عمال فلسطينيون من مناطق 1967 عن 5 حزيران: نعيش نكسة متواصلة والأهم أن نجد لقمة العيش
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
رفع هاشم وأشرف وخالد وأمجد، وجميعهم شبان فلسطينيون من محافظة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة يعملون في ورشة بناء في مدينة شفاعمرو داخل "الخط الأخضر" (إسرائيل)، حواجبهم مستغربين السؤال البديهي عن تاريخ 5 حزيران الذي يصادف اليوم، وما إذا كان يعني لهم شيئاً. كانت الإجابة بسيطة: "غداً (اليوم) الخامس من حزيران لا أكثر".
وماذا أيضاً؟ نظر الواحد إلى الآخر متسائلاً ماذا يريد السائل منا. صمتوا حتى فطن أمجد بأن هذا التاريخ هو "ذكرى النكبة". صححتُه بالقول إنها ذكرى نكسة عام 1967، فتدخّل أكبرهم، هاشم (37 عاماً، وهو متزوج وأب لطفلين) ليقول مع ابتسامة مريرة: "نكسة، نكبة، لا فرق. نحن في نكبة ونكسة مستمرتين... التاريخ 5 حزيران مجرد ذكرى قد تعني شيئاً لمن عاشها مثل والدي، لكن بالنسبة الي، كل يوم منذ ذلك التاريخ هو يوم تنكيل وتشريد وقتل ومآسٍ".
والشبان الأربعة، مثلهم مثل آلاف الفلسطينيين من أنحاء الضفة الذين وجدوا في البلدات العربية داخل إسرائيل "مكان عمل" يوفر لهم لقمة العيش وقسط التعليم للراغبين في إكمال دراستهم الأكاديمية، يُعرضون أنفسهم للسجن والطرد إلى بلداتهم في غياب تصاريح عمل رسمية، ومستعدّون لتحمل ملاحقة الشرطة الإسرائيلية لهم "لأن الخيار الآخر أسوأ، البطالة أو الأجر الزهيد"، كما يقول هاشم.
وتعتبر أشهر الربيع والصيف الفترة المناسبة للعمل داخل إسرائيل في أعمال بناء مختلفة. يأتون إليها عبر طرق جبلية ووعرة لا يرقبها جيش الاحتلال. يقول خالد (21 عاماً): "جئت قبل شهر بعد أن أوقفت دراستي في موضوع محاسبة شركات في جامعة القدس ... أنهيت فصلاً وجئت لأعمل لأوفر قسط التعليم لفصل آخر... لا خيار آخر أمامي".
وهذا حال أمجد أيضاً الذي يدرس موضوع الإلكترونيات في كلية أكاديمية في نابلس حيث القسط المطلوب مضاعَف. أما هاشم، فدرس "التصميم المعماري" في دولة أوروبية، وعاد إلى الوطن إبان الانتفاضة فوجد مكاتب "التصميم المعماري" مغلقة. وعندما هدأ الوضع وبحث عن مكتب للتدرب فيه، بُلّغ أن عليه التدرب ثلاث سنوات من دون أجر حتى ينال عضوية نقابة المصممين المعماريين. جرد هاشم حساباته فوجد أن العمل في طلاء المباني يدر عليه أضعاف ما يمكن أن يتلقاه كمصمم معماري أجير، قائلا: "ربما مكانة المصمم المعماري الاجتماعية أفضل من عامل، لكنني بحاجة إلى توفير لقمة العيش الكريم لزوجتي وطفليَّ".
وتحدث هاشم عن "مسلسل الرعب" الذي يعيشه العامل من الضفة داخل إسرائيل، وقال: "صحيح أننا نربح ضعفيْ ما يربحه العامل في الضفة، لكننا نعاني ملاحقة الشرطة... على مدار الساعة عيوننا تتجه للشارع المحاذي لورشة العمل لنكون مستعدين للهرب في حال وصلت الشرطة".
ويبدأ يوم العمل للعامل الفلسطيني في إسرائيل الساعة السابعة صباحاً وينتهي في العادة مع حلول الظلام، كل ذلك مقابل 150 -200 شيكل (نحو 50 دولاراً)، ثم يعود إلى بيوت مستأجرة سراً للمبيت. يقول هاشم: "ننام 18 عاملاً في غرفة واحدة محكمة الإغلاق لا نافذة واحدة فيها... في الليل أيضاً نخاف المداهمة... ومع ذلك، أكرر وأقول إن هذه المعاناة نتحملها لقاء مدخول مادي جيد، وللحقيقة فإن أوضاعنا، على رغم متاعبها، أفضل من أوضاعنا كعمال داخل الضفة".
عدت لسؤاله عن ذكرى النكسة، فردّ قائلاً: "نحن أحفاد من ذاقوا مأساة النكبة، وأبناء ما عاشوا النكسة... أكثر من نصف شعبنا يعيش اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأنا أعيش في منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، لكن الوضع ليس أفضل أبداً... لا اقتصادياً ولا اجتماعياً... السلطة أصبحت العصا الإسرائيلية ضدنا لإخماد الشارع الفلسطيني... لا فرص عمل حقيقية... الطبيب الذي قضى سبع سنوات من عمره في الدراسة بالكاد يتقاضى 800 دولار، بينما العميد أو العقيد المتقاعد يتقاضى أضعاف هذا المبلغ".
هاشم ليس متفائلاً بالمستقبل. منذ فترة يسعى الى الحصول على جنسية في دولة أوروبية تزوج من إحدى بناتها: "الجنسية مهمة لتأمين مستقبل أولادي... عدد كبير من أترابي هاجروا من البلد بحثاً عن جنسية أوروبية... ابن عمي باع أرضه ليدفع ثمن الحصول على جنسية... من قريتي غادرت العشرات متوجهة إلى المانيا والسويد وإسبانيا... هذه هي النكسة المتواصلة التي نعيشها".