'شـــــــــــــطب' الحياة - حمزة الحطاب
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عبثاً يحاول محمد ابن السنة الواحدة العثور على شقيقه يوسف، بعد ثمانية ايام من الغياب، ولا يعي أن شقيقه غيّب الى الأبد تحت التراب، وتحت عجلات مركبة غير قانونية وسائق منحه الناس بجدارة لقب قاتل.
يقول طارق النمورة والد الطفلين: 'منذ حادث وفاة طفلي الأكبر يوسف، ومحمد لا يتوقف عن البكاء. يبحث في وجوه الحضور وبأركان المنزل عن شقيقه يوسف'.
لو كتب القدر ليوسف البقاء، لأكمل في الشتاء القادم عامه الخامس، وكذلك الطفلة حلا أبو عرام، لو بقيت على قيد الحياة لأصبح لها العديد من زميلات الدراسه، لكن انتشار المركبات غير القانونية المهربة من إسرائيل جعل الحياة مستحيلة بالنسبة لهؤلاء الأطفال.
بحرقة يتحدث عيسى ابو عرام عن الحادث الذي أودى بحياة حفيدته حلا، إذ كان فاجعة حلت بالعائلة. حلا كانت قريبة من قلوب الجميع، وبتصرفاتها التلقائية البريئة أدخلت البهجة لقلوب أفراد عائلتها. ذهبت حلا لبيت عمها المجاور واصطحبت معها أبناء عمها لشراء بعض السكاكر. في الطريق طلبت من ابنة عمها أن تحرص على شقيقها الصغير من خطر الطريق الذي هموا بقطعه، وما أن وطأت قدمها الإسفلت دهستها مركبة مسرعة سلك سائقها المسار المعاكس، فطارت بالهواء مسافة تزيد على 15 متراً. السائق وهو شاب قاصر دون 18 عاماً حاول الفرار لولا تدخل صاحب البقالة التي وقع الحادث أمامها. حلا ماتت قبل الوصول للمستشفى.
'صغيري كان يعلم أن الشارع خطر يستوجب الحذر'، قالت آلاء والدة الطفل يوسف النمورة، مستدركة: 'طفلي لم يكن يعبر الطريق دون مرافق. كان يخشى ذلك، وكان ينهى شقيقه وأبناء عمومته من الاقتراب من الشارع. السرعة الزائدة وعدم الرقابة، وضياع المسؤولية، هي عوامل تسببت بموت يوسف'.
المركبات غير القانونية المتعارف عليها 'بسيارات الشطب' أو تلك المسروقة، تستخدم بكثرة في بلدات وقرى وأرياف محافظة الخليل، إذ باتت وسيلة نقل للمواطنين بتكاليف أقلّ.
يقول عيسى السنايدة سائق مركبة غير قانونية تعمل على نقل الركاب: 'نعم .. أعمل علي سيارة غير قانونية مشطوبة، ولكن أنا بأمس الحاجة لمصدر دخل كوني ممنوع من العمل في إسرائيل. أطالب الحكومة الفلسطينية بتوفير فرص عمل للشباب، قبل إجبارنا على التخلص من هذه المركبات التي تعيل عدة عائلات. في حال حققت الحكومة ذلك سأكون أول من يسلم مركبته ويتخلص منها'.
السنايدة يعي أنه يشكل خطراً على من يسيرون في الطرقات، وعلى من يستقل سيارته للوصول إلى مبتغاه، فلولا قدّر الله وقع حادث سير سيعني أن حياته قد تدمرت نهائياً، كما أن ليس بمقدوره شراء سيارة قانونية بمبلغ لا يقل عن 40 ألف شيقل، فهو لا يملك ذلك المبلغ.
مدينة يطا -التجمع الثالث من حيث الكثافة السكانية في فلسطين- تعاني الأمرين من انتشار المركبات غير القانونية، التي تخلق أزمة مرورية، وتستخدم من قبل شباب قصّر، وتتسبب في مشاكل اجتماعية متشعبة، تلك المدينة لا تتوفر فيها شرطة مرور حسب رئيس البلدية.
يقول موسى مخامرة رئيس بلدية يطا: 'السيارات المشطوبة ظاهرة خطيرة جدا في المدينة لعدة أسباب، من أبرزها تعريض حياة المواطنين للخطر. خلال شهر أيار (مايو) الماضي وقعت أربعة حوادث، نجم عنها حالة وفاة، هذا فضلاً عن مساهمة تلك المركبات في الازدحامات المرورية'.
ويبين أن الشرطة يصعب عليها تتبع المركبات غير القانونية، لأن غالبيتها لا تحمل لوحات تسجيل، وتكون مجهولة الهوية، وبالتالي فقد اصبحت اداة سهلة في ارتكاب كثير من المخالفات إن كان بحق المواطنين وممتلكاتهم أو بحق قانون السير، ما يستدعي زيادة عدد أفراد الشرطة في يطا، خاصة في ظل مشهدٍ يتكرر بشكل يومي، وهو وصول عدة شاحنات نقل على متنها السيارات غير القانونية.
وفي مسعى لإنهاء هذه الظاهرة، كشف مخامرة أن البلدية تعمل على تشغيل خط حافلات على الشارع الرئيس الرابط بين يطا والخليل، وخطوط مواصلات داخلية مباشرة، كون البلدة كبيرة جدا ومترامية الأطراف.
في الخليل، 45 ألف مركبة قانونية يقابلها نصف الرقم تقريباً من المركبات غير القانونية، تخضع لمسؤولية 60 فردا من شرطة المرور، يعملون بكافة أرجاء المحافظة.
الرائد فؤاد أبو عرقوب مدير إدارة شرطة المرور في الخليل، يرى أن الأراضي الفلسطينية أصبحت سوقاً للمركبات غير القانونية في إسرائيل، بحجة استخدامها لقطع الغيار ولبيع ما يتبقى ككتل حديدية و'خردة'، ويؤكد أن عدد أفراد الشرطة غير كافٍ لمواجهة مثل هذه الظاهرة، حيث شهدت السنوات الأخيرة قلة في التجنيد تزامن مع تقاعد عدد كبير من العناصر وترقية آخرين.
ويضيف: 'لدينا في الخليل 45 الف مركبة مسجلة بشكل قانوني، وعندما يصل عدد المركبات غير القانونية إلى نصف هذا الرقم تقريباً؛ فهذا يعني إرهاق المواقف والشوارع والخطوط، هذا فضلاً عن المئات من السيارات التي يتم ضبطها وتدميرها'.
وبخصوص الحوادث التي تسببها المركبات غير القانونية يقول أبو عرقوب، 'نسبة الحوادث التي تتسبب أو تشترك بها السيارات المشطوبة تصل من 4.5% إلى 5%. تلك المركبات تكثر في مناطق يصعب السيطرة عليها من قبل الشرطة الفلسطينية لتشعب مداخلها وعدم خضوعها للسيطرة الأمنية الفلسطينية. وهناك من يقوم بالقيادة بلوحات أرقام مزيفة وتتغير باستمرار، ولكن التعاون مع الموطنين وخاصة بالآونة الاخيرة بالإبلاغ عن هذه المركبات شهد تقدماً ملحوظاً'.
مركبة غير قانونية سائق لا يملك رخصة قيادة، قاصر يقود مركبة، معادلة الموت السريع للاطفال.