عبد الهادي يعيش ..رسم للوجوه وتمرد على الواقع
وفا- ريم أبو لبن
قلم رصاص وأوراق بيضاء تتألف مع أنامل عبد الهادي يعيش(38 عاما) لتوثق حكايات شوارع وأرصفة مدينة رام الله راسمة وجوه المارين فيها فهذا الفنان التشكيلي يترجم بألوانه الخاصة تفاصيل تخفيها وجوه الأطفال والشباب والشيوخ والنساء من الناس البسطاء وحتى أصحاب المناصب السياسية.
يقول يعيش "خرجت إلى الشارع منذ أشهر من اجل العمل برسم وجوه الشخصيات المارة في شوارع المدينة فهذا المكان أصبح جزء من حياتي أسوق فيه سلعة نادرة الوجود وغريبة نوعا ما لبعض الناس وهناك البعض الأخر يقدرون هذا الفن ويحترموه".
موهبة الرسم امتلكها منذ كان طفلا في التاسعة من عمره عندها بدأ واحد أقربائه بتعليمه الرسم في اوقات فراغه، فمن طيارة صغيرة ترسم على دفتره المدرسي استطاع عبد الهادي ان يحلق بفنه ليستكمل الدراسة في معاهد خاصة في ايطاليا وأميركا وألان يمارس مهنته على الطريق بعد الانتهاء من عمله كمدرس للفن في مدرسة الانجيلية الأسقفية العربية في رام الله.
ويعبر عن حبه لعمله قائلا " وجودي في الشارع يعطيني الدفعة بالاحساس الرائع جدا في اظاهر موهبتي بكسب مهارات وخبرات وتعارف بيني وبين هؤلاء الناس الذين يبحثون دائما عني في هذا المكان لرسمهم اضافة الى ان هذا العمل هو مصدردخل لي ولاسرتي اذا يمكنني ان انجز معرضا كل عام ولكن هنا اقدم معرضا كل يوم وابيع فيه اعمالي."
الرسم على الأرصفة يراه يعيش مصدرا لتعزيز الوعي الثقافي والادراك الحسي داخل المجتمع الفلسطيني لكونه فنا خارج النص وغريبا عن المألوف كما عبر عنه بعض المارين، الذين يسترقون النظر الى الفنان عندما يجدل بقلمه خصلة فتاة صغيرة , وينظر احدهم اليها قائلا " لقد لفت فنه انتباهي كثيرا فهو شيء لم نعهد وجوده من قبل وخاصة على الطرقات فأنا ارى ان لديه موهبة يجب ان يحافظ عليها ويطورها ".
في حين عبرت مواطنة اخرى عن املها في ان يشارك فنانون اخرون عبد الهادي في الرسم على الشارع بقولها " ان كل دول العالم نشاهد فيها فنانين ورسامين يرسمون على الطرقات وهذا يعطي للبلد وجه حضارية وتقدم من الناحية الفنية ".
قلم رصاص وفنجان قهوة امتزجت رائحته بمقطوعة موسيقية داخل مرسمه الصغير هو كل ما يحتاجه بعد الهادي ليجسد في لوحاته قصصا فلسطينية، غالبا ما تكون فيها الصورة تمردا على الواقع وتحديا للامكانات المتاحة، كما في لوحة المتمردة التي يمسك بها يعيش مقدما شرحا عنها بقوله " هي لوحة تعالج قضية الشعب الفلسطيني المتمرد على الواقع السياسي والانساني المعاش فهي تحتوي على سبع لوحات في لوحة واحده وهنا تمردت عليها ومزقتها لاني بشعر اني جسد فلسطيني ممزق يبحث عن الحرية رافضة كل القرارات المجحفة بحقي فهي تختزل حكاية الشعب بكل ظروفه وحالته ".
المتمردة والتكوين اضافة الى دخان الملائكة ومجرزة غزة... كلها عناوين للوحات شارك فيها عبد الهادي في العديد من المعارض، وكل لوحة تسرد حكاية تمس الواقع مرسومة بتفاصيل واضحة المعالم فمن واقع المعاناة يولد الابداع.
ويلتفت يعيش للوحاته بحثا عن لوحة تعبر عن انتفاضة الاقصى في غزة، وهنا يجد لوحة لا تمحى من الذاكرة ويقول "عندما توجهت الى اميركا لم تكن ادوات الرسم بحوزتي لذا لجأت الى استخدام دهان الاحذية وقليل من التراب والقهوة وقمع سيجارة لاستطيع ان اعبرعن تكوين لوحة ل " محمد الدرة" الطفل الذي استشهد بين احضان والده فمن هذه الاشياء البسيطة استطعت اني ارسم هم كبير لحدث كبير ما زال يتبادر في اذهان الناس".
رسومات معلقة على الحائط تتناثر بكثرة لتحيي القضية الفلسطينية.. وفي الجانب الاخر كتابات شعرية تدون أسفل هذه اللوحات وكلها امتزجت بقلم عبد الهادي لتعبر عن ذاته.
يمتلك عبد الهادي اداه ذكية لبناء دولة فنية ثقافية، في مدينة تلجئ الى استعارة لوحات لرسامين غربين كما استضافت اكاديمة الفنون مؤخرا لوحة بيكاسو العالمية " بورتريه امراة " في حين يحلم يعيش بأن يصبح مثل هؤلاء المشاهير الذين لا زال التاريخ يسرد حكايتهم بعد رحيلهم.