المنع من السفر كابوس يطارد الأسرى المحررين ويمنعهم من العلاج والدراسة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
ما أن يلبث الأسير المحرر الخروج من سجنه الصغير المكون من أربعة جدران حتى ينتقل إلى سجن كبير حدوده بعض المدن الفلسطينية، في هذه الحالة يتحول المنع من السفر من قبل سلطات الاحتلال إلى كابوس يطارد مخيلة الأسرى المحررين ويمنعهم من العلاج وإكمال دراستهم الجامعية أو حتى مجرد زيارة الأقارب أو أداء مناسك العمرة والحج.
في هذا التقرير ترصد مؤسسة التضامن لحقوق الإنسان معاناة بعض الأسرى المحررين الذين تتشابه معاناتهم مع معاناة غيرهم من عشرات وربما مئات الأسرى الذين منعهم الاحتلال من السفر خارج الأراضي الفلسطينية بدواع أمنية وحجج مختلفة.
العلاج محرم
الأسير المحرر حامد اسعد الكوني (36 عاما) من مدينة نابلس، يحدثنا عن معاناته بعد أن منعه الاحتلال من السفر إلى ألمانيا من اجل إجراء عملية جراحية معقدة في ظهره، فيقول:" في العام 1994 تعرضت لجولات تعذيب شديدة وقاسية على يد محققي الاحتلال استمرت لأكثر من (50 يوما ) في سجن نابلس المركزي ولم يكن يتجاوز عمري في تلك الفترة (17 عاما).
ويضيف الكوني وهو متكئ على عكازيه:" نتيجة التحقيق المتواصل والضرب الشديد على الرأس والظهر، حصل عندي مشكلة في النخاع الشوكي، ما أدى لحدوث شلل جزئي في الرجل اليسرى".
وتابع: "في العام 2007 أعاد الاحتلال اعتقالي لمدة (26 شهرا) إداريا تفاقم خلالها وضعي الصحي نتيجة الإهمال الطبي، وبعد خروجي من السجن سمح لي الاحتلال بالمغادرة إلى الأردن للعلاج، وبعد أن أمضيت قرابة الشهرين هناك ذكر الأطباء المشرفين على حالتي أنهم لن يستطيعوا فعل شيء لي بسبب عدم توفر الإمكانيات الطبية لديهم، لذلك عدت إلى الضفة الغربية".
ويكمل الكوني:"بعد جوالات عديدة من العلاج والتردد على الأطباء المختصين في الضفة الغريبة ذكروا أنني بحاجة إلى إجراء عملية جراحية معقدة، وان هذه العملية يمكن إجرائها إلا في ألمانيا".
على اثر هذه التوصية حزم الكوني أمتعته وتوجه إلى معبر الكرامة، عندها كان الاحتلال له بالمرصاد وأعادوه ثلاث مرات من حيث أتى ومنعه من السفر بالرغم من جميع التقارير الطبية التي كانت بحوزته.
وأضاف الكوني:"في المرات الثلاث التي حاولت بها السفر إلى الخارج كان رد سلطات الاحتلال أنني أشكل خطرا على أمنه، مع أنني لا أقوى على الحركة، وبحاجة لإجراء عملية قطع في منطقة النخاع الشوكي واستئصال قطعة لحمية، إضافة لوجود غضروف في الرقبة، وغضروف آخر بين الفقرتين الرابعة والخامسة من العمود الفقري".
التعليم على قائمة الممنوعات
أما الصحفي والأسير المحرر معاذ مشعل من رام الله وصاحب شعار "من حقي أن أسافر" فكانت له حكاية أخرى مع المنع من السفر، فيقول:" حاولت السفر إلى الأردن أكثر من 4 مرات من اجل إكمال دراستي في مجال الإعلام وفي كل مرة كان الاحتلال يمنعني من ذلك بحجة أنني أشكل خطرا على أمنه في الخارج".
ويتابع مشعل:"هذا انتهاك واضح بحق الأسرى، فبعد أن أمضيت أكثر من ثلاث سنوات في السجون يأتي الاحتلال ويمنعني من إكمال المسيرة التعليمية، ألهذا الحد أصبحت الدراسة على لائحة الإرهاب؟".
ويشكك مشعل في نوايا الاحتلال تجاه هذه الخطوة، حيث يقول:"قبل شهرين استدعتني وكالة الأناضول التي اعمل بها لحضور دورة تدريبية في مجال الإعلام في تركيا، عندها منعني الاحتلال مجددا من السفر، لذلك أنا أفسر أن ما يحدث مع الأسرى المحررين هو عملية قهر متواصلة بحقهم بغرض عزلهم عن العالم الخارجي ومنعهم من ممارسة حياتهم كما ولو أنهم لا زالوا داخل السجون".
وفي السياق ذاته، يشير الأسير المحرر وطالب الإعلام في الكلية العصرية في رام الله عمار اسعد من نابلس والذي أمضى (8 سنوات) في سجون الاحتلال، إلى أن جهاز الشاباك الإسرائيلي منعه من السفر لإكمال دراسته في اسبانيا، بحجة خشيتهم من تجديد نشاطي التنظيمي خارج الأراضي الفلسطينية"، ويتساءل اسعد:"هل حقا يوجد تنظيمات فلسطينية في اسبانيا لانخرط في صفوفها ضد الاحتلال؟".
ويتابع في حديثه للتضامن:"بعد خروجي من السجن عام 2011، جهزت نفسي للسفر عبر الأردن، وإذا بالاحتلال يعتقلني على المعبر لأربعة أشهر ويعيدني إلى السجن من جديد".
وبعد محاولات عديدة لاسترجاع حقه في السفر يقول:"توجهت إلى المؤسسة الحقوقية الإسرائيلية "هموكيد" لمتابعة القضية من خلال محكمة العدل العليا الإسرائيلية، إلى أن المحكمة رفضت الطلب وتم سحب الالتماس".
وفي هذا الإطار يشير الباحث في مؤسسة التضامن احمد البيتاوي إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تعاقب الأسير الفلسطيني مرتين على مخالفة واحدة، فهي لا تكتف باعتقاله لسنوات بل وتمنه أيضا من السفر وإكمال حياته الطبيعية.
ويؤكد على أن حرية الحركة والتنقل تُعتبر احد أهم الحقوق الطبيعة للإنسان ومن واجب الدولة المحتلة احترام الاتفاقيات الدولية التي تقر هذا الحق، غير أن الاحتلال لا يعير هذه الاتفاقيات أي اهتمام.
ويتساءل:" ما هو الخطر الأمني على دولة الاحتلال الذي يمكن أن يشكله إنسان يرغب بالعلاج خارج الأراضي الفلسطينية أو إكمال تعليمه الجامعي أو زيارة أقاربه أو أداء مناسك الحج أو العمرة.. هذه الإجراءات تشبه إلى حد كبير ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها الأسرى فوق معاناتهم داخل سجون الاحتلال".