لماذا ابتسمت وهي تودع زوجها الشهيد ونجلها إسلام؟
لا شيء يضاهي حضنها له ودمعاتها فوق جبين روح قلبها، لا شيء يساوي ضحكاتها حين سمعته يهمس: "جايين ناخدك يا ماما معنا بعد شوي ما تحزني وما تبكي".
قالت: "يا معتز لا تتهنا بالجنة وأنا مش معك ولا بصحبتك يا معتز لا تتركني بناري أبكيكما لوحدي" تضيف لفلذة كبدها إسلام بعد أن انتشلوه من أحضانها: "حبيبي إسلام ما تنسوني احكي لبابا يطلب من الله ان يجمعني بكم".
تنقلت نظراتها الدامعة من قلبها وعيونها بين حجابها الذي يحمل دماء صغيرها وبين النساء الباكيات الصارخات، قالت: "لو سمحتو ما حدا يصرخ على زوجي وابني، إني أحسبهم عند الله شهداء".
على الأرض كادت تقع فلم تقع، لقد تماسكت ومشت ومن ثم انهارت، جاءها بشير يقول لها هلمي ضعي حجابك ستقرئين زوجك التحية، سارعت ولكنها عادت لتجلس فالجميع لم يرغب بوداع الزوجة لأشلاء زوجها المتفحمة ولكنهم لم يبخلوا عليها بدقائق من حضن قوي لابنها اسلام الذي يحل يوم ميلاده للعام الثالث في التاسع من الشهر القادم، لم يستطع أحد أن يسمع همساتها ولكنه شاهد شيئاً ما أشبه بابتسامة خفيفة.
لقد وعدها صغيرها أن الله سيجمعهم قريبا في جنات الخلد، فهنيئاً لهم جميعاً.
في بيت الشهداء معتز باسل قريقع وابنه الشهيد إسلام- عامان- وشقيقه الطبيب منذر قريقع هرول الجميع يحفون الشهداء ويحملون نعشين، ليوضع الطفل بجوار والده بالنعش غلبت على الجميع الأحزان وفي قلبيهما هما الاثنتان كانت الدموع أقل شيء يمكن أن تعبران فيه عن أحباء قلبيهما اللذين لم يكملا رمضان ولن يستقبلا العيد ولن يأكلا الكعك، يا ترى هل كان ابنك إسلام يحب الكعك؟.
"تعالي يا ماما ما تحزني وانت يا روح ماما وينك ما أزكى سنانك الحلوين" هكذا داعبت زوجة الشهيد الطبيب منذر طفليها باسل ويارا، لقد مسحت دموعها وفتحت قلبها الذي يدق، يخفق بعنف- سأكمل المسيرة وحدي ولن أنساك.
"نضبت الكلمات يا أعزائي- جف الحبر وجفت الدموع من مآقينا، إنهم لن يكونوا امواتاً هم شهداء في الفردوس الأعلى، شكرا لبني إسرائيل الذين يهدون للجنة أحباءنا وهم لا يعلمون" هكذا قالت إحدى السيدات قريبات العائلة.
جدتهم أوضحت وقالت ترتجف من الحيرة والحزن:" يا بنتي هادا ولد صغير شو عمل ضد إسرائيل، هو كان يحمل سلاح ولا شو؟ لقد وقع وكان بحاجة لغرزة بسيطة في فكه فكان نصيبه الشهادة هو وعمه الطبيب ووالده" مضيفة :" حسبي الله ونعم الوكيل".
الجنازة المهيبة التي شيعت الشهداء الثلاثة من مشفى الشفاء إلى منزل الشهداء بالشجاعية وصلاة الجنازة بجامع العمري الكبير كانت تضج بالقول أن الانتقام قادم، في ذات الوقت الذي سارت فيه جنازتي شهيدين شمال ووسط قطاع غزة.