"غرفة الموت".. ليلة على حاجز ترقوميا!
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
نشرت صحيفة هآرتس العبرية، امس الخميس، تقريرا مطولا عن المعاناة الكبيرة التي تتسبب بها قوات الاحتلال على حاجز ترقوميا الذي يُعد أهم المعابر التي يمر بها العمال الفلسطينيين في طريقهم للعمل داخل إسرائيل، وقالت إن وزارة الجيش الإسرائيلية تصفه بأنه "المنظومة الأكثر إنسانية في مجال المعابر".
وقالت الصحفية اليسارية "عميره هاس" في تقريرها المطول: "يحتاج الفلسطينيون من الضفة الغربية الذين يملكون تصاريح دخول لإسرائيل للمرور بـ 11 حاجزا تتحمل المسؤولية عنها مديرية المعابر في وزارة الدفاع، وتقوم بالتفتيش الأمني شركتان خاصتان هما (ثلج- أبيض) في جنوب الضفة، و (موديعين إزراحي) في الوسط والشمال، ويدخل عبر هذه الحواجز أكثر من 25 ألف فلسطيني يومياً".
وتضيف: "عدد الفلسطينيين الذين يمرون بحاجز ترقوميا هو الأعلى بين جميع الحواجز، فبين الرابعة والسابعة صباحا، يمر من 4 إلى 5 آلاف فلسطيني، حيث يخرج عمال الزراعة أولا، ثم عمال البناء، ومن ثم يخرج تجار آخرون، وعاملات فلسطينيات .. 50 مفتشة ومفتشا من شركة (ثلج- أبيض) يعملون في مراكز التفتيش المختلفة، في هذا الحاجز، ويضاف إليهم عدد من رجال الحراسة المسلحين، من أفراد وزارة الدفاع، والذين يتجولون في الحاجز مع فريق الإدارة أيضا".
وتتابع: "الأحد الماضي كان التنقل عبر حاجز ترقوميا، من الأيام الرائعة جدا للعمال الفلسطينيين .. أثنى العمال على سرعة مرورهم فجر ذاك اليوم من الأقفاص الحديدية والأبواب الدوارة، وتمنوا أن يكون هذا كل يوم، لكنهم عبروا عن خشيتهم أن يكون ذلك بسبب وجود صحيفة هآرتس ورقابة الحواجز".
ووفقا للصحفية هاس، فإن حسابات المراقبين المستقلين، تبين أن مدة مرور الفرد من نقطة بدء الحاجز، وحتى الخروج إلى باحة السفر، تصل من 28 دقيقة، وفي أيام أخرى تصل إلى 71 دقيقة للشخص الواحد، كما تم قياس ذلك في 26 آيار/ مايو الماضي، فيما يقول مسؤول أمني إسرائيلي: إن مدة المرور فقط تصل لسبع دقائق في المعدل لكل شخص.. وإن التغيير الذي تتحدثون عنه، هو ثمرة خيال العمال فقط لأن الوضع دائما جيد والمرور سريع وسهل دائما".
ويشتكى العمال الفلسطينيين من صعوبة المرور عبر الحاجز، ويصفه أحد العمال بانه "أصبح عذابا حقيقيا .. هناك ازدحام واكتظاظ إلى درجة صعوبة التنفس، وأناس يصابون بجروح، بسبب الزحام، بل يوجد من يُغمي عليهم".
وتقول الصحفية هاس: "جاء أفراد رقابة الحواجز إلى الحاجز في يوم الأحد، وتحدثوا إلى العمال، وكتبوا بشكل مفصل شكاوى العمال إلى مديرية المعابر .. وتنفي وزارة الدفاع روايات العمال حول الزحام والاكتظاظ، لكن صورا تم التقاطها سرا تظهر أناسا محشورين في داخل الفراغات المحاطة بالقضبان المختلفة في داخل الحاجز، ويتسلقون الشبك الحديدي، ويتعلقون به أو يقفون على أرضية ضيقة مرتفعة في داخل المنطقة، إما لتنفس الهواء وإما للقفز إلى مقدمة الصف في اللحظة التي تُفتح فيها الأبواب الدوارة".
وتصف الصحفية عميره هاس، اللحظات العصيبة على معبر ترقوميا، وتقول: "في يوم الأحد وصلنا إلى الحاجز في الثالثة فجرا، وكان يقف في الصف نحو 100 فلسطيني خارج منطقة الحاجز، وبضع عشرات اجتمعوا في مكان انتظار محاط بصفيح، وهم يستلقون ويجلسون على قطع من الورق المقوى .. جاؤوا قبل الثانية بعد منتصف الليل، قاصدين أن يكونوا أول من يدخلون منطقة التفتيش، وفي الثالثة وأربعين دقيقة، قاموا واحتلوا أماكنهم في (الكُم) وهو قفص معوج، يصل بالصف إلى الباب الدوار، وهو الأول بين خمسة على الأقل، يمر منها كل شخص إلى أن يخرج من الحاجز"
وتتابع: "في الساعة الثالثة وخمسين دقيقة ضغط شخص م،ا زرا ففتح الباب الدوار الأول، وتقدم الصف في الخارج سريعا، ووقف فجأة، ففي فراغ الانتظار الثاني بين الباب الدوار الأول والباب الدوار الثاني، اجتمع بضع عشرات من العمال، وفي فراغ الانتظار هذا، وهو مُشبك محاط بالصفيح أيضا، غرفة رقابة، ويمكن أن تلاحظ من خلال الزجاج القاتم، ألواحا وأزرارا، ومشغلا أو اثنين، ورجلا مع بندقية طويلة، وركبت في السقف آلات تصوير. وقال أحد العمال انه ركبت أيضا أجهزة تنصت تنقل كل همسة إلى الموجودين في غرفة الرقابة، وتسمع توجيهات بين الفينة والأخرى بمكبرات الصوت".
وتضيف الكاتبة: "قُسمت المجموعة الأولى وسُيرت إلى بابين دوارين، يفضيان إلى فراغ ثالث، يتشعب إلى أربعة مسارات، في كل واحد منها باب الكترومغناطيسي، وآلة تصوير شفاف للحقائب والمحافظ، ولكل مسارين غرفة رقابة فيها نحو من خمسة مفتشين ومفتشات إلى ستة، وبعد ذلك تأتي مواقع تفتيش بطاقات الهوية ثم موقع التفتيش البيومتري لبصمات الأصابع، ويوجد بابان آخران يفصلان بين الحاجز والباحة التي ينتظر فيها العمال نقلهم إلى العمل".
وتواصل "يبدو أن السر هو في وقت الانتظار بين فتح باب دوار وآخر، وبين الانتظار بين كل محطة تفتيش وأخرى .. يقول العمال أن المفتشات والمفتشين في الأيام السيئة يلتهون ببساطة في غرف رقابتهم، ويتأخرون في تفتيش البطاقات ويدعون مجموعة الانتظار الثانية تنتظر إلى أن يخرج آخر شخص من المجموعة التي قبلها من محطة التفتيش، ويتضاحكون بينهم .. وينفي الإسرائيليون ذلك".
وتشير الصحفية "هاس" إلى العمل بآلة "رنتغن" لتصوير الجسم، فتقول: "وفقا لمعايير لا يعرفها العمال يوجه المفتشون والمفتشات عددا منهم للعمل على آلة رنتغن، ويتقدمون إليها عن طريق غرفة انتظار مغلقة، أغلقت بباب من الحديد، كما وأنها في ملجأ، ويجمع المفتشون والمفتشات عدة أشخاص في الغرفة المغلقة ثم ينقلونهم ليصوروا بالآلة، وقد قيل لأفراد جهاز رقابة الحواجز، إنه يُجمع هناك في الأكثر 12 شخصا، فيما يقول العمال الفلسطينيون، انه يتم جمعهم في مجموعات تشمل بين 20 إلى 40 وينتظرون هناك نوبة تصويرهم بالآلة، التي لا يعلمون مبلغ خطر إشعاعها على صحتهم".
ويقول فلسطيني يبلغ من العمر 50 عاما، التقت به هآرتس يوم الأحد الماضي، وهو يبكي بعد خروجه من غرفة الموت، التي أضاعت عليه فرصة السفر بسبب تأخره عن السيارة التي كانت ستقله لعمله: "يُطلب مني الدخول والخروج لآلة التصوير أربع مرات، ويطلب مني في نهاية الأمر أن أخلع ملابسي وأقضي ساعة هناك" . ويقول عمال آخرون: إنه طلب منهم أن يدخلوا الآلة ويخرجوا عدة مرات، وفي تلك الأوقات يكون العمال الآخرين في الغرفة المغلقة يطلبون الهواء ليتنفسوا.
وتدعي وزارة الدفاع الإسرائيلية أن الإجراء عبر الآلة، لا يزيد عن 6 دقائق، وأنه أفضل من التفتيش الجسمي الذي يطول أكثر، وأن آلات الفحص سليمة وتجري عليها اختبارات سلامة كل يوم.
وتضيف الكاتبة الاسرائيلية هاس، وتقول: "في يوم الأحد الماضي، وصلتا نشيطتان من رقابة الحواجز، تحدثتا إلى أحد المفتشين، وطلبتا الاستيضاح بشأن الغرفة المغلقة، أُجيبتا "آه .. غرفة الموت"، فيما ينكرون في وزارة الدفاع أن يسمي المفتشون الغرفة المغلقة بهذا الاسم .. ومهما يكن الأمر فان الحبس والانتظار في هذه الغرفة المغلقة في وقوف مستمر أصبحا رعب الجميع.
وتختم الصحفية هاس تقريرها في هآرتس، وتقول: "في الثالثة والنصف فجرا، حينما كان طرف صف الانتظار الأخير، لا يُرى من بدايته، طلب داود ابن الثامنة والخمسين، وهو عامل بناء يعمل في إسرائيل منذ 35 سنة، أن يقول شيئا ما، فقال: "حينما يشترون سلعة يريدونها جديدة وصالحة، أما أنتم الإسرائيليين فتشترون قوة عملنا نحن الفلسطينيين، وتصل إليكم مستعملة ومتعبة".
نقلا عن القدس