا يكبرني بسنوات وأنجبت منه ثلاثة أطفال جميعهم يعانون من السرطان"، مضيفة: "لم يحتمل زوجي تبعات المرض الذي نعيشه فطلقني بعدما تنازلت له عن حقوقي الشرعية".
وتضيف وهي تحتضن طفلتها الكبيرة ذات السنوات الست: "والدهم يرفض دفع نفقة الاولاد فهو لا يريدهم، وحين أذهب إليه لأضعه تحت الأمر الواقع يرميهم في الشارع ويرجعهم إلي".
اشتكت أبو عمشة كثيرا للشرطة لكن دون جدوى كما أدلت خلال حديثها، موضحة أنها حاولت كثيرا الانتحار لتتخلص من حياتها رغم إدراكها أن ما تفعله تحرمه الشريعة الاسلامية.
وتتابع بنبرة الألم: "أشعر بالضيق حين يتوجع أبنائي ولا أستطيع فعل شيء لهم، لدرجة أنني أمسك الشفرة لتمزيق شراييني لارتاح من حياتي الصعبة".
وذكرت أنها طرقت كثيرا أبواب جمعيات الايتام من أجل مساعدتها في علاج أطفالها وتحسين ظروفهم المعيشية لكن دوما كان ردهم "هما مش أيتام"، مشيرة إلى أن وضع أبنائها كالأيتام فوالدهم موجود ولا يعترف بهم.
أطفالها جميعا خرجوا إلى الحياة بمرضهم يحاولون التعايش معه، فالظروف احيانا تجعلهم اكبر من سنهم وتدفعهم ليحلموا بعيشة أفضل، فطفلها الصغير الذي يبلغ ثلاث سنوات اصيب بمرض نفسي نتيجة المشكلات التي يعانيها، فوالده يقذف به إلى الشارع ووالدته لم تعد تتحمل حياتها فهي مصابة بسرطان في رأسها.
أما طفلتها الكبيرة التي من المفترض أن تلتحق بالصف الأول الابتدائي لاتزال تجهل ابجديات الكتابة فهي لم يمض على وجودها في الروضة شهر واحد وعايرها زملاؤها بـ "العورة" وقتئذ اعلنت انسحابها بالبكاء كما قالت والدتها.
سرطان في عينها
"كيس طحين وعلبة لحمة وزجاجة سيرج" مؤونة الأم أبو عمشة التي تحصل عليها من وكالة الغوث طوال الشهر لسد رمق أطفالها المرضى، إلى جانب القليل من المواد الغذائية التي تظفر بها من حين لآخر عبر الجمعيات الخيرية التي قليلا ما تساعدها رغم وضعها السيئ.
خلال اجراء المقابلة جلست صغيرتها التي تعاني من سرطان في رأسها وعينها وسط كوم من الغسيل المتسخ تلعب بدميتها الممزقة وتنصت لحديث والدتها حتى قاطعتها بالقول: "نفسي أروح المدرسة والبنات ما ينادوني "بالعورة"، متابعة: بدي أحرق حالي عشان أرتاح.
جملتها الاخيرة بحسب والدتها دوما ترددها الصغيرة حين تصطحبها إلى والدها الذي يرفض بقاءهم لديه، مبينة أن اطفالها رغم صغر سنهم فان معاناتهم جعلتهم كبارا .
وتخشى الأم أبو عمشة اجراء عمليتها واستئصال الورم الخبيث الذي في رأسها، مشيرة الى ان تلك العملية قد تفقدها حياتها وتجعل صغارها في الشارع دون معيل.
وتناشد اصحاب الضمائر الحية بمساعدتها ومنع تكاثر الامراض من المسكن الذي يفتقد لأدني مقومات المعيشة، فالملابس والفراش بالية.